اُضطهِدوا وتنازلوا كثيراً.. قصة مسلمي سريلانكا الذين دفعوا ثمن السلام بين البوذيين والهندوس

عربي بوست
تم النشر: 2019/04/22 الساعة 11:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/22 الساعة 18:47 بتوقيت غرينتش
سيدة سريلانكية مسلمة بالقرب من حاجز عسكري للجيش، أرشيفية/ رويترز

مسلمو سيرلانكا دفعوا ثمن السلام، وها هم الآن معرَّضون لَأن يدفعوا ثمن إرهاب ليس لهم ذنب فيه.  فرغم عدم إعلان أي جهة عن مسؤوليتها عن التفجيرات المروعة التي استهدفت كنائس وفنادق في الجزيرة المشهورة بزراعة الشاي، خرجت تقارير تتحدث عن مسؤولية محتملة لجماعات إسلامية عن الهجمات التي وقعت في البلد ذي الأغلبية البوذية.

وقُتل نحو 207 أشخاص وأُصيب ما لا يقل عن 450 آخرين في التفجيرات التي وقعت في عيد القيامة الأحد، في أول هجوم كبير تشهده الجزيرة الواقعة في المحيط الهندي منذ انتهاء الحرب الأهلية قبل عشرة أعوام.

وبعد ساعات من الهجمات التي قال مسؤولون إن بعضها نفذه انتحاريون داهمت قوات الأمن أحد المنازل في العاصمة السريلانكية واعتقلت سبعة أشخاص في حين سقط ثلاثة من أفرادها قتلى.

قوات سريلانكية بالقرب من أحد الكنائس التي تم تفجريها في كولومبو/ رويترز
قوات سريلانكية بالقرب من أحد الكنائس التي تم تفجريها في كولومبو/ رويترز

وأعلنت الحكومة حظر التجول في كولومبو، وحجبت شبكات التواصل الاجتماعي وتطبيقات التراسل، بما في ذلك فيسبوك وواتساب. ولم يتضح متى سيتم رفع حظر التجول. وقال مسؤول سيرلانكي لوكالة أسوشيتد برس إن اثنين من الانفجارات يشتبه في أنهما نفّذا من قِبل مفجِّرين انتحاريين.

مَن فعلها؟

فور وقوع الحادث وجهت تقارير إعلامية أصابع الاتهام لمسلمي سيرلانكا أو تحديداً لجماعات إسلامية محلية. فقد أفادت وكالة فرانس برس بأنها اطلعت على وثائق تُظهر أن الشرطة السريلانكية كانت في حالة تأهُّب لعدة أيام، خوفاً من أن يكون الانتحاريون من "جماعة إسلامية متطرفة محلية"، وهي "جماعة التوحيد الوطنية"، الذين يستهدفون الكنائس البارزة.

وأفادت وكالة فرانس برس أيضاً بأن الشرطة السريلانكية ضبطت مجموعة من المتفجرات في يناير/كانون الثاني الماضي بعد اعتقال أربعة رجال "من جماعة إسلامية متطرفة تشكلت حديثاً".

ولكن يبدو أن الأمر أكبر من مجرد جماعة محلية موتورة

في اليوم التالي الإثنين 22 أبريل/نيسان 2019، قال راجيثا سيناراتني المتحدث باسم حكومة سريلانكا، إن التفجيرات التي وقعت في البلاد في عيد القيامة تم تنفيذها بمساعدة شبكة دولية.

وأضاف: "لا نعتقد أن هذه الهجمات نفذتها مجموعة من الأشخاص الموجودين في البلاد… هناك شبكة دولية لم يكن من الممكن دون مساعدتها أن تنجح مثل هذه الهجمات".

شيخ مسلم يقف مع الرهبان البوذيين خلال مظاهرة مناهضة لسياسات للحكومة في كولومبو/ رويترز
شيخ مسلم يقف مع الرهبان البوذيين خلال مظاهرة مناهضة لسياسات للحكومة في كولومبو/ رويترز

وبصرف النظر عمَّن قام بالعملية، فإن مسلمي البلاد لم يُعرف عنهم الميل للعنف بل بالعكس كانوا ضحايا للصراع الإثني الذي ظل مشتعلاً في البلاد لعقود بين أقلية التاميل (غالبيتهم الهندوس ويتركزون في شمال البلاد) وبين الحكومة التي تستند للغالبية السنهالية البوذية.

مسلمو سريلانكا في البداية وقعوا ضحية للاضطهاد الهندوسي  

ويشكل المسلمون 9% من السكان البالغ عددهم 21 مليون نسمة، وهم أقلية أصغر من الأقلية الأهم في البلاد، وهم التاميل الذين ينتمي معظمهم للديانة الهندوسية.

وفي حين يمثل السنهال البوذيون الأغلبية في البلاد، فإن الهندوسية هي المهيمنة في شمال وشرق سريلانكا. ويشكِّل البوذيون 70% من السكان، إلى جانب 12% من الهندوس و7% من المسيحيين الكاثوليك والبروتستانت.

بوذيون بجانب مسلمين في سريلانكا، يعبرون عن تضامنهم ضد العنف الذي تعرض له المسلمون من قبل متطرفين بوذيين عام 2018/ رويترز
بوذيون بجانب مسلمين في سريلانكا، يعبرون عن تضامنهم ضد العنف الذي تعرض له المسلمون من قبل متطرفين بوذيين عام 2018/ رويترز

وفي عام 2009، هُزم متمردو التاميل الذين قاتلوا من أجل إقامة دولة مستقلة في الشمال بعد حملة استمرت 26 عاماً.

وأغلب المسلمين ينتمون لإثنية المور المسلمين الذين يتحدثون التاميلية، ولكن مع تأثيرات عربية وسنهالية.

ويعيش ثلث المسلمين على الأقل في الشمال والشرق وهؤلاء تأثروا بالنزاع التاميلي، إذ عانوا في كثير من الأحيان من مصاعب جمة، لا سيما على أيدي "جماعة نمور تحرير تاميل إيلام" المتمردة.

ومنذ عام 1990، كان المسلمون ضحايا التطهير العرقي والمذابح والتهجير القسري من قِبل المتمردين، وفقاً لتقرير لمجموعة الأزمات الدولية.

ولم يتم الاهتمام بتطلعاتهم بالعملية السياسية ورغم ذلك لم يظهروا ميلاً للعنف

وأشار التقرير إلى  أن المسلمين تم تجاهلهم في الترتيبات لوقف إطلاق النار بين الجانبين.

ولم يلجأ المسلمون أبداً إلى التمرد المسلح لتأكيد موقفهم السياسي، على الرغم من أن بعضهم قد عمل مع قوات الأمن، وكان عدد قليل منهم أعضاء في جماعات التاميل المتمرد المبكرة، وفقاً للمجموعة.

مسلمون في سريلانكا يرفضون هجمات وتضييق المتطرفين البوذيين عليهم، أرشيفية/ رويترز
مسلمون في سريلانكا يرفضون هجمات وتضييق المتطرفين البوذيين عليهم، أرشيفية/ رويترز

وكانت المخاوف من ظهور حركة مسلحة بين المسلمين، ربما بواجهة أيديولوجية إسلامية، موجودة منذ أوائل التسعينيات، لكن معظمهم ظلوا ملتزمين بتوجيه إحباطهم عبر العملية السياسية والتفاوض مع الحكومة ومقاتلي التاميل في أوقات مختلفة، حسب مجموعة الأزمات الدولية.

وبعد انتهاء النزاع بين السنهاليين والتاميل أصبح المسلمون هم الهدف الجديد

ومع تراجع الاستقطاب والعداء بين السنهال والتاميل، بدا واضحاً أن دفة المشكلات تحولت تدريجياً للمسلمين الذي أصبحوا محط سخط المتطرفين البوذيين.

في السنوات الأخيرة، اتُّهمت الجماعات البوذية المتشددة مثل بودو بالا سينا (BBS)، والمعروفة باسم القوة البوذية، بإثارة الكراهية الطائفية في سريلانكا. وتتهم BBS مسلمي سريلانكا بتهديد الهوية البوذية للأمة، وتتمتع بدعم على أعلى المستويات في المؤسسة السياسية.

سيدات مسلمات في سريلانكا/ رويترز
سيدات مسلمات في سريلانكا/ رويترز

وفي مقابلة مع التايم عام 2014، قال جيهان بيريرا، المدير التنفيذي لمنظمة المنظمات غير الحكومية التابعة للمجلس الوطني للسلام: "إن التحيزات تتزايد، لأن هناك مجموعة صغيرة ولكنها مؤثرة من البوذيين المتطرفين الذين يتمتعون بحرية نسبية ويثيرون المشاعر الدينية والقومية للأغلبية السنهالية".

الإسلاموفوبيا في سريلانكا أيضاً

إن فكرة حملات الكراهية تتعارض مع صورة البوذية كدين سلام وتسامح. وفقاً لرافائيل ليوجير، أخصائي في الديانة البوذية في معهد إيكس إن بروفنس للدراسات السياسية، يخشى جزء من الأغلبية البوذية في سريلانكا من أن "الإسلام يتسلل إلى النسيج الاجتماعي والثقافي للجزيرة".

هجوم إرهابي تعرض له مسلمون في سريلانكا أمام أحد المساجد من قبل متطرفين بوذيين 2009

ويضيف: "إن البوذية ليست مجرد ديانة، إنها هوية ثقافية عميقة وهوية وطنية"، وهذه الهوية يراها المتطرفون يتم تقويضها من قِبل المسلمين، حسبما ورد في تقرير لفرانس 24". وقال ليوجير: "هؤلاء الرهبان البوذيون المتعصبون يعتبرون المسلمين غزاة يهددون روح سريلانكا".

أزالوا ملصقات الطعام الحلال رغم أن البوذيين أيضاً يأكلون منه

وحرضت مجموعات بوذية على إزالة الملصق "الحلال" المسلم من الأطعمة التي تباع في البلاد، على الرغم من أن جميع اللحوم تقريباً في سريلانكا تُذبح وفقاً للقواعد الإسلامية لمجرد أنها الطريقة الأرخص.

وبالنسبة للرهبان البوذيين، كان تذكيرهم كل يوم بأن لحمهم "حلال" يمثل إهانة لهويتهم الثقافية، حسب التقرير.

قبلت منظمة علماء سيلان الإسلامية إزالة العلامة "الحلال" من اللحوم، قائلة إنها فعلت ذلك لتشجيع الوئام الديني.

لكن على الرغم من هذا التنازل، فإن الأقلية المسلمة في سريلانكا تتعرض للتعصب البوذي المتنامي الذي امتد إلى الدعوة لمقاطعة محلاتهم.

مسلمون يشيعيون ضحايا تفجير أمام أحد المساجد في في جودابيتيا سريلانكا 2009/ رويترز
مسلمون يشيعيون ضحايا تفجير أمام أحد المساجد في في جودابيتيا سريلانكا 2009/ رويترز

يقول ليوجير: "كما هو الحال مع جميع الأديان، البوذية لها هامش متطرف يستغل جنون العظمة الجماعية". وأضاف: "في سريلانكا، المجتمع المسلم هو الذي يتحمل وطأة هذا التطرف".

يقول ليوجير: "ما يقلقني هو أننا نشهد نفس التوترات والعنف نفسه تجاه المسلمين في بورما، أنا قلق من أن أزمة الهوية البوذية التي تؤثر على كل من سريلانكا وبورما تتعمق، وأن تصبح ظاهرة في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا في العقود المقبلة".

وفي عام 2014، طالب مسلمو سريلانكا الأمم المتحدة بالتدخل بعد تدمير المنازل والشركات في الجنوب خلال أسوأ أعمال عنف ديني في تاريخ البلاد.

وأودت أعمال الشغب بحياة أربعة أشخاص على الأقل، ونُفذت بشكل رئيسي من قِبل عصابات البوذيين السنهاليين.

يرفضون وجود لاجئي الروهينغا

ثم عاد التوتر بين الطائفتين في سريلانكا خلال عام 2017، حيث اتهمت بعض الجماعات البوذية المتشددة المسلمين بإجبار الناس على اعتناق الإسلام وتخريب المواقع الأثرية البوذية.

وقد احتج بعض القوميين البوذيين أيضاً على وجود طالبي اللجوء من الروهينغا المسلمين في سريلانكا من ميانمار البوذية، حيث تتزايد القومية البوذية.

رهبان بوذيون يهاجمون مسلمي الروهنجيا في سريلانكا بعد أن وصفوهم بالإرهابيين

وفي مارس/آذار 2018، هاجم الغوغاء البوذيون المساجد والشركات التابعة المملوكة للمسلمين خلال الليل رغم فرض حالة الطوارئ لاستعادة السلام في الجزيرة المنقسمة بمرارة. ووقع العنف بعد وفاة شاب بوذي في مشادة مع مجموعة من المسلمين.

محاولة لتطويق الأحداث

وبالنظر إلى معاناة المسلمين أصلاً في سريلانكا حتى قبل الأحداث؛ فقد سعت الحكومة لمنع تصاعد التوتر في الجزيرة، حيث أمر روان وييواردين، وزير الدفاع والإعلام في سريلانكا، بحظر مؤقت على وسائل التواصل الاجتماعي وحظر التجول لمدة 12 ساعة من الساعة 6 مساءً بالتوقيت المحلي.

في تغريدة على تويتر، قال رئيس الوزراء: "أدين بشدة الهجمات الجبانة على شعبنا اليوم. وأناشد جميع السريلانكيين خلال هذا الوقت المأساوي أن يظلوا موحدين وقويين. يرجى تجنب نشر التقارير التي لم يتم التحقق منها والمضاربة. تتخذ الحكومة خطوات فورية لاحتواء هذا الموقف".

ونقلت عنه وسائل الإعلام الحكومية قوله: "لقد أصدرت تعليمات باتخاذ إجراءات صارمة ضد الأشخاص المسؤولين عن هذه المؤامرة".

تويت مانغالا ساماراويرا، وزير مالية سريلانكا، قائلاً إن الانفجارات كانت "محاولة منسقة بشكل جيد لإحداث القتل والفوضى". ودعا "كل مَن يعتزون بالديمقراطية والحرية والازدهار الاقتصادي" أن يتحدوا الآن بأعصاب من الصلب. لهزيمة هذه المحاولة الشنيعة".

والمجلس الإسلامي يدين الهجمات

وقال المجلس الإسلامي في سريلانكا إنه يدين الهجمات "على إخواننا وأخواتنا المسيحيين في يوم عيد الفصح المقدس، وكذلك على الفنادق في كولومبو".

وقال إنه نعى فقدان "أرواح بريئة بسبب التطرف والعناصر العنيفة التي ترغب في خلق انقسامات بين الجماعات الدينية والعرقية لتحقيق أجندتها".

وتم إغلاق جميع المدارس لمدة يومين. كما طُلب من المسافرين الوصول إلى مطار كولومبو قبل أربع ساعات من رحلاتهم بسبب إجراءات أمنية إضافية. وسيتم السماح لهم بالمضي أثناء حظر التجول إذا قاموا بإظهار جوازات السفر وتذاكر صالحة عند نقاط التفتيش.

وقام Facebook بتنشيط أداة الاستجابة للأزمات في أعقاب الانفجارات. واستخدم المتطرفون البوذيون في سريلانكا فيسبوك في عام 2018 لتنظيم أعمال عنف مميتة ضد المسلمين.