بوتين يقدم نفسه من السعودية كصانع للسلام، بينما يروج بضاعته العسكرية لها، ما تبعات استجابة الرياض لعروضه؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/10/14 الساعة 16:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/10/14 الساعة 16:17 بتوقيت غرينتش
بوتين والملك سلمان يلتقيان في القصر الملكي السعودي في الرياض/ تاس

يزور الزعيم الروسي فلاديمير بوتين المملكة العربية السعودية، حليف الولايات المتحدة التقليدي، الإثنين 14 أكتوبر/تشرين الأول، ليؤدي دور صانع السلام بين الرياض وطهران في حملة دبلوماسية تهدف إلى موازنة علاقات موسكو في الشرق الأوسط.

يقول موقع Voice Of America الأمريكي إن هدف بوتين الثاني من هذه الزيارة هو "استفزاز واشنطن". وفي الوقت الذي يتودد فيه الكرملين إلى إيران، حليفة روسيا في سوريا، كان يحاول أيضاً التودد إلى خصمَي طهران الرئيسيين، وهما السعودية وإسرائيل، وكذلك القوى الكبرى الأخرى في المنطقة مثل تركيا، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي الغربي (الناتو) الذي تقوده الولايات المتحدة.

وتتزامن زيارة بوتين مع إعلان وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) عن قرارها إرسال 3000 جندي إضافي وسربين من الطائرات المقاتلة إلى المملكة الخليجية في محاولة لردع العدوان الإيراني في أعقاب الهجمات الصاروخية بالطائرات المسيرة على منشآت النفط السعودية الشهر الماضي التي هزت أسواق الطاقة العالمية وزادت من توترات الحرب في الخليج.

وأحد أسباب زيارة بوتين بحسب رويترز، هو لتعميق التعاون في مجال الطاقة والنفط والترويج للاستثمارات، والترويج لمجموعة "بانتسير" الروسية المنتجة للأسلحة المضادة للطائرات المسيرة التي ستعرضها شركة التصدير التابعة للدولة في معرض دبي للطيران خلال نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

أمريكا منزعجة من الدور الروسي في الخليج

وفي الأشهر الأخيرة، دأب الرئيس الروسي على التودد إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في خطوة قال بعض المحللين إنها تهدف إلى إزعاج الولايات المتحدة في الخليج. ولم يصد ولي العهد هذا الاهتمام، في ما اعتبره بعض المحليين تحذير للقوى الغربية ورفض انتقاداتها لسجله في مجال حقوق الإنسان.

ويُذكر أنه في قمة مجموعة العشرين التي عُقدت العام الماضي في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، بعد أسابيع فقط من مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، صُور بوتين وهو يضحك بحرارة مع الحاكم السعودي ويتبادل معه النكات ويصافحه بقوة. ويتناقض هذا الود بين الزعيمين تناقضاً صارخاً مع تجنب زعماء العالم الآخرين وكبار الشخصيات لولي العهد، الذي يُحمّله كثيرون، على الرغم من نفيه المتكرر، مسؤولية مقتل الصحفي، الذي كان مقيماً في الولايات المتحدة، في القنصلية السعودية في إسطنبول.

يقول بريان دولي من منظمة Human Rights First، وهي منظمة مستقلة للدفاع عن حقوق الإنسان، مقرها الولايات المتحدة: "الحكومة الروسية رفضت انتقاد السلطات السعودية على خلفية مقتل خاشقجي، وحققت خلال العام الماضي تقدماً مطرداً في تقديم نفسها في صورة صديقة جديدة يمكن الاعتماد عليها". 

وأعلن مسؤولون سعوديون وروس عن استثمارات سعودية في روسيا تبلغ قيمتها أكثر من ملياري دولار خلال زيارة بوتين، وهي الأولى للمملكة منذ عام 2007. وقال رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي، كيريل ديمترييف، إن موسكو والرياض ستوقعان عشر اتفاقيات رئيسية في الزراعة والنقل والسكك الحديدية والأسمدة والبتروكيماويات والمعلومات الصناعية.

في حين، أعلنت وكالة الأنباء السعودية عن تبادل 20 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين الرياض وموسكو خلال زيارة بوتين للمملكة.

هذا وقد افتتح صندوق الاستثمار المباشر الروسي مكتباً له في السعودية منذ أربعة أيام، وهو أول مكتب أجنبي له على الإطلاق. لكن البعض ينظر إلى هذه الخطوة على أنها مناورة للكرملين لتعويض خفض الاستثمار الأجنبي الغربي الذي تبع العقوبات الأولية المفروضة على روسيا لضمها شبه جزيرة القرم عام 2014.

على الرياض أن تشتري من روسيا أيضاً

وفي حديث له مع بعض الوسائل الإعلامية يوم السبت 12 أكتوبر/تشرين الأول قبل رحلته إلى السعودية، شجب بوتين الهجمات على ناقلات النفط في الخليج، بغض النظر عمن يقف وراءها. وحث جيران إيران أيضاً على "احترام" مصالح إيران، وهي دولة "قائمة على أراضيها منذ آلاف السنين". لكنه في الوقت نفسه أشاد بالتعاون المتنامي بين روسيا والسعودية.

وعرض الزعيم الروسي مجدداً، خلال هذه المقابلة، بيع منظومات الدفاع الجوي الروسية المتقدمة الصنع للسعوديين، إما منظومة S-300 التي اشترتها إيران، أو منظومة S-400 التي اشترتها تركيا. ويُذكر أنه في الشهر الماضي، وخلال مؤتمر صحفي في أنقرة مع الرئيس الإيراني حسن روحاني والزعيم التركي رجب طيب أردوغان، اقترح بوتين ساخراً أن الرياض يجب أن تفعل الشيء نفسه وتشتري من روسيا.

إذ قال بوتين: "نحن مستعدون لمساعدة السعودية وحماية شعبها. ويتعين عليهم اتخاذ قرار ذكي مثلما فعلت إيران، بشرائها منظومة S-300، ومثلما فعل أردوغان بقراره شراء منظومة الدفاع الجوي الأكثر تقدماً S-400 Triumph من روسيا. وهذان النوعان من المنظومات قادران على حماية أي نوع من البنى التحتية في السعودية من أي نوع من الهجوم". وأثارت تصريحاته تلك ضحك الوفد الإيراني.

تبعات استجابة السعودية لعروض بوتين المغرية

يقول خبراء دفاع أمريكيون لموقع Voice Of America الأمريكي إن استجابة السعودية لإغراء بوتين بشراء منظومة روسية لن يصب في مصالحها العسكرية أو الدبلوماسية. فإذا قررت السعودية شراء منظومة S-400 أو منظومة S-300، فمن المحتمل أن تُحرم الحصول على أفضل التقنيات الدفاعية والتدريب العسكري الأمريكية، وشراؤها منظومة دفاع روسية سيؤدي أيضاً إلى انسحاب محتمل لجميع الطائرات العسكرية الأمريكية المتمركزة في المملكة الخليجية، والتخلي عن السعودية لتعتمد على روسيا في الدفاع عنها.

فيما يقول مسؤولون في البنتاغون إن مجموعة المعلومات الاستخبارية عن قدرات منظومة S-400 ستُعرِّض الطائرات الأمريكية العاملة في المنطقة للخطر.

فحين حصلت تركيا على منظومة صواريخ S-400، ألغى البيت الأبيض على الفور خططاً لتزويد البلد العضوة في حلف الناتو بمقاتلات F-35. وقالوا أيضاً إن منظومة S-400 ستلحق ضرراً بالغاً بالسعودية، إذ إن المنظومة تعتمد على الأرجح على "أجهزة وأكواد روسية" لتحديد الطائرات الحربية المعادية ولأن إيران لديها النظام الروسي الأكفأ، فستتمكن من معرفة نقاط ضعف هذه المنظومة وطرق لخداعها.

ورغم عروض بوتين بتقديم منظومة صواريخ أرض-جو، يبدو أن الروس يواجهون صعوبة أكبر في التسويق لمنظومتهم الجديدة المضادة للطائرات المسيرة، The Pantsir، وهي منظومة مضادة للطائرات بدون طيار من المقرر أن تعرضها وكالة Rosoboronexport، الوكالة المصدرة للمنظومة، في معرض دبي للطيران في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وقالت وكالة Rosoboronexport في بيان صحفي صدر بعد أيام من الهجمات على منشآت النفط السعودية: "بعض الأحداث الأخيرة في العالم أظهرت أن المعركة الكفء ضد الطائرات الاستطلاع والهجوم المسيرة، وكذلك أسلحة الهجوم الجوي الأخرى، تزداد أهميتها لضمان حماية المنشآت ذات الأولوية العليا".

استغلال الفراغ الأمريكي في المنطقة

بيد أنه من المرجح أن تكون منظومة الدفاع الروسية المضادة للطائرات المسيرة زائدة عن الحاجة بعد إرسال الولايات المتحدة المزيد من قدرات الدفاع الجوي إلى السعودية. إذ أعلن وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر يوم الجمعة 11 أكتوبر/تشرين الأول إرساله إلى المملكة الخليجية "بطاريات إضافية لمنظومات الدفاع الجوي باتريوت وثاد".

إذ قال: "رداً على الاستفزاز الإيراني منذ شهر مايو/أيار، نشرت الولايات المتحدة مجموعة من الأسلحة الإضافية في المنطقة، تشمل أسراباً من طائرات الإنذار المبكر المحمولة جواً وأسراباً من طائرات الدوريات البحرية وبطاريات منظومة باتريوت للدفاع الجوي والصاروخي وقاذفات بي 52، وحاملة السفن الحربية، وأرصفة نقل برمائية، وطائرات بدون طيار، وطاقم توجيه ودعم".

وبعيداً عن مشتريات الأسلحة، تعد رحلة بوتين إلى السعودية رحلة تاريخية، حرص الكرملين على تهيئتها في وقت تتورط فيه واشنطن في حروب سياسية داخلية ويتقلص تركيزها على الخليج.

تحميل المزيد