إعلان قوى الحرية والتغيير في السودان اتفاقها على تسليم الرئيس المعزول عمر البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية حال تمت تبرئته أمام القضاء المحلي من التهم التي يحاكم فيها حالياً، يشير إلى احتمال تحول هذا الملف إلى نقطة خلاف كبيرة بين مكوني المجلس السيادي الحاكم حالياً، فما هي القصة؟
ماذا حدث؟
أمس الأحد 3 نوفمبر/تشرين الثاني، أعلنت قوى "إعلان الحرية والتغيير" توافق جميع مكوناتها على تسليم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية، في حال برأه القضاء السوداني، وقال القيادي في قوى التغيير، إبراهيم الشيخ، خلال مؤتمر صحفي بالخرطوم، إن "قوى الحرية والتغيير توافقت على تسليم الرئيس المعزول عمر البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية، ولا توجد أي مشكلة في ذلك".
وفي إشارة على إصرار قوى التغيير على أن يدفع البشير ثمن "الجرائم التي ارتكبها" – بنص كلام الشيخ – فإنه أي البشير "إذا نجا من المحاكمات بالداخل.. سينال عقابه في المحكمة الجنائية بالخارج".
بأي تهمة يحاكم البشير الآن؟
يخضع البشير للمحاكمة في السودان بتهمة "الثراء الحرام والتعامل غير المشروع مع النقد الأجنبي"، بعد العثور على سبعة ملايين يورو في مقرّ إقامته بعد عزله في 11 أبريل/نيسان الماضي.
بماذا تتهمه المحكمة الجنائية الدولية؟
كانت المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت مذكرتي توقيف بحق البشير عامي 2009 و2010؛ لمحاكمته بتهمة المسؤولية الجنائية عن جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وإبادة جماعية، ارتُكبت في إقليم دارفور (غرب)، وهي التهم التي نفاها البشير في أكثر من مناسبة متهماً المحكمة بأنها مسيسة.
ما موقف الشريك العسكري في الحكم؟
قضية تسليم البشير إلى المحكمة الدولية كانت ولا تزال أحد الملفات الشائكة في السودان، ومنذ اللحظة الأولى لعزله أعلن المجلس العسكري على لسان عبدالفتاح البرهان رفض المجلس تسليم البشير إلى الخارج، وأن القضاء السوداني هو من سيتولى محاكمته، وهو الموقف الذي لا يبدو أنه تغير.
أما عن أسباب موقف المجلس العسكري الذي يتشارك الحكم الآن مع قوى الحرية والتغيير فهي لا تخرج عن كون خضوع البشير للمحاكمة يجعل قيادات المجلس الأخرى معرضة للخطر ذاته، وخصوصاً محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي قائد قوات الدعم السريع التي كانت تشارك في القتال في دارفور باسم "الجنجويد"، وبالتالي يمكن أن تؤدي محاكمة البشير إلى توريط قيادات عسكرية أخرى في جرائم الحرب المزعومة هناك.
ماذا قال رئيس الحكومة؟
رئيس الحكومة الدكتور عبدالله حمدوك ألقى بالكرة في ملعب القضاء، وقال في مقابلة مع بي بي سي 9 أكتوبر/تشرين الأول إن قرار تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية "لن يكون قراراً سياسياً"، مؤكداً أن الأمر متروك بشكل كامل للقضاء السوداني وهو من سيقرر.
وفي نفس الإطار، بحث النائب العام السوداني، تاج السر علي الحبر، يوم الأربعاء 24 أكتوبر/تشرين الأول مع وفد من هيئة محامي دارفور إمكانية تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية، وأكد نائب رئيس هيئة محامي دارفور، صالح محمود، أن الطرفين اتفقا على أن الوقت غير ملائم لخروج تصريحات تتعلق بتسليم البشير للجنائية الدولية وأن مثل هذه التصريحات سابقة لأوانها.
لكن بعيداً عن التصريحات، من المؤكد أن قرار تسليم البشير هو قرار سياسي بالأساس حتى وإن صدر قرار قضائي بالموافقة على تسليمه، حيث لابد أن توافق السلطة السياسية في البلاد على ذلك، وذلك في ظل كون السودان غير موقع على ميثاق تأسيس المحكمة الجنائية الدولية من الأصل، كما أن الخلاف بين شقي السلطة ربما يظهر للعلن في أي وقت.
ميلوسوفيتش العرب؟
لكن بعيداً عن تلك التجاذبات، سيكون هناك تشابه مثير بين البشير ورئيس آخر معزول خضع للمحاكمة أمام الجنائية الدولية وهو الرئيس الصربي الراحل سلوبودان ميلوسوفيتش.
وجهت المحكمة الجنائية الدولية عام 1999 اتهامات بجرائم حرب وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية لميلوسوفيتش وذلك في البوسنة وكرواتيا وكوسوفو، واضطر ميلوسوفيتش للاستقالة من منصبه في 24 سبتمبر/أيلول بعد مظاهرات حاشدة ضده في أعقاب انتخابات رئاسية سببت نزاعات واضطرابات في البلاد.
ألقت السلطات الاتحادية اليوغوسلافية القبض على ميلوسوفيتش وأخضعته للمحاكمة بتهم فساد واختلاس وسوء استخدام السلطة، وكان ذلك في مارس/آذار 2001، لكن التحقيقات لم تؤد لنتيجة لعدم وجود أدلة، فقام رئيس الوزراء الصربي وقتها زوران جينجيتش بتسليم ميلوسوفيتش للمحكمة الجنائية الدولية.
ظروف تسليم ميلوسوفيتش تحمل كثيراً من أوجه الشبه إذن مع البشير حال تسليمه، فالبشير يحاكم الآن محلياً بتهم فساد مالي أيضاً وحال تبرئته منها محلياً ربما تتخذ الحكومة قرار تسليمه رغم المعارضة المتوقعة من العسكريين في المجلس السيادي.
ولم تصدر المحكمة الجنائية الدولية أي حكم بإدانة ميلوسوفيتش نظراً لوفاته في زنزانته في لاهاي في مارس/آذار 2006 بعد خمس سنوات من بدء محاكمته كأول رئيس دولة يخضع للمساءلة أمام المحكمة الدولية، فهل يتم تسليم البشير لنفس المحكمة ليكون أول رئيس عربي يواجه مصيراً كهذا؟