بدأت الخلافات الروسية الإيرانية حول سوريا تطفو على السطح، بعد أن كانت خفيةً في السابق، ويتجسد ذلك في المنافسة بين الطرفين على فرض النفوذ الأكبر على حكومة نظام بشار الأسد.
وبحسب دبلوماسيين ومحللين، فإن ذلك يزيد من تعقيد الحرب في سوريا، والتي ما تزال بعيدةً عن نهايتها، وفقاً لما ذكرته وكالة Voice of America الأمريكية.
طهران وموسكو تحاولان الظهور بصورة المنتصر، لكن ما يجري وراء الكواليس يوحي عكس ذلك
ويرغب الإيرانيون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أن يُقدِّموا أنفسهم في صورة المنتصر الحقيقي في هذا الصراع، الذي خلَّف ما يقرب من نصف مليون قتيل، إلى جانب حصد الفوائد الجيوستراتيجية والتجارية الناجمة عن دعمهم للرئيس الأسد، بحسب المُحلِّلين.
لكن المناورات التي تجري وراء الكواليس تشير إلى تزايد التوتُّرات، فضلاً عن التقارير المحلية عن اشتباك القوات الموالية لروسيا مع الميليشيات الحكومية الموالية لإيران، في شمال سوريا.
وأكبر مثال على الصراع الحاصل تغيير مسؤولي المناصب العليا في الأمن
وأوضح عددٌ من الدبلوماسيين أنَّ تغيير مسؤولي المناصب العليا في أجهزة الأمن السورية خلال الشهر الماضي (أبريل/نيسان 2019)، جاء نتيجةً للضغوط الروسية الرامية إلى إضعاف ماهر، شقيق الرئيس الأسد، الذي يُعتبر مُوالياً لإيران.
وأشارت التقارير إلى وقوع 12 قتيلاً على الأقل، نتيجة الاشتباكات المُسلَّحة التي اندلعت بين القوات الروسية والميليشيات الموالية لإيران داخل مدينة حلب الشمالية الشرقية، في منتصف أبريل/نيسان 2019. واندلعت تلك الاشتباكات وارتفعت وتيرتها سريعاً بالقرب من أحد الأسواق في حي الخالدية بالمدينة.
الميليشيا الإيرانية وجَّهت اتهامات إلى روسيا بالتنسيق مع إسرائيل لضرب قواتها داخل سوريا
ووجَّهت الميليشيات الموالية لطهران اتِّهاماً إلى موسكو بأنَّها نسَّقت مع تل أبيب خلال الضربات الجوية الإسرائيلية الأخيرة على الأهداف العسكرية الإيرانية داخل سوريا. وانتشرت تلك الشكاوى في وسائل الإعلام الإيرانية.
وقال بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، إنَّ الرئيس الروسي حريصٌ على تقليص الوجود العسكري الإيراني داخل سوريا، وذلك إثر اجتماعه مع بوتين في موسكو أوائل 2019. وأضاف أنَّ غالبية محادثاتهما تركَّزت على الوجود الإيراني الراسخ داخل سوريا.
وقال المسؤولون الإسرائيليون، خلال حديثهم إلى المراسلين لاحقاً، إنَّ بوتين لم يفرض أي قيود على استهداف إسرائيل للوحدات العسكرية الإيرانية في سوريا أو لحزب الله، الميليشيا الشيعية اللبنانية المُتشدِّدة والحليفة لإيران. إذ تزايدت في السنوات الأخيرة وتيرة الغارات الجوية الإسرائيلية.
وقال أحد المسؤولين: "تنطوي سياستنا على مواصلة تحرُّكاتنا، وهو الأمر الذي سيتقبَّله الروس بصدرٍ رحب".
المصالح الخاصة لروسيا وإيران أولاً ولو كانت على حساب الشعب السوري
وتطرَّق مقالٌ نُشِرَ مؤخراً في صحيفة سورية مُقرَّبة من حكومة الأسد، إلى مسألة التنافس بين موسكو وطهران، واتَّهم حليفي سوريا بدفع مصالحهما الخاصة "حتى لو كانت ستزيد معاناة الشعب السوري".
وقال رفعت إبراهيم البدوي، كاتب الأعمدة في صحيفة "الوطن" السورية، إنَّ هناك منافسة محمومة بين روسيا وإيران، إذ ترعى كُلٌّ منهما مبادرة تتعارض مع نظيرتها، بما يخدم مصالحها الإستراتيجية.
فإيران تريد تقارباً تركيّاً سوريّاً، أما روسيا فتريد لدمشق أن تتحالف مع السعودية أكثر
وأضاف أنَّ إيران تسعى إلى إعادة التقارب بين دمشق وأنقرة، بهدف تطوير تحالف إقليمي بين إيران وتركيا وسوريا. وقال إنَّ روسيا عازمةٌ على إضعاف الوجود الإيراني في سوريا، وإنَّها تُشجِّع الأسد على التقارب أكثر مع السعودية.
وكتب أيضاً: "لم تكن زحمة زيارات المسؤولين الروس والإيرانيين المتتالية لدمشق من قبيل المصادفة، بيد أن تلك الزيارات شكَّلت ما يشبه السباق المحموم لتسليم القيادة السورية رسائل، حملت في طياتها مقترحات وعروضاً مقدَّمة سعياً للفوز بتسوية مع سوريا".
وتجدر الإشارة إلى أنَّ "الوطن" صحيفةٌ مملوكة لرامي مخلوف، ابن عم الأسد.
المنافسة تأخذ بُعداً آخر أيضاً بين الطرفين، فموسكو تضع يدها على النفط والغاز والموانئ
يتمحور الشق الأكبر من المنافسة الروسية الإيرانية حول الغنائم والفرص الاقتصادية. إذ حصلت روسيا على الحقوق الحصرية لإنتاج النفط والغاز في البلاد عام 2018، وأوضح بوتين أنَّ الشركات الروسية ستحظى بالأولوية حين يتعلق الأمر بعقود إعادة الإعمار.
وقال مسؤولون روس الأسبوع الماضي، إنَّهم على وشك الانتهاء من توقيع عقد إيجار لميناء طرطوس المربح داخل سوريا مدَّة تصل إلى 25 عاماً تقريباً، إذ تمتلك البحرية الروسية قاعدةً هناك تساعدها في بسط قوتها على البحر المتوسط.
وقال أندريه بوريسوف، نائب وزير الخارجية الروسي، لوكالة Tass الروسية للأنباء: "حققنا تقدُّماً كبيراً في هذا الصدد، ونأمل أن نُوقِّع العقد بغضون أسبوع، وأن تستخدم الشركات الروسية ميناء طرطوس 49 عاماً".
أما إيران فتسعى لإتمام خطتها بشأن خط سكك حديدي يمتد من طهران حتى دمشق
وأعلنت إيران في الوقت نفسه، أنَّها استأنفت خطتها لإنشاء خط سككٍ حديدية يمتد من طهران إلى دمشق، مروراً بالعراق المجاور.
وتقول الحكومة السورية إنَّها تعتزم تأجير ميناء آخر على ساحلها الغربي في اللاذقية، بدايةً من شهر أكتوبر/تشرين الأول 2019، استجابةً لطلب إيراني رسمي.
وقدَّمت إيران أكثر من 7 مليارات دولار على شكل قروض إلى سوريا منذ اندلاع الحرب، وهو ما أنقذ حكومة الأسد من الانهيار المالي. واستفادت إيران بتوقيع 5 اتفاقيات تعاون على الأقل، ومُنِح الإيرانيون بموجبها حق استخدام 50 كيلومتراً مُربَّعاً من الأراضي الزراعية، وحق الانتفاع بمناجم الفوسفات في جنوب تَدمُر، وحق التحكُّم في تراخيص مُشغِّلي الهواتف المحمولة. لكن معظم تلك الصفقات لم تُنفَّذ بعد، رغم توقيعها.
وأظهرت إيران وروسيا، الخصمان القديمان، مستويات غير مسبوقة من التعاون في الدفاع عن الأسد حتى وقتٍ قريب. وقدَّمت روسيا القوات الجوية، في حين قدَّمت إيران القوات البرية في صورة الحرس الثوري الإيراني وحزب الله والمقاتلين الشيعة من العراق وأفغانستان.
ولم ينقطع حبل التعاون بين روسيا وإيران حتى الآن، لكن المنافسة بينهما تزداد حِدَّة.