تاريخ القمع.. كيف نجا النظام الإيراني من الاحتجاجات السابقة، ولماذا رفع أسعار الوقود رغم ما يحدث بالعراق ولبنان؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/11/19 الساعة 20:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/11/19 الساعة 21:45 بتوقيت غرينتش
المحتجون أحرقوا محطات الوقود/رويترز

مازالت الاحتجاجات في إيران مستمرة، منذ أعلن الرئيس حسن روحاني في منتصف ليل يوم الخميس الماضي 14 نوفمبر/تشرين الثاني، رفع أسعار الوقود بنسبة 50%، وليست هذه أول احتجاجات تشهدها البلاد في السنوات الاخيرة، فلماذا أصبحت الاحتجاجات تتكرر بوتيرة عالية، وكيف نجا النظام الإيراني من الاحتجاجات السابقة؟

بحلول يوم السبت 16 نوفمبر/تشرين الثاني، كان المتظاهرون في الشوارع في عشرات المدن بجميع أنحاء البلاد،  حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية. 

 وقالت منظمة العفو الدولية، الثلاثاء 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، إن ما لا يقل عن 106 محتجين لقوا حتفهم في 21 مدينة في إيران، خلال الاضطرابات التي تفجرت بسبب ارتفاع أسعار الوقود الأسبوع الماضي. وأضافت المنظمة في بيان "تعتقد المنظمة أن العدد الحقيقي للقتلى قد يكون أعلى من ذلك بكثير، حيث تشير بعض التقارير إلى مقتل نحو 200".

الاحتجاجات في إيران ليست مفاجأة

ولم يكن هذا الغضب، ولا قرار الحكومة، مُفاجئاً تماماً، إذ أصيب الاقتصاد الإيراني بضررٍ كبير منذ أن انسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاباً أحادي الجانب من الاتفاق النووي في العام الماضي 2018، وجدَّد العقوبات الأمريكية على إيران. 

فيما كانت إيران في الآونة الأخيرة تراقب بحذر الاحتجاجات في دولتي العراق ولبنان المجاورتين، حيث يسيطر وكلاؤها السياسيون الذين تدعمهم على السلطة.

وتجدر الإشارة إلى أنَّ البنزين يحظى بدعمٍ حكومي كبير في إيران الغنية بالنفط، لذا فالدولة هي التي تحدد السعر. وما زال سعر البنزين في إيران -الذي وصل الآن إلى حوالي 50 سنتاً للغالون بعد زيادة الأسعار- من بين الأقل تكلفة في العالم.

ومن جانبه قال روحاني إنَّ خفض الدعم كان ضرورياً لتوفير المزيد من الأموال من أجل تقديم إعاناتٍ للإيرانيين الفقراء. 

ومع ذلك، لم يكن ذلك بمثابة انتصارٍ للمتظاهرين، الذين يجد الكثيرون منهم صعوبةً في توفير تكاليف المعيشة، منذ أن انهارت العملة الإيرانية في العام الماضي، وأصبحت الوظائف أشد ندرة.

وفي هذا الصدد، ذكرت وكالة Associated Press أنَّ "البنزين الرخيص يعد حقاً طبيعياً في بلدٍ يتدبر فيه الكثيرون سُبل العيش بالعمل سائقي سيارات أجرة غير رسميين. 

فإيران لديها رابع أكبر احتياطي للنفط الخام في العالم. ومع أنَّ القرار متوقعٌ منذ أشهر، فإنَّه فاجأ الكثيرين، وأثار احتجاجاتٍ فورية في أثناء الليل". 

البداية كانت سلمية

وأشارت تقارير إخبارية إلى أنَّ الاحتجاجات ظلَّت في البداية سلميةً إلى حد كبير، وكانت تُركِّز على الوضع الاقتصادي. 

إذ قالت وكالة Associated Press: "في صباح يوم السبت، الذي يوافق بداية أسبوع العمل الإيراني، أوقف بعض المتظاهرين السيارات على الطرق الرئيسية في جميع أنحاء العاصمة طهران. 

فيما أوقف بعض المتظاهرين السلميين حركة المرور على طريق الإمام علي السريع بطهران، ودعوا الشرطة إلى الانضمام إليهم مع تساقط أول ثلوج موسم الشتاء، وفقاً لمقاطع فيديو نُشِرت على الإنترنت. وفي وقتٍ لاحق، أسقطت شاحنةٌ قلَّابة بعض قوالب الطوب على الطريق لتحية المتظاهرين وتشجيعهم".

وبحلول مساء يوم السبت، اشتدت اشتباكات المتظاهرين مع شرطة مكافحة الشغب وقوات الأمن، وقطعت السلطات خدمات الإنترنت.

دوافع اقتصادية خالصة.. كيف نجا النظام الإيراني من الاحتجاجات السابقة؟

وربما لا يبحث روحاني عن معركةٍ قبل الانتخابات البرلمانية، في فبراير/شباط المقبل، التي ستكون بمثابة اختبارٍ لائتلافه الإصلاحي المعتدل. 

فحتى الآن، لم يصمد أحد إنجازاته المميزة المتمثل في الاتفاق النووي الإيراني، ولم يجلب الطفرة الاقتصادية ولا التحرُّر من العقوبات كما وعد شعبه. 

لكنَّ روحاني -والنظام الإيراني من ورائه- سبق وأن نجا من احتجاجات اقتصادية.

ففي أواخر عام 2017، اندلعت مظاهراتٌ في جميع إيران في أكبر تحدٍّ يواجه الحكومة الإيرانية منذ سنوات. 

وقد بدأت في 28 ديسمبر/كانون الأول من ذلك العام في مدينة مشهد المُحافِظة سياسياً بسبب الاقتصاد المتعثر وارتفاع أسعار بعض السلع اليومية مثل البيض، قبل أن تتحول إلى دعواتٍ من جانب القادة السياسيين والدينيين في إيران إلى تنفيذ إصلاحات.

ينتقد المتظاهرون الأعباء التي تتحملها البلاد جراء توسع نفوذها الإقليمي/رويترز

ثم امتدت الاحتجاجات من مشهد، التي تعد ثاني أكبر مدن إيران، إلى جميع المحافظات الأخرى تقريباً. وكانت مُتركَّزة تركيزاً ملحوظاً بين الطبقة العاملة وفي البلدات والمدن التي تقع خارج العاصمة طهران، التي يُنظر إلى سكانها عموماً على أنهم أكثر تأييداً للنظام.

ولم تظل الاحتجاجات مركزةً على ارتفاع الأسعار فترةً طويلة، إذ سرعان ما أضاف المتظاهرون هتافاتٍ ضد فساد الحكومة وسوء الإدارة. فيما تساءل آخرون لماذا تموِّل إيران وكلاء في سوريا ولبنان والعراق وغزة بينما يواجه الإيرانيون أنفسهم عجزاً اقتصادياً. 

ويُذكَر أنَّ الصحفية الأمريكية إرين كاننغهام وصفت أحد المشاهد التي شهدها اليوم الرابع من الاحتجاجات آنذاك في صحيفة The Washington Post الأمريكية قائلةً: "كان المتظاهرون الإيرانيون يهتفون قائلين: "الموت للديكتاتور!" في أثناء إسقاطهم ملصقاتٍ تحمل صورة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، الذي يتمتع بسلطة مطلقة في إيران. في حين أنَّ انتقاد خامنئي علانيةً يعد من المُحرَّمات عموماً".

السلطات سحقت الاحتجاجات الكبرى لكنَّ المظالم الاقتصادية والاضطرابات استمرت

وقد أخمِدت الاحتجاجات -التي كانت بلا قيادة- في نهاية المطاف في غضون أسابيع بعدما ألغى روحاني بعض الزيادات في الأسعار، إلى جانب تدخل قوات الأمن الإيرانية بطريقة عنيفة. 

إذ قُتل ما لا يقل عن 26 متظاهراً و "مات تسعة أشخاص اعتُقِلوا بسبب المظاهرات في أثناء احتجازهم في ظروف مريبة"، وفقاً لمنظمة العفو الدولية التي يقع مقرها في لندن. 

وقطعت السلطات آنذاك خدمات الإنترنت، وحجبت تطبيقات المراسلة الشائعة مثل تيليغرام، التي كانت تُستخدَم في تنظيم المعلومات وتبادلها.

ومع ذلك، استمرت بعض الاحتجاجات الصغيرة طوال العام.

شهدات البلاد احتجاجات عدة بعضها طابعه سياسي والآخر اقتصادي/رويترز

إذ قالت شبكة CNN الأمريكية: "بالرغم من الرد العنيف الذي قابل به النظام أولى المظاهرات التي اندلعت في عامي 2017 و2018، استمر بعض الأفراد والمجموعات المُنسَّقة من المعارضين في المطالبة علانيةً بإجراء إصلاحات سياسية واجتماعية طوال عام 2018. 

ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية في إيران، نُظِّمت مظاهرات سلمية في شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب فرَّقتها السلطات باستخدام الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه، وفقاً لمنظمة العفو الدولية". 

وفي موجةٍ احتجاجية أخرى، تظاهر بعض المعلمين في طهران في شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني من عام 2018، مطالبين بزيادة رواتبهم. وشهدت تلك الاحتجاجات اعتقال 23 شخصاً، وحُكِم على ثمانية منهم بالسجن، وفقاً لمنظمة العفو الدولية.

وجاء في تقرير المنظمة: "على مرِّ العام، اعتُقِل أكثر من 7000 آلاف متظاهر وطالب وصحفي وناشط بيئي وعامل ومدافع عن حقوق الإنسان، بمن فيهم محامون وناشطات نسويات وناشطون مدافعون عن حقوق الأقليات ونقابيون، والكثير منهم اعتُقِل بطريقةٍ تعسُّفية". 

المفارقة أن النظام الحالي هو نفسه نتاج لاحتجاجات قديمة

هذا، وقالت هولي داغريز، وهي زميلة غير مقيمة في المجلس الأطلسي متخصصة في الشؤون الإيرانية: "على الصعيد التاريخي، كان الإيرانيون يسارعون دائماً إلى التعبير عن مظالمهم" من خلال الاحتجاجات.

ففي عام 1979، أدت أشهر من الاحتجاجات المستمرة إلى إطاحة الشاه محمد رضا بهلوي وإنشاء الجمهورية الإسلامية، التي ما زالت قائمة حتى اليوم. وإلى جانب العديد من العوامل السياسية، كان أحد أسباب انتصار القوى الثورية الإيرانية آنذاك هو الدعم الذي حصلت عليه من بازار طهران الكبير، وأصحاب متاجر البازار الذين ينتمون إلى الطبقتين الوسطى والدُّنيا.

ومنذ ذلك الحين، تفرض الجمهورية الإسلامية قيوداً على الحريات السياسية والمعارضة. وتجدر الإشارة إلى أنَّ آخر حركة احتجاج سياسي طالبت بتغيير النظام قد اندلعت في عام 2009، بسبب مزاعم بأن الرئيس المتشدد السابق محمود أحمدي نجاد قد زوّر الانتخابات. 

وشهدت الاحتجاجات -التي عُرِفَت بالحركة الخضراء- مقتل العشرات على أيدي قوات الأمن، وفشلت في نهاية المطاف؛ إذ قضى أحمدي نجاد ولاية رئاسية ثانية، بينما ركَّزت أجهزة الدولة على تشديد صعوبة إقامة احتجاجات سياسية مرةً أخرى.

لماذا تتزايد الاحتجاجات الاقتصادية؟ ولماذا رفعوا أسعار الوقود رغم ما يحدث في العراق ولبنان؟

ومع ذلك، قالت هولي إنَّ هناك زيادة في الاحتجاجات الاقتصادية في السنوات الأخيرة بسبب سوء الإدارة والفساد، وكذلك تأثير العقوبات الأمريكية، والطرق الأكثر تنوعاً التي تُمكِّن المواطنين من نشر الأخبار على شبكات التواصل الاجتماعي.

وأضافت هولي: "هناك الكثير من الاحتجاجات التي لم تصل أخبارها إلى عناوين الصحف الغربية على مر السنين الماضية".

وفي الواقع، يعد الضغط الاقتصادي الواقع على الإيرانيين بمثابة طنجرة ضغط. إذ يُقدِّر صندوق النقد الدولي أنه من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد الإيراني بنسبة 9.5% في العام الجاري 2019 بسبب تشديد العقوبات الأمريكية.

وأشارت هولي إلى أنَّها فوجئت بإقدام الحكومة الآن على خفض الدعم، تزامناً مع الاحتجاجات التي تهز العراق ولبنان.

وقالت: "يبدو أنهم واثقون من أنهم يستطيعون السيطرة على أي اضطرابات"، مضيفةً أنَّها تتوقع مزيداً من القمع إذا استمرت الاحتجاجات.

علامات:
تحميل المزيد