قالت صحيفة The Guardian البريطانية إن أبرز قائد عسكري إيراني التقى مؤخراً بميليشيات عراقية في بغداد وأخبرهم "بالاستعداد لحرب بالوكالة".
إذ أفاد مصدران استخباريان رفيعا المستوى للصحيفة بأنَّ قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني القوي، استدعى الميليشيات الواقعة تحت نفوذ طهران منذ ثلاثة أسابيع، وسط حالة من التوتر الشديد في المنطقة. ويُعتقد أنَّ التحرك لحشد حلفاء إيران الإقليميين قد أثار مخاوف الولايات المتحدة من أنَّ مصالح واشنطن في الشرق الأوسط تواجه تهديداً وشيكاً. ورفعت المملكة المتحدة مستويات التهديد لدى القوات البريطانية في العراق الخميس 16 مايو/أيار 2019.
ومع أنَّ سليماني قد التقى على نحو دوري بقادة الجماعات الشيعية الكثيرة على مدى السنوات الخمس الماضية، فإنَّ طبيعة هذا الاجتماع ونبرته كانتا مختلفتين، إذ قال أحد المصدرين إنًّ سليماني "لم يدعُهم لحمل السلاح، لكنَّه كان قريباً من ذلك".
نشاط دبلوماسي عراقي أمريكي خشية التصعيد
وأدى هذا الاجتماع إلى نوبة من النشاط الدبلوماسي بين المسؤولين الأمريكيين والبريطانيين والعراقيين الذين يحاولون إبعاد شبح المواجهات بين طهران وواشنطن، والذين يخشون الآن من أنَّ العراق ربما يصبح ساحة للصراع.
وقد كان هذا الاجتماع أحد الأسباب التي وجهت قرار الولايات المتحدة بإجلاء الموظفين الدبلوماسيين غير الضروريين من السفارة الأمريكية في بغداد وأربيل، ورفع مستوى الخطر في القواعد الأمريكية في العراق. وتصادف ذلك أيضاً مع خطر منفصل محسوس على المصالح الأمريكية ومصالح حلفائها في الخليج وهو ما أدى إلى تهديد شديد باحتمالية تحول الصراعات بالوكالة، المستمرة منذ أكثر من عقد من الزمان، إلى صدام مباشر بين واشنطن وطهران.
وزعم المصدران الاستخباريان أنَّ قادة جميع الميليشيات التي تندرج تحت مظلة الحشد الشعبي العراقي كانوا حاضرين في هذا الاجتماع الذي دعا إليه سليماني. وقد التقى أحد كبار الشخصيات الذين علموا بهذا الاجتماع بمسؤولين غربيين للتعبير عن قلقه.
ولما كان سليماني رئيساً لفيلق القدس، فإنه يضطلع بدور مهم في التوجهات الاستراتيجية للميليشيات وعملياتها الرئيسية. وعلى مدار الـ15 عاماً الماضية، كان سليماني أكثر صناع القرار نفوذاً في العراق وسوريا، إذ كان يقود جهود طهران لتعزيز حضورها في كلا البلدين، ويحاول إعادة تشكيل المنطقة لصالحها.
وأصبحت الولايات المتحدة صاخبة على نحو متزايد فيما يخص أنشطة الوكلاء الإيرانيين في الشرق الأوسط. إذ سمى ترامب الشهر الجاري حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وهي جماعة يصنفها الغرب جماعة إرهابية تمولها إيران وحزب الله اللبناني، باعتبارها المسؤولة جزئياً عن وابل الصواريخ التي أطلقت من غزة إلى إسرائيل.
وفي يوم الأحد، قيل إنه جرى تخريب 4 سفن قبالة ساحل الإمارات، اثنتان منهما ناقلتا نفط سعوديتان. وفي اليوم التالي، شنت طائرات من دون طيار سيرها المتمردون المتحالفون مع إيران في اليمن، هجوماً على خطي أنابيب سعوديين.
ودعت وسائل الإعلام الحكومية السعودية الخميس إلى "ضربات جراحية" ضد أهداف إيرانية رداً على ذلك الهجوم، وقال كبار مسؤوليها لواشنطن إنهم يتوقعون منها التصرف دفاعاً عن مصالحها.
إدارة ترامب حذرة من الميليشيات العراقية
في حين، قال دبلوماسيون إقليميون لصحيفة The Guardian إنَّ مما زاد من المخاوف الاعتقاد بأنَّ قافلة من الصواريخ الإيرانية قد تم نقلها بنجاح الأسبوع الماضي عبر محافظة الأنبار العراقية إلى سوريا، حيث نقلت بأمان إلى دمشق. وقد نجح هذا النقل في الإفلات من المخابرات الأمريكية والإسرائيلية على الرغم من اعتراض الأخيرة لعشرات من العمليات المزعومة لتسليم الصواريخ في السنوات الثلاث الماضية، والتي كانت تُنقل إلى قواعد سورية عديدة عبر جسر جوي.
وقد كانت المخاوف من انبثاق ممر بري تديره إيران من القتال ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، والذي اضطلعت فيه الميليشيات الشيعية بدور بارز، في القلب من المخاوف بأنَّ العراق وسوريا ما بعد الحرب يمكن أن تخربهما المناورات الإقليمية.
وهيمنت احتمالية خروج إيران من القتال ضد داعش أكثر جرأة، على النقاشات الأخيرة بين رجال دونالد ترامب المتشددين: مستشار الأمن القومي جون بولتون، ووزير الخارجية مايك بومبيو، وكلاهما أساسي في تصعيد برنامج العقوبات الأمريكية وانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الدولي الذي وقعته إيران والرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.
وظلت إدارة ترامب حذرة من الميليشيات العراقية، على الرغم من أنهما اشتركتا في قيادة القتال ضد داعش، وقد أدمجت هذه الجماعات في هيكل الدولة العراقية، واجتذبت مقارنات متزايدة مع الحرس الثوري الإيراني. ومع أنَّ هذه الميليشيات تشمل بعض الوحدات السنية والمسيحية واليزيدية، فإنَّ الجماعات الشيعية تهيمن عليها، وتتمتع أقوى هذه الجماعات بالرعاية المباشرة من إيران.
نقاشات لدى حلفاء واشنطن حول المخاوف الأمريكية
ويبدو أنَّ وزير الخارجية البريطاني جيريمي هنت قد ربط المملكة المتحدة يوم الخميس بالمزاعم الأمريكية بأنَّ موقف طهران التهديدي قد تغير. إذ قال هنت على تويتر: "نتشاطر التقييم ذاته للتهديد الذي تمثله إيران، ونعمل عن كثب مع الولايات المتحدة الأمريكية كالمعتاد".
وكان جنرال بريطاني قد تحدى مزاعم إدارة ترامب في وقت سابق من الأسبوع الجاري بأنَّ تهديداً وشيكاً قد نشأ من إيران، ما أدى إلى خلق انشقاق علني نادر بين البلدين اللذين تعرض تحالفهما لاختبار في بعض الأحيان بسبب الطبيعة غريبة الأطوار للسياسة الإقليمية لترامب.
ومع ذلك، فيُعتقد أنَّ المملكة المتحدة كانت في القلب من المخاوف التي أثيرت مؤخراً، والجهود المبذولة لتهدئة الأزمة التي فرضت فيها الولايات المتحدة استراتيجية "الضغوط القصوى" على إيران، وتعهد المسؤولون الإيرانيون بالدفاع عن مصالحهم في مواجهة العقوبات المشددة والحصار النفطي الذي يستنزف خزائن طهران بشدة.
وقال سفير طهران لدى الأمم المتحدة مجيد تخت روانجي لإذاعة NPR الأمريكية، إنَّ إيران ليست معنية بتصعيد التوترات الإقليمية، لكن "لدينا الحق في الدفاع عن أنفسنا".
وكانت الولايات المتحدة قد أمرت بإرسال حاملة طائرات وسرب من قاذفات B-52 إلى المنطقة، رداً على هذا التهديد المتزايد الملموس. وفي غضون ذلك، قال مسؤول بوزارة الصحة في اليمن، حيث دخلت الحرب التي تقودها السعودية ضد قوات الحوثي المتحالفة مع إيران عامها الخامس، إنَّ ضربات جوية وقعت في الصباح الباكر قتلت 6 أشخاص، بينهم 4 أطفال.