فاجأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العالم الأسبوع الماضي عندما قال إنه كان جاداً فيما يخصّ رغبته في شراء جزيرة غرينلاند من الحكومة الدنماركية.
أعلن زعماء الدنمارك وحكومة غرينلاند الأمر بوضوح، وهو أن أكبر جزيرة في العالم ليست للبيع.
لماذا يريد ترامب شراء هذه الجزيرة؟
لكن ما زال حماس ترامب لشراء هذه القطعة الجليدية من الأرض يستدعي التساؤل: ما قيمة غرينلاند، ولماذا يريد ترامب شراءها؟ بحسب تقرير لموقع Stuff النيوزيلندي.
غرينلاند هي إحدى أقل مناطق الكوكب من ناحية الكثافة السكانية، بتعداد سكاني يتجاوز 56 ألف نسمة بقليل، على مساحة أكبر بثلاث مرات من مساحة ولاية تكساس.
إنه ليس مكاناً يسهل الإقامة فيه، إذ يغطي الثلج 80% من الجزيرة، ويصل سمك الغطاء الجليدي إلى ميلين (3.2 كيلومتر)، وتصل درجة الحرارة عادة إلى أقل من 20 درجة فهرنهايت تحت الصفر في أشهر الشتاء المظلمة.
تمتد علاقة غرينلاند بالدنمارك إلى آلاف السنين في الماضي، وأصبحت الجزيرة رسمياً جزءاً من مملكة الدنمارك في عشرينيات القرن العشرين. ومنحت الحكم الذاتي في عام 1979 والآن تعتبر منطقة مستقلة في مملكة الدنمارك. تختص الحكومة الدنماركية بالشؤون الخارجية، والدفاع القومي، لكن حكومة غرينلاند تتحكم في أي شيء آخر، مثل إدارة ثرواتها المعدنية.
اكتشف جيولوجيين رواسب معدنية نادرة أسفل الغطاء الجليدي لغرينلاند، ومن بينها مكان بالقرب من بلدة نارساك التي تضم ما يقدر بحوالي 11 مليون طن متري من المعادن. وهذا يجعلها واحدة من أكبر الأماكن في العالم تخزيناً للمعادن النادرة خارج الصين.
ربما يكون لدى غرينلاند أيضاً احتياطي من النفط والغاز بالقرب من شواطئها، لكن هذه الموارد لم تُطور حتى الآن.
مينيك روسينغ هو عالم جيولوجيا، وأستاذ في التاريخ الطبيعي بجامعة كوبنهاغن، وشارك في تأليف تقرير في عام 2014، درس فيه الموارد المعدنية لغرينلاند، إلى جانب الفوائد المالية والبيئية وتحديات التنقيب عن هذه الموارد. تحدث روسينغ مع صحيفة Los Angeles Times الأمريكية حول الأسباب المحتملة لاهتمام ترامب بغرينلاند، والموارد الطبيعية الموجودة فيها، وكيف يمكن أن تتغير قيمتها بسبب الاحتباس الحراري.
س: هل يمكنك أن تصف غرينلاند لمن لا يعرفها؟
ج: إنها رائعة الجمال، الجميع يتفق على أنها جميلة للغاية. وعلى الرغم من أنها تمتد تقريباً 3 آلاف كيلومتر من الشمال إلى الجنوب، فأي مكان تذهب إليه ستجد طبيعته واحدة، ربما يكون هذا بسبب طريقة انعكاس الضوء على الأغطية الجليدية. هواؤها نقي للغاية، ويمكنك أن ترى أمامك 100 ميل من معظم الأماكن. لا يوجد ما يعكر الأفق أمامك سواء أشجار أو مبانٍ.
س: لماذا يريد ترامب في رأيك شراءها؟
ج: ربما يكون هذا بسبب المواد الخام الموجود على الجزيرة وموقعها الاستراتيجي. لكن سؤالي هو: لماذا قد يكون شراؤها ضرورة؟ فغرينلاند والدنمارك كانا حلفاء للولايات المتحدة لمدة طويلة.
س: ما نوع الموارد المعدنية الموجود في غرينلاند؟
ج: الموارد التي اكتشفت من بينها الزنك والذهب وخام الحديد، واليورانيوم، والعديد من المعادن المختلفة. إنها نفس مجموعة المعادن التي تجدها في أماكن مشابهة. المميز هو المعادن الأرضية النادرة في جنوب غرينلاند.
المعادن الأرضية النادرة لها تطبيقات عديدة في الإلكترونيات، وتستخدم أيضاً عاكساً لتصوير الرنين المغناطيسي الطبي. الترسبات المعدنية في غرينلاند هائلة، لكنها أيضاً غير تقليدية، وتتطلب علم معادن متخصص من أجل المعالجة.
ورأيت أشخاصاً يقولون إن غرينلاند تحتوي أيضاً على الفحم، لكن هذا ليس حقيقياً. لا يوجد تقريباً أي فحم في غرينلاند.
س: هل يمكنك أن تقدر قيمة هذه الرواسب المعدنية؟
من الصعب فعلاً أن نضع سعراً محدداً أو قيمة لها. يمكنك القول: "إن أطناناً عديدة من المعادن الخام ستجلب ملايين عديدة من الدولارات"، لكن المشكلة تكمن في الملايين التي تُنفق على الاستخراج. لا يمكنك الحديث عن قيمة سلعة دون الحديث عن تكلفة الحصول عليها.
س: هل من الصعب التعدين في غرينلاند؟
ج: هناك الكثير من التحديات. فمثلاً لا يوجد طريق يربط بين بلدتين. وأيضاً بها تعداد سكاني صغير للغاية، لذلك ليس لديك قوة عاملة كبيرة بما يكفي للعمل. وبسبب المناخ، يكون فصل الاستكشاف قصيراً، أمامك شهرين أو 3 أشهر في الصيف كل عام.
معظم هذه الموارد المعدنية كانت معروفة منذ 50 عاماً، لكن التطور كان بطيئاً لهذه الأسباب.
س: هل سيسهل الاحتباس الحراري التعدين في غرينلاند؟
ج: أعتقد هذا إلى حد ما. قد يجعل الاحترار الانتقال إلى مواقع التعدين ومنها أسهل. لكن تأثير هذا على تحديد أماكن الخام وتعدينه ستكون آثاراً صغيرة نسبياً.
هناك سباق كبير لأن الأغطية الجليدية تذوب، لكن ما نراه هو أنه في حين أن الغطاء الجليدي يصبح أرفع، لا تقل المساحة المغطاة بالثلج.
س: هل هناك أي إمكانيات مادية في غرينلاند لا يراها الآخرون؟
هذا ممكن. فغرينلاند بها الكثير من المياه العذبة. وبها أيضاً إمكانيات كهرومائية ضخمة، لذا يمكنها أن تكون مُصدراً للطاقة.
يُصدر مشروع كنت أديره لسنوات غبار الصخور الجليدية، وهو مسحوق يصنعه التآكل الجليدي، ويمكن استخدامه في إعادة تخصيب الأراضي المنهكة. تطحن الأنهار الجليدية الصخور إلى مسحوق دقيق للغاية، ثم تجرها المياه الذائبة إلى البحيرات والمضايق حيث يمكنك العثور على كميات كبيرة منها.
س: أي شيء آخر؟
ج: من الجدير بالذكر أن 90% من اقتصاد غرينلاند معتمد على الموارد المشتقة من البحر، والصيد. وهو أمر ذو قيمة كبيرة للبشرية لأن الجميع في حاجة إلى البروتين البحري. حتى الآن، ما زالت هذه الموارد البحرية هي الأهم بالنسبة لغرينلاند. وإذا أُديرت جيداً ونُظمت بحسم، فستكون مصدراً متجدداً ومستداماً أيضاً، على عكس الموارد المعدنية.
س: ماذا عن النفط البحري؟
ج: لمدة طويلة من الزمان، كان هناك الكثير من الاستكشافات على شواطئ غرينلاند، لكن في السنوات القليلة الماضة أُعيدت كل التراخيص. ربما يكون هناك إمكانيات، لكن يبدو أنها ليست كثيرة، أو أن الاقتصاد ليس قوياً بما يكفي ليجعل المزيد من رحلات الاستكشاف تستحق العناء.
غالباً هناك بعض النفط، لكن لا توجد التقنيات الكافية لاستخراجه في الوقت الحاضر. أعتقد أن فكرة التنقيب في غرينلاند سيكون لها إطار زمني يصل إلى 50 عاماً، ولم ير أحد هذا الإطار الزمني جذاباً.
س: إذا انصهر الجليد في القطب الشمالي وبدأت طرق السفن في الظهور هناك، هل سيكون في غرينلاند بعض الموانئ؟
ج: أعتقد ذلك. غرينلاند هي واحدة من أكثر الأماكن توسطاً بالنسبة لموقعها من العالم من أجل التجارة، لكن الجليد الذي يغطي المنطقة القطبية جعلها غير ذات قيمة في الشحن والنقل.
حتى منذ سنوات قليلة مضت، لم يكن يخطر بخيال أحد أن الغلاف الجليدي في القطب الشمالي يمكنه أن يتغير بهذه السرعة. لكن الإطار الزمني تغير تماماً في السنوات القليلة الماضية.
س: قال رئيس الوزراء الدنماركي إن غرينلاند ملك لغرينلاند. هل هذا يعني أن ترامب كان يتعين عليه تقديم عرضه مباشرة إلى حكومة غرينلاند؟
ج: غرينلاند تحكمها الديمقراطية، لذلك إذا كان هناك أي شخص سيتحدث عن بيع المكان، فسيكون فرضياً حكومة غرينلاند. لكن أعتقد أن هناك شيئاً ما في القانون أو النظام يتحدث عن كيف يمكن للبلد أن تبيع نفسها.
صاغ رئيس وزراء غرينلاند، كيم كيلسن، الأمر بإيجاز شديد. وقال إن غرينلاند متاحة للعمل والتجارة، لكنها ليست للبيع.