أستراليا تحت المجهر.. أدلة جديدة تكشف عن صِلات سفاح نيوزيلندا بجماعات يمينية متطرفة

عربي بوست
تم النشر: 2019/04/04 الساعة 14:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/04 الساعة 15:01 بتوقيت غرينتش
برينتون تارانت، الإرهابي الأسترالي المُتَّهم بتنفيذ هجوم المسجدين في نيوزيلندا

تعمل "جمعية لادز" من منتدياتها في ملبورن وسيدني على ترويج أفكار "الحياة بلا أدوية" وأهمية ممارسة الرياضة، بالإضافة إلى "صمود البيض" والخوف من الإسلام. هذا ما تقوله بياناتها على الإنترنت، وتوضحه مقابلات مع اثنين من قياداتها.

والجمعية من أشهر الجماعات المتطرفة في أستراليا، وقد اخترق أعضاؤها في العام الماضي جناح الشباب في "الحزب الوطني المشارك" في الحكومة الائتلافية الحاكمة قبل افتضاح أمرهم وطردهم من الحزب بسبب آرائهم اليمينية المتطرفة.

والآن تسلطت الأضواء على الجمعية من جديد، كما اتجهت إليها أنظار الأجهزة الأمنية بعد أن فتح مسلَّح إرهابي النار في مسجدين بنيوزيلندا وقتل 50 شخصاً.

وتُبين خمس لقطات لرسائل على فيسبوك قدمها شخص على صِلة بالجمعية واطلعت عليها "رويترز" أنه في الساعات التي أعقبت الهجوم اشتعلت صفحة الجمعية على فيسبوك برسائل أعضائها، وهم يناقشون العملية والرجل الذي أُلقي القبض عليه واتهم بالقتل، واتضح أنه الأسترالي برينتون تارانت البالغ من العمر 28 عاماً.

هجوم نيوزيلندا دفع بأستراليا إلى إصدار قوانين جديدة لمنع العنف في مواقع التواصل/ رويترز
هجوم نيوزيلندا دفع بأستراليا إلى إصدار قوانين جديدة لمنع العنف في مواقع التواصل/ رويترز

وتُبين الرسائل التي لم يسبق الكشف عنها على صفحة الجمعية على فيسبوك أن "توم سيويل" مؤسس الجمعية قال: "هو في الصورة منذ فترة". وأضاف: "حقق مكاسب كبيرة من عُملة بتكوين ودفع ثمن عطلاته، وقد تحدثت معه في 2017 عندما كان يتبرع بالمال للجميع".

وفي بيان علني صدر في وقت لاحق، قال سيويل إن جهاز الاستخبارات الأمنية الأسترالي المسؤول عن الاستخبارات الداخلية، أجرى مقابلات معه ومع قيادات أخرى في الجمعية عن الهجومَين اللذين وقعا في كرايستشيرش. وقال جهاز الاستخبارات إنه لا يعلق على أفراد بعينهم، أو على أمور تتعلق بعملياته، لكنه متنبه للخطر الذي يمثله أفراد "لهم أفكار يمينية متطرفة".

الأدلة على صِلة تارانت باليمين المتطرف في أستراليا تزايدت

وامتنعت الشرطة الأسترالية أيضاً عن التعليق عندما سُئلت عن صلات تارانت بالجمعية. وامتنع سيويل عن التعليق على تارانت أو الحديث عما إذا كان يعرفه ولم تُبين تعليقاته المنشورة أي تفاصيل أخرى.

وقال تارانت المحبوس حالياً، إنه سيمثِّل نفسه في محاكمته، ولم يتسنَّ الاتصال به للتعليق.

وتم إغلاق صفحة الجمعية بعد أن استهدفت شركة فيسبوك "القوميين البيض" في أعقاب مذبحة كرايستشيرش. ولم تتمكن "رويترز" من التحقق من صحة ما ورد على صفحة الجمعية؛ نظراً لإغلاقها.

غير أن الأدلة على صلة تارانت باليمين المتطرف في أستراليا تزايدت في ضوء رسائل سيويل التي نُشرت على صفحة الجمعية على فيسبوك، وكانت عليها الصورة الخاصة نفسها المستخدمة على حساب سيويل على تطبيق إنستغرام.

وقبل دقائق من الهجوم نشر تارانت على موقع (8 تشان) المعروف أيضا باسم (إنفينيت تشان) روابط لبث فيديو مباشر للعملية وقال: "كلكم رجال وأفضل مجموعة من الندماء يمكن أن يلتمسها إنسان".

وفي الوقت الذي تواجه فيه أستراليا الحقيقة المؤلمة المتمثلة في كون تارانت من أبنائها، يستحوذ على البلاد جدال لاذع حول سياساتها الخاصة بالأجناس في عهود ماضية، وما إذا كان للخطاب السياسي في الفترة الأخيرة عن الهجرة والإسلام أي دور في اعتناقه الأفكار المتطرفة.

ولخَّص رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون التناقض في الهوية الأسترالية في بضع دقائق خارج مسجد في سيدني في اليوم التالي للهجوم الذي شهدته مدينة كرايستشيرش، فقال: "نحن مجتمع متسامح متعدد الثقافات وأنجح بلد للهجرة على هذا الكوكب. وتلك الأفكار عن تفوُّق البيض وانفصال البيض ليست بالجديدة. وأعني أن هذه المشاعر موجودة -للأسف- في أستراليا منذ مئات السنين".

تارنت لم يمضِ سوى 45 يوماً في أستراليا خلال السنوات الثلاث الأخيرة

تقول تقارير إعلامية محلية، إن تارانت نشأ في مدينة جرافتون الأسترالية الصغيرة؛ حيث عمل مدرباً في صالة للألعاب الرياضية وشغف بالألعاب الإلكترونية والكمبيوتر. وتستشهد تلك التقارير في ذلك بصاحب الصالة وجدة تارانت.

 أمضى تارانت معظم السنوات التسع الأخيرة مسافراً في أنحاء أوروبا وآسيا والشرق الأوسط / رويترز
أمضى تارانت معظم السنوات التسع الأخيرة مسافراً في أنحاء أوروبا وآسيا والشرق الأوسط / رويترز

وفي البيان الذي وزَّعه تارانت على الإنترنت قُبيل الهجوم قال إن اعتقاداته العنصرية تشكلت على الإنترنت، وهوَّن من صلاته بمعارفه في أستراليا، وقال إنه اكتسب الأفكار المتطرفة في الخارج.

وأضاف البيان أنه تصرف بمفرده رغم أنه قال إنه تبرع لجماعات من اليمين المتطرف من ترِكة ورثها وأرباح حققها من العملات الإلكترونية.

وأكد المستشار النمساوي سيباستيان كورتس الأسبوع الماضي أن حركة "أيدنتيتيريان" اليمينية المتطرفة في بلاده تلقت 1500 يورو (1690 دولاراً) من تارانت.

وأمضى تارانت معظم السنوات التسع الأخيرة مسافراً في أنحاء أوروبا وآسيا والشرق الأوسط. وقال موريسون إن تارانت كان "خارج الصورة" بالنسبة للجميع، وإنه لم يمضِ سوى 45 يوماً في أستراليا خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

وتقول هيئة الإذاعة الأسترالية، استناداً إلى أرشيف حساب "جبهة الوطنيين المتحدة"، وهي جماعة يمينية متطرفة أخرى في أستراليا، على فيسبوك بعد أن تم إلغاء هذا الحساب، إن تارانت وصف بلير كوتريل، أحد قيادات الجماعة، بأنه "إمبراطور". ولم تستطِع "رويترز" التحقق من صحة هذه المعلومة.

وقد أسس كوتريل، وهو نجار أشقر الشعر ضخم العضلات، الجبهة مع سيويل. وفيما بعد أسس سيويل "جمعية لادز" في العام 2017 بدعم من كوتريل. ولا يزال كوتريل، الذي تصفه المصادر بأنه الشخصية الرئيسية في حركة اليمين المتطرف في أستراليا، رئيساً للجبهة كما أنه يظهر في صور "جمعية لادز" ومقاطع فيديو خاصة بها دون أن تكون له صفة رسمية فيها.

وقال كوتريل لـ"رويترز" إن تارانت تبرع حسبما يذكر مرة واحدة فقط لجمعيات انتسب لها وقدم 50 دولاراً أسترالياً للجبهة. وأضاف: "لا أعتقد أنني كان لي تأثير كبير على تارانت على الإطلاق. وربما قبل حوالي ثلاث سنوات كان يؤيد معارضتنا لإقامة ذلك المسجد في بنديجو".

وفي 2017 أُدين كوتريل واثنان آخران من أعضاء "جبهة الوطنيين المتحدة" بالتحريض على "احتقار المسلمين بعد أن صوَّروا عملية وهمية لقطع رأس شخص خارج مقر مجلس المدينة احتجاجاً على إقامة المسجد".

زخم المتطرفين البيض في أستراليا بدأ قبل 5 أعوام

يقول محللون وأعضاء في الحركة إن "المتطرفين البيض" اكتسبوا زخماً في 2014 بعد أن احتجز مسلح إسلامي مجموعة من الرهائن في مقهى بسيدني.

وفي العام التالي شارك الآلاف في مؤتمرات شعبية نظمتها جماعة (استردوا أستراليا) المناهضة للإسلام، وتحدَّث بعض الساسة من اليمين المتطرف فيها.

وظهرت الشكوك في وجود أعضاء بجمعية لادز في جناح الشباب بـ "الحزب الوطني" للمرة الأولى بعد أن لاحظ مسؤولون من الحزب الذي يرتكز على تأييد سكان الريف زيادة كبيرة في الأعضاء الجدد من المدن.

وبعد انكشاف الصلة بـ "جمعية لادز" في وسائل الإعلام المحلية، طرد الحزب الوطني 19 عضواً، وقال في بيان في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إنه لن يستريح "حتى يتم التعرف على آخر واحد من أولئك المتطرفين وإبعاده".

وفي أحدث تعداد سكاني في أستراليا قال 90% إنهم ينحدرون من أصول أسترالية أو أوروبية بينما قال 2.5 ٪ إنهم مسلمون. وأظهر تقرير أصدرته في 2018 مؤسسة سكانلون المعنية بتماسك النسيج الاجتماعي أن أقل قليلاً من ربع الأستراليين لهم "موقف سلبي" من المسلمين.

فريزر آنينج.. عضو مجلس الشيوخ اليميني المتطرف

في أعقاب هجمات كرايستشيرش أغرق المصابون بالخوف من الإسلام وسائل التواصل الاجتماعي بالرسائل دعماً للسيناتور فريزر آنينج، عضو مجلس الشيوخ الأسترالي، الذي عزا الدماء المسفوكة إلى "برنامج هجرة سمح للمتطرفين المسلمين بالهجرة إلى نيوزيلندا".

السيناتور الأسترالي المستقل فريزر أنينغ/ رويترز
السيناتور الأسترالي المستقل فريزر أنينغ/ رويترز

وفي مقابلة مع رويترز، قال آنينج إنه يعارض تماماً الهجمات التي شهدتها كرايستشرش. لكنه ردَّد أصداء "نظرية الإسبدال" التي اعتنقها تارانت وحركة تفوُّق البيض على مستوى العالم. وقال السيناتور إن المسلمين "سيفوقوننا عدداً بالإنجاب بسرعة".

وزاد عدد متابعي آنينج بواقع 28600 متابع في الأسابيع الأربعة الأخيرة، حسبما توضح بيانات قدمها مكتبه ليتجاوز العدد 122 ألفاً. وقال سيويل وكوتريل في بيانات وفي مقابلات مع "رويترز"، إن الهجوم على المسجدين هالهما.

وفي المقابلة مع "رويترز"، قال سيويل إن عنف تارانت جعل الحكومات تتحول إلى "رجعية مفرطة" بسن قوانين "دون دراسة وافية". وكانت نيوزيلندا قد تحركت بسرعة لحظر استخدام الأسلحة نصف الآلية التي استخدمت في الهجومَين.