لماذا تراجع ترامب عن ضرب إيران؟ نفسية رجل الأعمال أم القلق من التصعيد وما قصة رسالته عبر عُمان؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/06/21 الساعة 11:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/06/21 الساعة 11:55 بتوقيت غرينتش
ترامب لا يريد الحرب مع إيران لحساباته الخاصة - رويترز

أثارت تصريحات لرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتضاربة في الرد العسكري على إسقاط طائرة استطلاع، تساؤلات كثيرة حول دوافع ترامب النفسية والعملية وراء هذا التردد الذي ستكون له تداعيات كثيرة على طبيعة الموقف المتأزم في المنطقة، فما هي أسباب هذا التردد؟ ولماذا يرفض ترامب الخيار العسكري لهذه الدرجة التي تسبب حرجاً لواشنطن وتضر بمصداقيتها؟

إسقاط إيران للطائرة، أمس الخميس 20 يونيو/حزيران 2019، لم يكن متوقعاً له أي رد سوى ضربة عسكرية، خصوصاً أن الجانب الأمريكي أكد في تصريحاته، ومن خلال ما نُشر من أدلة، أن الطائرة أُسقطت في المجال الجوي الدولي بعيداً عن الأجواء الإيرانية بأكثر من 30 ميلاً.

لنضرب طهران .. انتظروا لا تضربهم!

الأمور سارت في مسارها الطبيعي، وتم بالفعل اتخاذ قرار توجيه ضربة عسكرية محدودة لأهداف إيرانية، فجر اليوم الجمعة، 21 يونيو/حزيران، لكن في اللحظة الأخيرة أوقف ترامب الضربة العسكرية، ولم يكتفِ بذلك بل أرسل رسالة لطهران يحذرها من ضربة وشيكة، ويؤكد أن بلاده لا تريد الحرب بل تريد المفاوضات!

منذ أيام وصف ترامب استهدافَ إيران لناقلتَي نفط في خليج عمان "بالحادث الصغير جداً"، وأمس الخميس لمَّح إلى أن إيران لم تُسقط طائرة الاستطلاع الأمريكية "عن عمد".

الصورة تبدو مُربكة في ظل أن ترامب على مدى عقود وقبل أن يصبح رئيساً يتحدث عن إيران بلهجة تهديدية وقاسية، وما إن أصبح رئيساً حتى انسحب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات خانقة، وهدد بلهجة غير مسبوقة أن طهران لو سعت للحرب ستكون "تلك نهايتها للأبد"!

غرَّد ترامب: إلى الرئيس الإيراني روحاني: إياكَ ثم إياكَ أن تهدد الولايات المتحدة مرة أخرى وإلا ستواجه عواقب لم يشهد مثلها في التاريخ إلا القليلون! لم نعد دولة تقبل كلماتك الجوفاء عن العنف والموت.. احذر!".

لكن إيران لم تهدد بالقول، بل وجهت بالفعل ضربة عسكرية وأسقطت طائرة أمريكية، وقالت إنها رسالة واضحة لواشنطن، فماذا كانت العواقب؟

حمامة محاطة بالصقور

ترامب الآن يبدو كحمامة حالمة محاطة بالصقور من أمثال مستشار الأمن القومي جون بولتون، ووزير الخارجية مايك بومبيو، وغيرهما من الجمهوريين أمثال السيناتور طوم كوتون الذي طالب علناً بتوجيه ضربة عسكرية لإيران بعد استهداف ناقلتَي النفط قائلاً: "هذه الهجمات غير المبررة على السفن التجارية تستدعي توجيه ضربة عسكرية انتقامية"، وكررها مرتين للتأكيد، بحسب صحيفة واشنطن بوست.

اجتماع اتخاذ قرار توجيه ضربة عسكرية شهد موافقة بولتون وبومبيو وجينا هاسبيل مديرة المخابرات المركزية الأمريكية على ضرورة توجيهها، لكن كبار مسئولي البنتاغون تحفظوا على أساس الضربة المحدودة قد تؤدي لتصعيد عسكري مفتوح يمثل مخاطر كبيرة على القوات الأمريكية في المنطقة، بحسب صحيفة نيويورك تايمز.

ليس واضحاً إذا ما كان ترامب قد غيَّر رأيه بشأن الضربات أو أن الإدارة غيَّرت مسار الأحداث لأسباب استراتيجية أو لوجيستية، كما أنه ليس معلوماً إذا ما كانت الهجمات قد تم تأجيلها لاستكمال الاستعدادات أم تم إلغاؤها.

هل رسالته عبر عُمان تحذير أم دعوة للتفاوض؟

وكالة "رويترز" نقلت عن مسؤولين إيرانيين، اليوم الجمعة، أن طهران تلقت رسالة من ترامب عبر سلطنة عمان الليلة الماضية، مضيفة أنه قال في رسالته: "لا نريد الحرب بل محادثات" ومنح طهران مهلة لبدء المحادثات.

وتابعت: "إيران ردت على عمان بأن الزعيم الأعلى يعارض أي نوع من المحادثات مع أمريكا لكن الرسالة ستنقل إليه"، وأمهل ترامب إيران فترة زمنية محددة للرد على رسالته. وكان رد إيران الفوري تحذيراً صريحاً بشأن العواقب الإقليمية والدولية لأي عمل عسكري أمريكي.

رجل الأعمال له حساباته

ترامب لا يريد الحرب مع إيران لأسباب تتعلق بالشق الاقتصادي من ناحية وبانتخابات الرئاسة الأمريكية العام القادم من ناحية أخرى. فالمواجهة العسكرية، بغض النظر عن محدوديتها أو كونها حرباً مفتوحة، ستكون لها عواقب اقتصادية خطيرة؛ حيث إنه على الأرجح فإن الملاحة في مضيق هرمز ستتأثر إن لم تتوقف بالكلية، وهو ما يعني ارتفاع أسعار النفط بصورة كبيرة ستؤثر قطعاً على الاقتصاد العالمي بشكل عام.

بما أن ازدهار الاقتصاد الأمريكي هو الورقة الرابحة التي يلعب بها ترامب، وكان ذلك واضحاً في إعلانه الترشح لولاية ثانية الثلاثاء الماضي، الدخول إذاً في مواجهة عسكرية مع إيران وانعكاسات ذلك على الاقتصاد ربما يحرق تلك الورقة ويجعل فرص إعادة انتخابه محل شك كبير.

انعكاسات تلك الحرب على حلفاء واشنطن في الخليج ليست أيضاً بعيدة عن الحسابات، فإيران سوف تستهدف بشكل أكبر مصالح السعودية والإمارات سواء بشكل مباشر أو من خلال وكلائها في اليمن والعراق وسوريا، إضافة للحليف الأبرز إسرائيل الذي ذكرت وسائل إعلامية هناك اليوم أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ربما يكون اتصل بترامب ليثنيه عن الضربة العسكرية المحدودة بسبب مشاكله (نتنياهو) الداخلية.

كل هذه العوامل والاعتبارات تجعل من الصعب بل المستحيل توقُّع ماذا قد يكون قرار ترامب في النهاية للتعامل مع هذا الصراع المعقد، فعقوباته الاقتصادية حشرت إيران في الزاوية وجعلتها تسعى للتصعيد العسكري الذي لا يريده ترامب، الذي يحمل عقلية رجل الأعمال الذي يحسب الخسائر والأرباح قبل أي قرار، وهو محاط بصقور وحلفاء يدفعونه دفعاً للمواجهة العسكرية.

إيران ترفض التفاوض تحت الضغط، أو على الأقل هذا ما تعلنه، وترامب لن يخفف الضغط قبل أن ترضخ طهران لشروطه.

تحميل المزيد