«هذه ليست مجرد معركة خاصة بالمسلمين».. كيف فجّر «قانون المواطنة» الاحتجاجات في الهند؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/12/21 الساعة 14:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/12/21 الساعة 16:57 بتوقيت غرينتش
احتجاجات طلابية في كالكوتا شرق الهند بسبب تعديل قانون المواطنة/ Getty

في الوقت الذي هزت فيه الاحتجاجات العنيفة بشأن قانون المواطنة الهندي الجديد عاصمة البلاد نهاية الأسبوع الماضي، حاولت أربع نساء تشكيل درع بشرية حول زميلهن في الدراسة بينما كانت تضربه الشرطة بالعصيّ. كان وجه شاهين عبدالله مضرجاً بالدماء وهو يصرخ على أصدقائه: "اذهبوا إلى الداخل". وقطعت النساء الطريق على رجال الشرطة ووقفن محملقات بهم، وموجهين أصابعهن إليهم يحثونهم على "الابتعاد" وترك عبدالله وشأنه.

مع انتشار مقطع الفيديو الذي صور هذه الواقعة على وسائل التواصل الاجتماعي، سرعان ما أصبح عبدالله وزميلاته رمزاً وطنياً للمقاومة. لكنه يصر على أن "الكثيرين قد ظهرت بطولتهم في تلك الليلة"؛ ينقذون بعضهم البعض ويأوون الأصدقاء. وقد قال في تصريحه لمجلة TIME الأمريكية: "نحن الأشخاص الوحيدون الذين صورتهم الكاميرا".

"ليست قضية المسلمين وحدهم"

أعطى انتشار الفيديو الذي يسلط الضوء على وحشية الشرطة مزيداً من الزخم لموجة الاحتجاجات المنتشرة في جميع أنحاء الهند. وكانت الاحتجاجات التي شارك فيها الآلاف من الناس في الجامعات والمدن في جميع أنحاء البلاد هي الأوسع انتشاراً في البلاد منذ تولي رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزب بهاراتيا جاناتا (BJP) السلطة لأول مرة في عام 2014. وقد بدأت الاحتجاجات في دلهي في عطلة نهاية الأسبوع رداً على قانون جديد مثير للجدل يقول منتقديه إنه يمكن أن يحول المسلمين الهنود إلى مواطنين من الدرجة الثانية.

ويوم الأربعاء 18 ديسمبر/كانون الأول، قالت المحكمة العليا في الهند إنها لن تتدخل لوقف تفعيل القانون. ومع اشتداد الاحتجاجات يوم الخميس 19 ديسمبر/كانون الأول، حظرت الحكومة التجمعات العامة في العديد من مناطق البلاد بما في ذلك ولاية أوتار براديش، الولاية الأكثر اكتظاظاً بالسكان في الهند، وقطعت الوصول إلى الإنترنت في أجزاء من العاصمة. كما اُعتقل العديد من المحتجين البارزين، بما في ذلك المؤرخ راماشاندرا غها. وهو من بين أكثر من 200 محتج سلمي احتجزوا في مدينة بنغالورو الجنوبية يوم الخميس.

وخرج الطلاب في ما لا يقل عن 50 كلية وجامعة في جميع أنحاء البلاد إلى الشوارع للاحتجاج منذ أن أقرت حكومة مودي تعديل قانون المواطنة في 12 ديسمبر/كانون الأول. ويمهد القانون الطريق للحصول على الجنسية الهندية لأشخاص من ثلاث دول مجاورة؛ بشرط ألا يكونوا المسلمين. ويقول النشطاء إنها مجرد خطوة في الأجندة الأوسع لحزب بهاراتيا جاناتا المتمثلة في إنشاء "دولة هندوسية"، مع إبطال الحكومة مؤخراً للوضع الخاص لولاية جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة وتخطيطها لبناء معبد هندوسي في موقع مسجد كان قد هدمه تجمهر للقوميين الهندوس في عام 1992.

وأيضاً يقول منتقدو القانون إنه يمثل إهانة للدستور العلماني الهندي، الذي يضمن تعامل الحكومة بمبدأ المساواة بين الأديان المختلفة. وقال هارش ماندر، الناشط والموظف المدني السابق، لمجلة TIME قبل أن يُعتقل يوم الخميس: "كانت روح النضال الهندي من أجل الحرية والدستور تتمثل في فكرة المواطنة المتساوية للناس بغض النظر عن عقيدتهم، وهذا ما يدمرونه".

تقول نازيا إروم من منظمة العفو الدولية في الهند: "لا يبدو أن الحكومة تخطط للتراجع. لا نرى أي علامة على التراجع من أي شخص. هذا هو السبب في تزايد الاحتجاجات. كل يوم نشهد جامعة جديدة أو شريحة جديدة من الناس يشاركون في الاحتجاجات".

وفي الوقت ذاته، دخلت مسيرات الاحتجاج الكبيرة ضد القانون أسبوعها الثاني في ولاية آسام الشمالية الشرقية، وسط مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى موجات من الهجرة من بنغلاديش المجاورة. وأفادت التقارير بمقتل أربعة أشخاص على الأقل على أيدي الشرطة هناك، وأصيب مئات آخرون.

ما تعديل قانون المواطنة؟

يقول حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم إن تعديل قانون المواطنة سيجعل من السهل على "الأقليات المضطهدة" من أفغانستان وباكستان وبنغلاديش المطالبة بالجنسية الهندية.

لكنه ينص على أنه لكي يكون الفرد مؤهلاً للحصول على الجنسية بشكل عاجل، يجب أن يكون هندوسياً أو سيخياً أو جاينياً أو بارسياً أو مسيحياً أو بوذياً. وفي بيان لها، قالت منظمة العفو في الهند إن القانون "يضفي الشرعية على التمييز على أساس الدين ويشكل انتهاكاً واضحاً لدستور الهند والقانون الدولي لحقوق الإنسان.. وفي حين أن القانون يبدو احتوائياً في هدفه المعلن، إلا أنه إقصائي في هيكله و نواياه".

وقد أثارت هذه الخطوة قلقاً متزايداً بين مسلمي الهند البالغ عددهم 200 مليون نسمة، وذلك بسبب ارتباطها بخطة حزب بهاراتيا جاناتا الأخرى: إعداد قائمة بجميع المواطنين الشرعيين في الهند. ويقول وزير الداخلية في حكومة مودي، آميت شاه، إن ما يسمى بالسجل الوطني للمواطنين سيؤدي إلى استخلاص "المتسللين" من الهند، وهو مصطلح يعتبره الكثير من المسلمين إشارة ضمنية لأنفسهم.

وكانت تجربة للتسجيل الوطني للمواطنين قد تمت في ولاية آسام شمال شرق البلاد في وقت سابق من هذا العام. وطُلب من سكان الولاية البالغ عددهم 33 مليون نسمة إثبات أنهم كانوا مقيمين في الهند منذ عام 1971 على الأقل، وقد بقى 1.9 مليون فرد خارج قائمة المواطنين في أغسطس/آب، عندما لم يتمكنوا من إثبات ذلك. (وأيضاً لم تشمل القائمة العديد من الأشخاص الذين عاشوا في آسام لعدة أجيال، على سبيل المثال بسبب الأسماء التي بها أخطاء إملائية في الوثائق الرسمية أو لأنهم أرغموا على الفرار من ديارهم، تاركين وراءهم أوراقهم). 

وقد بدأت الحكومة في بناء معسكرات الاعتقال لاحتجاز أولئك الذين فشلوا في إثبات جنسيتهم في الاستئناف. لكن ما أثار فزع السياسيين المحليين لحزب بهاراتيا جاناتا، وذلك عندما ظهرت إحصاءات أولئك الذين لم تشملهم قائمة المواطنين، أن نسبة كبيرة منهم من الهندوس، وليس المسلمين.

"أشبه بالنازية"

يخشى العديد من المحتجين والجماعات الحقوقية من أن تعديل قانون المواطنة هو وسيلة بالنسبة لحكومة مودي القومية الهندوسية لضمان الجنسية الهندية المعجلة للهندوس الذين لم تشملهم قائمة المواطنين في جميع أنحاء البلاد في المستقبل، بينما يحرمون المسلمين الذين لا يستطيعون إثبات أنهم هنديون من منح الجنسية. وفي بيان أصدره ناشرها، قارنت أرونداتي روي، إحدى أشهر الكتاب في الهند، قانون تعديل المواطنة والتسجيل الوطني للمواطنين بقوانين نورمبرغ لعام 1935 التي حرمت اليهود من الجنسية الألمانية.

يقول إروم من منظمة العفو الدولية في الهند: "بالتأكيد لا يمكن رؤية القانون بمعزل عن ما يحدث. يجب أن نأخذ في الاعتبار حقيقة أنه سوف يسبق تعميم التسجيل الوطني للمواطنين في جميع أنحاء الهند. إن القانون يعمل بشكل أساسي على تحويل عملية التسجيل إلى سلاح مصوب ضد المسلمين".

يقول فرحات علي خان، وهو أحد الطلاب المحتجين وهو يدرس الأدب في الجامعة الملية الإسلامية في نيودلهي، لـ TIME إنه يعتقد أن برنامج تسجيل المواطنين المحتمل تعميمه على مستوى الهند، وهو النوع الذي يريد الحزب الحاكم تنفيذه، سينتهي به المطاف إلى أن يصبح مناهضاً للمسلمين بشكل صارخ. وهو يعتقد أنه من المحتمل أن يُسمح للهندوسي الذي ليس لديه وثائق بالبقاء، بينما ينتهي الأمر بالمسلم في معسكر الاعتقال. ما يزعج طلاب الجامعة هو تلك المعسكرات الملعونة. لم يعتقد هذا الجيل أبداً أن الهند سوف تصل إلى هذا اليوم ولهذا السبب نحن نحتج".

"أنا أرتعد عندما أتحدث عن هذا"

وفي 12 ديسمبر/كانون الأول، وقع البرلمان الهندي الذي يهيمن عليه حزب بهاراتيا جاناتا على تعديل قانون المواطنة، الأمر الذي أشعل الاحتجاجات في الكليات والجامعات والمدن في مختلف أنحاء البلاد.

وبدأ الأمر في جامعتين إسلاميتين تاريخياً، هما جامعة عليكرة الإسلامية والجامعة الملية الإسلامية، حيث كان رد فعل الشرطة هو الأكثر عنفًا؛ إطلاق الغاز المسيل للدموع وضرب الطلاب، وفقاً لشهادة سمعتها مجلة TIME ومقاطع فيديو نشرت على الإنترنت.

عبدالله، الذي تعرض للضرب على أيدي الشرطة في مقطع الفيديو الذي انتشر على الإنترنت، هو أحد طلاب الجامعة الملية الإسلامية. وكانت لاديدا فرزانة، وهي مسلمة من ولاية كيرالا وزميلة جامعية لعبد الله، واحدة من العديد من النساء اللائي شكلن درعاً بشرياً من حوله. تقول لاديدا لمجلة TIME: "ليس لديّ أي مخاوف حول سلامتي لأني لا أخاف إلا الله". وتحكي أنها تعرضت للضرب على ظهرها عندما كانت تحمي عبد الله. ولا تزال تشعر بالألم. وهي تقول: "أشعر بألم لكني بخير".

استهداف مباشر للمسلمين 

وأضاف مصطفى أنه يبدو أن الشرطة كانت تستهدف المسلمين على وجه التحديد. وقد سألته الشرطة: "ما مشكلتك مع مودي وشاه؟"، قبل أن يُطلب منه أن يتلو "الكلمة"، وهو اعتراف بالإيمان الإسلامي يتلى في بعض الأحيان حين يكون المرء على فراش الموت، بحسب ما قال في بيان الفيديو. وخلال حملة القمع في جامعة عليكرة، زُعم أن الشرطة كانوا يصيحون "جاي شري رام" -وهو شعار هندوسي يعني "النصر لرام"- بينما كانوا يضربون الطلاب. وقد استخدم حزب حزب بهاراتيا جاناتا ومؤيدوه هذه العبارة بشكل متكرر.

وقال محمد منهاج الدين، طالب آخر في الجامعة، إنه كان يدرس في المكتبة المركزية للجامعة عندما تعرض للضرب المبرح على أيدي الشرطة لدرجة أنه أصيب بالعمى في أحد عينيه وقد يفقد الإبصار بالأخرى قريباً. "قد أصبح أعمى بشكل تام. من المسؤول؟ ماذا فعلت خطأ؟ أريد العدالة". وقد حاول حماية نفسه بوضع يديه على وجهه؛ وهو ما تسبب في كسر إثنين من أصابعه.

وأيضاً هوجمت عدة نساء خلال الاحتجاجات. وقالت صايمة أنجوم، طالبة حقوق في السنة الثانية بالجامعة الملية، لمجلة TIME إن هي والعديد من الطلاب الآخرين في الحرم الجامعي تعرضوا للضرب على أيدي الشرطة. وهي تتذكر بحثها عن مخبأ في غرفة القراءة بالجامعة خوفاً من الاحتجاجات المتوترة مع الطلاب الآخرين. 

وتقول إنهم أغلقوا الأبواب وجلسوا تحت الطاولات قبل أن يكسر الضباط المرتدون للزي الأزرق الباب. تروي: "لقد بدأوا في ضربنا جميعاً. كان خمسة إلى ستة من رجال الشرطة يضربون طالباً واحداً. وسحبوني أيضاً". بدأ أحد الضباط في ضربها عندما تدخل آخر، قائلاً "اتركها، اتركها، إنها مجرد فتاة، اتركها تذهب". وقد رأت أحد أصدقائها وهو يُضرب بوحشية قبل أن يفر ويلجأ إلى أحد المساجد.

تقول صايمة: "كان الأمر فظيعاً للغاية"، وبدأ صوتها ينهار. "لقد كان هجوماً إرهابياً"، وتشرح أنها لا تستطيع النوم ليلاً وتشعر بأنها "منزعجة جداً". "لم يكن الأمر على الإطلاق كما لو أن الشرطة تحاول السيطرة على الموقف. بدا الأمر وكأنهم ينفذون انتقاماً أو شيء من هذا. لا أدري".

اعتداءات جنسية على الطلاب

وزعم المحامي الذي بدا أنه يمثل بعض طلاب الجامعة الملية المحتجزين بعد الاحتجاجات في بيان أن الشرطة اعتدت جنسياً على طلاب في الجامعة، وأطفأوا الأنوار حتى لا تصورهم كاميرات المراقبة.

واقتحمت الشرطة أيضاً مكتبة الجامعة وأطلقت الغاز المسيل للدموع على الطلاب المحاصرين بالداخل. وعلى حد قول الطلاب، فقد اختبأ بعضهم في حمامات النساء، ودخلت عليهم الشرطة، وبدأوا في ضربهم وتكسير المرايا. وقال أحد الطلاب الذين شهدوا الأحداث لـ TIME: "كان الطلاب مستلقين داخل الحمام وهم ينزفون".  

لم يؤكد وقوع أي وفيات في الاحتجاجات في الجامعات في جميع أنحاء البلاد. لكن العديد من الطلاب مفقودون . ولا يزال هناك أكثر من عشرة طلاب من جامعة عليكرة الإسلامية في عداد المفقودين بعد أن قامت الشرطة بقمع الاحتجاجات هناك، وهو ما أسفر عن إصابة أكثر من 100 شخص. وفي الجامعة الملية الإسلامية، اعتُقل 35 طالباً على الأقل.

وكان ماندر، الناشط والموظف المدني السابق، واحداً من أكثر من عشرة من الحقوقيين والصحفيين الذين قاموا بمهمة لتقصي الحقائق في جامعة عليكرة يوم الثلاثاء 17 ديسمبر/كانون الأول. وقد أخبر الـ TIME أن العديد من الطلاب عانوا من "إصابات مخيفة".

تهديد وطرد واحتجاز 

وتذكر ماندر أحد الطلاب وهو يروي له كيف أن يده قد بترت بعد أن أصيب بها جراء قنبلة يدوية صاعقة. يقول ماندر: "إنه أمر يفطر القلب للغاية". وأضاف أن شاباً آخر يبلغ من العمر 19 عاماً نُقل إلى مركز الشرطة وضُرب بحزام بينما كان عارياً. ويوضح ماندر أنه أظهر علامات الحزام على جسده لفريق تقصي الحقائق، لكنه قال إنه لم يقدم شكوى لأنه خائف، مضيفاً أن 26 صبياً احتجزتهم الشرطة رسمياً لمدة 24 ساعة. وأوضح أيضاً أن بعض الطلاب اختبأوا لساعات خلف الستائر في المسجد.

وفي أعقاب الحملة الأمنية، تراجع الطلاب عن فكرة تقديم الشكاوى خشية أن تطالهم العواقب. وقال ماندر بعد التحدث مع الطلاب ومسؤولي المدارس والأطباء في المستشفيات التي يوجد فيها الطلاب المصابون "تلقى الطلاب رسالة واضحة جداً من أعضاء هيئة التدريس والشرطة بأنهم إذا قاموا بتسجيل شكاوى فسوف يطردوا من الجامعة وسيكون وسترفع قضايا ضدهم". 

وقدر أن حوالي 50 طالباً قد أصيبوا، وأن حوالي 12 ممن في المستشفى يعانون من إصابات خطيرة. وقال نانديني سوندار، أستاذ علم الاجتماع بجامعة دلهي، بعد زيارته لجامعة عليكرة، إن ما لا يقل عن 70 طالباً يعانون من إصابات طفيفة لم يسجلوا شكوى رسمية "لأنهم كانوا خائفين من استهدافهم لاحقاً".

انضم غير المسلمين إلى الاحتجاجات أيضاً. فقد قال Sreekanth Sivadasan سريكانث سيفاداسان، مصور وطالب في الجامعة الملية، إنه ليس مسلماً ولكن العديد من زملائه وأصدقائه مسلمين. وأوضح: "إنهم يحاولون عزل كل مجتمع عن الآخر. هذه ليست مجرد معركة خاصة بالمسلمين. إذا كان إخواني وأخواتي المسلمون يناضلون، فلن أتركهم يناضلون وحدهم".

تحميل المزيد