لم يكن التوتر الشديد بين الولايات المتحدة وإيران الأخيرُ -والذي يوقف الشرق الأوسط بأكمله على شفا حرب- وليد اللحظة، بل صراع مكتوم منذ الثورة الإسلامية عام 1979 وحتى إرسال ترامب قواته الضاربة إلى الخليج العربي، بحجة ردع طهران.
وبحسب تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية، رفع المسؤولون الأمريكيون الرهانات فجأةً في التوتُّرات التي تغلي ببطء منذ فترة طويلة بين الولايات المتحدة وإيران، فأشاروا إلى معلومات استخباراتية جديدة، يقولون إنَّها تشير إلى تهديدٍ وشيك للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.
تلوح إمكانية الصراع المسلح بين البلدين بالأفق منذ الثورة الإسلامية والاستيلاء على السفارة الأمريكية في طهران قبل أربعة عقود. وتصاعدت تلك التوتُّرات في بعض الأحيان وتحولت إلى عنف.
وزاد هذا التأكيد الأمريكي الأخير على أنَّ إيران تُشكِّل تهديداً فورياً المخاوف من أنَّ البلدين اقتربتا أكثر من حافة الهاوية. وإليكم ما تحتاجون معرفته بشأن مخاطر نشوب صراعٍ أوسع.
كيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟
في وقتٍ سابق من هذا الشهر (مايو/أيار 2019)، أشارت الولايات المتحدة إلى معلوماتٍ بشأن تهديدٍ وشيك بوقوع هجومٍ إيراني في الشرق الأوسط، وحرَّكت بسرعةٍ مجموعة قتالية لحاملة طائرات إلى المنطقة. وفي تتابعٍ سريع للأحداث، عزَّزت واشنطن دفاعاتها، وأجْلت موظفين لها من السفارة الأمريكية في العاصمة العراقية بغداد.
لكنَّ إدارة ترامب لم تُقدِّم تفاصيل محددة عن التهديد المحتمل من إيران، وهناك حالة من التشكُّك من جانب حلفائها في أوروبا والمنطقة بالنظر إلى سوابق المعلومات الاستخباراتية الخاطئة التي قادت إلى غزو العراق عام 2003 بقيادة الولايات المتحدة.
ورداً على التحركات الأولية التي اتخذتها الولايات المتحدة هذا الشهر، قالت إيران إنَّها ستُنهي امتثالها لبعض الالتزامات الواردة بالاتفاق النووي لعام 2015 بين إيران والقوى العالمية الست. كان الهدف من الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة والصين وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة وروسيا هو كبح الطموحات النووية الإيرانية مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية.
لكنَّ التوتُّرات تصاعدت باطراد منذ بداية إدارة ترامب. فسحب الرئيس ترامب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي العام الماضي (2018)، وفرض عقوباتٍ ثقيلة، وتحرَّك لوقف صادرات النفط الإيرانية، وصنَّف الحرس الثوري الإيراني تنظيماً إرهابياً.
قالت سانام وكيل، الباحثة الأولى ببرنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد تشاتام هاوس، إنَّ افتقار إدارة ترامب إلى فهم إيران لم يؤدِّ إلا إلى تأجيج النيران.
وأضافت: "(لننظر إلى) شيء بسيط مثل اللغة المُهينة التي يستخدمونها، وهي لغة سياسية ويستخدمونها باختيارهم، لكنَّها ليست اللغة التي تنجح مع جمهورية إيران الإسلامية. لا توجد إلا ثقة محدودة جداً بين الطرفين".
هذه ليست كالحرب مع العراق، وهذا هو السبب
في حين قارن البعض هذا الوضع بالفترة السابقة للغزو الأمريكي للعراق، توجد اختلافات مهمة.
فإيران أكبر من حيث المساحة بمقدار أربعة أضعاف تقريباً من الجار العراقي. ووفقاً للبنك الدولي، يصل عدد سكانها إلى نحو 80 مليون نسمة، وهو ثاني أكبر عدد سكان في بلد بالمنطقة بعد مصر، كما تملك ثاني أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وإبَّان الغزو الأمريكي للعراق في 2003، كان البلد به أغلبية شيعية لكن تحكمه الأقلية السُنّيّة. أمَّا في إيران، فتُمثِّل الأغلبية الشيعية للسكان في الحكومة بشيعة أيضاً.
تملك إيران جيشاً نظامياً محدوداً، لكنَّ شبكتها المتنامية من المجموعات الوكيلة تُعظِّم نفوذها في المنطقة، وهو ما يعني أنَّ أي صراعٍ مع القوات الأمريكية قد يؤدي إلى حرب عصابات تُخاض على عدة جبهات.
كان أيضاً رد الحلفاء في أوروبا والشرق الأوسط مختلفاً للغاية عن ردهم في الفترة السابقة للحرب على العراق.
قالت سانام وكيل: "هناك انقسام واضح للغاية بين حلفاء ضفتي الأطلسي بشأن كيفية التعامل مع هذه الأزمة. فأوروبا تتميز عن الولايات المتحدة بأنَّها هادئة ومتأنية في ردها. ويمكنكم بوضوحٍ رؤية إحباطات الأوروبيين (الذين يرون) أنَّ هذه أزمة مُصطنَعة".
وظل الحلفاء الإقليميون –وضمن ذلك الإمارات والسعودية وإسرائيل، وهي الدول التي كانت كلها داعمة لحملة الضغط الأقصى التي تتبعها إدارة ترامب على إيران- صامتين حتى الآن.
وقالت وكيل: "صمتهم على مدار الأيام القليلة الماضية، يُنبئ بأنَّ الجلبة التي صنعوها أكبر من أفعالهم الحقيقية. لا ترغب المنطقة بأي شكل، في تجرُّع الألم الناتج عن نشوب صراعٍ مع إيران".
العلاقات بين إيران والولايات المتحدة تتأرجح منذ عقود
تعود التوتُّرات بين إيران والولايات المتحدة إلى عقودٍ تسبق إدارة ترامب بكثير. ولطالما كان بؤرةَ التوتُّر الأخطر مضيقُ هرمز، الممر المائي الضيق الذي يربط الخليج ببقية العالم.
وهو قناة مائية يمر بها نحو 40% من حركة ناقلات النفط بالعالم، وكان في خلفية التهديد والوعيد العسكري بصورة متكررة، بحسب الصحيفة الأمريكية.
فحذَّرت إيران من إمكانية إغلاق المضيق في أثناء حربها مع العراق، والتي استمرت من عام 1980 حتى عام 1988، وهدَّدت منذ ذلك الحين بصورة دورية بتلغيم الممر المائي. وتعهَّد الأسطول الخامس الأمريكي، الذي يحرس المنطقة انطلاقاً من قاعدته في البحرين، بمنع أي تهديد للملاحة المائية.
وتصادمت القوات الأمريكية والإيرانية في المضيق مراراً في عام 1988، بعدما دمَّر لغم إيراني فرقاطة تابعة للبحرية الأمريكية. وفي يوم 18 أبريل/نيسان 1988، أغرق الأمريكيون ثلاث سفن بَحرية إيرانية، ودمَّروا منصتي مراقبة فيما كانت تقريباً حرباً من يومٍ واحد.
حدثت المواجهة الأكثر دموية بين البلدين بالمضيق في يوليو/تموز 1988، حين أسقطت سفينة حربية أمريكية طائرة ركاب إيرانية بصاروخي أرض-جو، وهو ما أودى بحياة 290 شخصاً، هم كلُّ مَن كانوا على متن الطائرة، بينهم 66 طفلاً. وقال الأمريكيون إنَّهم أخطأوا طائرة الركاب بطائرة مقاتلة أخرى.
لم تكن المواجهات الأخرى دموية، لكن نُظِر إليها باعتبارها مُحرِجة.
ففي ديسمبر/كانون الأول 2011، ادَّعت القوات الإيرانية أنَّها أسقطت طائرة استطلاع أمريكية متطورة من دون طيار، قال الأمريكيون بعدما فُقِدَت، إنَّ الطائرة تحطَّمت، وطالبت إيران بإعادتها.
وبدلاً من ذلك، وضع الإيرانيون الطائرة من دون طيار للعرض، وادَّعوا لاحقاً أنَّهم عكسوا هندستها لإنتاج طائرة من دون طيار خاصة بهم.
وفي يناير/كانون الثاني 2016، قبل أيام من دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ، أسَرَت البحرية الإيرانية 10 بحَّارة أمريكيين كانوا يُسيِّرون دورية قوارب وانحرفت قواربهم إلى المياه الإقليمية الإيرانية في الخليج. والتقط الإيرانيون صوراً للبحارة وهم جاثون على رُكَبهم، وهي خطوة كان الهدف منها بوضوح، إهانة الولايات المتحدة.
أُطلِق سراح البحارة بعد 24 ساعة، وخلص تحقيق لوزارة الدفاع الأمريكية إلى أنَّ تخبُّط البحرية الأمريكية كان هو السبب.
إذاً ما دخل العراق بهذا؟
نما التحالف بين إيران والعراق منذ الإطاحة بصدام حسين، وما تلا ذلك من صعودٍ للحكومات التي يقودها الشيعة.
وبعدما كانتا عدوتين لدودتين في الماضي، شهدت الانتخابات الوطنية العراقية الأخيرة حصول أحزاب مرتبطة بقوات الحشد الشعبي شبه العسكرية –وهي مظلة جامعة تضم نحو 50 مجموعة شبه عسكرية تملك كثير منها علاقات مع طهران، وقاتلت بنجاح ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)- على مزيدٍ من السلطة.
تحرَّكت إيران أيضاً لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع العراق، وهو الأمر الذي عمَّق العلاقات أكثر. وجعل هذا إيران والولايات المتحدة في تنافسٍ مباشر على النفوذ في البلاد.
والأسبوع الماضي، بعد أيام من ادعاء المسؤولين الأمريكيين لأول مرة، وجود تهديد وشيك من إيران، أجرى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو زيارة غير معلنة، استغرقت ساعات، لبغداد، لبحث ما قال إنَّها دلائل على تزايد الأخطار المحيطة بالأمريكيين هناك. والتقى كلاً من وزير الخارجية ورئيس الوزراء والرئيس.
وقال مسؤولون لصحيفة The New York Times الأمريكية، إنَّ مخاوفهم تتركَّز على الحرس الثوري الإيراني وعلاقاته مع بعض الميليشيات العربية الشيعية، وقالوا إنَّ لديهم معلومات تشير إلى خطط لحشد المجموعات الوكيلة لإيران في العراق وسوريا لمهاجمة القوات الأمريكية.
وقال مسؤولون أمريكيون لاحقاً، إنَّ المعلومات الاستخباراتية تتضمَّن صوراً لصواريخ منصوبة على زوارق صغيرة في الخليج، نصبتها هناك قوات شبه عسكرية إيرانية. وتخشى الولايات المتحدة من إمكانية إطلاق تلك الصواريخ على البحرية الأمريكية.
بالإضافة إلى ذلك، أشار المسؤولون الأمريكيون إلى تهديداتٍ للملاحة التجارية وهجماتٍ محتملة من جانب ميليشيات لديها علاقات بإيران على القوات الأمريكية في العراق. وحذَّر المسؤولون العراقيون هذا الأسبوع الميليشيات المرتبطة بإيران بالامتناع عن استفزاز الأمريكيين.