احتجاجات الجزائر تُقلق السعودية والإمارات.. يريدون لدولة بوتفليقة الاستمرار لكن المال مُعضِلة!

عربي بوست
تم النشر: 2019/04/04 الساعة 13:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/08 الساعة 19:35 بتوقيت غرينتش
محمد بن سلمان والوزير الجزائري الأول السابق أحمد أويحيى/ أرشيفية، واس

في عام 2011، كان هناك الكثير من التفاؤل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأنَّ ثورات "الربيع العربي" ستجعل المنطقة أكثر ديمقراطية. لكن على مدار السنوات الثماني الماضية، باتت المنطقة "استبدادية" أكثر فأكثر.

يقول جورجيو كافيرو، الباحث الأمريكي المتخصص بالشأن الخليجي، في مقالة نشرها بموقع Lobe Log الأمريكي: "في هذا العام 2019، أصبح يُؤمِّن رأس الدولة المصرية رئاسته مدى الحياة، في حين يقمع رئيس السودان المتظاهرين، ويزداد استبداد مَلكيات الخليج، ويتقبَّل العالم العربي من حيث المبدأ عودة النظام السوري إلى الحظيرة الدبلوماسية الإقليمية. وتُوفِّر فكرة أنَّ الربيع العربي "مات" شعوراً بالارتياح لدى قادة الخليج الذين "ارتجفوا" من موجة النشاط الثوري السابقة".

ويرى كافيرو أن المسؤولين في الرياض والعواصم الخليجية الأخرى عاقدو العزم على منع تكرار ما حدث عام 2011. وبات قمع المعارضين والمنشقين (الإسلاميين والعلمانيين) في تلك البلدان المضادة للثورة قاسياً للغاية منذ 2011. لكنَّ قادة كتلة دول "الثورة المضادة" بقيادة السعودية والإمارات قاموا بما هو أكثر من مجرد تشديد قبضتهم داخل بلدانهم. فعلى حد تعبير مارك لينش في الإيكونوميست، فإن كتلة الثورة المضادة هذه "جدَّدت نظام المنطقة برُمَّتها في محاولةٍ لمنع حدوث ربيع عربي آخر".

لهذا، على سبيل المثال، قدَّمت الرياض وأبوظبي الدعم الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري لحكام البحرين آل خليفة في عام 2011، وموَّلتا انقلاب 2013 في مصر، ورعتا اللواء الليبي خليفة حفتر، وحاصرتا "الدولة الوحيدة الداعمة للربيع العربي" في الخليج "قطر".

في الجزائر والسودان.. الربيع العربي لم يمُت

مع ذلك، تشير تظاهرات الشوارع في أرجاء الجزائر والسودان طوال أواخر 2018 و2019 إلى أنَّ الربيع العربي لم يمُت. وبحسب  كافيرو، الذي يعد المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات المختصة بالشأن الخليجي Gulf State Analytics، تخشى القيادة في السعودية و "البلدان الأخرى الداعمة للوضع القائم" في العالم العربي من أنَّ حدوث تغييرٍ من القاع إلى القمة (يبدأ من الجماهير ويصل إلى قمة هرم السلطة) في الجزائر والسودان قد ينتشر ليتجاوز الحدود بين الدول.

ويجادل الكاتب بروس رايدل بأنَّ المسؤولين السعوديين الذين يراقبون الأحداث في الجزائر "قلقون بشأن تداعيات الإطاحة المتوقعة على نحوٍ متزايد بقائدٍ مُسِنّ نتيجة تظاهراتٍ شعبية والمطالب بإقامة نظام سياسي أكثر انفتاحاً، وكلاهما من المُحرَّمات في النظام الملكي السعودي المطلق". وتُعزِّز الاحتجاجات التي حدثت مؤخراً في كلٍ من العراق والأردن ولبنان والمغرب وتونس أيضاً وجهة النظر القائلة بأنَّ "الربيع العربي يستعيد صوته" في 2019.

"يريدون لدولة بوتفليقة العميقة الاستمرار لكن المال معضلة"

يضيف كافيرو: على الأرجح فإنَّ القيادة في الرياض تأمل الآن أن تظل "الدولة العميقة" في الجزائر (أي الجيش الجزائري، والأجهزة الأمنية، وأقطاب رجال الأعمال) في السلطة في البلد المغاربي. وتماماً مثلما دعمت السعودية الجيش الجزائري عام 1992 –بالمساعدات المالية وبتشجيع الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش (الأب) أن يحذو حذوها- ستحاول القيادة في الرياض على الأرجح مساعدة السلطات الجزائرية في الحفاظ على قبضتها على البلاد، خصوصاً في أعقاب الاستقالة المُعلَنة أخيراً للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة.

لكن في ظل الانخفاض الدائم في أسعار النفط، والحرب المُكلِّفة في اليمن، وبرنامج الرياض الطموح للإصلاح الاقتصادي، ربما لا تملك المملكة الأموال اللازمة لمساعدة قادة الجزائر على الحفاظ على السلطة، لاسيما في ظل الالتزامات المالية تجاه مصر والبلدان العربية الأخرى.

علاوة على ذلك، لدى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مشكلة في الجزائر متعلقة بسُمعته؛ إذ تظاهر المحتجون ضد زيارته للبلاد العام الماضي 2018، وجافاه الرئيس الجزائري المستقيل هو الآخر بإلغائه لقائهما معاً. وليس واضحاً ما إن كانت بمقدور الرياض إقناع إدارة ترامب بدعم الجيش الجزائري أم لا.

ومن وجهة نظر السعودية، سيتمثَّل السيناريو الأسوأ في الجزائر في ظهور نظام سياسي مناوئ للوضع الراهن؛ إذ تخشى الرياض من صعودٍ إسلامي في الجزائر، شبيه بما حدث في مصر عامَي 2011 و2012، لاسيما في ظل غضب الشارع العربي الناتج عن حالة الدفء في علاقات الدول العربية مع إسرائيل.

إنهم يخشون الإسلاميين مرة أخرى

ففي فبراير/شباط الماضي، هاجم عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم -وهو الحزب المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين في الجزائر- الرياض وأبوظبي لدعمهما المزعوم لـ "صفقة القرن" التي يُحضِّرها ترامب. وأعلن أنَّ "السعودية تستخدم هيمنتها ونفوذها لتنفيذ صفقة القرن والتطبيع مع الكيان الصهيوني، بينما تُخطِّط الإمارات مع الاحتلال لتنفيذ ذلك". وفي سياقٍ جيوسياسي أوسع، فإنَّ المسؤولين في الرياض وأبوظبي قلقون من أن تُسهم العلاقة الودية التي تجمع إسلاميي الجزائر بقطر وتركيا في تشكيل البلاد في حقبة ما بعد بوتفليقة وتُبعِد الجزائر أكثر عن نفوذ المملكة.

وفي القمة العربية التي انعقدت الشهر الماضي مارس/آذار في تونس، كان هناك توافق كبير في النقاشات بشأن أزمات الجزائر والسودان المُتعمِّقة. لكن في الوقت الذي تجتمع فيه تلك "الحكومات المستبدة لقمع إرادة مواطنيها بصورة جماعية، فيما تتجاهل الحاجة لإجراء إصلاحات يمكن أن تعالج المظالم الكامنة، فإنَّها لا تُرسي الأسس لاستقرارٍ طويل الأجل". يضيف جورجيو كافيرو: "وإن لم تُلبَّ الاحتياجات الأساسية لشعبٍ، ولم تشعر الجماهير بالرضا تجاه الخدمات الحكومية، حتماً ستفور فائرة الغضب الشعبي لمقاومة السلطات، مهما كانت درجة القمع التي تحكم بها".

وبحسب كافيرو، "سيكون لما يحدث تالياً في الجزائر، حيث يتجمَّع المواطنون العاديون الآن ضد النخبة السياسية ورجال الأعمال، تأثيرٌ كبير على مستقبل المنطقة. وفي نهاية المطاف، يبدو أنَّ أكثر النظم استبداداً في العالم العربي تعلَّمت الدروس الخاطئة من أحداث العام 2011، وتعتقد الآن أنَّ المزيد من القمع فقط بإمكانه جلب الاستقرار إلى الأركان غير المستقرة في المنطقة. وتتبنَّى النخبة الجزائرية الحاكمة هذا التفكير، وهي واعيةٌ بالمخاطر".

تحميل المزيد