الجائحة فاقمت معاناتهم.. كيف أفسد كورونا حياة ذوي الأطراف المبتورة في العراق؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/07/24 الساعة 15:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/24 الساعة 15:03 بتوقيت غرينتش
بعد عقود من العنف، صارت العراق واحدة من البلاد صاحبة أكبر تعداد سكان من ذوي الإعاقات في العالم/ رويترز

يبدو التركيز محفوراً على وجه حسين، بينما يسير بجوار خط أصفر منقوش على أرضية غرفة العلاج الطبيعي التابعة للعيادة. إذ يستشعر طرفه الصناعي الجديد. فَقَد حسين جزءاً من ساقه أسفل ركبته في عام 1987 عندما تعثر في لغم أرضي أثناء الصيد عند بحيرة دوكان، التي تبعد حوالي 100 كيلومتر شرق أربيل في إقليم كردستان شمال العراق. إذ إن الألغام وبقايا المتفجرات الأخرى التي خلّفتها الحروب المتعاقبة تملأ المشهد هناك، مما يسفر عن إصابات جديدة كل عام. فأكثر من نصف 15100 مريض يزورون العيادة، لديهم أطراف مبتورة. وحوالي 4600 شخص منهم فقد أطرافه بسبب الصراع، بينما فقد 2500 شخص من هؤلاء أطرافهم بسبب الألغام الأرضية.

ساق صناعية مكسورة

تجمع الغبار على ساق حسين الجديدة في غرفة التخزين الخاصة بالعيادة، منذ بدء تطبيق إجراءات الإغلاق بسبب مرض كوفيد-19 في 11 مارس/آذار، وبعد أن أُجبرت العيادة حينها على الإغلاق، كما يقول لصحيفة The Guardian البريطانية.

وقال للصحيفة: "كان من المفترض أن أحصل على [ساق] أخرى في 15 مارس/آذار، ولكن بسبب قيود السفر والحجر الصحي، أُغلقت الطرق ولم يكونوا متاحين في أوقات العمل". ومنذ بدء الإغلاق، اضطر حسين، الذي يعمل في مجال البناء ويبلغ من العمر 56 عاماً، أن يعتمد على طرف صناعي مكسور صُنع في إيران قبل سنوات كثيرة.

أوضح حسين قائلاً: "بعد مدة، لم أعد قادراً على القيام بـ [أعمال البناء] أكثر من ذلك". برغم قلق حسين من مرض كوفيد-19، يقول إن الحضور في المواعيد المحددة والحصول على ساق صناعي أهم لأن هذا يمكن أن يسمح له بالعمل مرة أخرى كي يكون قادراً على إعانة أطفاله الأربعة.

العراق أكبر بلاد تحوي على ذوي الإعاقات

بعد عقود من العنف، صارت العراق واحدة من البلاد صاحبة أكبر تعداد سكان من ذوي الإعاقات في العالم. ومع أن الحكومتين في بغداد وأربيل مررت كلتاهما تشريعاً موجهاً لحماية حقوق ذوي الإعاقات، ومواجهة الوصمة الاجتماعية الراسخة، كان تطبيق التشريع بطيئاً. إذ إن العار الذي يلحق بالأسرة يجعل كثيرين يختفون عن أنظار العامة، وفي الوقت ذاته لا يزال هناك محدودية في القدرة على الحصول على الرعاية الصحية والعلاج الطبيعي والتعليم والتدريب والتوظيف. فضلاً عن أن جائحة فيروس كورونا تُفاقم المشاكل.

قال حسين، الذي يحصل على حوالي 140 ألف دينار عراقي (117 دولاراً) شهرياً من الحكومة لتكمل أي دخل إضافي يحصل عليه: "حتى إذا لم تصب بالمرض، سوف تكون قلقاً. منذ بدايته، لا يريد الناس الخروج لمقابلة الآخرين، وسبل عيشهم لا تسير على ما يرام".

قال خبير تقويم العظام وتركيب الأطراف الصناعية، ساردار قدير سيدا، إن الناس لا يستطيعون تحمل الابتعاد عن العيادة. وأضاف: "بالنسبة للمبتورين على وجه الخصوص، إذا كُسر الطرف الصناعي، فلا يستطيع أن يفعل أي شيء في المنزل أو في العمل. لذا فهي حالة طارئة. إنه أمر ضروري لحياته. ولحياته الاجتماعية. يريدون أن يأتوا إلى المركز. وليسوا خائفين. إذ إنها أولوية أهم من الفيروس".

كورونا يفاقم الأزمة

وصل عدد الإصابات بمرض كوفيد- 19 في كردستان إلى 10 آلاف إصابة حتى يوم 16 يوليو/تموز، فيما بلغت الوفيات 370 وفاة، وهو عدد قليل نسبياً مقارنة بالعراق كلها، حيث تقول منظمة الصحة العالمية إن هناك أكثر من 90 ألف إصابة مؤكدة، و3600 حالة وفاة.

توقف العمل فجأة في العيادة التي تديرها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، عندما أُعلن عن بدء الإغلاق. وتلقى جميع العاملين البالغ عددهم 41 موظفاً أمراً بالبقاء في منازلهم.

وسُمح للعيادة بأن تستأنف العمل جزئياً في أبريل/نيسان، لكنها لا تزال تعمل بطاقة 40% فقط لضمان تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي. ويُفرض على الزوار ارتداء أقنعة الوجه والقفازات، وفي الوقت ذاته يجري إدارة عمليات غسل اليدين وقياس درجة الحرارة عند بوابة الاستقبال.

يبلغ أيمن رحمن عبدالكريم من العمر 24 عاماً، وقد استطاع أخيراً ترتيب موعد في العيادة بعد أن أُرجئ موعده الأصلي في مارس/آذار. إذ يريد أن يترك مقاس قدمه لتقويم عظام الكاحل. 

تسببت سكتة دماغية في العام الماضي في إصابة الجانب الأيسر لعبدالكريم بالشلل. ومع أنه استعاد كثيراً من الوظائف الحركية، أدى فقدان الإحساس أسفل ساقه إلى تدهور وضع قدمه وتدليها.

"لا يريد أحد أن يوظفني"

ويلقي عبدالكريم، وهو خريج جامعي، اللوم على إعاقته في أنها السبب في فشله في العثور على وظيفة. إذ قال وهو ينظر إلى قدمه: "لا يريد أحد أن يوظفني. ليس بسبب عدم وجود وظائف. بل لأنني إذا كنت صاحب عمل، فلن أوظف شخصاً ذا قدمٍ متدلية، أنا أعرف هذا". ويحدوه الأمل بأن التقويم الجديد سوف يقلب الأوضاع لصالحه، إذا حصل عليه بسرعة.

في غرفة العلاج الطبيعي الخاصة بالنساء والفتيات، وهي منفصلة عن العيادة، تنتظر شيلان مجيد سعيد أن تحصل على دعامة ساق جديدة مناسبة لها.

فقد تضرر عصب طرفي رئيسي بشدة عندما اخترقت رصاصة ساقيها قبل 11 عاماً. حينها كان زوج شيلان، وهو أحد جنود قوات البيشمركة الكردية، قد ترك سلاحه محشواً بالطلقات على الأريكة في منزل أسرتهما. وبدون أن يلحظ أحد، انطلقت رصاصة من السلاح عندما جلست شيلان.

قالت شيلان وهي تجلس فوق طاولة الفحص، وتظهر أصابع قدمها المتورمة عند طرف عباءتها السوداء: "قالوا إنني لن أستطيع الحصول على علاج حتى في الولايات المتحدة. لا أعرف إن كان الله سبحانه وتعالى سوف يشفيني أم لا".

تساعد شيلان عائلتها عن طريق مشروع ملابس أسسته عن طريق إعانة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لكن الإغلاق حطم قاعدة عملائها. والآن، يتوجب عليها اقتراض المال لدفع الإيجار ومواصلة دفع أجر الموظفة الوحيدة لديها. وتأمل أن تحصل على إعانة أخرى تساعدها في إنقاذ مشروعها.

قالت شيلان: "لا أريد أن أغلقه. أريد مواصلة العمل. ولكن حين ترى أنه لا يوجد أي أموال تدخل، فلا يكون لديك خيار آخر. فيروس كورونا أفسد كل شيء بالنسبة لنا جميعاً".

تحميل المزيد