أعلن مسؤولون صينيون بارزون في تصريحاتٍ مفاجئة، أنَّ السلطات أفرجت عن معظم المعتقلين المحتجزين في برنامج الحكومة للاحتجاز الجماعي لأفراد أقلية الإيغور المسلمة، لكنَّهم لم يقدموا أرقاماً مؤكدة أو تفاصيل محددة تدعم كلامهم.
إذ قال ألكين تونياز، نائب رئيس حكومة إقليم شينجيانغ، إنَّ 90% من الأشخاص المحتجزين فيما تسميها الحكومة مراكز التدريب المهني قد أُعيدوا إلى المجتمع، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
لكن كان من شبه المستحيل التحقُّق بشكلٍ مستقل من صحة هذه التصريحات في المنطقة الخاضعة لسيطرةٍ محكمة، وتكذيب روايات الاختفاء والاحتجاز التي سردها بعض أقرباء المحتجزين، الذين يعيشون خارج البلاد وجماعات حقوق الإنسان.
يريدون إزالة أي مظاهر إخلاص للإسلام
وقال بعضٌ ممَّن أطلِق سراحهم من المعسكرات إنَّهم تعرضوا لبرنامج تلقين عالي الضغط بهدف إزالة أي إخلاص للإسلام، وتشجيع الولاء للصين والحزب الشيوعي الصيني الحاكم.
وجديرٌ بالذكر أنَّ هذه التصريحات الساعية إلى تحسين صورة الحكومة الصينية، التي ذُكِرَت في مؤتمر صحفي حضره بعض المسؤولين الإقليميين، تُعَد أوضح علامة على أنَّ المسؤولين يحاولون نزع فتيل الانتقادات الدولية بشأن اعتقال ما يصل إلى مليون فردٍ من أقلية الإيغور وغيرها من الأقليات المسلمة الأخرى.
وقال تونياز، مستخدماً الوصف الرسمي الحكومي للمخيمات بأنَّها "مراكز للتعليم والتدريب": "في الوقت الحاضر، عاد غالبية الأشخاص الذين تلقوا التعليم والتدريب إلى المجتمع، ورجعوا إلى أُسرهم".
مصير غامض.. يبدو أنهم يجبَرون على العمل تحت حراسة مشددة
"لقد نجح معظمهم بالفعل في الحصول على فرص عمل"، حسبما يقول تونياز.
في حين قال شهرت ذاكر، رئيس حكومة شينجيانغ، إنَّ نحو 90% من المحتجزين في المعسكرات قد عادوا إلى المجتمع.
تجدر الإشارة إلى أنَّ ذاكر هو أكبر مسؤولٍ إيغوري في إقليم شينجيانغ، وقد عمل في كثيرٍ من الأحيان واجهةً عامة للدفاع عن سياسات الحكومة الصينية بالإقليم، وضمن ذلك معسكرات إعادة التأهيل، التي توسعت بسرعة بدءاً من عام 2017. في حين أنَّ تشن كوانجو، سكرتير الحزب الشيوعي بالإقليم والمسؤول الأكثر نفوذاً، قد ظلَّ في الخلفية.
وقد تركت صياغة المسؤولين الغامضة مجالاً لإثارة الشك حول مقدار الحرية التي سيحظى بها المحتجزون المُفرَج عنهم. فمع أنَّ المسؤولين لم يتحدثوا بالتفصيل عن ظروف "إعادة المحتجزين إلى المجتمع"، من المرجَّح أنَّ اكثيرين من الأشخاص المُفرَج عنهم ما زالوا يخضعون في الواقع لقيودٍ صارمة، أو يُجبَرون على العمل بمصانع تخضع لإجراءاتٍ أمنية مشددة.
إذ أعرب طاهر إمين، وهو ناشط من الإيغور يعيش بواشنطن، عن شكوكه في تصريحات المسؤولين الصينيين بإطلاق سراح معظم المعتقلين.
وقال: "ما زال الإيغور الذين يعيشون في الخارج غير قادرين على التواصل مع أقربائهم في المنطقة. لا توجد مكالمات هاتفية ولا اتصالات عبر الإنترنت. لسنا متيقنين من هوية الأشخاص الذين أطلقوا سراحهم".
هؤلاء فقط من أُطلق سراحهم.. اسمحوا لنا بالتأكد من صحة كلامكم
وطالَب إمين السلطات بإزالة القيود المفروضة على الإقليم، والسماح لأطرافٍ مستقلة بالتحقق من الموقف.
وقال: "إذا كانت الحكومة الصينية صادقةً وواثقةً فيما تقوله لوسائل الإعلام، فيجب أن تمنح المُفرَج عنهم حرية التواصل مع الغير والخروج من البلاد، وتسمح لوسائل الإعلام المستقلة بزيارة الإقليم والتحقق من الموقف بحُرِّية".
وأضاف أنَّه ما زالت هناك روايات كثيرة عن اختفاء أشخاصٍ في جميع أنحاء الإقليم، من بينهم زعماء دينيون ومثقفون ورجال أعمال ومزارعون.
وقال: "لدينا أدلة وحقائق موثوقة تُظهِر أنَّ النساء والأطفال والمُسنين فقط هُم الذين تُرِكوا خارج مراكز الاحتجاز. في حين أنَّ عديداً من الشباب والآباء محتجزون"
بكين ترفض تحديد عدد من المفرج عنهم
ورفض المسؤولون الصينيون تحديد عدد الأشخاص المحتجزين في المعسكرات أو عدد الأشخاص المُفرَج عنهم، بحجة أنَّ الظروف المتقلبة صعَّبت تقدير العدد. وقالوا إنَّ برنامج التلقين القسري -الذي قالت الحكومة إنه يهدف إلى كبح التطرف الديني- كان فعَّالاً.
وقال ذاكر، رئيس الإقليم: "لقد أصبح هؤلاء الأشخاص عاملاً إيجابياً في المجتمع".
جديرٌ بالذكر أنَّ إقليم شينجيانغ موطنٌ لأكثر من 11 مليون فرد من أقلية الإيغور التي يُشكِّل المسلمون الجزء الأكبر منها، وأنَّ معاملتهم في عهد الرئيس الصيني شي جين بينغ أصبحت قضية حقوق إنسان أثارت جدلاً عالمياً.
إذ أدانت بعض الحكومات الغربية وخبراء الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان ومؤيدو حصول الإيغور على حق تقرير المصير القيود الشديدة المتزايدة المفروضة على عديد من الإيغور، لا سيما احتجاز مئات الآلاف منهم في معسكراتٍ لإعادة التأهيل بجميع أنحاء شينجيانغ.
نعم، قد يكونون قد أطلقوا أعداداً صغيرة، ولكن ليدخلوهم في أنشطة قسرية جديدة
وقال جيمس ليبولد، وهو أستاذٌ مشارك في قسم العلوم السياسية بجامعة لا تروب في أستراليا يدرس موجة الاعتقالات الجماعية في شينجيانغ، إنَّ هناك "أدلةً غير مكتملة" على إطلاق سراح أعدادٍ صغيرة من المعسكرات.
لكنَّه قال إنه يشك في الإفراج عن أعدادٍ هائلة من المحتجزين، ويرجع ذلك جزئياً إلى عدم وصول أدلةٍ على ذلك إلى الإيغور الذين يعيشون في الخارج.
وأكَّد ليبولد أنَّه يظن أنَّ هناك أعداداً متزايدة من المحتجزين ربما يُكلَّفون العمل في مصانع ترتبط غالباً بالمعسكرات، حيث يعيشون كذلك تحت حراسةٍ مشددة.
معسكرات الاعتقال مصممة لكي تطور مهمتها باستمرار
وقال ليبولد في رسالةٍ عبر البريد الإلكتروني، للصحيفة الأمريكية: "أجد أنه من المستبعد للغاية، وغير القابل للتصديق بصراحةٍ، أن يبني الحزب الشيوعي الصيني هذه الشبكة الضخمة من معسكرات الاعتقال، ثم يتوقف عن استخدامها ببساطةٍ بعد ذلك بعامين".
وأضاف: "بل ربما كان الهدف الدائم هو أن تتطوَّر أغراض المعسكرات بمرور الوقت، وتتحول من التعليم إلى الإنتاج، في حين تظل طبيعتها القسرية الإجبارية غير القانونية كما هي".
والصين لم تكن تعرف بوجودها أصلاً
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بدأ مسؤولو الحزب الاعتراف بوجود المعسكرات والدفاع عنها علانية، ويعد كثير منها منشآتٍ كبيرة تشبه السجون خلف أسوارٍ مرتفعة. وفي شهر مارس/آذار الماضي، شبَّه "ذاكر" المحتجزين في هذه المعسكرات، ومن بينهم مثقفون إيغوريون بارزون، بنزلاء مدارس داخلية يتعلمون اللغة الصينية ومهارات عمل مفيدة.
وتقول الحكومة الصينية إنَّ المعسكرات وغيرها من الإجراءات الأمنية الشاملة قد أخمدت الهجمات الدامية المناهضة للحكومة التي كان الإيغور ينفذونها. لكنَّ بعض المنتقدين يقولون إنَّ الاعتقالات الجماعية ضد الإيغور وغيرهم من الأقليات المسلمة تزرع ألماً قد يكون أشد خطورة.
وفي وقتٍ سابق من الشهر الجاري (يوليو/تموز)، أصدرت مجموعة من 22 دولة، من بينها أستراليا وبريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا، بياناً حثَّت فيه الصين على وقف الاعتقال الجماعي ضد الإيغور وغيرهم من المسلمين.
لكنَّ الصين ردَّت برسالةٍ موقَّعة من 37 سفيراً لديها من دولٍ في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، تُشيد بسجلّها في مجال حقوق الإنسان، وضمن ذلك سياسات "إزالة التطرف" التي تتبعها في شينجيانغ.