خلال اجتماعات متوترة جرت الجمعة 22 مارس/آذار 2019، ضَغَطَ وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو على قادة لبنان لكبح القوة المتنامية لحزب الله، الجماعة السياسية والعسكرية التي تدعمها إيران والتي تشغل مناصب حكومية وتدير وزارة الصحة.
وقال بومبيو وهو يقف بجانب وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل: "لبنان والشعب اللبناني يواجهان خياراً: المضي قُدُماً بشجاعة كدولة مستقلة وفخورة أو السماح للطموحات المظلمة لإيران وحزب الله بإملاء مستقبلكم". وأضاف بومبيو أن الأمر سيتطلب "شجاعة" من لبنان لمواجهة ما سماه "إجرام وإرهاب وتهديدات" حزب الله.
وردّ باسيل، وهو حليف لحزب الله، على بومبيو في بيانه بعد الاجتماع، قائلاً: "بالنسبة لنا، حزب الله حزب لبناني، وليسوا إرهابيين. لقد انتخب الشعب اللبناني أعضاء من حزب الله في البرلمان ويحظى الحزب بدعمٍ شعبي كبير".
اجتماعات محرجة ومتوترة في بيروت
تقول صحيفة The New York Times الأمريكية إن اجتماعات بومبيو في لبنان، والتي شملت جلسات مع الرئيس ميشيل عون ورئيس الوزراء سعد الحريري، كانت محرجة، لأنه كان يعلن منذ أيام، أن هدفه الصريح من الذهاب إلى لبنان هو إدانة حزب الله وحلفائه في الحكومة. ومن النادر أن يعلن أحد كبار الدبلوماسيين في بلد ما أن الزيارة تهدف إلى توبيخ حكومة أو حزب داخلها.
لكن رحلة بومبيو إلى الشرق الأوسط، هذا الأسبوع، تتعلق بشكل أساسي بإسرائيل، حيث أمضى هناك ليلتين قبل أن يتوجه إلى بيروت يوم الجمعة 22 مارس/آذار 2019. ولاقت رسائله المعادية لإيران وحزب الله استحساناً من قبل كثير من الإسرائيليين منذ أن شنَّ حزب الله حرباً على إسرائيل من قبل، ويُنظر إليه الآن على أنه "تهديدٌ كبير".
جدير بالذكر أن كلمات بومبيو العدوانية يمكن أن تعطي دفعة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهو حليف لإدارة ترامب، في ترشحه لإعادة انتخابه في 9 أبريل/نيسان 2019. تجدر الإشارة إلى أن شعبية نتنياهو انخفضت عندما أعلن المدعي العام في إسرائيل، الشهر الماضي (فبراير/شباط 2019)، أنه يعتزم توجيه الاتهام إلى نتنياهو بتهمة الرشوة وغيرها من اتهامات الفساد.
الهدف دعم نتنياهو في الانتخابات
في محاولة أخرى لتعزيز نتنياهو، الخميس 21 مارس/آذار 2019، في أثناء زيارة بومبيو حائط البراق في القدس المحتلة، قال ترامب في تغريدة إن على الولايات المتحدة أن تعترف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، وهي قطاع استراتيجي من الأراضي التي استولت عليها إسرائيل من سوريا في حرب الأيام الستة عام 1967، وضمتها فعلياً إلى البلاد في عام 1981.
وقف بومبيو بجانب نتنياهو في مؤتمر صحفي وأشاد ببيان ترامب، قائلاً: "يجب على شعب إسرائيل أن يعرف أن المعارك التي خاضوها، والأرواح التي فقدوها على هذه الأرض بالذات كانت مستحقة وذات مغزى ومهمة لكل العصور".
على جانب منفصل، لم يعد التنديد باحتلال مرتفعات الجولان محل اهتمام إعلامي في العالم العربي كما كان الوضع من قبل، لكن هناك لبنانيون غاضبون من خطوة ترامب تلك، وحزب الله يدعم حكومة بشار الأسد في سوريا. لذا فإن إعلان ترامب زاد من الغضب بالتزامن مع جولة بومبيو في بيروت.
وقال رئيس البرلمان اللبناني، نبيه بري، لبومبيو في اجتماعهما، إن الزعماء اللبنانيين لديهم مخاوف بشأن العقوبات القاسية التي تقودها الولايات المتحدة ضد إيران، والتي تؤثر في حزب الله، وفقاً لوكالة الأنباء الوطنية الرسمية. وقال إنه إلى جانب كونه في الحكومة الآن، كان حزب الله جماعة مقاومة مشروعة، و"المقاومة اللبنانية نشأت بسبب الاحتلال الإسرائيلي المستمر للأراضي اللبنانية".
في يوم الخميس 21 مارس/آذار 2019، قال الرئيس ميشيل عون للصحفيين في المؤسسات الإخبارية المملوكة لروسيا، إن "الحصار على حزب الله يؤثر في جميع اللبنانيين". وقال عون إنه يعتزم السفر إلى موسكو. جدير بالذكر أن روسيا وإيران هما الحليفان الرئيسيان للحكومة السورية، إلى جانب حزب الله، ويقاتلان المعارضين المسلحين المناهضين للأسد.
استضاف الرئيس عون، وزير الخارجية الأمريكي بومبيو في القصر الرئاسي بعد الظهر. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن بومبيو أخبر عون بـ "مخاوف الحكومة الأمريكية القوية بشأن دور حزب الله وإيران في لبنان والمنطقة، والمخاطر التي يشكلها ذلك على أمن لبنان واستقراره وازدهاره".
وردّ آلان عون، وهو عضو في البرلمان ضمن كتلة الرئيس عون، على ذلك رداً قوياً، حيث قال في مقابلة عبر الهاتف: "نتعامل بشكل طبيعي مع الزيارة، ونعرف الموقف، ونعرف التصعيد ضد حزب الله. إنها حقيقة لكننا نتعايش معها".
بومبيو يحرّض اللبنانيين بعضهم على بعض
على الجانب الآخر، وجّه بعض اللبنانيين كلمات أكثر قسوة إلى بومبيو. ونشرت جريدة الأخبار، وهي صحيفة يومية تنتقد السياسات الأمريكية والإسرائيلية في كثير من الأحيان، تعليقاً يوم الجمعة 22 مارس/آذار 2019، بعنوان "اليانكي القذر وطراطيره". وقالت الصحيفة: "بومبيو هنا لتحريض اللبنانيين ضد بعضهم البعض".
في يوم الجمعة، فيما بدا أنه عنصر آخر بحملة الرئيس ترامب لدعم نتنياهو، أعلن المسؤولون في واشنطن فرض عقوبات جديدة على الأفراد والجماعات بإيران ذوي الصلة ببرنامجها النووي. جاء هذا التصرف رغم أن وكالات الاستخبارات الأمريكية تقول إن إيران لا تحاول صنع سلاح نووي.
جدير بالذكر أن بومبيو مسيحي إنجيلي، وظهرت معتقداته بطرق بارزة في المناقشات السياسية. في مقابلة تلفزيونية بالقدس مع شبكة Christian Broadcasting Network، سُئل بومبيو عما إذا كان ترامب سيضطلع بالدور نفسه الذي أدته الملكة اليهودية إستير التي أنقذت اليهود من القتل على يد وزير فارسي في العصور القديمة (في إشارة إلى التوترات الحالية بين إسرائيل وإيران). أجاب بومبيو: "بصفتي مسيحياً، أعتقد بالتأكيد أن هذا ممكن".