صواريخ قصيرة المدى غير مُوجَّهة ورخيصة.. كيف تفوقت تكتيكات بدائية على الدفاعات الأمريكية بالعراق؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/03/13 الساعة 17:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/03/13 الساعة 17:01 بتوقيت غرينتش
تظهر صورة نشرتها قوات الأمن العراقية السلاح البدائي الذي أطلق صواريخ على القوات الأمريكية وأدى لمقتل 3 جنود/ مواقع التواصل

أظهرت الصور التي نُشِرَت على مواقع التواصل الاجتماعي بعد الهجوم الذي وقع يوم الأربعاء 11 مارس/آذار، في العراق، وأسفر عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين وبريطانية، شاحنة بيضاء مسطحة مُزوَّدة بمنصات إطلاق صواريخ بدائية مُخبَّأة بين شجيرات الصحراء.

تقول صحيفة The New York Times الأمريكية، إن هذه الأنواع من الصور ظهرت كثيراً خلال السنوات الـ18 الماضية من حروب الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في ظل اعتماد المجموعات المسلحة على تكتيكات بدائية لكن فعّالة لإعاقة وقتل أعدائها المتفوقين عليها تقنياً.

استراتيجية المنصات المتحركة

لكن في الأشهر الأخيرة، وفي ظل بقاء عدد ضئيل نسبياً من القوات الأمريكية في العراق، يبدو أنَّ الميليشيات ذات الصلة بإيران فضَّلت استراتيجية تترك القوات الأمريكية المتبقية دون قدرة كبيرة للدفاع عن نفسها، وذلك وفقاً للمسؤولين الأمريكيين، الذين يسارعون من أجل وضع التدابير المضادة الفعّالة في موضعها.

استُخدِم في الهجوم الذي وقع بمدينة التاجي العراقية، التي تستضيف قاعدة مترامية الأطراف على بُعد 15 ميلاً تقريباً (24 كيلومتراً تقريباً) شمالي بغداد، نحو 30 صاروخاً. أصاب أكثر من 12 منها القاعدة، ما أسفر عن مقتل وإصابة قرابة 20 شخصاً.

تصاعدت الهجمات الصاروخية ضد القواعد الأمريكية بوتيرة بطيئة في الأشهر الأخيرة، لاسيما بعد الغارة الجوية الأمريكية التي قتلت قائداً إيرانياً بارزاً، هو الفريق قاسم سليماني، في الثالث من يناير/كانون الثاني الماضي.

قوات أمريكية في معسكر التاجي في العراق، 2017/ U.S army
قوات أمريكية في معسكر التاجي في العراق، 2017/ U.S army

واتُّهِمَت ميليشيا عراقية لها صلات بإيران، تُدعى كتائب حزب الله، بشن ضربة صاروخية في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أسفرت عن مقتل متعاقد أمريكي. دفع هذا الهجوم، ومصرع الفريق سليماني، ثُمَّ الضربة الصاروخية الإيرانية التي تلته، الولايات المتحدة إلى حافة الحرب مع إيران.

ووفقاً لمسؤولين عسكريين أمريكيين، تشمل استراتيجية ميليشيا حزب الله العراقي، بصورة شبه دائمة، استخدام منصات إطلاق متحركة، مثل الشاحنات، متوقفة على بُعد عدة أميال من واحدة من القواعد الأمريكية العديدة، وتكون مزوّدة بمؤقِّت إطلاق مضبوط على 30 دقيقة تقريباً. ويمنح هذا المؤقِّت الطاقم التابع للميليشيا متسعاً من الوقت للفرار قبل إطلاق الصواريخ.

القواعد الأمريكية دون تدابير دفاعية شاملة

في عام 2015، حين عادت القوات الأمريكية إلى العراق لمحاربة صعود تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، كانت بعض القواعد الأمريكية هناك تخضع للحماية بمنظومات أسلحة مخصصة للتصدي للصواريخ والمدفعية وقذائف الهاون، تُعرَف باسم منظومات "C-RAM"، التي صُمِّمَت للتصدي للأسلحة منخفضة الارتفاع مثل صواريخ الـ107 ملليمترات التي أُطلِقَت على التاجي.

منظومة
منظومة "C-RAM"، المصممة للتصدي للأسلحة منخفضة الارتفاع/ U.S army

لكنَّ تلك التدابير الدفاعية أُزيلَت ونُقِلَت إلى أفغانستان بعدما بدأت حركة طالبان تستعيد مساحات من الأراضي في أنحاء البلاد، وباتت من جديد تهدد القواعد الأمريكية هناك، لكن حتى تلك المنظومات ليست مثالية، خصوصاً ما يتعلَّق بالمدى القصير.

وسأل الصحفيون الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي، الخميس 12 مارس/آذار، عن سبب عدم توفر حماية من الهجوم. فقال: "لا توجد منظومة هناك للدفاع في مواجهة تلك الأنواع من الصواريخ".

وتوجد أجهزة إنذار وتنبيه خاصة لتنشيط الصواريخ الاعتراضية المنشورة هناك والمخابئ التي تُوفِّر الحماية، والتي تُعَد أساسية في القواعد الامريكية في مناطق الصراع وحول العالم.

وقال الجنرال كينيث ماكينزي، قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، لأعضاء الكونغرس يوم الثلاثاء الماضي، 10 مارس/آذار، إنَّ منظومة صواريخ باتريوت ومنظومات دفاع جوي أخرى، من المُرجَّح للغاية أنَّها تشمل منظومات C-RAM، في طريقها إلى العراق.

وقد تساعد صواريخ باتريوت، التي تُستخدَم في مواجهة الصواريخ التي تُحلِّق على ارتفاعات عالية، في التصدي لأي ضربات صاروخية باليستية إيرانية مستقبلية، تماماً مثل تلك التي استهدفت قاعدتي عين الأسد وأربيل، في يناير/كانون الثاني الماضي، والتي أسفرت عن جرح عشرات الأمريكيين.

صواريخ قصيرة المدى غير مُوجَّهة ورخيصة تؤذي الأمريكيين

وتُعَد الصواريخ التي أُطلِقَت على معسكر التاجي –التي وصفها المتحدثون العسكريون بأنَّها صواريخ كاتيوشا من عيار 107 ملليمترات- سمات مُميِّزة موجودة بترسانات الحركات المسلحة في كل مكان بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وهذه الصواريخ قصيرة المدى غير المُوجَّهة رخيصة وتُنتَج بكميات كبيرة وتختلف كل الاختلاف عن الصواريخ الباليستية التي أطلقتها إيران على عين الأسد.

كان الاسم "كاتيوشا"، وهو اسم التصغير من "إيكاترينا" أو "كاثرين"، عنوان أغنية فلكلورية رائجة خلال الحرب العالمية الثانية، وأُطلِق الاسم على صواريخ المدفعية الكبيرة التي كان الجيش الأحمر يطلقها لأنَّ اسمها الحقيقي كان سرياً. وكانت تُطلَق من منصات محمولة على الشاحنات واستُخدِمَت لأول مرة حين سارت القوات الألمانية نحو موسكو.

وبحلول السبعينيات، استخدم الجيش الإسرائيلي الاسم لوصف الصواريخ التي كانت تطلقها الحركات الفلسطينية واللبنانية ضد إسرائيل. ومنذ ذلك الحين، تحول ذلك إلى استخدام رائج وانطبق على الصواريخ الكبيرة والصغيرة من التصنيفات الأخرى.

لماذا تكره أمريكا هذه الصواريخ؟

لطالما تعرَّض الأمريكيون للتهديد من هذا النوع من الصواريخ، إذ استخدمه مقاتلو الفيت كونغ ضد القواعد الأمريكية، وكانت مهمة بما يكفي ليتم ذكرها في مراجعة شاملة لحرب فيتنام، صدر الأمر بإجرائها في عام 1969. 

منصات صواريخ بدائية استخدمت ضد القوات الأمريكية في العراق/ نيويورك تايمز
منصات صواريخ بدائية استخدمت ضد القوات الأمريكية في العراق/ نيويورك تايمز

وفي أفغانستان، كثيراً ما أُطلِقَت الصواريخ عبر الحدود من باكستان على النقاط الأمريكية، وبالإمكان إطلاقها باستخدام مُؤقِّتات يدوية الصنع من منصات إطلاق مؤقتة. وفي العراق، تُطلَق هذه الصواريخ على القوات الأمريكية منذ عام 2003، أحياناً تستهدف مباشرةً المركبات المارة في نطاقات قصيرة، أو تُطلَق في مسار مقوس على الأهداف البعيدة. وفي عام 2007، أُطلِقَ عددٌ من صواريخ عيار 107 ملليمترات على سفينتين حربيتين أمريكيتين في مدينة العقبة الأردنية، ما أسفر عن مقتل جندي أردني.

وبحلول منتصف الثمانينيات، تبنّت حركات التمرد المدعومة من الولايات المتحدة في أفغانستان تكتيكات حرب العصابات المتمثلة في استخدام صواريخ عيار 107 ملليمترات في نيران المناوشات، وهي الحركات التي كانت تستخدم صواريخ طراز 63 الصينية التي دفعت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) لمهاجمة المطارات التي يسيطر عليها السوفييت. وعند اندلاع الحرب الأهلية الليبية عام 2011، كان المقاتلون يحملون منصات صواريخ عيار 107 ملليمترات على ظهور شاحنات النقل.

منصات بدائية لصواريخ عيار 107 ملليمترات في ليبيا/ نيويورك تايمز
منصات بدائية لصواريخ عيار 107 ملليمترات في ليبيا/ نيويورك تايمز

وفي نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة، فكَّكت مجموعات حزب الله المدعومة من إيران في العراق صواريخ مثل هذه جزئياً، وأضافت رؤوساً حربية محلية الصنع لمحرك الصاروخ كي تصنع سلاحاً يُطلِق عليه مسؤولو استخبارات التحالف "IRAM"، أو قذيفة يدوية الصنع مُحمَّلة على صاروخ. وبحلول عام 2012، استخدمت المعارضة في سوريا صواريخ IRAM تلك.

"IRAM"، أو قذيفة يدوية الصنع مُحمَّلة على صاروخ/ نيويورك تايمز
تحميل المزيد