لا تزال الأمور من سيئٍ إلى أسوأ في أزمة كورونا في العديد من الدول، فهل يتواصل صعود معدل الوفيات، وإلى متى يستمر التباعد الاجتماعي لمكافحة كورونا، وما الخطوة التالية بعد التباعد الاجتماعي؟
تمثل الولايات المتحدة بؤرة تفشٍّ رئيسية، ومنها أيضاً تخيل كيف سيكون مستقبل الدول الأخرى التي ما زالت في مرحلة مبكرة من الفيروس.
تجاوز عدد الوفيات في الولايات المتحدة حاجز 14 ألفاً الأربعاء الماضي، 8 أبريل/نيسان، مع تسجيل 1858 حالة وفاة يوم الثلاثاء، 7 أبريل/نيسان، وحده. ومنذ بدء تفشي المرض، شُخِّصَت 425 ألف حالة في الولايات المتحدة، بينما يقول باحثون إن الذروة لم تأتِ بعد.
لكن النموذج الرئيسي الذي يستخدمه البيت الأبيض، والجميع في واقع الأمر، جرى تحديثه يوم الأربعاء ليُظهِر عدداً أقل من الوفيات المُتوقَّعة من فيروس كوفيد-19، حيث قلَّ إلى 60415 شخص بحلول أغسطس/آب المقبل، من عدد الـ 82 ألفاً الذي أظهره النموذج يوم الثلاثاء (وهو العدد الذي كان أقل بالفعل من التوقُّعات السابقة عليه).
طَرَحَت شبكة CNN الأمريكية عدداً من الأسئلة على الدكتور غريغوري روث، أحد كبار أعضاء هيئة التدريس في معهد التقييم والمعايير الصحية التابع لجامعة واشنطن، حول التوقعات المستقبلية بشأن أزمة كورونا في الولايات المتحدة، والأهم إلى متى يستمر التباعد الاجتماعي لمكافحة كورونا، وما هي الخطوة التالية بعد التباعد الاجتماعي.
الفضل للتباعد الاجتماعي
يفترض النموذج الجديد حالةً من التباعد الاجتماعي. لقد انخفضت أعداد الوفيات المتوقعة مرتين الآن، فهل هذا يطرح أن هناك تباعداً اجتماعياً يحدث أكثر من المُتوقَّع، أم أن التباعد الاجتماعي نفسه أكثر فاعلية من المُتوقع؟
غريغوري روث: لطالما افتَرَضَ النموذج أن التباعد الاجتماعي يؤثِّر في عدد حالات الوفاة المُتوقَّع وقوعها. ولطالما افتَرَضَ أن كلَّ ولايةٍ لم تُعتَمَد فيها سياسات الإبعاد الاجتماعي بعد، ستعتمد هذه السياسات في غضون أسبوعٍ من التاريخ الذي عملنا فيه بهذا النموذج. لذا فإن النموذج يصدر توقُّعاته استناداً إلى افتراض أن الولايات جميعاً ستصطفُّ خلف سياسة إبعاد اجتماعي صارمة وواسعة النطاق. بيد أننا نأخذ في الاعتبار أن بعض الولايات نفَّذَت ذلك في وقتٍ أبكر من غيرها.
نشهد انخفاضاً في الأعداد بحسب تنبؤ النموذج -نموذجك بالأخص- لكن أعداد الوفيات لا تزال تتصاعد بصورةٍ مُقلِقة. هل يمكنك شرح هذه المفارقة وإلام يجدر بالناس أن ينتبهوا؟
غريغوري روث: تستند التغييرات في النموذج إلى البيانات الجديدة والأساليب المُحسَّنة، بالأخص حول تقدير مدى احتمال عدم يقينية التوقُّعات. وكلَّما تلقَّينا المزيد من البيانات حول الوفيات الناتجة عن الإصابة بفيروس كوفيد-19، نتوقَّع تعديل تنبؤاتنا لتتبع الاتجاهات الجديدة. وبالنسبة للمواقع التي لا تزال في مرحلةٍ مُبكِّرةٍ من الوباء، حيث لا توجد سوى نقاطِ بياناتٍ محدودة وعددٍ قليلٍ من الوفيات الناتجة عن الإصابة بكوفيد-19، ستكون التوقُّعات أكثر تأكُّداً وسيكون نطاق الوفيات في المستقبل أكبر.
التخلي عنه قد يؤدي لانتكاسة
ما الذي يمكن أن يسبِّب تحوُّل النموذج للارتفاع مُجدَّداً على وجه التحديد؟ هل هو إرخاءٌ لمعايير الإبعاد الاجتماعي في مناطق معينة؟
غريغوري روث: لم نشهد إرخاءً للإبعاد الاجتماعي في أيِّ منطقةٍ بالولايات المتحدة بعد. وإن ارتخى التباعد الاجتماعي في المستقبل، ستتولَّد لدينا المخاوف بأن يحدث ارتفاع مرةً أخرى في عدد الحالات. وفي الحقيقة، أحد أهم سمات الإبعاد الاجتماعي هو أننا نحافظ عليه لفترةٍ طويلةٍ بما في الكفاية لتجنُّب ارتفاعاتٍ مُتكرِّرةٍ في الإصابة بالمرض. نحن نعرف أنه حتى عندما تنخفض الحالات والوفيات في بعض المناطق، أن هناك فيروساً لا يزال منتشراً.
وبالنظر إلى أن التباعد الاجتماعي يبدو ناجحاً للغاية، فنحن قلقون من أنه إذا عدنا أدراجنا فسوف نشهد تفشياً ثانوياً، أو حتى تفشياً إضافياً بعد ذلك. شُهِدَت تغييراتٌ كبرى في النموذج في مناطق توفَّر فيها قدرٌ أقل من البيانات. لذا يمكننا أن نتوقَّع أنه كلَّما تراكَمَت المزيد من البيانات في المناطق التي لا يوجد بها عددٌ كبيرٌ من حالات الوفاة، ستتحسَّن جودة تلك التوقُّعات وربما تتغيَّر.
إلى متى يستمر التباعد الاجتماعي لمكافحة كورونا؟
بناءً على النمذجة الخاصة بك، هل يمكنك أن تقدِّم لنا جدولاً زمنياً لعملية إرخاء معايير الإبعاد الاجتماعي، أم أنه من المُبكَّر للغاية أن تتحدَّث من خلال جدولٍ زمني كهذا؟
اللافت أن إجابة الخبير الأمريكي لم تحمل موعداً محدداً لإمكانية تخفيف التباعد الاجتماعي.
إذ قال غريغوري روث: لا أعتقد أن لدينا بعد ما يكفي من البيانات من هذا التفشي لنعرف بالضرورة متى سيكون من الآمن أن نعود أدراجنا عن سياسة الإبعاد الاجتماعي، أعتقد أننا نتابع بحرصٍ بالغ الأنباء القادمة من الصين، والتي تفيد بأن هناك بعض المناطق التي بدأت بالتراجع عن بعض جوانب سياسات الإبعاد الاجتماعي التي طُبِّقَت.
وكان بحث حديث أجرته جامعة هارفارد الأمريكية باستخدام نماذج المحاكاة بالحاسوب، قد قال إن تدابير التباعد الاجتماعي قد تفرض من وقت لآخر حتى عام 2022 في الولايات المتحدة، ما لم يتوصل العلماء لوسائل أخرى فعالة مثل اللقاحات أو الأدوية لكبح انتشار الفيروس، وقد تطبق تدابير صارمة للحجر الصحي.
وتبلغ فترة حضانة فيروس كورونا المستجد، أي الفترة ما بين الإصابة وظهور الأعراض، نحو خمسة أيام، وأحيانا قد تصل إلى 14 يوماً، وفقاً لبحث صيني.
وإذا كنت مصابا بالفيروس وخالطت الآخرين كالمعتاد، فمن المحتمل أن تنقل الفيروس لشخصين أو ثلاثة ثم ينقلونه بدورهم لشخصين أو ثلاثة آخرين، وبعد شهرين فقط قد تتسبب حالة واحدة في إصابة 59,604 أشخاص بالعدوى، الأمر الذي يجعل التباعد الاجتماعي الوسيلة الرئيسية لتقليل انتشار المرض.
ما الخطوة التالية بعد التباعد الاجتماعي؟
يتوقع الباحثون أن يشهد العالم موجة ثانية من تفشي الفيروس بنهاية العام الحالي، في حال استجاب الفيروس للتغيرات الموسمية، وتراجعت حالات الإصابة في فصل الصيف، حسبما ورد في تقرير لـ"BBC".
يقول الخبير الأمريكي: "أعتقد أن أقليةً صغيرةً نسبياً من إجمالي السكان سوف ينتهي بها الحال أن تتعرَّض للفيروس وتُطوِّر مناعةً وأنه ستكون هناك مجموعةٌ كبيرةٌ من الناس لا مناعة لديهم بعد هذه الموجة الأولى".
وهذا يعني أن الدور المهم هنا ليس لسياسات الإبعاد الاجتماعي فحسب، بل أيضاً الكثير من الأدوات التقليدية في مجموعة أدوات الصحة العامة، مثل المراقبة، وتحديد الحالات، وتتبُّع الاتصال، وكافة أنواع الطرق التي يمكن استخدامها لمحاولة التأكُّد من أننا نجد حالاتٍ جديدة بمجرد إصابتها، كلُّ تلك الأدوات ستكون مهمةً حقاً للتأكُّد من أننا لن نشهد مراحل مُتكرِّرة من التفشي.