هل يمكن للدول المتقدمة الاستغناء عن التجارة مع الصين؟ البديل الهندي يقدم إجابة صادمة

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/06/16 الساعة 15:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/06/17 الساعة 08:20 بتوقيت غرينتش
الرئيس الصيني شي جين بينغ مع رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي/رويترز

عمّقت جائحة كورونا مخاوف لطالما كانت موجودة بشأن اعتماد الاقتصاد العالمي على الصين، وهو ما دفع عديداً من الدول إلى السعي لتقليل تعاملها مع علامات تجارية ومنتجات قادمة من الصين، فهل يمكن الاستغناء عن الصين اقتصادياً حقاً كما تريد بعض الدول المتقدمة؟

وبالفعل أعلنت كثير من الدول عن مسارعة الجهود لتقليل الاعتماد على الصين

فقد خصصت اليابان، على سبيل المثال، مبلغ 2.2 مليار دولار لمساعدة شركات تابعة لها في نقل مصانعها إلى خارج الصين

كما شدد وزراء التجارة الخارجية الأوروبيون على الحاجة إلى تنويع سلاسل التوريد. واتخذت عديد من البلدان الأخرى، منها أستراليا وألمانيا، خطوات لمنع الصين، ودول أخرى، من شراء المصانع والشركات التي تأثرت تأثراً كبيراً بعمليات الإغلاق. كما يواصل أصحاب النهج المتشدد في التعامل مع الصين في إدارة ترامب الضغطَ من أجل "انفصال" اقتصادي عن بكين.

لكن خارج الدوائر الحكومية، في الشركات التي تُتخذ فيها قرارات التصنيع وتقديرات المبيعات، الحسابات تكون أكثر تعقيداً، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.

هل يمكن الاستغناء عن الصين اقتصادياً؟ الإجابة الأسترالية صادمة

يتبين أن التخلي عن الصين ليس بالأمر السهل.

وعلى الرغم من أن سوء تعاملها من المراحل المبكرة من تفشي فيروس كورونا أدّى إلى تعطيل قدرات البلاد فيما يتعلق بصناعة وشراء المنتجات من مختلف دول العالم، وكشف عورات نظامها الاستبدادي ودفعها إلى تصعيد حربها الدعائية، فإن القوة الاقتصادية للصين تظل تجعلها أفضل أمل لدى العالم في تجنب انكماش اقتصادي عالمي ممتد.

يقول فيديلي كاماردا، وهو صياد أسترالي يمتهن صيد جراد البحر أباً عن جد ويرسل معظم صيده إلى الصين، إن الصين "على الرغم من كونها سوقاً واحداً، فإنها سوق كبير جداً".

ولفهم كيفية تعامل الشركات واستجابتها لديناميكيات ومخاطر التحول بعيداً عن الصين، تقدم صحيفة The New York Times لمحة عن ثلاث شركات في ثلاث دول مختلفة، تعتمد اعتماداً كبيراً على الصين. وعلى اختلاف تجارب تلك الشركات، فإنها تحاول جميعاً تعيين مقدار انفصالها عن الصين، أو ما إذا كان بإمكانهم تحمله من الأصل.

في انتظار العودة: مراكب صيد جراد البحر الأسترالية

عندما كان السيد كاماردا يخرج لصيد جراد البحر قبالة الساحل الغربي لأستراليا في التسعينيات، كان صيده ينتهي إلى موائد مجموعة متنوعة من البلدان.

فقد كان الكركند الطازج، كما يعرف جراد البحر، يذهب إلى اليابان. ويذهب لحم جراد البحر المعلَّب إلى الولايات المتحدة، وكان الباقي يُباع داخل أستراليا أو إلى جيرانها القريبين.

لكن بدايةً من عام 2000 تقريباً، بدأت الصين تدفع مبالغ أكبر مقابل جراد البحر الحي، وتطلب المزيد منه. أدّى ذلك إلى اعتماد شبه كامل على السوق الصيني والشعور بنوع من الاكتفاء به: وبحلول بداية هذا العام 2020، بات 95% من جراد البحر الشوكي الأسترالي يُشحن إلى بائعين ومطاعم في الصين.

يقول كاماردا: "تحدثنا جميعاً عن استراتيجيات مختلفة للتغلب على المشكلة، حتى لا نظل معتمدين على هذا النحو على الصين، غير أننا لم نتوصل إلى حل".

وما زال تجار جراد البحر الأستراليون لم يتوصلوا إلى حل، حتى بعد الحاجة الماسة إلى التنويع التي برزت مع صدمة 25 يناير/كانون الثاني.

وذلك عندما توقفت الصين، في خضم تفشي الفيروس فيها، عن الشراء. وأغلقت السلطات الصينية حينها أسواق اللحوم التي تبيع اللحوم الطازجة والخضراوات والمأكولات البحرية، مما اضطر أسطولاً كاملاً من قوارب جراد البحر –نحو 234 قارب صيد- إلى العودة إلى أستراليا ووقف الصيد، ليجد أكثر من 2000 شخص أنفسهم بدون عمل.

وعلى الرغم من محاولات شركات الصيد في أستراليا التصرف بسرعة، والاتصال بمشترين في كل بلد تعاملوا معه من قبل، ومناشدة اتحاد الصناعة الحكومةَ طلباً للمساعدة، فإن أياً من تلك الجهات لم يفعل الكثير لتجار الصيد مثل كاماردا.

عاد كاماردا إلى الماء قبل شهر واحد فقط، بعدما بدأت الطلبات تعود لشركته Neptune 3 مرة أخرى من الصين، بأسعار تقارب نصف ما كانت عليه في يناير/كانون الثاني.

لكن، وعلى الرغم من الدعوات إلى رفع الاكتفاء الذاتي والتنويع والحفاظ على السيادة، وكذلك التحركات التي قامت بها الصين وأضرت بصادرات الشعير ولحم البقر الأسترالية، فإن أستراليا لا تهرب من السوق الصينية، بل تدعم جهود العودة.

الصين لن تنقذنا: التفاؤل الألماني ببكين يتراجع

في المرة الأخيرة التي واجهت فيها الصناعة الألمانية تراجعاً حاداً، جاءت الإغاثة من الصين. وساعد النمو الهائل في البلاد والجوع للتكنولوجيا الغربية المصدِّرين الألمان في الارتداد بسرعة، عبر الصين، من الركود العميق الذي كانت تشهده ألمانيا قبل عقد من الزمن.

يقول أولاف برلين، الرئيس التنفيذي لشركة "أوسرام" Osram، إحدى أكبر شركات أنظمة الإضاءة في العالم ومقرها في ميونيخ: "في عام 2008، كان هناك سوقان اعتمدت عليهما: الصين والشرق الأوسط".

ومع ذلك، فإن برلين لا يتوقع أن تنقذ المبيعات الصينية الصناعةَ الألمانية مرة أخرى. فهو يقول إن "الصين لا تزال سوقاً كبيرة، لكنها ليست سوق نمو".

الهند يتوفر لها الإمكانيات ولكن لديها مشكلة كبرى

وتكمن المشكلة في عدم وجود سوق أخرى لتأخذ مكان الصين محركاً للنمو العالمي. يقول برلين إن الهند لديها إمكانيات، لكنها تفتقر إلى التنظيم بدرجة كبيرة. ودول الشرق الأوسط مثل السعودية وقطر لم تعد غنية بالدرجة التي كانت عليها، بعد أن انهارت أسعار النفط.

وتعكس توقعات أوسرام المتضائلة حيال الصين شكوكاً عميقة منتشرة في جميع أنحاء أوروبا بشأن فوائد الالتفات إلى القوى الكبرى الآسيوية في أوقات الحاجة.

هل يمكن أن تكون الهند بديلاً للصين؟/رويترز

ولم تكن شركة "أوسرام"، التي تنتج مصابيح السيارات وغيرها، في حاجة إلى أزمة كهذه للتشكك، فعلى الرغم من أن الشركة لديها 4 مصانع في الصين، فإنها تنتج منتجاتها الأعقد في ماليزيا وألمانيا والولايات المتحدة بسبب افتقار الصين إلى منظومة تضمن حماية الملكية الفكرية.

يقول برلين إن "الصين لم تعد ورشة الصناعة في العالم"، وإن شركته وشركات أخرى في ألمانيا كانت قد تعلمت من أزمات سابقة تأمين أنفسها في حال تعطل سلاسل التوريد، بالاعتماد على اثنين على الأقل من الموردين لكل مكون أو مادة خام.

وأضاف برلين أنه في حين أن شركته "أوسرام" لم يكن لديها خطط لتقليل وجود في الصين، فإن أزمة كورونا ستدفع الشركات إلى البحث بدرجة أكبر عن دول توريد أقرب إلى أرض الوطن.

الحفاظ على المسار: المراحيض الفاخرة في اليابان

توفر شركة "توتو" Toto ما يرده الأثرياء الجدد في الصين حقاً: مراحيض بيديت إلكترونية ذاتية التدفئة، وشطافات المياه الدافئة، والأوعية الخزفية المرفهة والأغطية الآلية.

افتتحت الشركة، التي تعد أكبر شركة لتصنيع المراحيض في اليابان، مكتبها في بكين في عام 1985، وازداد اعتمادها على الصين مع صعود النمو في البلاد، حتى باتت المبيعات في الصين تشكل نصف مبيعات شركة "توتو" الخارجية العام الماضي، وأصبحت الشركة لديها 7 مصانع في الصين وحدها.

ومن ثم، وعلى الرغم من إغلاق الصين خطوط تجميع شركة "توتو" في شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، متسببة في تأخيرات وخسائر في الإيرادات، فإن الشركة لم تفكر قط في الانسحاب.

والسبب الأهم لذلك، هو أن الشركة ترى أن الصين سوق ضخم يتمتع بمعدل عالي من ملكية المنازل واحتمالات ارتفاع الدخل، ومن ناحية أخرى يمتلك عدد كبير من العمال الصينيين أنواع المهارات الفنية التي تحتاج إليها الشركة اليابانية.

وتقول سونوكو آبي، المتحدثة باسم شركة "توتو"، إنه على الرغم من أن الشركة لديها مصانع في تايلاند وفيتنام، فإنها لم تحاول أبداً نقل الإنتاج إلى دولة أخرى، وإنما تعتمد بدلاً من ذلك على خطوط إنتاج المخزون.

ولا يقتصر الأمر على شركة "توتو"، فعديدٌ من الشركات اليابانية الأخرى، حتى عندما تكون هناك حوافز للبحث عن مكان آخر للإنتاج، فإنها تقلل فقط من اعتمادها على الصين، لكنها لا تقطعه أبداً.

وتقول كاثي ماتسوي، كبيرة استراتيجيي الأسهم في شركة Goldman Sachs في طوكيو، إنه في وقت الضغوط الاقتصادية الشديدة، حتى أولئك الذين يعارضون السياسة الصينية يشعرون أنهم بحاجة إلى اقتصادها للتعافي. "فنحن جميعاً مترابطون. لذا من الأهمية بمكان أن تستمر الصين في النمو من أجل كل اقتصاد كبير آخر تقريباً في جميع أنحاء العالم".

تحميل المزيد