أصبح اسم مصر يتردد بكثرة وفي بلدان شتى مقترناً بإصابة العائدين منها بفيروس كورونا، وفي الوقت الذي اتخذت فيه 3 دول هي السعودية وقطر والكويت، تدابير احترازية على السفر من وإلى مصر مع تزايد عدد الحالات المصابة بكورونا التي جاءت من مصر.
ووفقاً لتقارير وردت من عدة دول، فقد صدَّرت مصر 44 حالة إصابة واشتباه إلى 7 دول.. فهل مصر منكوبة بوباء كورونا والحكومة آخر من يعلم أم تتعمد الإخفاء، أم أن الوضع تحت السيطرة كما تقول الحكومة؟
إليك عدد الحالات المصابة بكورونا التي جاءت من مصر
– السعودية: إصابة 24 مصرياً بفيروس كورونا ونقلهم للحجر الصحي.
– الكويت: الاشتباه في إصابة 6 حالات قادمين من مصر بفيروس كورونا.
-فرنسا: 6 حالات إصابة بـ"كورونا" بين العائدين من مصر.
– مقاطعة تورونتو الكندية: إصابة جديدة بفيروس كورونا لأحد السائحين العائدين من مصر.
– ولاية كاليفورنيا الأمريكية: حالتا إصابة جديدتان بـ"كورونا" لزوجين عادا من مصر.
– مدينة هيوستن بولاية تكساس الأمريكية: إصابة 3 أمريكيين بفيروس كورونا قادمين من مصر.
– تايوان: حالة مصابة بفيروس كورونا قادمة من مصر.
– لبنان: حالة إصابة بفيروس كورونا لمواطن عائد مؤخراً من مصر.
– قطر تفرض قيوداً مؤقتة على دخول أراضيها لجميع القادمين من مصر.
الوضع تحت السيطرة.. مصر منخفضة الإصابة
وتصر وزيرة الصحة المصرية، الدكتورة هالة زايد، على أن مصر من الدول منخفضة الإصابات بفيروس "كورونا المستجد"، أتى ذلك في المؤتمر الصحفي الذي أكدت فيه الوزيرة تبنّي الدولة الخطط الوقائية والاحترازية وتشخيص الحالات أولاً بأول، موضحة أن اكتشاف الحالة الأولى في مصر لأجنبي حامل للفيروس من دون أعراض، أظهر قوة الخطة الاحترازية والوقائية التي تطبقها مصر.
السؤال هنا الذي يقلق كثيرين: هل فعلاً مصر من الدول المنخفضة في نسبة الإصابة بفيروس كورونا كما تصرح الوزيرة المختصة؟ أم أننا إزاء حالة تعتيم متعمد من الدولة على إصابات كورونا؟ أم أن الحكومة المصرية لا تعرف ما هو حقيقة الوضع حتى تعلنه؟
"لا نستطيع الإخفاء"
في مكالمة هاتفية مع خالد مجاهد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة المصرية، أجاب عن تساؤلاتنا، قائلاً: "ليس صحيحاً أو حتى ممكناً أن نعتّم على مرض انتشر بشكل وبائي في العالم، ليس من مصلحتنا ذلك أولاً، وغير ممكن عملياً ثانياً".
وأضاف قائلاً: "إذا انتشرت كورونا في مصر كما يصور بعض نشطاء السوشيال ميديا، فلا نستطيع نحن ولا أي جهة، إخفاء ذلك يا سيدي، الحديث عن التعتيم على الحالات المرَضية محض عبث في بلد مثل مصر".
وعن استعدادات مصر لمواجهة المرض، يقول مجاهد لـ"عربي بوست": "قامت وزارة الصحة بالتنسيق مع الجهات المعنية لتفعيل الخطة الاحترازية باستخدام الكواشف الحديثة التي تُظهر نتيجة العينة خلال نصف ساعة فقط".
وجدير بالذكر أن مصر كانت من أول أربع دول في الإقليم تحصل على تلك الكواشف.
وعن أزمة ظهور إصابات في المراكب السياحية النيلية جنوب البلاد، يعلق مجاهد: "تعامل الدولة المصرية مع ظهور الحالات على تلك البواخر كان احترافياً ومنضبطاً إلى أقصى درجة".
وأضاف: "ففور ظهور إصابات قمنا مباشرة بإغلاق المزارات، وتم سحب قرابة 600 عينة من البواخر النيلية والفنادق الثابتة بمحافظتي الأقصر وأسوان، والحمد لله جاءت نتيجة تحاليلها جميعها سلبية". وعن الوضع في حال انتشر المرض بشكل "وبائي" بمصر.. يجيب مجاهد: "إن شاء الله، هذا لن يحدث؛ حيث إننا طبقنا الإجراءات الاحترازية على الموانئ والمطارات كافة، منذ إعلان منظمة الصحة العالمية عن ظهور فيروس كورونا بالصين في يناير/كانون الثاني الماضي، وهي الخطة التي تبدأ من داخل الطائرة بتوزيع كروت المراقبة الصحية على الركاب، ويقوم المسافر بملء الكارت وهو على متن الطائرة، وفور وصول الركاب يتم فحصهم بأجهزة الانفراريد".
وأوضح أنه "في حالة اكتشاف أي إصابة يتم فوراً عزله بالحجر الصحي ثم تحويله إلى مستشفى الحميات لسحب عينة تحليل PCR، وإن ثبت أنها إيجابية فيتم فوراً نقله للمستشفى المخصص لذلك".
يختتم مجاهد حديثه قائلاً: "لو لا قدّر الله زادت الحالات وانتشر الفيروس بمصر، فلدينا خطة طوارئ معدة تشمل المستشفيات والمعاهد العلمية المتخصصة، وسنفعّل تلك الخطة لعزل المرضى وعلاجهم".
لكن مشهد التزاحم على التحليل صادم!
حديث المتحدث الرسمي لوزارة الصحة أتى مطمئناً إلى حد كبير ومتسقاً مع تصريحات الوزيرة في مؤتمرها الصحفي، لكن على جانب آخر، بدا أن هناك مساحة من العشوائية تمثلت في مشهد العشرات أو المئات الذين تجمعوا أمام المعامل المركزية بوزارة الصحة، صباح الأحد الماضي؛ لإجراء تحليل كورونا الذي اشترطته السعودية على المصريين الراغبين في السفر إليها.
حاولنا التواصل مع أحد المسؤولين في المعامل المركزية لوزارة الصحة المصرية؛ للوقوف منه على حقيقة ما حدث يوم الأحد الماضي، وألا يعد هذا التكدس بيئة مناسبة لنقل العدوى؟ لكنه رفض الحديث، مكتفياً بقوله: "إحنا فاهمين شغلنا".
100 مليون نسمة، أغلبهم في الأرياف
على جانب آخر التقى "عربي بوست" إحدى رؤساء القطاع في وزارة الصحة والتي فضلت عدم ذكر اسمها، قبل أن تعلق قائلة: "دعنا نتفق مبدئياً على أنه لا مصلحة لأحد في إخفاء معلومة كتلك، إضافة إلى أن إخفاءها شبه مستحيل، هذا أولاً، لكن أيضاً لنكن منطقيين، مصر 100 مليون نسمة، أغلبهم في القرى والنجوع سواء في دلتا مصر أو صعيدها، ومع أعداد كبيرة كهذه بلد مترامي الأطراف كمصر، ومع قلة الوعي، التي للأسف هي الحاكمة، يصبح من المستحيل الجزم بعدم وجود إصابات لا تعلم عنها الوزارة".
"لاحِظ -والحديث ما زال للمسؤولة الحكومية- أننا نتحدث عن مرض، أعراضه تشبه إلى حد كبيرٍ أعراض الإنفلونزا العادية، فوارد جداً -وأنا هنا أقول وارد ولا أجزم، أن تكون هناك حالات إصابة في مناطق مختلفة، أصحابها أنفسهم لم يعلموا أنها كورونا، وتعاملوا معها كدور برد عادي جداً، خصوصاً لو كان المصاب شاباً أو شخصاً بصحة جيدة مكَّنته من تجاوز الإصابة، لا تنس أن الوفيات تحدث فقط لكبار السن أو مرضى الجهاز التنفسي، أما النسبة الأعم فتتجاوز المرض".
هل هناك تعليمات من الدولة للإعلام بالتعتيم على أخبار انتشار كورونا؟ الإعدام عقوبة مروجي الشائعات
اللواء محمد نصر، خبير الأمن والسلامة، يعقب على ذلك قائلاً: "بعض وسائل الإعلام الممول من جهات أجنبية تعمل على نشر الإشاعات، وخلق انطباع عام عن مصر بأنها بلد موبوء، مستغلاً شاشاته ومواقعه. وللأسف كثير من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يقعون في ذلك الفخ، ويتحولون لأداة تصفية حسابات سياسية مع الدولة المصرية دون أن يشعروا".
وأضاف نصر: "وهنا يجب أن نوضح أن المشرع المصري نص في المادة 77 من قانون العقوبات، على عقوبة تبدأ من الحبس وقد تصل إلى الإعدام، على كل من يروج إشاعات بهدف الإضرار بأمن الوطن ونشر الرعب بين مواطنيه، لذا أهيب بأهلنا وناسنا توخي الحذر وعدم التورط فيما قد يضر بلادهم ويعرّضهم للوقوع تحت طائلة القانون".
وعلى الصعيد نفسه تحدثنا مع رئيس تحرير أحد المواقع المستقلة والذي أكد لنا أنه لم تأتِ تعليمات محددة وواضحة من الجهات الأمنية لهم بعدم الحديث عن فيروس كورونا، مستدركاً: "لكن الأمن أكد ضرورة التزام التصريحات الرسمية فيما يتعلق بالحالات المكتشفة".
ورغم أن ذلك هو الخط الرسمي للدولة كما قال رئيس التحرير، فإن ذلك لم يمنع الأمن من إلقاء القبض على الصحفية "بسمة مصطفى"؛ لمجرد أنها توجهت إلى مقر معامل وزارة الصحة؛ لرصد تجمُّع لأخذ شهادة الخلو من كورونا، وتم ترحيلها إلى مقر الأمن الوطني، قبل أن يُخلى سبيلها في اليوم نفسه.
مصدر طبي يشكك في أرقام الحكومة ويتهمها بالتأخر في الإجراءات
شكك مصدر طبي بمستشفى قصر العيني بالقاهرة في صحة الأرقام التي تعلنها وزارة الصحة المصرية بشأن المصابين بفيروس "كورونا المستجد".
يأتي ذلك في حين أكد مصدر طبي آخَر، حالة اشتباه جديدة لصيني الجنسية، تم الكشف عليه في أحد مستشفيات القاهرة الجديدة (شرق العاصمة المصرية القاهرة)، وتم تحويله إلى مستشفى الحميات بالعباسية.
وقال المصدر الطبي في مستشفى قصر العيني لـ"عربي بوست": "تأتينا يومياً عشرات الحالات المشتبه في إصابتها بالفيروس، ولدينا تكدس كبير لمشتبه بهم، ونقوم بالكشف الظاهري عليهم، ومن تنطبق عليه الأعراض نقوم بتحويله فوراً إلى مستشفيات الحميات بأنحاء القاهرة الكبرى، ولا نستطيع حجزها في قصر العيني، وليس من المعقول أنه وسط هذه الحالات المشتبه فيها أنَّ من ثبتت إصابته بالفيروس، منذ ديسمبر/كانون اﻷول الماضي حتى هذه اللحظة، بلغ 60 حالة فقط، هذا أمر لا يقبله المنطق أو العقل".
ورأى المصدر أن "السبب في عدم الإعلان عن الأرقام الحقيقية منذ البداية هو أن وزارة الصحة لم تكن تعرفها بالأساس، وأنها لم تتحرك أو تتخذ الإجراءات اللازمة إلا بعد اكتشاف الحالات التي خرجت من مصر وتم اكتشافها في بلدان أخرى، حينها فقط اعترفت مصر بانتقال الفيروس إليها".
واعتبر أن هذا يعني أن "الوزارة لم تأخذ احتياطاتها منذ اللحظة الأولى للإعلان عن انتشار الفيروس، ولم تستطع الكشف عن الإصابات؛ لقصور إداري ونقص في الأجهزة اللازمة للكشف عن كورونا".
وأوضح المصدر الذي تحفَّظ على ذكر اسمه، أن "وزارة الصحة المصرية ليس لديها ما يكفي من الأجهزة للكشف عن الداخلين والخارجين من موانئ البلاد المختلفة، وأنها حتى أيام قليلة مضت، قامت باستيراد عدد من تلك الأجهزة، لكن قبل ذلك لم يكن لديها".
ولهذا كما قال المصدر، فإن "لدينا مصابين مجهولين وهذا هو الخطر الأكبر، فقد ظهر المرض في الأماكن غير المزدحمة، فماذا عن الأماكن المزدحمة والتجمعات الكبيرة".
كورونا وسيلة للتربح
وحذّر المصدر من أن "يتحول فيروس كورونا في مصر إلى وسيلة للتربح من قِبل الدولة وبعض رجال الأعمال المستفيدين من تجارة المستلزمات الطبية".
وقال: "حتى أيام قليلة كانت بعض المعامل والمستشفيات الخاصة تعمل تحليل فيروس كورونا، ولكن ألغت وزارة الصحة هذا الأمر، وقصرت عمل التحليل في إدارة المعامل المركزية بوزارة الصحة وسط القاهرة؛ بدعوى حصر المشتبه فيهم والمرضى".
واستدرك: "ولكن هذا القرار كانت له تداعيات سلبية أكبر، حيث تسبب ذلك في ازدحام شديد أمام المعامل المركزية، فإذا افترضنا أن أحداً من هؤلاء الذين يقفون أمام تلك المعامل حامل للفيروس ولا يعلم، وينتظر إجراء التحليل فسوف تنتقل العدوى إلى كل هذه المجموعات المتراصة أمام المعامل!".
وأكد المصدر أن "الوزارة تحصل 2000 جنيه ممن يرغب في عمل التحليل، وهو مبلغ كبير"، معتبراً أن "الدولة تتاجر بالمرض، هذا بالإضافة إلى تعاون الدولة مع رجال الأعمال الذين يعملون في المستلزمات الطبية، خاصة الكمامة، التي تقي فعلياً من الفيروس".