بريطانيا تتوعد “قتلة خاشقجي”.. فهل ترد السعودية على عقوبات لندن غير المسبوقة؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/07/07 الساعة 15:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/07 الساعة 15:17 بتوقيت غرينتش
جمال خاشقجي وولي عهد السعودية

وضعت المملكة المتحدة نفسها على مسار دبلوماسي تصادمي مع السعودية عندما فرضت عقوبات على متهمين بقتل جمال خاشقجي بينهم سعود القحطاني وأحمد العسيري، فما الدافع وراء تلك العقوبات التي طالت أيضاً متورطين آخرين في انتهاكات حقوق الإنسان بينهم مسؤولون روس؟ وكيف يمكن أن تؤثر على العلاقات بين لندن والرياض؟

بريطانيا تريد أن تعود "عظمى"

العقوبات البريطانية التي صدرت أمس الإثنين 6 يوليو/تموز هي الأولى من نوعها التي تصدر عن المملكة المتحدة بشكل مستقل منذ تأسيس الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتأتي في إطار آلية جديدة وضعتها لندن لمعاقبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان حول العالم.

واللائحة السوداء البريطانية تضم أسماء 49 منظمة وشخصاً تشملهم، بينهم 25 روسياً و20 سعودياً، وتعتمد فيها لندن على الآلية نفسها التي تستخدمها الولايات المتحدة تحت خانة قانون "ماغنيتسكي"، ويحظر هذا القانون دخول الأراضي الأمريكية على كل فرد أو كيان انتهك حقوق الإنسان، ويفرض تجميد أصوله.

وأوضحت الخارجية البريطانية أنه عبر هذه اللائحة التي يمكن استكمالها، يطبق نظام العقوبات على "من يسهلون تلك الانتهاكات ويروجون لها ويحرضون عليها أو يدعمونها، فضلاً عمن يحصّلون مكاسب مالية من انتهاكات لحقوق الإنسان"، ويمكن أن تستهدف العقوبات خصوصاً المسؤولين عن قتل صحفيين وعاملين في الإعلام أو المسؤولين عن "أفعال مدفوعة بأسباب دينية أو على صلة بالمعتقد".

وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب
وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب

ووصف وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب أمام النواب هذه العقوبات بأنها "وسيلة تسمح باستهداف مرتكبي (انتهاكات حقوق الإنسان) بدون معاقبة شعب بلد ما على نطاق أوسع"، مضيفاً أنها "رسالة واضحة من الشعب البريطاني لمن لطخت أيديهم بالدماء، لأتباع الطغاة والديكتاتوريين: لا يمكن لكم المجيء إلى هذا البلد لشراء منزل في شارع كينغز رود، وشراء هدايا الميلاد في نايتس بريدج، أو غسل أموالكم القذرة عبر المصارف البريطانية".

ماذا يعني ذلك للعلاقات مع السعودية؟

تعتبر لائحة العقوبات هي أول قرار تتخذه حكومة بوريس جونسون بعد مغادرة الاتحاد الأوروبي – رغم أن الفترة الانتقالية تنتهي بنهاية العام الجاري – ويقربها هذا القرار من الحليف التقليدي عبر الأطلسي أي الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية مايك بومبيو.

بومبيو قال في بيان أن "هذه العقوبات تشكل بداية عصر جديد لسياسة العقوبات البريطانية وللتعاون بين ديموقراطيتينا"، لكن الإشكاليات الناتجة عن الخطوة البريطانية تمثل لغزاً يصعب فك طلاسمه الآن؛ فمن ناحية نجد أن ذلك يمثل مساراً تصادمياً مع السعودية، ومن ناحية أخرى تضع تلك الخطوة جريمة مقتل خاشقجي في الواجهة مرة أخرى في الوقت الذي يواجه الرئيس دونالد ترامب معركة شرسة لإعادة انتخابه، ومنتقدوه يحملوه جزءاً من المسؤولية لدعمه المطلق لولي العهد السعودي ورفضه فرض عقوبات على الرياض رغم التقارير المخابراتية الأمريكية والأممية التي حملت الحاكم الفعلي للملكة مسؤولية الجريمة التي هزت العالم وأساءت لصورة المملكة عالمياً.

كما أنه من المرجح أن الخطوة البريطانية ستكون لها تداعيات على العلاقات الدبلوماسية مع الدول التي تم وضع مواطنيها أو مسؤولين بها على اللائحة، والرد الروسي لم يتأخر، وراب يدرك ذلك جيداً، حيث قال إن "تضمين مسؤولين سعوديين بارزين في القائمة بجانب أعداء تقليديين لبريطانيا مثل روسيا يظهر أن المملكة المتحدة ليست انتقائية في تطبيقها للعقوبات"، بحسب تقرير للغارديان.

ولي عهد السعودية والرئيس الروسي / أرشيفية

الحكومة البريطانية تتبنى وجهة نظر ترامب تقريباً فيما يتعلق بجريمة اغتيال خاشقجي، حيث ترى أن مسؤولين حكوميين سعوديين هم من ارتكبوها لكن السعودية كدولة ليست مسؤولة عن الجريمة، واللافت أن هذا الطرح جاء أولاً على لسان ترامب نفسه وليس الحكومة السعودية التي أنكرت قتل خاشقجي وزعمت أنه غادر القنصلية، لكنها اعترفت بوقوع جريمة القتل بعد أسبوع تقريباً من استخدام الرئيس الأمريكي لمصطلح "قتلة مارقين"، وهي القصة التي تبنتها الرياض فيما بعد ولا تزال.

وحتى الآن لم يصدر تعليق رسمي سعودي على العقوبات البريطانية بحق القحطاني والعسيري وغيرهما، وعلى الأرجح أن الرياض لن ترد بشكل رسمي تفادياً لعدم التصعيد، خصوصاً وأن الجانب البريطاني حريص على عدم توجيه اتهامات للرياض كحكومة، وبالتالي الأقرب أن يتكرر ما حدث في العلاقات السعودية الأمريكية من محاولات فاشلة في تحميل المتهم الأول من الجماعات الحقوقية وهو ولي العهد ومن ثم تهدأ الأمور مرة أخرى.

والعقوبات بالأساس اقتصادية وليست سياسية، على أساس أن لندن تعد مركزاً دولياً لأصحاب أكبر الثروات في العالم، والسؤال هنا يتعلق بحجم الأموال التي يمتلكها القحطاني والعسيري وباقي العشرين شخصاً في لندن، أو مدى حتمية سفر أي منهم إلى بريطانيا، وقياساً على أن نفس الأشخاص صدرت بحقهم وأسرهم نفس العقوبات من واشنطن ولم يغير ذلك شيئاً فيما يتعلق بمعاقبتهم، بل تمت تبرئة العسيري في المحاكمة السعودية ولم يواجه القحطاني أي اتهامات من الأساس، فعلى الأرجح لن يختلف الوضع كثيراً مع إعلان العقوبات البريطانية.

من هو ماغنيتسكي؟

المحامي الروسي سيرغي ماغنيتسكي كان قد كشف عن وجود شبكة فساد مالي ضخمة وألقت موسكو القبض عليه وحاكمته ومات في السجن عام 2009، وأثار ذلك أزمة كبيرة بين الغرب وروسيا وتم توقيع عقوبات بحق بعض المسؤولين الروس بموجب قانون أقره الكونغرس الأمريكي عام 2018 باسم "قانون ماغنيتسكي"، وهو ذات القانون الذي أقرته بريطانيا وأصدرت اللائحة السوداء على أساسه.

تأبين المحامي الروسي ماغنيتسكي / رويترز

ويتهم الروس المستهدفون بهذه العقوبات البريطانية الجديدة بالتورط في مقتل المحامي سيرغي ماغنيتسكي في السجن عام 2009، الذي كان كشف شبكة فساد ضخمة، وبين هؤلاء خصوصاً ألكسندر باستريكين المدير النافذ للجنة التحقيق الفدرالية الروسية وهو جهاز مرتبط مباشرةً بالكرملين ومكلف إجراء تحقيقات عالية المستوى.

والعلاقات الدبلوماسية بين لندن وموسكو متدهورة بالفعل على خلفية عدة قضايا، منها خصوصاً قضية تسميم العميل السابق سيرغي سكريبال وابنته في إنجلترا، ونسبت لندن الهجوم الذي أدى إلى وفاة بريطانية، إلى المخابرات العسكرية الروسية، وهو ما نفته موسكو.

وفي أول رد فعل توعدت روسيا بالرد على العقوبات "المعادية" التي أعلنتها بريطانيا، وقالت السفارة الروسية في لندن في بيان إن "روسيا تحتفظ بحق اتخاذ إجراءات انتقامية على صلة بالقرار المعادي للمملكة المتحدة".

اللائحة السوداء البريطانية لم تقتصر على السعوديين والروس، بل ضمت أيضاً جنرالين بورميين يشتبه بتورطهما بارتكاب انتهاكات بحق أقلية الروهينغا المسلمة، فضلاً عن منظمتين متورطتين بـ"العمل القسري والتعذيب والقتل في معسكرات في كوريا الشمالية".

تحميل المزيد