"الأطراف ستعزز وتطور التعاون في المشاريع بمجال الطاقة، بما في ذلك أنظمة النقل الإقليمية بهدف زيادة أمن الطاقة"، هذه العبارة وردت في اتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، وترجمتها على أرض الواقع بإنشاء ممر بري لنقل النفط والغاز من دول الخليج إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، بعيداً عن مضيق هرمز وباب المندب، وبالتالي لا يمر من قناة السويس.
ما هذه السرعة الصاروخية في التنفيذ؟
قبل التوقف عند تفاصيل الممر البري لا بد من رصد عدة نقاط تتعلق باتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، الذي تم الإعلان عنه للمرة الأولى من البيت الأبيض عبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم 13 أغسطس/آب الماضي، وتم توقيعه رسمياً في البيت الأبيض قبل يومين، جنباً إلى جنب مع اتفاق التطبيع مع البحرين أيضاً، وأبرز تلك النقاط المتعلقة بالاتفاق الإماراتي تحديداً هي السرعة الصاروخية التي يتم بها توقيع اتفاقات في مجالت متعددة، تستغرق المفاوضات بشأنها عادة وقتاً طويلاً في الظروف العادية.
فخلال شهر تقريباً وقّعت أبرز البنوك الإماراتية اتفاقيات تعاون مع نظيراتها في إسرائيل، بل إن الاتصالات بين البلدين تم فتحها في اليوم التالي مباشرة للإعلان، والأمر نفسه شمل تعليمات للفنادق الإماراتية بالاستعداد لاستقبال الزائرين الإسرائيليين، وإعداد وجبات حلال طبقاً للديانة اليهودية، وتم بالفعل افتتاح مطعم يقدم الوجبات اليهودية الحلال.
كما تم الإعلان عن توقيع مذكرات تفاهم بين شركة موانئ دبي العالمية وجمارك دبي، مع شركة دوفارتاور الإسرائيلية، شملت تعاوناً في مجالات إدارة الموانئ ومحطات الحاويات، بل وتم الإعلان عن تقدم الطرفين بعرض مشترك للحصول على امتيازات إدارة وتطوير أكبر الموانئ الإسرائيلية على البحر المتوسط وهو ميناء حيفا، المعروض في مناقصة ضمن خطة الحكومة الإسرائيلية لخصخصة أصول تمتلكها للحصول على أموال تساعدها في سد العجز المتزايد في الموازنة العامة.
هذه الاتفاقيات تؤكد أن الترتيب للتطبيع بين الجانبين والتعاون بينهما يرجع -كما أشارت التقارير الغربية- إلى نحو عقد من الزمان، وهو ما يشير إلى أن كل ما يعلن عنه الآن ليس خططاً مستقبلية وليدة اللحظة، بل خطوات مدروسة سلفاً، وخروج القصة للعلن يتزامن مع بداية تنفيذها على الأرض.
خطة الممر البري ليست جديدة
وفي هذا الإطار، لا يمكن النظر إلى ما أعلنت عنه صحيفة "غلوبس" الإسرائيلية الخاصة المختصة بالشأن الاقتصادي أمس الأربعاء، 16 سبتمبر/أيلول، من أن "تل أبيب ستعرض على أبوظبي بناء ممر بري يربط بين إسرائيل ودول الخليج، ليكون حلقة وصل لنقل نفط وغاز الخليج إلى دول أوروبا وأمريكا الشمالية"، مجرد مقترح يتم طرحه للمرة الأولى.
ففي يوم 19 ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، نشر موقع Oilprice المتخصص في شؤون الطاقة عالمياً، تقريراً بعنوان "خطة إسرائيل لتجاوز أخطر نقطة لنقل النفط"، ذكر خطة إنشاء الممر البري بالتفصيل ذاته الذي تحدثت عنه "غلوبس" الآن، مع اختلاف وحيد هو أن التقرير تحدث عن أن وزير الخارجية الإسرائيلي وقتها إسرائيل كاتس عرض الخطة على نظيره الهندي خلال ملتقى حوارات المتوسط في روما.
وبحسب تقرير Oilprice، الخطة الإسرائيلية تسمى "طرق للسلام الإقليمي"، تهدف إلى شق ممر بري عبارة عن خطوط أنابيب لنقل النفط والغاز من الخليج إلى إسرائيل عبر السعودية والأردن، ومن ثم تصديره إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، وتحقق خطة الممر الخليجي الإسرائيلي هدفاً أمنياً يتمثل في تفادي التهديدات الأمنية التي تمثلها إيران في مضيق هرمز، وكذلك التهديد الأمني في مضيق باب المندب.
اللافت هنا هو علاقة الهند بالخطة الإسرائيلية من الأساس، فمضيق هرمز تمر عبره نحو 21% من تجارة النفط العالمية دولياً -بمتوسط 21 مليون برميل يومياً- توجه منها نحو 76% العام الماضي إلى الأسواق الآسيوية (الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية بشكل أساسي)، وبالتالي تتعارض خطة الممر البري من الخليج لإسرائيل مع مصلحة الهند بشكل واضح.
ويرى محللون أن الهدف الحقيقي من وراء الكشف عن الخطة الإسرائيلية لإنشاء الممر البري كان تجهيز المسرح للحظة الإعلان التي تمت بالفعل، بينما المفاوضات والاتفاقات تمت في السر بين الأطراف المعنية، والحديث هنا بالأساس عن الإمارات، التي تمثل حجر الزاوية في فتح الأبواب الخليجية أمام تل أبيب.
كيف ستتأثر قناة السويس؟
وبالعودة إلى ما تم الإعلان عنه من خلال الصحيفة الإسرائيلية، نجد أن الحديث قد أصبح مباشراً وبعيداً عن التلميحات أو استخدام أطراف خارجية لتمرير الرسائل، فقد ذكرت الصحيفة أنّ "السعودية ستكون لها محطة ضمن الممر، رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية علنية بينها وبين إسرائيل"، مشيرة إلى "أنّ نقل النفط والغاز الطبيعي سيتم عبر الأنابيب من دول الخليج إلى مدينة إيلات (جنوبي إسرائيل)، ومن ثمّ إلى مدينة عسقلان (جنوب غرب إسرائيل)، لنقلها إلى أوروبا وأمريكا الشمالية".
"غلوبس" أشارت بوضوح إلى أنّ توقيع اتفاقية التطبيع بين إسرائيل والإمارات -والتي تم نشرها بعد التوقيع- احتوى على إشارة ضمنية إلى المشروع، حيث نص الاتفاق على مادة تقول إن "الأطراف ستعزز وتطور التعاون في المشاريع بمجال الطاقة، بما في ذلك أنظمة النقل الإقليمية، بهدف زيادة أمن الطاقة".
وواصلت الصحيفة تعداد مزايا الممر البري قائلة إن "المشروع يهدف إلى تقليل وقت نقل النفط والغاز الطبيعي ونواتج التقطير من السعودية ودول الخليج إلى الغرب، كما سيوفر سداد رسوم عبور السفن في قناة السويس المصرية".
ووفقاً للتقديرات التي سمعت في المناقشات بشأن المشروع، فإنه سيدر عائدات تصل إلى مئات الملايين من الشواكل (الدولار الأمريكي= 3.42 شيكل) سنوياً للحكومة الإسرائيلية، بحسب "غلوبس".
وتظهر الإحصائيات الخاصة بنوعية السفن التي تمر من قناة السويس سنوياً أن ناقلات النفط تمثل أكثر من 27% من إجمالي السفن بأنواعها، وذلك بحسب إحصائيات العام الجاري، مقابل 21% العام الماضي، وهو ما يمثل الشريحة الأكبر من حيث نوعية السفن التي تمر في القناة، وهو ما يعني أن الجزء الأكبر من دخل القناة يأتي من عبور ناقلات النفط، والخدمات المرتبطة بها، وبالتالي فإن الممر البري من الخليج لإسرائيل سيحرم القناة من ذلك الدخل، الذي يمثل المورد الأكبر للدخل من العملات الأجنبية في ظل توقف السياحة تقريباً بفعل الوباء.
وفي ظل تلك السرعة الصاروخية والمريبة التي تتحرك بها أبوظبي وتل أبيب، يصبح من غير المستبعد أن يكون العمل في المشروع قد بدأ بالفعل، في وقت تواجه فيه مصر صعوبات اقتصادية جمة بسبب تداعيات فيروس كورونا، الذي زاد من الضغوط على الاقتصاد المنهك أصلاً بفعل تراجع الإيرادات والاعتماد على الاقتراض الخارجي بصورة غير مسبوقة، وهو ما يعني أن خسارة قناة السويس لنصيب ليس بالقليل من دخلها وأيضاً قيمتها الاستراتيجية يضيف مزيداً من الأعباء، وهو ما يجعل الترحيب المصري باتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي مثاراً للتساؤلات على أقل تقدير.