من يقف وراء السعودي المطبّع مع إسرائيل؟ قصة احتفاله مع نتنياهو وإضاءته للشموع في عيد «حانوكا» اليهودي

عربي بوست
تم النشر: 2019/12/30 الساعة 15:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/12/30 الساعة 15:16 بتوقيت غرينتش
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين ننتياهو/رويترز

لماذا تسكت السعودية عن مواطنها محمد سعود، المطبّع مع إسرائيل، الذي وصل به الأمر للاحتفال مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل  انتخابات الليكود الداخلية، معرباً عن أمله في فوز نتنياهو.

إذا كان احتفال مواطن سعودي بفوز رئيس وزراء دولة أجنبية أمراً غريباً فأن تكون هذه الدولة هي إسرائيل، التي تحتل أراضي عربية وتريد ضم القدس، موطن ثالث الحرمين الشريفين، وتعتدي على المسجد الأقصى لَهو أمر أغرب، خاصة في دولة كالسعودية، تحاسب مواطنيها على خيارات الإعجاب التي يقومون بها على مواقع التواصل الاجتماعي.

السؤال المُلح هنا هو لماذا تسكت السعودية عن مواطنها محمد سعود، المطبع مع إسرائيل، وهل ما يقوم به هو نشاط فردي يتم التغاضي عنه، أم هو جزء من عملية تطبيع مؤسسي تقوم بها المملكة عبر ناشط غريب الأطوار.

 احتفلَ مع نتنياهو

لم يكتفِ الناشط السعودي محمد سعود المثير للجدل بزيارته المثيرة للجدل لإسرائيل، ثم نشره مقطع فيديو يحتوي على مكالمة له مع رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو.

فعقب ذلك خصَّ أفيخاي أدرعي، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي لوسائل الإعلام العربية، الناشطَ السعودي بتغريدة وصفه فيها بـ "الصديق العزيز".

كما نشر أدرعي مقطع فيديو، معلناً أنه يحتوي مشاهد لـ "إشعال الشموع في الشمعدان اليهودي في العاصمة السعودية الرياض، عند الصديق العزيز محمد سعود"، بمناسبة عيد الأنوار اليهودي، أو "حانوكا".

كما نشر محمد سعود على صفحته في "تويتر" مؤخراً مقطعاً مصوراً لمحادثة جرت بينه ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قبيل الانتخابات الداخلية الأخيرة لزعامة حزب الليكود، عبَّر خلالها محمد سعود عن محبته لنتنياهو وتعليقه آمالاً كبيرة، لفوزه الذي رأى أنه "سيجلب السلام للشرق الأوسط".

وظهر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في هذا المشهد وهو يتحدث إلى محمد سعود عبر هاتف نقال في أجواء احتفائية، أظهرت سعادة الحاضرين بالمكالمة.

ما أجمل ان نرى الشمعدان اليهودي الذي يمثل عيد #حانوكا (الأنوار) ومن خلفه #برج_خليفة في #دبي. النور في اليهودية والإسلام له معنى عظيم!

Gepostet von ‎افيخاي أدرعي- Avichay Adraee‎ am Sonntag, 29. Dezember 2019

احتفاء أدرعي بـ "التطبيع الخليجي" مع إسرائيل لم ينته بالناشط السعودي، إذ نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي صورة للاحتفال بعيد "حانوكا" اليهودي في مدينة دبي الإماراتية أيضاً.

يذكر أن الناشط السعودي محمد سعود كان قد زار إسرائيل، في يوليو/تموز الماضي، وأثار حينها ضجة كبيرة.

ومع أن زيارة الناشط السعودي محمد سعود كانت جزءاً ضمن وفد مكون من ستة إعلاميين عرب، بدعوة من وزارة الخارجية الإسرائيلية فإن زيارة محمد سعود اكتسبت أهمية خاصة عقب زيارته للمسجد الأقصى، بعد أن واجه غضب المصلين الفلسطينيين، الذين طالبوه بالخروج، باعتبار أن زيارته تمثل بداية لموجة تطبيع خليجي.

من هو محمد سعود العاشق لإسرائيل؟

محمد سعود، البالغ من العمر 29 عاماً، وهو طالب في كلية الحقوق بقسم القانون في جامعة الملك عبدالعزيز، يقول إنه يتمنى وجود علاقات دبلوماسية بين بلده السعودية وإسرائيل، حيث اكتشف حبه لإسرائيل خلال دراسته في جامعة ولاية ميسوري بأمريكا.

وقال في سياق ذلك: "لقد تعلمت أيضاً أنّ إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تسمح للناس بالعيش بِحُرية، وأنّ عديداً من الأشياء التي اعتقدت أنني أعرفها عن القضية الفلسطينية لم تكن صحيحة".

ولا يكفُّ سعود عبر حسابه على تويتر، المليء بالعبرية، عن إعلان حبه واعتزازه الدائم بإسرائيل، فيردّد مثلاً: "ليحفظ الله إسرائيل"، "كم أحب هذا البلد!"، وفي مقابلة إذاعية قال: "نحب إسرائيل، نحن نحب اليهود، فمهما كانت الفروقات السياسية فلن تفرقنا، ونتمنى أن نصنع السلام معاً، ونبني جسراً من السلام قريباً".

 هل أسقطت السعودية عنه الجنسية؟

في البداية تضاربت المعلومات بشأن موقف السعودية الرسمي من الزيارة، التي شهدت تعرُّضه للسباب. 

​ولم تعلق المملكة العربية السعودية رسمياً على تقارير زيارة الإعلامي السعودي محمد سعود إلى إسرائيل.

ولكن أفاد الإعلامي الإسرائيلي شمعون أران، بأن العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، أمر بسحب الجنسية من السعودي محمد سعود، الذي زار إسرائيل مؤخراً، لكنه نفى الخبر لاحقاً.

وفي وقت لاحق، نشر أران خبراً، قال إنه نقلاً عن وكالة أنباء "عمون"، نفى فيه مصدرٌ سعوديٌّ النبأ جملة وتفصيلاً، وأكد أنه عارٍ عن الصحة.

إنه مجرد عضو في فريق عمل كبير

"محمد سعود ليس وحده"، فحسب معلومات  حصل عليها "عربي بوست" من مصادر مطلعة، فإن محمد سعود يعمل ضمن فريق أمني يشرف عليه الأكاديمي أنور عشقي، وهو ضابط استخبارات ولواء متقاعد من القوات المسلحة السعودية، وكان مستشاراً للأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز آل سعود.

ويعتبر "عشقي" عراب التطبيع مع إسرائيل داخل السعودية، بسبب ارتباطاته الخارجية مع منظمات صهيونية، ويعمل مع "عشقي" في الإشراف على الفريق الإعلامي تركي الدخيل.

ففي ظلّ التوجهات السعودية الجديدة بقيادة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تعمل الرياض على إيجاد شخصيات ومجموعات، هدفها التمهيد للتطبيع مع إسرائيل، على أن تحتفظ الدولة السعودية بمسافة مع هذه الجهود.

ويأتي ذلك على ما يبدو بهدف إرضاء ميول إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المنحازة لإسرائيل، ولتشكيل حلف يضم السعودية وإسرائيل والإمارات، في مواجهة إيران وحلفائها من ناحية، وتركيا والحركات من ناحية أخرى. 

وهناك أكثر من 150 متخصصاً يعملون جنباً إلى جنب، بعضهم مع بعض، في الترويج والتبشير بالعلاقات مع إسرائيل، من خلال التركيز على العزف على وتر أن التطبيع مع إسرائيل ضرورة لمواجهة المشروع الإيراني في المنطقة.

ويتقاضى هؤلاء رواتب شهرية، ويعملون موظفين بمركز اعتدال، وفي "المركز الوطني للأمن السيبراني"، وبمراكز الدراسات المختلفة الرسمية، حسبما قالت المصادر.

ويأتي هذا الفريق ضمن مجموعات تضم كوادر ومجموعات أمنية خاصة تتبع الديوان الملكي، والتي تمّ استحداثها بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، لشنّ حملات إلكترونية مؤيدة لوجهات نظر الدولة السعودية.

ما الهدف من هذه التحركات الصادمة للرأي العام العربي بما فيه السعودي؟

تعمل تلك الكوادر والمجموعات لجسِّ النبض ودراسة ردود الفعل، وتقييم الآراء وردود الفعل التي تصدر عن الشارعين السعودي والعربي تجاه سياسات السعودية وتوجهاتها الجديدة، خاصة فيما يتعلق بعلاقاتها مع إسرائيل، ويشرف عليها كل من تركي الدخيل وأنور عشقي، اللذين يعملان على توجيهها فيما يتعلق بالشأن الإعلامي والظهور الفكري والأيديولوجي.

وقد سبق أن ذكر مصدر مطلع لـ "عربي بوست"، أنّ الناشط السعودي محمد سعود، الذي يتقن العبرية بنسبة عالية، يتمتع بعلاقات واسعة مع شخصيات ورموز إسرائيلية، ويعمل ضمن فريق خاص يقوم بالتسويق للتطبيع مع إسرائيل، حيث يستعمل فريقه مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها "تويتر"، لإقناع الآخرين بأهمية العلاقات مع إسرائيل، والترويج للسلام معها.

فريق سعودي ضد التطبيع

ويقوم الفريق بعدة مهام رئيسية من خلال ثلاث مجموعات رئيسية:

مجموعة تعمل على الترويج تدريجياً لتحفيز العلاقات السعودية-الإسرائيلية.

ومجموعة ثانية تعمل من خلال التصريح والتبشير العلني بالعلاقات مع إسرائيل على غرار محمد بن سعود.

ومجموعة ثالثة تعمل على التظاهر ضد هذه العلاقات، لكنّ الغرض من ذلك أمني بالدرجة الأولى، يهدف إلى قياس ردود الفعل في الشارعين السعودي والعربي تجاه التطبيع مع إسرائيل، وكشف المعترضين والمؤيدين ومدى قبول الشعوب والمجتمعات لقرارات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

كما تهدف المجموعة الثالثة إلى معرفة اتجاهات وردود فعل النخب العربية السياسية والمثقفة، تمهيداً في المستقبل للتعاون معهم والسعي إلى استقطابهم وتقريبهم وإقصاء المعترضين منهم.

الناشط السعودي محمد سعود/ تويتر

 ويعتبر مركز اعتدال والهيئة الوطنية للأمن السيبراني بالعاصمة السعودية الرياض أحد أهم الأذرع المهمة للمخابرات السعودية، التي توجد فيها هذه المجموعات المروجة للعلاقات والتطبيع مع إسرائيل، وتتصل بدورها بمندوبين أمنيين يقومون بتقييم ونقل سير العمل داخل هذه المجموعات.

النظام السياسي في السعودية يسعى من وراء هذه الزيارات إلى ترويج أنَّ الشعب السعودي هو من يسعى إلى التطبيع، وهو من يريد العلاقات والتطبيع، والحكومة السعودية يجب أن تصغي للشعب، وهذا يعني الهروب من تهمة التطبيع، وإظهار أن هذه رغبة الشعب.

إذ أن قيادة المملكة تسعى عبر هذه السياسة لإظهار أن شخصياتٍ لا تشغل مناصب رسمية، تقوم بما يمكن تسميته بالتطبيع الشعبي، حسبما قالت مصادر سعودية مطلعة لـ "عربي بوست"، رغم أن الجميع يعلم أنه لا يوجد أي شخص في السعودية يستطيع أن يقوم بمثل هذه الخطوات، من دون توجيه من الرجل الأقوى الذي يحكم البلاد.

ويحظى تركي الدخيل وأنور عشقي، اللذان يشرفان على الفريق والمجموعات التابعة لهما، بدعم وتعاون من شخصيات غير سعودية، ومنها إماراتية وإسرائيلية.

ويمكن القول إن السياسة السعودية في هذا الشأن تسير على النهج الإماراتي، مثلما سارت وراء أبوظبي في العداء لتركيا وقطر والحركات الإسلامية المعتدلة في المنطقة، التي كانت حليفاً تقليدياً للرياض.

لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟

توافق « عربي بوست » أحياناً على عدم التعريف بأسماء مصادر تقدم معلومات حساسة لقرائنا. وبموجب إرشادات الموقع، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر وذات مصداقية، وأننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.

ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، وبعضهم يتساءلون ما إذا كانت هذه المصادر موجودة أصلاً. لكن لدينا قواعد وإجراءات لمحاولة معالجة هذه المخاوف.

فبالإضافة إلى المراسل، يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر. ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم أو من ينوب عنه قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. وعندما تكون القصة مبنية على معلومة مركزية من مصدر مجهول، فيجب الموافقة عليها بشكل عام من قبل رئيس التحرير.

نحن نتفهم حذر القراء، ولكن لا يمكن أبداً الحصول على المعلومات حول العديد من القصص المهمة في مجالات حساسة، مثل السياسة والأمن القومي والأعمال، إذا استبعدنا المصادر غير المعرّفة. فالمصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية. حتى في بعض الأحيان من أجل سلامتها.

يعتقد بعض القراء أن المصادر تكون أكثر صدقاً إذا تم نشر أسمائها، ومن غير المرجح أن يكذبوا إذا تم الكشف عن هويتهم. إلا أن المراسلين في العديد من المناطق يعرفون أن العكس هو الصحيح. فالمصادر في المناصب الحساسة غالباً ما سيتحدثون ببساطة بحسب التوجهات الرسمية. وسيكونون صريحين فقط إذا كانوا يعرفون أن أسماءهم لن يتم الكشف عنها.

 

تحميل المزيد