كيف تلاعبت هذه الدولة العربية الثرية بالمعارضة السورية وأهدت الأسد انتصاراً سهلاً؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/04/12 الساعة 18:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/06/19 الساعة 12:28 بتوقيت غرينتش
الرئيس السوري بشار الأسد/رويترز

"سنعطيك 3 مليارات إذا حطمت وقف إطلاق النار في إدلب"، كان هذا العرض الذي قدمه محمد بن زايد لبشار الأسد مؤخراً، بمثابة حلقة جديدة من دور إماراتي خفي للتلاعب بالثورة السورية منذ نشأته، وهو دور ساهم بشكل كبير في انتصار الأسد.

وكان تقرير للصحفي البريطاني ديفيد هيرست، نشره موقع "ميدل إيست آي" مؤخراً كشف عن أن السبب الحقيقي لاتصال الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي بالرئيس السوري بشار الأسد هو عرض رشوة إماراتية عليه بقيمة 3 مليارات دولار، مقابل كسر وقف إطلاق النار في إدلب نكاية في تركيا.

وأغضبت هذه الرشوة روسيا والولايات المتحدة على السواء (لأسباب مختلفة) واضطرت الإمارات لتبرير الاتصال بأنه جاء لدعم سوريا في مواجهة فيروس كورونا، في وقت تقول فيه دمشق إن انتشار المرض بأراضيها محدود.

وجاءت هذه المكالمة لتسلط الضوء على العلاقة الوثيقة بين الإمارات والأسد، وما نتج عنها من دور إماراتي خفي للتلاعب بالثورة السورية ساهم في النهاية بنصيب وافر بانتصار الأسد

دور إماراتي خفي للتلاعب بالثورة السورية.. هكذا بدأ فاتراً

منذ البداية كان الحماس الإماراتي للثورة السورية أقل من بقية الدول العربية ولاسيما دول الخليج وبالأخص السعودية وقطر.

فرغم أن الإمارات هي جزء من دول الخليج السنية التي تعادي تقليدياً نظام الأسد ذا النخبة العلوية الذي يرفع شعارات العروبة والمقاومة.

كما أنه يفترض أن أبوظبي تحديداً يجب أن يكون لديها علاقة أكثر حساسية مع الأسد، باعتباره تابعاً أو حليفاً لإيران التي تحتل جزر الإمارات الثلاث.

ولكن الواقع أن الإمارات كان يجمعها مع الأسد أكثر مما يفرقها.

الأسد وصف القادة العرب المنتقدين لهجوم حزب الله على إسرائيل عام 2006 بأنصاف الرجال/رويترز

كان العداء للديمقراطية، والربيع العربي وتيار الإسلام المعتدل تجمع النظامين أكبر.

وبدا الموقف الإماراتي من الأزمة السورية منذ بدايتها مثيراً للريبة.

فلم تنضم الإمارات إلى نادي "أصدقاء الشعب السوري" وغرفتي "الموك" و "الموم" اللتين تديران القتال في جنوب سوريا إلا مجبرةً، عندما كان هناك قرار أمريكي بإضعاف النظام السوري إلى الحد الأقصى، في انتظار ظهور بديل سوري "مقبول" من صفوف المعارضة، تصبح معه إطاحة نظام الأسد ذات معنى سياسي يضمن مصالح واشنطن وحلفائها في الإقليم. 

بعد انضمام الإمارات الفاتر إلى مناهضي النظام السوري، بدأت تضخ أموالها لدعم المعارضة، وسايرت بذلك أيضاً الرغبة السعودية في الانتقام من الإهانة الشخصية التي وجهها بشار الأسد لمسؤولين عرب بعد حرب يوليو/تموز 2006 عندما وصفهم بـ "أنصاف الرجال"، واعتبرت إهانة للدول التي انتقدت سوريا وحزب الله وكانت السعودية ومصر والإمارات أبرزهم.

وأصبحت الإمارات عضواً في التحالف الدولي للدول المناهضة لنظام دمشق، المعروف باسم "أصدقاء سوريا"، في اجتماعه الأول الذي عُقِد في العاصمة تونس، في فبراير/شباط 2012. ثم كانت الإمارات واحدةً من دول مجموعة "لندن 11" التي اجتمعت مع الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في العاصمة البريطانية لندن، في العام 2013.

محاولة خلق معارضة بديلة

وقدّمت الإمارات دعماً دائماً للشخصيات والمجموعات التي تعارض سياسات الإخوان المسلمين، أو لا تدعمها، ضمن الهيئات المُعارِضة السياسية والمسلّحة في سوريا. 

فعلى سبيل المثال، دعمت في يوليو/تموز 2013 رئيس الائتلاف الوطني السوري، المُنتخَب حديثاً آنذاك، أحمد الجربا، وهو أحد شيوخ عشيرة شمّر من محافظة الحسكة الواقعة في شمال شرق سوريا، الذي يُعرَف بروابطه الوثيقة بالسعودية. وفي العام 2016، واصلت الإمارات ومصر دعم الجربا الذي أطلق حركةً مُعارِضةً جديدةً حملت اسم "الغد السوري".

فضلاً عن ذلك، قدّمت الإمارات الدعم لمجموعات المعارضة المسلّحة، خصوصاً بين العامَين 2012 و2018، وإن كانت اضطّلعت بدورٍ أقلّ بروزاً على هذا الصعيد من دور السعودية وقطر وتركيا. وقد شملت تلك المجموعات بمعظمها كتائب غير إسلامية تابعة للجيش السوري الحرّ، جرى التحقّق جيداً من سجلّها للتأكّد من أنها مُعادية للإخوان المسلمين علماً أن الدعم الإماراتي لها قُدّم عبر برامج تديرها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، ولا سيما في جنوب سوريا انطلاقاً من مركز العمليات العسكرية في الأردن. 

واعتُبِر خالد المحاميد، وهو رجل أعمال سوري مقيم في الإمارات منذ العام 2000، رجلَ الإمارات في أوساط المعارضة السورية، ولا سيما في مدينة درعا التي يتحدّر منها. 

وأصبح المحاميد الوسيط الرئيسي الذي زوّد مجموعات المعارضة المسلّحة في تحالف الجبهة الجنوبية بالتمويل الإماراتي، إضافةً إلى ذلك، موّلت الإمارات أيضاً ميليشيا قوات النخبة السورية التابعة لأحمد الجربا في الشمال الشرقي، والتي أُنشئَت في أيار 2016، وحاربت إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية بصفتها عضواً رسمياً في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية.

الجبهة الإماراتية الرئيسية في جنوب سوريا

 تركز النشاط الإماراتي في دعم المعارضة السورية في الجنوب، وهي الجبهة التي شهدت التطورات الأغرب في الحرب السورية.

كانت معظم فصائل الجنوب السوري ممولة إماراتياً وسعودياً بشكل شبه كامل، وتخضع لإشراف مخابراتي أردني مباشر، تولى مهمة تحريك الفصائل وضبط إيقاع عملياتها وبما يتناسب مع الدور المطلوب منها.

 وبالفعل توقفت عن خوض أي معارك ضد نظام الأسد بشكل كامل بعد اجتماع موسكو الرباعي الذي ضم كلاً من (روسيا – مصر – الأردن – الإمارات) وعقد في شهر أغسطس/آب عام 2015، لتلتحق السعودية بالمحور الجديد بعد زيارة ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان إلى موسكو.

 كيف ساهمت الإمارات في انهيار الثورة السورية في مهدها؟

لعب الإماراتيون دوراً خفياً في اقتحام الروس والأسد لمعقل الثورة السورية.

إذ شهدت المنطقة انهياراً كاملاً وسريعاً لفصائل مهد الثورة، خاصة القسم الشرقي من المحافظة.

وقاد أحمد العودة عملية الانهيار وتسليم درعا لروسيا وميليشيا أسد دون قتال.

 فشرقُ حوران يخضع بالكامل لسيطرته، فهو قائد ما يسمى "قوات شباب السنة"، التي نشأت كـ"سرية" بدعم إماراتي وتم تقديمها كفصيل وكأحد مكونات الجيش الحر، ولكن بصبغة إسلامية معتدلة.

نفوذ العودة، رجل الإمارات ومجال عملية "الموك" لم يقتصرا على شرق حوران، بل تعدياها للقسم الغربي، حيث جند عدداً من الفصائل، خاصة تلك الموجودة في القرى التي أنجبت "حركة المثنى" كـ بلدة "إنخل" وذلك منعا لظهور فصائل جديدة قد تعرقل عملية تسليم المنطقة للنظام.

الأسد أضعف من أن يقتحم الجنوب السوري وحده

 أواخر سبتمبر/أيلول 2015، بدأت روسيا تدخلها المباشر في سوريا، وبدا واضحاً تأثير اجتماع موسكو على فصائل الجنوب التي صمتت جبهاتها، بل وقامت بتسليم مدينة "الشيخ مسكين" وما حولها وصولاً إلى بلدة "عتمان" على مشارف مدينة درعا، حدث هذا بعد سلسلة اغتيالات مدبرة نفذت وألصقت تهمتها بفصائل ذات توجه إسلامي مثل "حركة المثنى" و "لواء شهداء اليرموك" الرافضين للانضمام لغرفة الموك، فتمت دعشنتهما ( أي اتهامهما بأنهما تابعان لداعش) واتخاذ الأمر حجة لعدم الدفاع عن مدينة "الشيخ مسكين" التي سقطت بعد أن تم استنزاف المدافعين عنها وهم قلة.

الأسد يعتمد على الدعم السوري/رويترز

 بعد سلسلة اجتماعات قيل إنها مفاوضات فاشلة بين الروس وممثلين عن كبريات فصائل المعارضة في درعا، أعلن "العودة" عن توصله لاتفاق مع الروس لتسليم ما يسيطر عليه من أرض، حيث قضى الاتفاق بتسليم منطقة شرق حوران إضافة للسلاح الثقيل والمتوسط، مقابل تعهد الجانب الروسي بعدم دخول ميليشيا أسد للمناطق التي اتفق على تسليمها، لكن عملياً كانت ميليشيات أسد أضعف من أن تفرض سيطرتها على هذه المناطق عدا عن تأمينها، حسب تقرير لموقع "الجزيرة".

 فلقد كانت الرسائل الواردة من درعا ونتيجة لتصدي بعض الفصائل لميليشيات أسد، تفيد بأنه عاجز عن إحراز أي تقدم، وأن قتلاه وجرحاه بالعشرات، لكن ومع ذلك نجحت قواته بالوصول إلى معبر نصيب بعد تفريغ المنطقة من الفصائل العاملة فيها وفتح الطريق الحربي المحاذي للحدود مع الأردن والواصل بين السويداء ومعبر نصيب، ليعلن أسد سيطرته على المعبر الحدودي، ليعلن الأردن عن ترحيبه وسروره بالحدث الهام.

تصفية قيادات الثورة

إضافة إلى المساعدة في استيلاء الأسد على الجنوب السوري، لعبت الإمارات دوراً في مساعدته على التخلص من قيادات معارضة عديدة.

فقد نسقت الإمارات مع دمشق لمساعدة جيش الأسد لقتل بعض قادة الجماعات المناهضة للنظام في الفترة بين عاميّ 2012 و2014 وفقاً لتقارير إعلامية تركية.

ومن هؤلاء زهران علوش وحسان عبود وأبو خالد السوري، وعبدالقادر صالح. وفضلاً عن ذلك، طوال الحرب الأهلية السورية، لم يكن سراً أن الإماراتيين تركوا أبوابهم مفتوحة لرجال الأعمال السوريين الأثرياء المرتبطين بالنظام وأفراد عائلة الأسد.

وبحلول عام 2018، كانت الإمارات تسعى إلى تقارب علني مع النظام السوري بعدما كان يفترض أنها تدعم المعارضة، وأعادت فتح سفارتها في دمشق في ديسمبر/كانون الأول من ذلك العام. 

وانتهى الأمر بأبوظبي من حليف مفترض للمعارضة السورية، إلى المحرض الأول للنظام للقضاء على  آخر معاقلها في إدلب، إضافة إلى تخليها عن السعودية في حرب اليمن وعلاقتها المتنامية مع طهران، لتبدو الإمارات وكأنها تساعد طهران على بناء إمبراطوريتها في المنطقة، أو أنها عضو خفي بالمحور الإيراني في المنطقة.

تحميل المزيد