موسم التطبيع مع إسرائيل.. لماذا خرج للعلن ما كان يحدث سراً؟ فتِّش عن نتنياهو

عربي بوست
تم النشر: 2020/02/06 الساعة 14:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/02/07 الساعة 20:43 بتوقيت غرينتش
الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي/رويترز

الآن وقد أنهى رئيس حكومة تصريف الأعمال بنيامين نتنياهو مهمة تطبيع علاقات إسرائيل مع السودان، يبدو أن هذا الملف أصبح بمثابة العصا السحرية في جعبة الرجل الذي يسعى لإنقاذ نفسه من السجن، لكن ما المقابل الذي يقدمه نتنياهو لكل دولة عربية في موسم التطبيع؟

هل التطبيع وليد اللحظة؟

باستثناء مصر والأردن –الدولتين العربيتين اللتين وقّعتا معاهدة سلام مع إسرائيل– المفترض أنه لا توجد علاقات رسمية بين تل أبيب وأي عاصمة عربية أخرى، وكلمة السر هنا "رسمية"، لكن الواقع على الأرض مختلف ومعلوم للجميع.

وما جعل قضية "التطبيع" حديث الساعة في المنطقة هو إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خُطته للسلام في المنطقة أو "صفقة القرن" بعد سنوات من التسريبات والتكهنات جعلت الصفقة تموت – من وجهة نظر الكثيرين – قبل حتى أن تولد.

وكان متوقعاً أن يشهد الإعلان عن الصفقة ردود فعل غاضبة من الدول العربية – كما يحدث في العقود الأخيرة – تتمثل في بيانات تنديد ورفض على المستوى الرسمي ومظاهرات احتجاج شعبية غاضبة تشهد حرق العلم الأمريكي والإسرائيلي ولكن – باستثناء السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة – جاء رد الفعل العربي الرسمي مرحباً بالخطة ومشيداً بها واختفت تقريباً المظاهرات الشعبية في العواصم العربية التقليدية، خصوصاً القاهرة والخرطوم وحتى عمان وبيروت وبغداد، لأسباب متنوعة ليس هنا مجالها.

قنبلة البرهان

لكن ما لم يكن متوقعاً بالفعل هو ذلك اللقاء الذي تم بين رئيس مجلس السيادة في السودان عبدالفتاح البرهان ونتنياهو، وبالطبع لم يأتِ الإعلان من الخرطوم بل جاء من نتنياهو نفسه، لتحدث حالة من الجدل الرسمي في السودان بإعلان المتحدث باسم الحكومة أنهم علموا بالأمر من وسائل الإعلام، فهل قام البرهان بلقاء نتنياهو والاتفاق معه على "بدء خطوات التطبيع" بقرار فردي؟ ربما يكون هذا ما حدث فعلاً، خصوصاً بعد التقارير عن دور الإمارات ومصر في ترتيب اللقاء، لكن المؤكد أن هناك آخرين يدعمون تحرك البرهان.

رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان/ رويترز

اللافت هنا هو أن وسائل الإعلام الإسرائيلية – التي أوردت خبر اللقاء بتفاصيله – تحدثت عن الأمر في سياق وحيد وهو الانتخابات المحلية هناك في الثاني من مارس/آذار المقبل، وقالت إن التواصل بين تل أبيب والخرطوم ليس وليد الصدفة، بل إن هناك تحركات في السر على مدى سنوات تهدف للتطبيع بين الجانبين، وإن السبب الوحيد لإخراج الأمر إلى العلن الآن هو الموقف المعقد الذي يواجهه "المتهم" نتنياهو، الذي إن لم يفُز في الانتخابات بعدد كافٍ من المقاعد في الكنيست ليشكل الحكومة ويظل رئيساً لها سيكون مصيره السجن.

ما مقابل التطبيع؟

إذا كان موقف نتنياهو يفسر دوافعه وراء الإسراع بتحقيق إنجازات "علنية" في ملف التطبيع بعد سنوات طويلة من اللقاءات السرية بعيداً عن أعين وسائل الإعلام مع القادة والمسؤولين العرب، فلابد هنا من التوقف عند "المقابل" الذي يقدمه الرجل لكل دولة عربية كي تقبل بالتطبيع.

في حالة السودان، تمثل "القائمة السوداء" أو لائحة الدول الراعية للإرهاب التي تضع واشنطن الخرطوم على رأسها عقبة رئيسية أمام الحكومة الجديدة برئاسة عبدالله حمدوك لتحقيق تقدم ملموس في الملف الاقتصادي، وقد حاول حمدوك بالفعل إقناع واشنطن برفع السودان من تلك اللائحة، لكن محاولاته باءت بالفشل، ونشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية تقريراً عن القصة طرحت فيه تساؤلات حول "موقف واشنطن الغريب" من السودان الجديد.

لكن كما يقول المثل العربي "إذا عُرف السبب بطل العجب"، حيث إن نتنياهو – الذي يحظى بدعم مطلق من ترامب – يمكنه الآن أن يقدم المقابل وهو "التطبيع مقابل الرفع من القائمة السوداء"، وواشنطن بالطبع سترحب وتختفي شروطها التعجيزية، كما وصفتها مجلة فورين بوليسي، ومؤشرات ذلك بدأت بالفعل في ذلك الاتصال الهاتفي الذي أجراه – أو تلقاه حمدوك – مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو عقب اللقاء المفاجئ مع نتنياهو.

ملف آخر ودولة أخرى

وفي ذات السياق بثت القناة الثالثة عشرة الإسرائيلية تقريراً أول أمس الثلاثاء 4 فبراير/شباط زعمت فيه أن نتنياهو عرض على المغرب "التطبيع مقابل الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية"، والاعتراف هنا ليس إسرائيلياً بالطبع بل أمريكياً.

وعلى الرغم من أن هذه الصفقة  المزعومة ليست أمراً جديداً، فنتنياهو نفسه يسعى لإبرامها منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض – بحسب ما تم الكشف عنه مؤخراً أيضاً – دون أن يلقى استجابة من المغرب، إلا أن الحديث عنها الآن وبشكل علني بسبب موقف نتنياهو ورغبته المحمومة في إقناع الناخب الإسرائيلي بقدراته الدبلوماسية الخارقة، ربما لا يكون من فراغ.

ماذا عن السعودية؟

حالة السعودية تحديداً تبدو واضحة ومرتبطة بشكل أساسي بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي يعتمد بشكل أساسي على الدعم الأمريكي لتصعيده ولياً للعهد، ومع وجود ترامب في البيت الأبيض أصبح الدعم لولي العهد غير مسبوق، والمقابل هنا – بخلاف الأموال المدفوعة بالطبع – هو ألا تصبح "القضية الفلسطينية" عقبة في طريق التصدي للعدو الأول للمملكة ولإسرائيل معاً وهو إيران.

أما عن مظاهر التطبيع السعودي الإسرائيلي فقد زادت وتيرتها بصورة ملحوظة في العامين الماضيين، وربما كان أكثر تلك المظاهر وضوحاً هو مواجهة المنتخب السعودي ونظيره الفلسطيني في إحدى التصفيات القارية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهي المرة الأولى على الإطلاق التي يحدث فيها ذلك، رغم عدم تحقق أي من الشروط التي وضعتها السعودية نفسها كي تتم مثل هذه الزيارة، وعلى رأسها حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وهذا بالطبع لم يحدث.

وكثرت زيارات نشطاء سعوديين لإسرائيل، واستقبل ناشط سعودي مؤخراً صحفياً يهودياً أمريكياً ونشر فيديو لهما معاً يغنيان بالعبرية "جئنا إليكم بالسلام"، وبالطبع تجد مثل هذه الزيارات عناية خاصة من وزارة الخارجية الإسرائيلية والمسؤولين الإسرائيليين وتثير حالة جدلية على مواقع التواصل الاجتماعي داخل المملكة، يكون واضحاً فيها حسابات لإعلاميين ومؤثرين معروف أنهم من أشد الداعين لولي العهد يعبرون عن آراء منفتحة على فكرة التطبيع وتؤيدها بصورة لا تقبل التأويل.

الإمارات وعمان

ولي العهد الإماراتي الأمير محمد بن زايد والرئيس الأمريكي دونالد ترامب/ رويترز

أما الإمارات فمسألة التطبيع مع إسرائيل لم تعد سراً منذ وقت طويل، وتجسدت مؤخراً في حضور السفير الإماراتي في واشنطن حفل الإعلان عن صفقة القرن في البيت الأبيض رفقة نظيريه العماني والبحريني، وسوف تشهد دبي هذا العام حضوراً مميزاً لإسرائيل ضمن معرض إكسبو 2020 في جناح يتم تشييده بالفعل الآن.

أما عمان فقد زارها نتنياهو بالفعل كأبرز إشارة على أن التطبيع الرسمي بين البلدين لم يعد ينقصه سوى الإعلان الرسمي بتبادل السفراء، فهل ستشهد القدس افتتاح سفارات عربية لدى إسرائيل قريباً بعد أن أعلنها ترامب عاصمة موحدة للدولة العبرية، ضارباً بكل القرارات والقوانين الدولية عرض الحائط؟

التطبيع العربي مع إسرائيل إذن ليس وليد اللحظة بل كانت تجري بشأنه المشاورات سراً منذ سنوات بعيدة، لكن ما أخرجه للعلن الآن، أو بمعنى أدق من أخرجه للعلن الآن هو نتنياهو سعياً لإنقاذ ليس فقط مستقبله السياسي بل حريته نفسها المهددة بسبب اتهامه بالفساد وخيانة الأمانة وتلقي الرشوة.

تنويه:

ورد خطأ في نسخة سابقة عبارة «أما الإمارات فمسألة التطبيع مع إسرائيل لم تعد سراً منذ وقت طويل… صفقة القرن في البيت الأبيض رفقة نظيريه العماني والأردني».
والصحيح أن السفيرين الآخرين كانا العماني والبحريني.

تحميل المزيد