“صراع معقد”.. لماذا تدعم إيران أرمينيا المسيحية ضد أذربيجان الشيعية بينما تقف تركيا معها؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/09/28 الساعة 14:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/01/27 الساعة 08:06 بتوقيت غرينتش
إيران منجازة لأرمينيا في صراعها مع أذربيجان رغم حيادها المعلن/رويترز

مع تزايد نذر تحول الصراع الأذربيجاني الأرميني لحرب، تبدو طهران أقرب لأرمينيا رغم إعلانها رسمياً الحياد، الأمر الذي يثير تساؤلاً هو: لماذا تؤيد إيران أرمينيا ضد أذربيجان الشيعية رغم أن سياسة طهران تقوم على أنها قائدة العالم الشيعي، وما هو سر مثلث علاقات إيران أذربيجان أرمينيا المعقد؟

كما تثار تساؤلات أخرى منها: لماذا تؤيد تركيا أذربيجان بهذا الحماس، بينما تقف روسيا مع أرمينيا وما موقف الولايات المتحدة وأوروبا من الصراع الأذربيجاني الأرميني؟

وحوالي 97٪ من سكان أذربيجان مسلمون، و85٪ من المسلمين هم من الشيعة، و15٪ من السنة؛ إذ إن جمهورية أذربيجان لديها ثاني أعلى نسبة من المسلمين الشيعة في أي بلد في العالم. 

وأذربيجان دولة علمانية، وفي استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب 2006-2008، ذكر 21٪ فقط من المشاركين من أذربيجان أن الدين جزء مهم من حياتهم اليومية.

وتقدم إيران نفسها كوسيط دوماً في النزاع، حيث جدد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عرض بلاده بالوساطة مؤخراً مع اندلاع المواجهات بين الجانبين، ولكن المراقبين يعتبرون موقف طهران أقرب إلى أرمينيا.

لماذا تؤيد إيران أرمينيا ضد أذربيجان الشيعية

لفهم المواقف الإيرانية والروسية والتركية والغربية من النزاع الأذربيجاني الأرميني حول إقليم ناغورنو كاراباخ يجب فهم الطبيعة المعقدة لأذربيجان جغرافياً التي أضيف لها عوامل سياسية وأخرى مرتبطة بصراع الطاقة في المنطقة.

تعتبر أذربيجان دولة وسطية بين إيران وتركيا وروسيا، جغرافياً وسياسياً وإثنياً وتاريخياً.

فأذربيجان كانت مهد الديانة الزرادشتية الديانة القومية للإمبراطوريات الفارسية قبل الإسلام، وكانت إقليماً مهماً على مدار تاريخ هذه الإمبراطوريات.

ولكن بعد الإسلام حدث تحول إثني مهم في تاريخ المنطقة، إذ تدفقت القبائل التركية على إيران من أسيا الوسطى حيث أسسوا دولاً مهمة في تاريخ البلاد، أهمها الدولة السلجوقية، التي كان معقلها إيران، وهي الدولة التي أدخلت الوجود التركي للأناضول.

وعلى مدار قرون طويلة في إيران الإسلامية كان الأتراك هم حكام وجنود الدول التي حكمت إيران، كما غيرت هجرة القبائل التركية تركيبة إيران الإثنية، وكان هذا أوضح ما يكون في أذربيجان، حيث اختلطت القبائل التركية مع السكان الأصليين، في عملية تتريك تدريجية مشابهة لما حدث في الأناضول، وأصبح الأذربيجانيون إحدى القوميات التركية يتحدثون لغة قريبة للتركية (عملية التحول الإثني من خلال الهجرة والاختلاط عملية شائعة نتج عنها معظم القوميات الحديثة من إنجلترا للعالم العربي مروراً بالمجر وتركيا).

ولكن مع تحول الأذربيجانيين إلى شعب تركي، ظلت البلاد جزءاً من الإمبراطوريات الفارسية المتعاقبة، وظل الأذربيجانيون نموذجاً للعلاقة المركبة بين الفرس والأتراك داخل إيران، حيث كان الأتراك يمثلون إما قبائل رعوية محاربة (مثل قبائل القاشقاي) أو نخبة عسكرية تحكم البلاد (الأتراك هم مؤسسو الإمبراطورية الصفوية ومن بعدها الكاجارية والقائد الإيراني الشهير نادر شاه كان من قبيلة تركية).

ولكن في حالة أذربيجان، حولت القبائل التركية السكان إلى القومية التركية.

ومع أن أغلب النخب العسكرية التركية التي حكمت إيران كانت سنية، إلا أن الصفويين أجبروا مجمل الإيرانيين على التحول للمذهب الشيعي بمن فيهم الأذربيجانيون في إطار المنافسة مع العثمانيين (الصفويون أنفسهم كانوا في الأصل قبائل تركية سنية تعيش في شمال إيران في أذربيجان ومناطق مجاورة).

ونتيجة لهذا التاريخ المعقد، فإن الأذربيجانيين الحاليين يمكن وصفهم بأنهم شعب تركي مرتبط بإيران، وكان في أغلب تاريخه جزءاً من الإمبراطوريات الفارسية ولكنهم حافظوا على مساحة كبيرة من الحكم الذاتي، كما أنهم شيعة مثل الإيرانيين.

وفي القرن التاسع عشر استولى الروس على مساحات كبيرة من أذربيجان، ضمن أراض واسعة كانت تابعة للإمبراطورية الكاجارية الإيرانية في القوقاز تشمل أجزاء من جورجيا وأرمينيا.

ولكن ظل هناك جزء كبير من أذربيجان تابع لإيران، حيث يمثل الأذربيجانيون حالياً نحو 16% من سكان إيران (إضافة إلى 2% قوميات تركية أخرى منتشرة في أماكن أخرى من إيران مثل القاشقاي والتركمان).

الأذربيجانيون يبتعدون عن طهران رغم أنهم القومية الثانية بإيران

ومع سنوات طويلة من الحكم السوفييتي الذي أضعف دور الدين في حياة الأذربيجانيين الخاضعين لحكم الشيوعية، ومع صعود الشعور القومي الآذري خاصة في مواجهة روسيا وبالأكثر أرمينيا، فإن المشاعر القومية الأذربيجانية باتت أقرب إلى أولاد عمومتهم في اللغة والقومية الأتراك (تعتبر اللغة الأذرية أقرب لغة من العائلة التركية إلى اللغة التركية الخاصة بتركيا).

 بالنسبة لكثير من القوميين في جمهورية أذربيجان المستقلة، فإن إيران لا تختلف كثيراً عن روسيا المحتل السابق أكثر من كونها الشقيق الشيعي الأكبر، باعتبار أن طهران تضم أجزاء من الوطن الأذربيجاني الواسع.

إيران من جانبها لديها أسباب للخوف من أذربيجان أقوى من باكو نفسها.

فالأذربيجانيون ليسوا مجرد إثنية عادية في إيران.

فهم أكبر قومية، في البلاد (16%) بعد الفرس الذين يمثلون 61% من سكان إيران، وقبل الأكراد الذين يمثلون 10%.

خريطة التوزيع الإثني في إيران توضح أماكن انتشار الأذربيجانيين ونسبتهم من السكان/ wikipedia

والأذربيجانيون ليسوا مجرد قومية حدودية كبيرة مهمشة كالأكراد أو العرب (2%) أو البلوش (2%)، أو ليسوا قومية تنتمي للمجموعة الإثنية الإيرانية ملحقة بالفرس مثل اللور 6%، أو الميزاندرين والجيلاكيين الذي فقدوا لغتهم الشبيهة بالفارسية وأصبحوا يتحدثون الفارسية.

فالأذربيجانيون في التراتبية الإيرانية هم الشعب الثاني بعد الفرس، حيث يحتلون مكانة مهمة في الدولة خاصة في التجارة أو الدين، إذ إن أغلبيتهم من الشيعة عكس الأكراد مثلاً (مرشد الثورة الإيرانية على خامنئي من أصول أذربيجانية)، والأقاليم الأذربيجانية في إيران من أكثر المناطق تقدماً من الناحية الحضرية والاقتصادية.

لكن هذه المكانة التي يحتلها الأذربيجانيون مشترطة بما يمكن أن نسميه الالتزام برواية الدولة الفارسية الرسمية للأذربيجانيين، باعتبارهم جزءاً من المنظومة الإيرانية وتاريخهم جزء من تاريخ إيران، وباعتبارهم قومية شيعية فارسية الأصول والثقافة مع تهميش البعد التركي في المكون الأذربيجاني والبعد الاستقلالي الذي ينظر لأذربيجان باعتبارها بلداً له تاريخه الذاتي.

فعلى سبيل المثال لا تحظى اللغة الأذربيجانية بوضع اللغة الرسمية في الأقاليم الأذربيجانية الإيرانية رغم أن عدد المتكلمين بها أكثر من المتكلمين بها في أذربيجان.

ومما يزيد من القلق الإيراني، وجود محاولة للاتحاد السوفييتي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية لفضل أذربيجان الإيرانية عن طهران، حيث رفض الاتحاد السوفييتي التخلي عن الأراضي الإيرانية التي احتلتها موسكو خلال الحرب العالمية الثانية.

وتحت رعاية سوفييتية، أعلن الإيرانيون الموالون للاتحاد السوفييتي انفصالهم عام 1946 تحت ما يعرف بجمهورية أذربيجان الشعبية . ولكن قادت المفاوضات التي قام بها رئيس الوزراء الإيراني في ذلك الوقت أحمد قوام والضغوط الدبلوماسية على السوفييت من قبل الولايات المتحدة إلى الانسحاب السوفييتي. وحل الدولتين الكردية والأذربيجانية المنفصلتين.

واعتبرت هذه الأزمة كواحدة من الصراعات المبكرة فيما عرف لاحقاً بالحرب الباردة التي أخذت في النمو منذ ذلك الحين.

بُعد ذلك انخرطت القوات الكردية والقوات الأذربيجانية الشعبية، بدعم أسلحة الاتحاد السوفييتي وتدريباته، في قتال القوات الإيرانية الذي أدى إلى 2000 ضحية إجمالاً.

وتظهر هذه المرحلة المريرة في التاريخ الإيراني، أن القومية الأذربيجانية المستقلة التي تركز على البعد التركي وتهمش البعد الشيعي كما هو الحال في جمهورية أذربيجان تمثل خطراً كبيراً على وحدة إيران ذاتها.

موقف إيران من الصراع الأذربيجاني الأرميني

وانعكس ذلك على سلوك إيران في التعامل مع الصراع الأذربيجاني الأرميني منذ التسعينيات، حيث لم تعلن طهران صراحة انحيازها لأرمينيا، حتى لا يسبب لها ذلك إحراجاً باعتباره تدعم بلداً مسيحياً ضد بلد مسلم شيعي الأغلبية، وفي الوقت ذاته فإن سياسات طهران ترمي دوماً إلى إضعاف أذربيجان حتى لا يؤدي صعود الشعور القومي الأذربيجاني لانعكاسات على الأقاليم الأذربيجانية في إيران.

وزاد الفجوة بين البلدين أنه منذ استقلال أذربيجان عن الاتحاد السوفييتي كان النظام في باكو علمانياً متوجساً من نظام الحكم الديني في إيران، ويجد تركيا العلمانية المنفتحة على الغرب أقرب له وأفضل.

وحتى بعد تولي حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية السلطة، فإن طبيعة النظام الجديد في تركيا الجامع بين الإسلام والانفتاح والقومية والقيم الليبرالية كان أقرب لباكو من النظام الإيراني المنغلق.

وكان جزء من توجه إيران صوب أرمينيا خاصة قبل التحولات الأخيرة في السياسة التركية، نابع من رغبتها في منع واشنطن وتل أبيب من إحاطة طهران بشبكة قوية من العلاقات مع دول منطقة القوقاز وآسيا الوسطى، وعلى رأسها أذربيجان.

إذ تخشى إيران أن النظام السياسي في جمهورية أذربيجان العلماني والموالي للغرب، ومن المحتمل أن يلعب دوراً في أي سياسة أمريكية تجاه إيران بسبب برنامجها النووي، وهذا يتوافق مع مطامح القوميين الأذريين في جمهورية أذربيجان في توحيد الأذريين وتكوين أذربيجان الكبرى، ويمكن أن يضاعف من هذا الاتجاه وجود خلافات إيرانية – أذرية، ومنها الخلاف حول الحقوق في بحر قزوين، خاصة بعد التصريحات المتشددة بين الطرفين، وإصرار إيران على التقسيم المتساوي للبحر، وإصرار جمهورية أذربيجان على اعتباره بحراً دولياً تحكمه قوانين البحار الدولية، وتأكيد رئيسها إن علاقته بالغرب وإسرائيل استراتيجية، كذلك عدم إخفاء معارضة قادة أذربيجان للنظام السياسي الإيراني.

قوات من الجيش الأذربيجاني/ رويترز

وعمّق الاقتصاد الفجوة بين البلدين، باعتبار أن مصالح باكو مع الانفتاح على تركيا والغرب، لأن أنقرة تعتبر المعبر للغاز والنفط الأذربيجاني الذي ينافس مصادر الطاقة الإيرانية.

كما أن إيران بحاجة إلى صداقة أرمينيا لتوفير معبر بديل للنقل إلى روسيا وأوروبا، وأرمينيا بدورها تواجه في الوقت الحالي انسداداً متواصلاً في طرق التجارة من جانب أذربيجان وتركيا، وهي معنية بتأمين ممر آمن وموثوق للتجارة، وتوثيق العلاقة مع إيران في مجال الطاقة، إذ إن أرمينيا تفتقر للنفط والغاز، وتخطط لإغلاق مولدات الطاقة النووية التي تملكها في غضون 10 سنوات، وسيساعد مشروع محطة الطاقة الحرارية والربط مع مراكز الإنتاج الإيرانية في تعزيز أمن أرمينيا الاقتصادي.

ولهذه الأسباب مجتمعة بنت إيران علاقات جيدة مع أرمينيا، وصلت مرحلة الشراكة، على النقيض من العلاقات الإيرانية – الأذربيجانية، التي اتسمت في معظم الأوقات بالتوتر وعدم الاستقرار.

خفايا التقارب الإيراني الأرميني

يعتقد أن عناصر الاستخبارات الإيرانية نجحت في الانتشار داخل الأراضي الأرمينية، وذلك بفضل التعاون الوثيق مع نظرائهم في مجلس الدفاع الوطني الأرميني، تلك الجهة التي تشرف على النشاط الاستخباراتي وأعمال التجسس في أنحاء الأراضي الأرمينية.

كما يعتقد أن إيران سعت لإفشال خطة أمريكية سابقة تقدم بها بول غوبل، المستشار السابق لوزير الخارجية الأمريكي لشؤون القوميات في الاتحاد السوفييتي. وهي خطة "تبادل للأراضي" بين كل من أرمينيا وأذربيجان، فتعطى أرمينيا جزءاً من كاراباخ فيما تحتفظ أذربيجان بالمنطقة المشرفة على منابع الأنهار وتزودها بالمياه، وبالمناطق ذات الأغلبية الأذرية.

واقتراح غوبل يفتح الطريق -في حال تنفيذه- لحدود مباشرة بين تركيا وأذربيجان، ويتيح إنجاز مشروع خط أنابيب باكو–أنقرة (خط مباشر)، وهو سوف يلغي نهائياً مشروع خط أنابيب النفط والغاز بين يريفان وطهران إلى أوروبا، إذ بفعل هذه الخطة تفقد أرمينيا حدودها مع إيران.

تركيا تؤيد أذربيجان بشكل واضح، فما دوافعها؟

منذ اللحظات الأولى للصراع، كان موقف تركيا واضحاً، وهو تأييد ودعم الأذربيجانيين الذين يُعدُّون أقرب الشعوب لغوياً وإثنياً إلى تركيا.

وبعد التطورات الأخيرة، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعم بلاده الكامل لأذربيجان.

وطالب رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان المجتمع الدولي، أمس الأحد، بأن يضمنوا ألا تقحم تركيا نفسها في الصراع بين بلاده وأذربيجان في تبادل للتصريحات اللاذعة مع أنقرة.

أما عن سبب موقف أنقرة من هذا الصراع، فأرجعه المحللون إلى الخلاف التاريخي بين تركيا وأرمينيا وتمسّك الأخيرة بمزاعم الإبادة الأرمينية على يد العثمانيين، ومطالبة أنقرة بالاعتراف بها.

بينما يرجعها البعض إلى العلاقات التاريخية والعرقية بين تركيا وأذربيجان، فالشعب الأذري من العرق التركي ويتفقان في الديانة الإسلامية رغم الاختلاف على المذهب، وكانت تركيا أول دولة اعترفت باستقلال أذربيجان عام 1991.

ويرى آخرون أن أنقرة تسعى للحصول على موطئ قدم في منطقة القوقاز على الحدود الروسية، لتمتلك ورقة ضغط قوية في مفاوضاتها مع روسيا، والحصول على تنازلات من موسكو في الملف السوري والليبي.

روسيا.. المعلن يختلف عن الواقع

أذربيجان وأرمينيا كانتا جزءاً من الاتحاد السوفييتي، حتى انهياره في مطلع التسعينات، وإعلان باكو استقلالها عام 1991.

وبالرغم من دعوات موسكو للبلدين بوقف إطلاق النار، فإنها تؤيد وتدعم أرمينيا، ويرجع مراقبون ذلك لأن فقدان أرمينيا يعني فقدان موسكو بعض مناطق الاتحاد السوفييتي السابق، التي لا تزال تملك تأثيراً عليها رغم الاستقلال، ما يفقدها تأثيرها في منطقة القوقاز.

كما تعد أرمينيا حليفاً استراتيجياً واقتصادياً هاماً لموسكو، فروسيا تمتلك قاعدة عسكرية في أرمينيا، وتملك نحو 40% من الاستثمارات الأجنبية فيها.

إلا أن مراقبين يرون أن استمرار الصراع يرضي موسكو، التي تبيع السلاح للبلدين المتحاربين بمليارات الدولارات كل عام.

وتاريخياً، كان الأرمن أقرب القوميات المسيحية في المنطقة قرباً للروس خلال توغلهم في القوقاز، ويلاحظ أن هذه العلاقة الحميمية تختلف عن علاقة روسيا المتوترة مع جورجيا.

الولايات المتحدة.. حياد حائر بين المصالح والتاريخ

أما الموقف الأمريكي فهو يقول إنه على الحياد ويسعى لحل النزاع بين الدولتين، فبعد التطورات الأخيرة، خرجت واشنطن وأعلنت إدانتها لتصاعد العنف بين أذربيجان وأرمينيا، ودعت الجانبين إلى وقف الأعمال العدائية فوراً، مقدمة تعازيها لأهالي الضحايا المدنيين. 

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان، الأحد، إن على الجانبين أن ينهيا العنف "على الفور"، فضلاً عن إنهاء أي خطاب أو إجراءات أخرى يمكن أن تزيد من حدة التوتر.

وأضافت الخارجية: "أي مشاركة في العنف من أطراف خارجية ستكون غير مفيدة أبداً وستعمل فقط على رفع التوترات الإقليمية، ندعو الأطراف للعمل ضمن مجموعة مينسك للعودة إلى محادثات جدية في أقرب وقت ممكن".

كما اتصل مساعد وزير الخارجية الأمريكي، ستيفن بيغان، بالطرفين من أجل "حضّهما على وقف الأعمال العدائية فوراً، واستخدام قنوات التواصل المباشر القائمة لتجنّب مزيد من التصعيد، وتجنّب المواقف والأفعال غير المفيدة"، وفق بيان للخارجية الأمريكية.

وهو نفس موقف الدول الأوروبية الساعية لإنهاء هذا الصراع التاريخي على حدودها، حسب المعلن على الأقل.

وتعترف الولايات المتحدة بأن ناغورنو كاراباخ أرض أذربيجانية.

وفي مقابل حياد الخارجية الأمريكية، سبق أن هاجم عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ إد ماركي (ديمقراطي)، أذربيجان خلال الأزمة التي اندلعت في يوليو/تموز 2020، داعياً إياها إلى التراجع.

وكتب عضو الكونغرس ماركي في بيانٍ نُشر في يوليو/تموز الماضي على مواقع التواصل الاجتماعي: "أقف مع أرمينيا وهي تحمي وحدة أراضيها"، وتابع: "يجب أن تحترم أذربيجان وتركيا الحدود الأرمينية/الأذربيجانية، وأن تحترم تطلعات الشعب الأرمني في ناغورنو كاراباخ، وينبغي أن تبطل هذا الصراع فوراً".

ويمكن القول إن الموقف الأمريكي والغربي عامة تتنازعه توجهان: توجه المصلحة الاقتصادية والسياسية التي تجعله يميل لأذربيجان الغنية بالطاقة والمتنافرة مع غريمي الغرب التقليديين روسيا وإيران، وموقف نابع من الخلفية المسيحية الغربية التي تنظر للأرمن خاصة بتعاطف كبير.

فتقليدياً يحظى الأرمن بتعاطف غربي ومسيحي في نزاعاتهم مع محيط من الدول والشعوب الإسلامية (الأتراك، الإيرانيين، الأذربيجانيين)، ولكن أهمية أذربيجان الاستراتيجية زادت بفضل ثروتها النفطية التي تنامت أهميتها بعد استقلالها.

كما أن الدعم الروسي لأرمينيا يمثل إرباكاً للموقف الغربي، فعادة تتخذ أمريكا موقفاً معاكساً للروس، لكن اليوم موسكو تدعم أرمينيا المسيحية التي تحظى بوضع خاص في الحضارة الغربية، كما أن تركيا التي تدعم أذربيجان تمردت على الهيمنة الأمريكية والأوروبية.

وقد يزداد الأمر تعقيداً مع دخول متغير توتر العلاقات الفرنسية التركية، في ظل قيادة فرنسا لسياسات الاتحاد الأوروبي الخارجية.

إذ بات التنافس بين البلدين ممتداً من ليبيا إلى مالي مروراً بلبنان وسوريا، وقد يؤدي ذلك إلى تدخل فرنسي وأوروبي لصالح أرمينيا، خاصة في ضوء تاريخ فرنسا التاريخي في استغلال قضايا الأقليات المسيحية في الشرق، ومحاولاتها خلق ما يمكن تسميته شوفينية أوروبية في مواجهة تركيا والعديد من الدول الإسلامية.

تحميل المزيد