طرحت زيارة رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي للمملكة العربية السعودية، الخميس 18 أبريل/نيسان 2019، عدداً من الأسئلة بشأن العلاقات بين الرياض وبغداد، أهمها يتعلق بدوافع السعودية من وراء استعادة تلك العلاقات بعد أكثر من ربع قرن من انقطاعها، إضافة لانعكاسات ذلك التقارب على الصراع مع إيران التي تمتلك وضعاً مميزاً على الساحة العراقية من بعد الإطاحة بصدام حسين عقب الغزو الأمريكي في 2003.
زيارة عبدالمهدي شهدت توقيع 13 مذكرة تفاهم مع الرياض للتعاون في مجالات الطاقة والتعليم والتجارة، وشهدت لقاءً جمَعه مع العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز.
أسباب عديدة لأهمية الزيارة
تكتسب زيارة عبدالمهدي أهمية مضاعفة، خصوصاً أنها تأتي في أعقاب زيارته لطهران مما يعكس حرص بغداد على الاحتفاظ بعلاقات متوازنة مع القوتين الإقليميتين المتصارعتين، لكن ماذا عن الدوافع السعودية؟
قامت الرياض بافتتاح أول قنصلية لها في العراق هذا الشهر، وأعلنت أنها ستفتتح 3 قنصليات أخرى قريباً، وذلك بعد قطيعة لأكثر من ربع قرن، في محاولة للتصدي للنفوذ الإيراني المتزايد في عراق ما بعد صدام.
ويأتي ذلك في سياق سعي المملكة لأن يكون لها دور في مرحلة بناء العراق بعد التخلص من خطر داعش، إضافة لتوطيد نفوذها مع التيارات السياسية العراقية التي أبدت عدم الارتياح لتزايد النفوذ الإيراني في بغداد، بحسب تقرير أعده مركز كرايسيس جروب للأبحاث السياسية.
وبحسب التقرير، يعتبر التحرك السعودي خطوة مهمة في سبيل بناء علاقات مع بغداد تتسم بالصبر والنظرة للمستقبل بهدف بناء علاقات قوامها رأس المال السياسي المدعوم اقتصادياً وثقافياً كبديل للمواجهة العسكرية، حيث إن ذلك كفيل بخدمة المصالح الاستراتيجية السعودية وتقليل التوترات في المنطقة.
خطوات سعودية متسارعة
الشرط الأساسي الذي سيمكن الرياض من تحقيق تلك الاستراتيجية هو أن تتمكن من مقاومة السعي لتحويل العراق إلى أرض معركة تدور يدور عليها أحد فصول الحرب الباردة مع طهران، وفي هذا السياق يجب على دول المنطقة والعالم في رسمها لعلاقاتها الثنائية مع بغداد أن تجعل من استقرار العراق هدفاً رئيسياً والعمل بشكل بنَّاء لتحقيقه.
السعودية أيضاً أعلنت أنها ستفتتح معبراً حدودياً مع العراق؛ لتسهيل التبادل التجاري وعبور الحجاج إلى مكة وإلى الأماكن المقدسة في جنوب العراق، كما أن المملكة رصدت مليار دولار لبناء مدينة رياضية في العراق، إضافة إلى قيام مجموعة إم بي سي الإعلامية السعودية مؤخراً بافتتاح قناة إم بي سي العراق.
وفي هذا السياق، قال أيهم كامل، رئيس مركز أبحاث يورواسيا جروب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لصحيفة وول ستريت: "الملك سلمان وولي عهده مهتمان باستغلال أي فرصة لإضعاف إيران إقليمياً أو على الأقل تحسين العلاقات مع حلفاء طهران".
وقد قامت الرياض بخطوة مشابهة في سوريا بعد أن خففت من حدة معارضتها لبقاء بشار الأسد في محاولة لشق صف التحالف بين دمشق وطهران.
هل تنجح خطة الرياض؟
نجاح خطة الرياض متوقف بالأساس على اتباع سياسة النفس الطويل فالثقة بين الرياض وبغداد تكاد تكون معدومة لأسباب لا تخفى على أحد وأسباب التقارب السعودي الآن أيضاً ليست سراً.
وفي هذا السياق، يرى ساجاد جياد، مدير مركز البيان للأبحاث في بغداد، أن السعودية لو كانت تتوقع من بغداد أن تتخلى عن تحالفها مع إيران، فإن المملكة سوف تصاب بالإحباط.
وقال جياد لـ "وول ستريت" إنه رغم تحسن العلاقات بين الرياض وبغداد، ستظل هناك حدود للتقارب بين البلدين، مضيفاً: "لست واثقاً من أن السعوديين يمتلكون الصبر الاستراتيجي المطلوب لتحقيق أهدافهم في العراق".
الدور الأمريكي في المعادلة
إحدى أهم النقاط التي ركز عليها تقرير كرايسيس غروب تتعلق بمدى قدرة الرياض وطهران على النظر لاستقرار العراق وقوة اقتصاده ووحدة أراضيه كهدف استراتيجي ليس بالضرورة أن يتفقا عليه بشكل مشترك، ولكن على الأقل كهدف استراتيجي يخدم مصالح كل الأطراف، ولن يحدث ذلك إلا بقبول كل منهما بوجود نفوذ للآخر في العراق والتعايش مع تلك الحقيقة.
الإشكالية الواضحة في هذه النقطة تظل هي الولايات المتحدة الأمريكية في ظل إدارة دونالد ترامب التي تتبنى سياسة عدائية تجاه طهران وتسعى للصدام معها بشكل مباشر دون أي اعتبارات أخرى تخص اللاعبين في المنطقة، ويمكن هنا رصد مثالين فقط للتدليل على تلك الإشكالية.
المثال الأول يتعلق بسعي واشنطن لتشكيل تحالف عسكري عربي (الناتو العربي) بغرض مواجهة إيران، ونجد أن أحد أعمدة هذا الحلف وهي مصر قررت الانسحاب من الفكرة مؤخراً.
المثال الثاني هو إصرار ترامب على إدراج الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية رغم المعارضة العراقية المعلنة لتلك الخطوة.
لا شك أن الموقف الأمريكي سيكون له تأثيره المباشر على التحركات السعودية تجاه العراق، ولن يكون هذا التأثير بالطبع في صالح الشرط الرئيسي لنجاح الاستراتيجية السعودية الجديدة المبنية على الصبر وسياسة النفس الطويل.