الإعلان الأمريكي المفاجئ عن وقف إعفاءات شراء النفط الإيراني الممنوحة لثمان دول منذ نوفمبر الماضي وسريان القرار بدءا من الثالث من مايو\أيار المقبل، أي بعد 10 أيام فقط، سبب ارتباكا في أسعار النفط التي ارتفعت أكثر من 3% الاثنين 22 إبريل\نيسان 2019، لكن الواضح أن قرار الرئيس دونالد ترامب تقف وراؤه أهدافا أخرى.
لماذا اتخذ ترامب هذا القرار الآن؟
كي نقف على تداعيات القرار الذي أطلق عليه خبراء الاقتصاد "مقامرة ترامب"، لنتوقف قليلا عند حيثياته من وجهة نظر الرئيس الأمريكي والتي جاءت على لسان وزير خارجيته مايك بومبيو.
"لن نمنح أية إعفاءات وسنطبق سياسة صفرية على الجميع (إيران تصدر حاليا نحو مليون ونصف المليون برميل يوميا من النفط)"، وأضاف بومبيو أن المدى الزمني لتلك السياسة الصفرية يتوقف فقط على ما إذا كانت طهران ستغير سلوكها أم لا.
"لقد أوضحنا مطالبنا للآيات الله وأتباعهم (النظام الإيراني)، بأن عليهم وقف السعي للحصول على السلاح النووي والتوقف عن اختبار الأسلحة الباليستية وإنهاء دعم وارتكاب الجرائم الإرهابية والتوقف عن احتجاز مواطنين أمريكيين بشكل تعسفي."
لماذا كان القرار مفاجئا؟
القرار رغم ذلك جاء مفاجئا لأن الرسائل والإشارات الصادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية كانت تصب في اتجاه تجديد الإعفاءات لمدة ستة أشهر، وهذه الإعفاءات تستفيد منها بالأساس ثمان دول هي الصين والهند وتركيا وكوريا الجنوبية وإيطاليا واليابان واليونان وتايوان وهي جميعا باستثناء الصين تعد حلفاء لواشنطن، فلماذا إذن التغير المفاجئ؟
وآخر التصريحات الأمريكية في هذا الشأن كانت قبل أقل من أسبوعين وتتحدث عن مراجعة قرار الإعفاءات قبل تمديده أو وقفه بالنسبة للدول التي لا تستفيد من تلك الإعفاءات أي الدول التي لم تعد تستورد النفط الإيراني وكان الحديث عن دول مثل اليونان والنرويج وإيطاليا.
القرار اتخذ على غير رغبة الخارجية
لكن التقارير أشارت إلى أن ترامب ومستشاره للأمن القومي جون بولتون اتخذا القرار الجمعة الماضية (19 إبريل\نيسان 2019) عكس التوجه العام للخارجية وضد رغبة حلفاء واشنطن الأوروبيين الذين يرون أن التعامل المتشدد مع طهران لن يؤدي للنتيجة المرجوة وهي تخلي إيران عن طموحها النووي. وبحسب سوزان مالوني الباحثة في معهد بروكينجز بواشنطن قرار ترامب جاء قبل وقت قصير للغاية مما سبب صدمة.
"صحيح أنه ليس مفاجئا تماما (في ضوء سعي ترامب للتصعيد مع طهران) لكن يظل توقيته غير مدروس وغير مفيد،" بحسب ما قالته مالوني لمجلة فورين بوليسي.
إجماع على أن القرار مقامرة
هناك إجماع بين المحللين سواء سياسيين أو اقتصاديين على أن القرار الأمريكي يحتوي على كثير من المخاطر، فالصين والهند وكوريا الجنوبية أكبر مستوردي النفط الإيراني يواجهون مأزقا مفاجئا وقد ردت بكين بشكل سريع الاثنين على الإعلان الأمريكي بأنها لن تلتزم بقرار واشنطن مؤكدة أن تعاملاتها التجارية مع طهران قانونية.
وفي هذا السياق، نشرت التايمز البريطانية مقالا الثلاثاء 23 إبريل\نيسان لمحرر شؤون الشرق الاوسط ريتشارد سبنسر معلقا على العقوبات الأمريكية على إيران بعنوان "منع ترامب صادرات النفط الإيرانية قد تؤدي لانتقام أسيوي."
وتوقف سبنسر عند "الغضب الصيني من فرض عقوبات أمريكية على صادرات النفط الإيراني حتى مع السماح لها بشرائه من خلال الاستثناء الأمريكي فكيف سيكون موقفها اليوم؟"
قلق إسرائيلي من غياب ترامب
المتابع للمشهد الإعلامي في تل أبيب لن يجد صعوبة في ربط توقيت إعلان واشنطن عن الخطوة التصعيدية الأخيرة ضد طهران مع تزايد وتيرة القلق الإسرائيلي من خسارة ترامب للانتخابات الرئاسية القادمة ومجيء رئيس ديمقراطي إلى البيت الأبيض سيعود إلى سياسة الاحتواء التي اتبعها سلف ترامب وهو الديمقراطي باراك أوباما.
صحيفة هآرتس الإسرائيلية نشرت تقريرا الثلاثاء بعنوان "المرشحون الديمقراطيون يعدون بإعادة واشنطن إلى الاتفاق النووي مع إيران"، سلطت فيه الضوء على أهمية استمرار تضييق الخناق على طهران حتى تتخلى عن طموحاتها النووية.
وفي تقرير آخر حذرت الصحيفة من أن بيرني ساندرز المرشح الديمقراطي المحتمل للرئاسة وصف نتنياهو بأنه رئيس لحكومة عنصرية، مما يعني أن ترامب يمثل لإسرائيل فرصة تاريخية للتخلص من التهديد الإيراني.
تنسيق مع السعودية والإمارات
وفي ذات السياق وبحسب التايمز البريطانية هناك مؤشرات على أن الإعلان الأمريكي المفاجئ عن إعلان الإعفاءات تمت مناقشته من جانب ترامب مع حلفائه الخليجيين خصوصا السعودية والإمارات اللتان تدفعان، مثل إسرائيل، في اتجاه التصعيد مع طهران، وقالت الصحيفة أن ترامب تحدث هاتفيا الأسبوع الماضي مع ولي عهد الإمارات محمد بن زايد.
القرار الأمريكي إذن لم يأخذ في الاعتبار المخاطر والتبعات التي ستنتج عنه وربما يكون أخفها وطأة هو أسعار النفط على أساس ضمانات سعودية لترامب بتعويض الأسواق عن النفط الإيراني، ولكن التداعيات السياسية والتجارية مع الصين وتركيا ودول الاتحاد الأوروبي ربما لا تكون هناك ضمانة للسيطرة عليها، هذا بالطبع بخلاف ما قد تقدم عليه إيران نفسها من خطوات تصعيدية في الاتجاه الآخر، فهل هذا ما يسعى إليه ترامب؟ باختصار هل يريد ترامب دفع طهران لإغلاق مضيق هرمز مثلا حيث تمر ثلث إمدادات النفط في العالم ومن ثم الدخول في حرب تريدها إسرائيل والسعودية بشكل معلن؟ الأيام القادمة ربما تجيب على هذا السؤال.