بعد أن اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراره المفاجئ بإلغاء إعفاءات تصدير النفط الإيراني لبعض الدول مستهدفاً تضييق الخناق على اقتصاد طهران المنهك أصلاً بفعل العقوبات الأمريكية، جاء الرد الإيراني بالتهديد بإغلاق مضيق هرمز في وجه ناقلات النفط، فهل يمكن أن يتحول التهديد لخطوة فعلية، وهل تمتلك إيران الإمكانيات لتنفيذ التهديد؟ وماذا ستكون الخطوة التالية؟ دعونا نحاول الإجابة على الأسئلة المتعلقة بتلك القصة المقلقة.
ما أهمية مضيق هرمز؟
يربط مضيق هرمز بين الخليج العربي وخليج عمان وهو المدخل الوحيد للمحيط الهندي وتطل عليه إيران من الشمال بينما تطل عليه الإمارات وعمان من الجنوب، ويبلغ عرض المضيق 39 كيلومتراً.
وبحسب تقرير لرويترز، قدرت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن 18.5 مليون برميل من النفط المنقول بحراً يومياً مرت عبر المضيق في 2016. وشكل ذلك نحو 30% من الخام وغيره من السوائل النفطية التي جرى شحنها بحراً في 2016.
وقالت شركة فورتيكسا للتحليلات النفطية إن ما يقدر بنحو 17.2 مليون برميل يومياً من الخام والمكثفات جرى نقلها عبر المضيق في 2017، ونحو 17.4 مليون برميل يومياً في النصف الأول من 2018.
مع بلوغ الاستهلاك العالمي للنفط نحو 100 مليون برميل يومياً، فإن ذلك يعني أن قرابة خُمس تلك الكمية يمر عبر مضيق هرمز، ويمر عبر المضيق معظم صادرات الخام من السعودية وإيران والإمارات العربية المتحدة والكويت والعراق، كما يمر من المضيق كل إنتاج قطر تقريباً من الغاز الطبيعي المسال، علماً بأن قطر هي أكبر مُصدر للغاز المسال في العالم.
هل هددت إيران بالفعل بإغلاقه؟
رئيس الحرس الثوري الإيراني علي رضا تانجيري قال إن إيران سوف تغلق المضيق إذا تم منعها من استخدامه لتصدير النفط.
وبحسب رويترز نقلاً عن وكالة الأنباء الرسمية فارس، أضاف تانجيري: "طبقاً للقانون الدولي، مضيق هرمز ممر بحري ولو تم منعنا من استخدامه سوف نقوم بإغلاقه".
"في حالة وجود أي تهديد لن يكون لدينا أدنى شك في قدرتنا على حماية المياه الإيرانية والدفاع عنها"، أضاف تانجيري.
لماذا التهديد بالإغلاق؟
القرار الذي اتخذته إدارة ترامب ويهدف إلى تصفير صادرات النفط الإيراني بحلول الثالث من مايو/أيار المقبل أي بعد نحو 10 أيام فقط، يعني وضع الاقتصاد الإيراني في كارثة محققة، وبالتالي تم وضع طهران الآن بالزاوية كما يقال، أي ضاقت الخيارات تماماً وربما هذا بالتحديد ما يسعى إليه ترامب.
ترامب من جهته يراهن على إسقاط النظام الإيراني من الداخل عن طريق العقوبات الاقتصادية، ولكن هذا السيناريو يبدو غير واقعي في ضوء وجود العقوبات الأمريكية بصورة أو بأخرى على مدى العقود الأربعة الأخيرة دون أن تحقق ذلك الهدف.
التحدي الإيراني للقرار الأمريكي جاء سريعاً وحاسماً وليس فقط من ناحية التهديد بإغلاق هرمز، حيث نقلت وكالة تسنيم للأنباء عن مصدر إيراني لم تسمّه أنه بغض النظر عن وجود أو اختفاء ما يعرف بالإعفاءات الأمريكية "صادرات إيران من النفط لن يتم تصفيرها تحت أي ظرف من الظروف إلا بقرار سياسي إيراني بوقف صادرات النفط وهذا الأمر لا مجال له الآن".
ما هي الخيارات الإيرانية؟
تجيب باربرا سلافين مديرة مبادرة مستقبل إيران في المجلس الأطلسي بواشنطن على التساؤل بقولها إن الشعب الإيراني هو مَن سيتحمل نتيجة قرار ترامب وليست قيادته التي لن تنحني أمام إدارة أمريكية تتصرف بشكل منفرد ومتعسِّف.
وأضافت سلافين: "الواقع أن القرار الأمريكي سوف يغذي الرواية الإيرانية بكونهم ضحية وسوف يعطي النظام في طهران الذريعة ليُلقي بلائمة المعاناة الاقتصادية للشعب على إدارة ترامب، كما أن القرار لن يؤثر في الوضع الإقليمي لطهران في الوقت الذي تسحب فيه واشنطن قواتها من الشرق الأوسط، وتتخلى عن دورها في عمليات إعادة بناء العراق،" بحسب موقع المجلس الأطلسي.
هل تمتلك طهران الإمكانيات؟
البحرية الإيرانية تمتلك القدرة على إغلاق المضيق، ولكن عملية اتخاذ القرار نفسه لن تكون بسيطة ولا يتوقع أن تكون متسرعة؛ لأن ذلك ليس له إلا معنى واحد وهو الحرب، والنظام الإيراني يدرك ذلك جيداً، ويدرك أن هذا ما يسعى إليه ترامب، ومن خلفه أعداء إيران في المنطقة.
ولكي نستوعب خطورة القوة العسكرية الإيرانية في مضيق هرمز، نذكر هنا ما قاله مسؤول أمريكي، عندما وقّعت واشنطن اتفاقية مع عمان لاستخدام ميناءي صلالة والدقم المطلين على خليج عمان خارج مضيق هرمز مباشرة، بحسب موقع كرايسيس غروب الأمريكي: "كانت البحرية الأمريكية تعمل تتحرك في مياه الخليج ومضيق هرمز دون قلق، ولكن بسبب التسليح الإيراني كما وكيفا أصبحت لدينا مخاوف"، وأضاف أن "ميناء الدقم موقعه الجغرافي هام كونه خارج المضيق".
كيف ستتأثر السعودية بإغلاق هرمز؟
ربما يكون الخاسر الأكبر حال أقدمت طهران على إغلاق المضيق هي السعودية على أساس أن أغلبية صادراتها من النفط تمر عبر هرمز، وتوقف تلك الصادرات يعني كارثة على الاقتصاد السعودي بلا شك.
لذلك تسعى الإمارات والسعودية لإيجاد طرق أخرى لتفادي المرور بمضيق هرمز، بما في ذلك مد مزيد من خطوط أنابيب النفط، وبحسب بيانات وكالة الطاقة الدولية لعام 2016 فإن خطوط الأنابيب العاملة التي لا تمر بمضيق هرمز تشمل خط بترولاين (خط أنابيب شرق-غرب)، وهو خط سعودي عامل تبلغ طاقته الاستيعابية 4.8 مليون برميل يومياً، ويُستخدم منها بالفعل 1.9 مليون برميل يومياً بينما تبلغ طاقته غير المستغلة 2.9 مليون برميل يومياً، وخط أنابيب أبوظبي للنفط الخام وهو خط إماراتي عامل سعته 1.5 مليون برميل يومياً، يُستخدم منها نصف مليون برميل، بينما تبلغ الطاقة غير المستغلة مليون برميل، إضافة لخط أبقيق-ينبع لسوائل الغاز الطبيعي، وهو خط سعودي عامل تبلغ طاقته الاستيعابية 300 ألف برميل يومياً، ومستغلة بالكامل.
هل تم إغلاق هرمز من قبل؟
رغم وقوع أكثر من حادث "تحرش بحري" بين القوارب الحربية الإيرانية والسفن الحربية الأمريكية التي تجوب الخليج، وأبرزها في عامَي 2007 و2008 وكادت تتحول لاشتباكات فعلية، فإن طهران لم تقدم أبداً على إغلاقه من قبل.
ففي مطلع 2008، قالت الولايات المتحدة إن الزوارق الإيرانية هددت سفنها الحربية بعدما اقتربت من ثلاث سفن تابعة للبحرية الأمريكية في المضيق، وفي يونيو/حزيران 2008، قال قائد الحرس الثوري الإيراني وقتها محمد علي جعفري، إن إيران ستفرض قيوداً على المرور في المضيق إذا تعرضت للهجوم.
وفي يناير/كانون الثاني 2012، هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز رداً على عقوبات أمريكية وأوروبية استهدفت إيراداتها النفطية في محاولة لوقف برنامج طهران النووي.
ومفهوم أن التهديد بإغلاق المضيق يمثل ورقة الضغط الأبرز لدى طهران، أما الإغلاق الفعلي فنتيجته الحتمية هي الحرب؛ لأنه لا السعودية ولا باقي دول الخليج ولا حتى الصين ستتحمل النتائج الكارثية على اقتصاداتها.
فالأسطول الخامس الأمريكي متمركز في البحرين وتجوب سفنه مياه الخليج باستمرار لضمان عدم وجود عوائق أمام حركة ناقلات النفط من الخليج إلى المحيط الهندي، مروراً بمضيق هرمز.
وأثناء فترة التوتر عام 2011 أكد المتحدث باسم البنتاغون وقتها كابتن جون كيربي حرص واشنطن أن يكون وجودها العسكري في محيط هرمز "كافياً للالتزام بتعهداتنا الأمنية تجاه الأصدقاء والشركاء في المنطقة بالإضافة للمجتمع الدولي"، في إشارة واضحة للاستعداد العسكري الأمريكي لأي محاولات إيرانية لإغلاق هرمز.
ورغم كل تلك المعطيات تظل الخيارات محدودة للغاية أمام طهران إذا ما تراجعت الصين والهند وتركيا وكوريا الجنوبية بالفعل عن استيراد النفط الإيراني تفادياً للدخول في صراعات مع واشنطن، فعندها يمكن لإيران أن تتخذ الخيار الوحيد المتبقي، وهو إشعال الحرب في المنطقة.