موقع أمريكي: سليماني أخطر عدو لواشنطن في الشرق الأوسط.. تحت يده فقط 100 ألف رجل لمواجهتنا

عربي بوست
تم النشر: 2019/05/18 الساعة 22:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/18 الساعة 22:02 بتوقيت غرينتش
اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس/ فارس

قبل عامين من اليوم تقريباً، توجهت قافلة من 20 مركبة باتجاه الصحراء الممتدة في جنوب سوريا، بالقرب من الحدود الأردنية.

كانت تضاريس هذه المنطقة تبدو عادية، لكنَّها في الواقع تحوي قاعدةً عسكرية تُعرف باسم "التنف"، تضم حامية من 200 جندي أمريكي، معظمهم من جنود المارينز والقوات الخاصة، جنباً إلى جنب مع نظرائهم البريطانيين ومجموعة عربية.

كان هؤلاء يُعرفون باسم مقاتلي "مغاوير الثورة"، واختيروا من بين المعارضة السورية التي حملت السلاح أولاً لمحاربة نظام بشار الأسد، لكن أصبحت مهمتهم الآن تتمثل في مساعدة قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة لمطاردة داعش. لكنَّ القافلة المتجهة إلى التنف لم تكن تنتمي إلى داعش، بل إلى اتحادٍ للميليشيات الشيعية، بقيادة حزب الله اللبناني، الذي كان يقاتل دفاعاً عن الأسد.

كانت التنف تقنياً ضمن منطقة خفض تصعيد مساحتها 55 كيلومتراً، بهدف إبعاد حلفاء دمشق. حلقت طائرتان أمريكيتان في "استعراضٍ للقوة"، وهو المصطلح الفني المستخدم من قبل وزارة الدفاع الأمريكية، لثني الميليشيات المتقدمة، لكنَّ المركبات لم تتوقف، لذلك أطلقت الطائرات الحربية طلقاتٍ تحذيرية. لم تُردع المركبات، واقترب خمسةٌ منها إلى مسافة 29 كيلومتراً من التنف. أخيراً، فتحت الطائرات الحربية النار، فدمرت دبابة وجرافة.

شد وجذب الحرب بالوكالة بين أمريكا وإيران

قتلت الولايات المتحدة للتو أعضاء من أهم وكيلٍ لإيران في غارةٍ جوية، لكنَّ الحرب مع إيران لم تندلع. وعلى العكس، بذلت واشنطن مجهوداً إضافياً للتأكيد على أنَ وجودها في سوريا كان لمحاربة داعش فقط، وأنَّ هذا الهجوم شُنَّ "دفاعاً عن النفس" فحسب، كما قال أحد مسؤولي التحالف للصحافة.

يقول موقع Daily Beast الأمريكي، لم يتخذ حزب الله أي إجراء انتقامي. بمعنى آخر، توقف التصعيد بشكلٍ عملي فوراً بعد هذه الطلعة القصيرة، التي اعُتبرت لاحقاً حادثة بسيطة للغاية في شد وجذب الحرب بالوكالة بين أمريكا وإيران في الشرق الأوسط.

فما دامت خلافة داعش موجودة، كانت تلك الحرب بالوكالة تُعد هامشيةً خلال الصراع الأكبر. لكن الآن، بعد انهيار "الخلافة" وما صاحبه من صعود "الجهاد الشيعي"، يهدد ذلك الجانب الهامشي بأن يصبح الحدث الرئيسي، في ما يُعد تكراراً واسع النطاق لآخر مرة اقتتلت فيها الولايات المتحدة وإيران على أرضٍ أجنبية. لكن هذه المرة ستحدث المواجهة في ساحة أوسع للغاية، تمتد عبر دولتين، ومع خصمٍ إيراني أكبر وأفضل تجهيزاً بكثير.

ومنذ ثلاثة أسابيع، أمر قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني المسؤول عن العمليات الخارجية، الميليشيات الشيعية "بالاستعداد لحربٍ بالوكالة"، وفقاً لصحيفة The Guardian. وقال مسؤول للصحيفة البريطانية: "لم تكن بالضبط دعوةً للاستعداد للحرب، لكنَّها لم تكن مختلفةً كثيراً".

من الواضح أنَّ هذه المعلومات الاستخباراتية، التي ذكرت تقارير أخرى أنَّها جاءت من الإسرائيليين، دفعت البيت الأبيض إلى القيام بـ"استعراض للقوة" آخر، وهو إرسال مجموعة قتال بحرية وسرب قاذفات "بي-52" إلى المنطقة، بالإضافة إلى استعراضٍ للذعر بإجلاء جميع الموظفين الدبلوماسيين غير الأساسيين من العراق. تسبب ذلك في جدالٍ بين مختلف الإدارات في الإدارة الأمريكية، وشقاق بين إدارة ترامب والشركاء الغربيين، الذين تساءلوا عن مدى خطورة وإلحاح هذا التهديد الإيراني، الذي يقال إنَّه يشمل أيضاً صواريخ نشرت في دمشق وزُودت بها قوارب الصيد في الخليج.

"سليماني هو أخطر عدو لأمريكا"

يقول موقع Daily Beast: "سليماني هو أخطر عدو لأمريكا في المنطقة، وقد استعاد دوره في مواجهة "الشيطان الأكبر" على أرضٍ يعرفها عن قرب، تديرها حكومات تسلل إلى صفوفها بمزيجٍ ميكيافيلي من الإكراه والرشوة والعنف. طريقته المهيمنة في إقناع الجميع هي إثبات أنَّه حليف أكثر موثوقية واستدامة من الولايات المتحدة، وقد بدأ الجميع في تصديقه".

يضيف الموقع الأمريكي: نالت ميليشياته سمعتها بكونها مسؤولةً عن أكبر عدد من القتلى الأمريكيين في العراق بعد تنظيم القاعدة، وكانت ميليشياته هدفاً تطارده قيادة العمليات الخاصة المشتركة، عندما كان هناك 120 ألف جندي أمريكي في العراق.

أسس الجنرال ستانلي ماكريستال فرقة عمل خاصة لـ"مواجهة النفوذ الإيراني". ليبدأ عصر غارات مروحيات البلاك هوك على رجال الميليشيات الشيعية وحتى حفنة من رؤسائهم الإيرانيين، أبرزهم الجنرال محسن شيزاري، قائد عمليات فيلق القدس. (نجا سليماني نفسه بصعوبةٍ بالغة من القبض عليه خلال حملة لقيادة العمليات الخاصة المشتركة في كردستان بالعراق).

جاء "النفوذ الإيراني" بشكلٍ واسع من الصواريخ التي أُطلقت على المواقع والأفراد الأمريكيين، والقنابل الفتاكة، المعروفة باسم العبوات الناسفة الخارقة، التي اخترقت درع دبابات أبرامز ومركبات برادلي القتالية، مما أدى إلى مقتل أو إصابة الركاب داخلها (كانت العبوات الناسفة تُعرف أيضاً باسم "القنابل الفارسية"، لأنها كانت تصنع في منشأة بترول في مدينة مهران الإيرانية، وتهرب عبر الحدود بواسطة فيلق بدر، أحد أقدم الأعمدة الخمسة التي يعتمد عليها سليماني في العراق وأكثرها موثوقية. فكرت الإدارة الأمريكية بشكلٍ جاد لبعض الوقت في تفجير المصنع).

أشهر العمليات شهرةً حدثت عام 2006، عندما شن عملاء من "عصائب أهل الحق"، وهي ميليشيا أخرى تابعة لسليماني، هجوماً قتلت فيه خمسة جنود أمريكيين في كربلاء. أحد المخططين لهذه العملية، الذي قبض عليه ماكريستال لاحقاً، كان علي موسى دقدوق، أحد عملاء حزب الله، الملقب بـ"حميد الأخرس" بسبب تردده الأولي في التكلم مع آسريه، حتى تحدث أخيراً واعترف بأنَّ الأمر برمته قد أعده الإيرانيون المشرفون عليه.

فاتورة الضحايا الكلية من حرب سليماني الأولى بالوكالة ضد القوات الأمريكية وصلت إلى 603 قتلى من الأمريكيين. ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من العراق عام 2011، كان أمامه ثماني سنوات لتعزيز مصالحه عبر ما يُشار إليه أحياناً باسم "الهلال الشيعي".

ففي الآونة الأخيرة أصبح سليماني أكثر طموحاً، وخطط لإنشاء "جسرٍ بري" إيراني، أو خط اتصال مباشر يمتد من طهران إلى البحر المتوسط، وهي خطة قيد التنفيذ منذ فترةٍ طويلة، لكنَّ العقبة الوحيدة أمامه هي الحاميات الأمريكية مثل تلك الموجودة في التنف، وهذا هو السبب في أنَّ حزب الله وشركاءه اختبروا دفاعاتها عام 2017. إذ كان هذا ثمناً قليلاً لدفعه مقابل معرفة ما إذا كان الأمريكيون سيقاتلون دفاعاً عنها.

"سليماني الآن يملك جيش احتلال"

يقول الموقع الأمريكي: لإعطائك صورة عما نحن بصدده عام 2019، فمن المفيد أن نقول إنَّ سليماني الآن يملك جيش احتلال. هناك ما يقدر بنحو 100 ألف رجل تحت قيادته، ليس جميعهم من الفرس أو العرب، فمن بينهم باكستانيون ومن أقلية الهزارة الأفغانية، وهم لاجئون فروا من حركة طالبان فأُجبروا على العمل وقوداً للمدافع في حلب والموصل. من بقي منهم حياً اكتسب تجربة تكتيكية "قيمة" خلال قتال مزيجٍ من المعارضة السورية والقاعدة وداعش، وفي بعض الحالات حتى جنود الجيوش العراقية والسورية الذين اختلفوا معهم.

سليماني قاد حرباً ميلاشياوية طويلة في سوريا لإنقاذ الأسد/ مواقع تواصل
سليماني قاد حرباً ميلاشياوية طويلة في سوريا لإنقاذ الأسد/ مواقع تواصل

والآن فإنَّ العديد من هذه الميليشيات تضع عينها على جائزةٍ أكبر بكثير. فلم يمر أسبوع تقريباً منذ بدء "عملية العزم الصلب" عام 2014، دون أن يهدد بعض المقاتلين الشيعة الجريئين علناً بإسقاط طائرةٍ أمريكية أو إطلاق النار على أفرادٍ أمريكيين. في أكثر الأحيان تصاحب هذه التهديدات نظرية المؤامرة، التي تحظى بشعبيةٍ كبيرة في العراق، بأنَّ الولايات المتحدة تعيد تزويد داعش بالمساعدات أو الأسلحة. وفي مناسباتٍ أخرى يكون الهدف ببساطة إرسال تذكيرٍ غير لطيف نيابةً عن قائدهم الإيراني، بأنَّ الوجود الأمريكي في العراق مستمر فقط برضاه وموافقته، وهو أمر له حدود.

في الواقع، يبدو أنَّ صبره قد نفد الآن، ربما بسبب مواقف المتشددين الجدد في أمريكا، أو خطط سليماني طويلة الأمد لتوسيع نطاق هيمنته، أو كليهما. إذ تقول مصادر من إيران إنَّه مشغول بتعزيز مصالحه في الداخل أيضاً. فهو لم يتوافق مطلقاً مع ما يسمون بـ"الإصلاحيين" الذين اختاروا الدبلوماسية حيال الأسلحة النووية، بل وربما التقارب ببطء مع الغرب، لينتهي الأمر بجرهم لأذيال الخيبة. تريد الولايات المتحدة طرد قوات سليماني من سوريا حيث يقومون بإنقاذ ما تبقى من نظام الأسد؟ سيرد سليماني: "سنريهم"، وقد فعل ذلك بالفعل، عبر رده على "ميم" نشره ترامب من مسلسل "Game of Thrones".


"سليماني بطل عسكري بلا منازع في الجمهورية الإسلامية"

يختتم "ديلي بيست" تقريره بالقول إن "التوقيت مثالي لسليماني، فهو يعد بطلاً عسكرياً بلا منازع في الجمهورية الإسلامية، يحظى بتقديسٍ متنامٍ داخل فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني عموماً. لقد خاض نصف دستة من النزاعات المتزامنة، قافزاً من منطقة حرب إلى أخرى، ملتقطاً صور السيلفي في الخنادق مع أتباع متأثرين ينتمون لمنظماتٍ مختلفة".

خامنئي يمنح اللواء سليماني وسام
خامنئي يمنح اللواء سليماني وسام "ذوالفقار" أعلى وسام في الجمهورية الاسلامية الإيرانية، أرشيفية/ فارس

يضيف: "الأهم من ذلك، أنَّه يُنظر إليه على أنَّه الرجل الوحيد الذي تغلب على ثلاثة رؤساء أمريكيين، مستغلاً سياساتهم قصيرة النظر مقابل بعد نظره، بدءاً من غزو العراق، مروراً بالفشل في مواجهة الأسد، وصولاً إلى الذروة بالتركيز على داعش معتبرين إياه التحدي الأمني الوحيد في المنطقة. لقد اكتسبت إيران مكانةً قوية، حتى في الوقت الذي ينهار فيه اقتصادها ويخرج شعبها إلى الشوارع مطالبين بالطعام والوظائف والمستشفيات في الداخل، بدلاً من المغامرات الثورية في الخارج".

يردف الموقع الأمريكي: "إذا كان سلوك سليماني مقدمةً لشيءٍ ما، فربما لن يكون تقاعداً، بل على الأرجح منصباً سياسياً في المستقبل. وإذا كان يطلب من أنصاره المتشددين الوقوف على أهبة الاستعداد، فحينئذٍ يجب حتى على دولةٍ يقودها شخصية كارثية مثل ترامب أن تكون مستعدةً للحرب بالوكالة أيضاً".

تحميل المزيد