الحكومة الانتقالية تستهدف الإسلاميين بسلاح الاقتصاد.. وتخوفات من عزوف المستثمرين عن السودان

عربي بوست
تم النشر: 2020/04/30 الساعة 16:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/30 الساعة 20:48 بتوقيت غرينتش
عبدالفتاح برهان

لا تمر أسابيع إلا وتُصدر لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال السودانية قراراً بمصادرة أو التحفظ على ممتلكات أحد رموز نظام البشير.

كان آخرهم رجل الأعمال السوداني عبدالباسط حمزة، الذي صودرت ممتلكاته بدعوى علاقته بتنظيمات إسلامية ودعمها وتمويلها.

وضعت لجنة إزالة التمكين واسترداد الأموال يدها على أصول وأملاك تقدر بملياري دولار، يمتلكها رجل الأعمال عبدالباسط حمزة، منها حوالي 1.2 مليار دولار أمريكي عبارة عن أسهم في شركة اتصالات (إم تي إن)، وأراض سكنية وزراعية تُقدر مساحتها بمليون فدان، وأسهم بمركز عفراء للتسوق، وفندق السلام روتانا وسط الخرطوم.

وخلال مؤتمر صحفي قال صلاح مناع عضو لجنة إزالة التمكين إن "عبدالباسط حمزة، الضابط الصغير في القوات النظامية تغلغل في قطاع الاتصالات، وتورّط في بيع شركة موبيتيل السودانية بمبلغ لا يتجاوز الـ10% فقط من قيمتها الحقيقية"، حسب تعبيره. 

متهماً إياه بالتورط في نقل فرع لشركة سوداتل للاتصالات السودانية للخارج، واستثمار أموالها لصالح الإسلاميين، وتأسيس شركات وهمية.


أسرة عبدالباسط تردّ 

في المقابل، أصدرت أسرة عبدالباسط حمزة عدداً من البيانات تُفنّد فيها ادّعاءات لجنة التمكين، وترى الأسرة أن ابنها يعد أحد العقول الاستثمارية التي أسهمت في استقطاب مستثمرين أجانب في وقت كان السودان يعاني من حصار اقتصادي خانق مازالت آثاره ماثلة للعيان.

كما شارك في إنشاء شركة "إم تي إن" للاتصالات، التي تعمل في العديد من الدول الإفريقية، وهو ما أدخل للخزينة العامة ملايين الدولارات، وأشرف على قيام مؤسسة التصنيع الحربي التي أسهمت في دعم القوات المسلحة في حربها بجنوب السودان، واستقطب رؤوس أموال خليجية لبناء فندق السلام روتانا بالخرطوم، بواقع 65% كاستثمار لشركات إماراتية، مقابل 35% لصالح شركة زوايا التي يمتلكها، والتي تملك الأرض التي أُقيم عليها الفندق الأفخم في البلاد.

جاء قرار المصادرة بعد أيام فقط من إصدار اللجنة ذاتها قراراً مماثلاً بحل منظمة الدعوة الإسلامية، وضم جميع ممتلكاتها لوزارة المالية، بما فيها استثمارات المنظمة العاملة في معظم الدول الإفريقية بالعديد من الشركات، في مقدمتها شركة دانفوديو، التي تعد من أضخم الشركات متعددة الأنشطة في البلاد.

وسبق أن صادرت اللجنة العديد من ممتلكات سيدة الأعمال هند مصطفى، المعروفة (بهند التقانة)، على الرغم من عدم ارتباطها بشكل مباشر بحزب المؤتمر الوطني المنحل، أو أي من التنظيمات المحسوبة على التيار الإسلامي، سوى زوجها محمد نجيب، الذي عمل مديراً لقوات الشرطة، وعلاقة الصداقة التي كانت تربطها بزوجة الرئيس المخلوع وداد بابكر، وهو ما كان كافياً للتدقيق في مصدر أموالها ومصادرة عدد من العقارات والأراضي الشاسعة التي تمتلكها بحجة استيلائها عليها بطرق غير شرعية.

بالرغم من أن السيدة كانت على خلاف كبير مع قادة النظام السابق في آخر أيامه، بل كانت أحد الداعمين لاعتصام القيادة العامة في العام الماضي، الذي كان أحد أسباب الإطاحة بنظام البشير.

المصادرة.. تطال الجميع 

كانت اللجنة المكونة بقرار من رئيس المجلس العسكري السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان قد صادرت ممتلكات عدد من قادة النظام السابق، مثل وزير الخارجية الأسبق علي كرتي، ووزير الزراعة الأسبق عبدالحليم التعافي، الذي كان قد نشر مقطعاً له عبر فيسبوك يستهزئ فيه من قرار اللجنة، مشيراً إلى أن 

الأراضي التي تمت مصادرتها مزرعة اشتراها قبل أن يتولى أي منصب سيادي في مطلع الألفية.

من جانبه يقول رجل الأعمال السوداني عوض الكريم بلة الطيب، لـ"عربي بوست"، إن اللجنة إن كانت تسعى لاسترداد الأموال المنهوبة فعلاً فعليها أن تمنح المتهم حق الدفاع عن نفسه، لتأكيد مصدر أمواله، لا مصادرتها لمجرد علاقته بنظام حكم.

وأضاف الطيب "مبادئ الإنصاف والعدالة تقتضي التحري والتدقيق لا الاستهداف والتشفى، ولِمَ لا يتم تحويل المتهمين بقضايا فساد لمحاكمات علنية؟ وهو ما من شأنه أن يبعد شبح الظلم السياسي. 

ولا يختلف اثنان على الهجمة التي يتعرض لها كثير من رجال الأعمال، ومن لهم علاقة بالنظام السابق في سودان ما بعد الثورة، بل تعدّى الأمر المستثمرين الوطنيين المحسوبين على التيار الإسلامي، إذ ألقت السلطات السودانية القبض على رجال أعمال مصريين لعلاقتهم بالنظام السابق، بحسب ما أوردته صحيفة آخر لحظة السودانية.

أشارت الصحيفة إلى أن المعتقلين كانوا يعملون في مجالات المال والأعمال خاصة، وقطاع البناء والتشييد والمجمعات السكنية، وأكدت أن الخطوة تمت بالتنسيق مع المخابرات المصرية في أعقاب سلسلة من المشاورات وتبادل الزيارات وأخذ الإذن من قيادة البلدين.

وكانت السلطات قد أخضعت كذلك رجل الأعمال التركي أوكتاي شعبان للتحقيق بتهم فساد، عقب إعادته للبلاد عبر الإنتربول، وتتهم الحكومة الرجل بالضلوع في مخالفات في عقود متعلقة بمحطات توليد كهرباء وهيئة مياه ولاية الخرطوم، فضلاً عن علاقته القوية مع الرئيس السابق عمر البشير، إذ دخل السوق السوداني عبر مصانع للملبوسات تأسست في العام 2011، احتكرت تزويد الجيش السوداني والقوات النظامية الأخرى بالملابس طوال سنوات.

الكلمة ينبغي أن تكون للقضاء

في السياق، يرى محمد الناير، وهو محلل اقتصادي، أن تهم التعدي على المال العام ينبغي أن تتم عبر مؤسسات قضائية، وبطرق شرعية، على ألا يتم التعدي على 

المستثمرين الأجانب أو محاسبتهم بجريرة فساد شركائهم، سواء كانوا من النظام الحاكم أو غيره، وبطرق لا تؤدي إلى إشكاليات قانونية تؤثر على حاضر ومستقبل الاستثمار في السودان.

طالب الناير خلال حديثه لـ"عربي بوست" بضرورة التعامل مع قرارات لجنة إزالة التمكين برويّة، حتى لا يتأخر مناخ الاستثمار بالطرق التي تجعل المستثمرين ينفرون من السودان.

وحول ما إذا كانت لجنة إزالة التمكين تستهدف الإسلاميين فقط وكل من له علاقة بالنظام السابق، يعتقد الناير أنه كان من المفترض أن تتم إجراءات شهادة إبراء الذمة للنافذين في المؤسسات الحكومية، سواء كان في زمن الإنقاذ أو غيره، لحصر الممتلكات ووضع الأمور في نصابها الصحيح، على أن يسري ذلك على أي رجل أعمال، ولا يرتبط الإجراء بتغير أنظمة الحكم، وهذا كاف لإعادة كل الأموال التي تم التعدي عليها إلى الدولة، مع التركيز على الذين عملوا في الوظائف العامة لما لهم من سلطات تخول لهم التفكير في الفساد.

ونوه الناير إلى أن العدالة تقتضي أن الشخص الذي يعمل في العمل العام في مركز مهم في الدولة، سواء كان في مؤسسة مدنية أو عسكرية يجب أن يملأ إجراء إقرار ذمة، وتابع قائلاً "رموز الإنقاذ وغيرهم لم يتم حصر أملاكهم في البداية لتقارن الآن بما لديهم"، مطالباً بجعل إجراء إبراء الذمة منهجاً حتى لا تتكرر أخطاء الماضي.

الدكتور عادل عبدالعزيز الفكي، المحلل الاقتصادي، انتقد هو الآخر الطريقة التي اتبعتها اللجنة في مصادرة عدد من الممتلكات، ورأى أنه لدى اللجنة الرغبة في محاربة الفساد، لكن من الضروري أن تتم هذه المحاربة وفقاً لإجراءات وترتيبات قانونية تُقنع الكل ألّا خطورة في السودان على الملكية الخاصة.

يشير الفكي إلى طريق "دنقلا-أرقين"، الذي تقدمت لتنفيذه شركة زوايا المملوكة لرجل الأعمال عبدالباسط حمزة عبر نظام البوت "نظام التشغيل ونقل الملكية"، نفذت المشروع مقابل حق انتفاعها من الأرض 43 عاماً لحين استرداد قيمة التنفيذ والأرباح، وتحول ملكية الطريق والمنشآت والأراضي لحكومة السودان بعد المدة الزمنية المبينة في العقود القانونية.

إلا أن لجنة إزالة التمكين في مؤتمرها الصحفي المنعقد بتاريخ 23 أبريل/نيسان أعلنت استرداد الأراضي ومنشآت حكومة السودان بصورة فورية، على أساس أن مالك الشركة من المفسدين.

هذه الطريقة "حسب الفكي" في نزع الملكية دون قرار من محكمة مختصة سوف تؤدي لإحجام الشركات والمستثمرين عن الدخول في أي اتفاقيات لتنفيذ مشروعات بنظام البوت مع حكومة السودان.

علامات:
تحميل المزيد