ليس لديها جيوش صدام، أو أسلحة السعودية.. ماذا سيحدث إذا غزت أمريكا إيران؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/06/06 الساعة 16:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/06/06 الساعة 19:29 بتوقيت غرينتش
هل تستطيع أمريكا احتلال إيران؟

هل تستطيع أمريكا احتلال إيران؟ ماذا سيحدث إذا تطورت الأمور إلى حرب بين البلدين وقرَّر ترامب غزو إيران، من أين يأتي الإيرانيون بهذه الثقة في مواجهتهم مع الأمريكيين؟.

رغم أن الكثيرين يستبعدون وقوع حرب بين إيران وأمريكا، إلا أن تصاعد التوتر بينهما مع استمرار تعرُّض حلفاء أمريكا لهجمات خاطفة، واستعراض قوة أمريكي في الخليج قد يخرج عن السيطرة، فالحروب قد تندلع أحياناً رغم إرادة أطرافها.

تجارب سابقة.. أيهما أقوى، العراق في عهد صدام أم إيران؟

حاربت أمريكا العراق مرتين، إحداهما في مطلع التسعينيات كانت بغداد في ذروة قوتها، وكانت خارجة لتوّها من حرب مع إيران، اعتُبرت في نظر الكثيرين انتصاراً للعراق، ثم أمر صدام قواته بغزو الكويت، وفي الثانية قام الأمريكيون في عام 2003 بغزو العراق بدعوى وجود أسلحة دمار شامل لدى العراق، وهو ما ثبت عدم صحته.

وفي الحربين سحق الأمريكيون القوة العراقية، فما الذي يمنع الأمريكيين من تكرار الأمر مع إيران.

يميل القادة العسكريون والسياسيون الإيرانيون إلى المباهاة بقوة بلادهم العسكرية، والتهديد بمحو إسرائيل من على الوجود، وأحياناً حلفاء أمريكا من دول الخليج العربية.

فما هي حقيقة القوة الإيرانية، وهل إدعاءات الزعماء الإيرانيون حقيقية.

ما حقيقةُ القوة العسكرية الإيرانية، ومن أين يأتي الإيرانيون بهذه الثقة؟

لا يتفق أعداءُ إيران وحلفاؤها على شيء قدرَ اتِّفاقهم على المبالغة في إمكانية القوة العسكرية الإيرانية الحالية، وهو ما يعوق عملية التحليل العربي السليم للأزمة المرتبطة بالملف النووي الإيراني وتداعياتها واحتمالاتها المستقبلية.

فتصريحات قادة إيران العسكريين والسياسيين تتحدَّث عن قوة طهران الجبَّارة، وقدرتها على إزالة إسرائيل وتقويض أمن الخليج، في حال تعرُّضها لأي اعتداء، في المقابل فإن الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها إسرائيل لا تتوقفان عن الحديث عن خطورة إيران وقدراتها المتنامية.

الخوف العربي من إيران أو الإعجاب بها أحياناً، نأى بالعرب عن الدراسة الموضوعية لعناصر قوتها وضعفها، رغم وضوحها.

مفاتيح القوة الأساسية الإيرانية.. سلاح جو متهالك

يمكن ملاحظة أن إيران ليست قوة جبارة في أي المجالات الرئيسية، ففي المجال الجوي، يمكن اعتبار إيران باطمئنان قوة متأخرة لعقود، فهي لا تملك سوى عدد محدود من الطائرات الحديثة والفعالة، بل إن القوة الضاربة للقوات الجوية الإيرانية هي الطائرات الأمريكية من طراز (إف 14)، (تمتلك إيران أكثر من أربعين طائرة، يعتقد أن نصفها فقط في نطاق الخدمة)، وهي طائرة تتميز بالكفاءة بلا شك، لكن يعود إنتاجها إلى السبعينات، وقد أخرجتها صانعتها الولايات المتحدة الأمريكية من الخدمة لدى قواتها الجوية منذ سنوات.

كما أن الطائرات التي تمتلكها إيران من هذا الطراز حصلت عليها منذ السبعينات، وتعاني من مشكلات في الصيانة، ونقص قطع الغيار نتيجة للحظر الأمريكي.

طائرة حربية إيرانية/Reuters

نعم يرجح أن إيران استطاعت توفير الصيانة لهذه الطائرات، وقد تكون صنعت أجزاء مقلدة من قطع غيارها، وهذا يشير إلى تحقيقها تقدماً في مجال الإنتاج الصناعي العسكري، لكن في النهاية في ميدان أي معركة فإن هذه الطائرات سوف تكون في مستوى أقل من منافساتها الموجودة لدى الأمريكيين أو الإسرائيليين، أو حتى دول الخليج.

كما أن لدى إيران عدداً محدوداً من الطائرات الروسية، أغلبها أصبحت تعتبر طرزاً قديماً مثل (سوخوي 24) التي أوقف الروس إنتاجها، وأحدث ما في الترسانة الجوية الإيرانية من طائرات هي الطائرات الروسية (ميغ 29)، التي استولت على بعضها من الطائرات العراقية الفارّة لأراضيها أثناء حرب تحرير الكويت، ولديها عدد آخر اشترته من روسيا في التسعينات، ومع أن عددها غير معروف، إلا أنه لا يظل لا يقارن بحجم الأساطيل الجوية لدول المنطقة الأخرى.

عند مقارنة هذا الأسطول الإيراني المتقادم مع أسطول السعودية من الطائرات إف 15 الأمريكية وتايفون البريطانية، فإننا سنعلم أن هناك مبالغة كبيرة في المنطقة العربية، في تقدير أو فهم الطبيعة الحقيقية للقوة العسكرية الإيرانية.

حقيقة الإنتاج الحربي الإيراني من الطائرات

أما الإنتاج الحربي الإيراني من الطائرات، فقد قطع شوطاً بعيداً وتفوَّق على معظم الدول العربية، إن لم يكن كلها، واعتماداً على الذات، لكن أفضل الطائرات الحربية التي تُفاخر إيران بإنتاجها هي الطائرة (الصاعقة)، لا تزيد عن كونها محاولة لتقليد الطائرة (إف 5)، التي لم تستخدمها القوات الجوية الأمريكية أصلاً، بل صنعها الأمريكيون لحلفائهم من الدول النامية في الستينات والسبعينات، وبدأت تخرج من الخدمة من أغلب جيوش العالم.

وهذه الحقيقة تنطبق على كل القدرات العسكرية الإيرانية، فقد قطعت إيران شوطاً كبيراً في مجال تصنيع أغلب المعدات العسكرية، مقارنة بالدول العربية وكثير من دول العالم الثالث، لكن في النهاية فإن هذه الأسلحة التي تنتجها لا تزال أقل في المستوى من أغلب الأسلحة التي تستوردها دول المنطقة، باستثناء الأسلحة الفردية والصواريخ المضادة للدبابات.

كما أنها أقل في أغلب الأحوال في المستوى مما تصنعه دول مثل تركيا وباكستان.

فإيران تعتمد في الأساس على تقليد أسلحة الدول الكبرى، وبما أنها عليها شبه حظر دولي لشراء السلاح منذ قيام الثورة الإسلامية، فإن أغلب الأسلحة التي تقلدها هي أمريكية وغربية من طرز قديمة، بالإضافة إلى بعض الأسلحة الروسية والسوفييتية أو الصينية (الأخيرة تكون عادة بدورها مقلدة).

القوة البرية.. اكتسبت خبرة كبيرة ولكنها تعاني من نقطة ضعف أساسية

أما القوات البرية الإيرانية، فإنها بلا شك تظل أقوى فروع القوات المسلحة الإيرانية، والأقوى في الخليج، ومن الأقوى في المنطقة.

 وتتميز هذه القوات بعقيدة قتالية قوية، وتعرَّضت لعملية شحن معنوي هائل، إلى جانب ما يُعرف من انتماء وطني عال للشعب الإيراني، كما تتميز بخبرة قتالية اكتسبتها خلال الحرب العراقية-الإيرانية، وتعزَّزت بالمناورات المستمرة والتدريب المكثف.

ولكن فيما يتعلق بالمعدات، وخاصة الدبابات، تعاني إيران قصوراً كبيراً، إذ لا يمكن مقارنة الدبابات التي تمتلكها إيران من حيث العدد والنوعية بدول مثل تركيا ومصر وإسرائيل، بل وحتى سوريا أو السعودية.

على سبيل المثال تمتلك سوريا نحو 5 آلاف دبابة، ومصر وتركيا وإسرائيل أعداداً أقل قليلاً، مقابل 1600 لإيران.

مع ملاحظة أن مصر والسعودية وتركيا وإسرائيل كلها تمتلك دبابات غربية حديثة، لا تقارن بالأجيال القديمة التي تمتلكها إيران.

ولكن تتميز إيران نسبياً بمحاولات لا يُعرف مدى نجاحها لتطوير نسخها الخاصة من الدبابات وصناعة ذخائرها وما إلى ذلك، ولكن تظل قدرات سلاح الدبابات الإيراني أقل بفارق شاسع مع الدول الرئيسية في المنطقة، وبطبيعة الحال الفارق أوسع مع الولايات المتحدة.

أما القوة البحرية الإيرانية، فبالتأكيد أنها تظل من أقوى أفرع القوات المسلحة الإيرانية، وهي ذراع إيرانية قادرة على إيذاء الجيران، لكن في النهاية في ظل الضعف الشديد للقوات الجوية الإيرانية، فإن قدرة طهران المطلقة على استخدام القوة البحرية بفاعلية تبقى محل شك كبير.

الميزة الرئيسية لإيران فيما يتعلق بالمعدات، هي أنها حقَّقت قدراً كبيراً من الاكتفاء الذاتي، لا يجعلها تحتاج إلى شراء معدات وقطع غيار من الخارج، وهو أمر ذو أهمية كبيرة في حالة وقوع حرب.

هل تعلَّم الإيرانيون من تجربة صدام حسين؟

من الناحية النظرية فإن إيران أضعف كثيراً من أغلب دول المنطقة الرئيسية، ولكن يجب ملاحظة أن هذا النمط العسكري الذي لا يُركز على الأسلحة التقليدية ويقوم على الاعتماد على الذات قد فُرض على إيران مع نشوب الثورة الإسلامية في إيران، والحصار الذي تعرَّضت له خلال حربها مع العراق (كان العراق حليفاً تقليدياً للاتحاد السوفيتي، وكان يحصل على السلاح من الدول الغربية أيضاً).

إلا أن هذه التجربة جعلت الإيرانيين يعتمدون عقيدة عسكرية مختلفة عن كل دول الجوار.

يعلم الإيرانيون أن احتمال المواجهة العسكرية المباشرة الرئيسي الذين قد يتورطون فيه هو مع الولايات المتحدة.

ويعلم الإيرانيون أن مثل هذه الحرب سيخسرونها مهما حشدوا من دبابات وطائرات وسفن، وهذا ما حدث مع صدام حسين.

كان لدى العراق إبان الغزو العراقي للكويت عام 1990 جيش، كان يقال إنه رابع جيش في العالم.

كان هذا التصنيف على الأرجح مبالغة من قبل أنصار صدام وخصومه على السواء، ولكنها مبالغة لم تبتعد كثيراً عن الحقيقة.

كان لدى صدام جيش ضخم مكون من نحو خمسة آلاف دبابة، ونحو 700 طائرة نفاثة، وكمية هائلة من المعدات والجنود الذين كانت لديهم خبرة كبيرة من الحرب التي خاضوها لمدة ثماني سنوات ضد إيران، والتي تعتبر أطول حرب في القرن العشرين.

حشد صدام هذه القوات بشكل مثير أمام الأمريكيين.

والنتيجة كانت أشبه بألعاب الفيديو.

هل تستطيع أمريكا احتلال إيران؟
هل تعلم الإيرانيون من تجربة صدام/Reuters

كانت أمريكا قد بدأت منذ فترة كافية عصراً للتكنولوجيا العسكرية، يعتمد على الأسلحة الذكية التي كانت معدّة للتغلب على التفوق العددي السوفيتي الهائل، بينما كان العراق قوة متوسطة يعتمد على أجيال من الأسلحة السبعينية.

وكانت أمريكا أيضاً قد بدأت أول تجربة واسعة النطاق لاستخدام الحرب الإلكترونية (الحرب السيبرانية)، التي شلَّت قواعد الدفاع الجوي العراقية رغم ضخامتها.

النتيجة هزيمة مدوية لهذا الجيش الضخم، فالدبَّابات الأمريكية الأطول في مدى القصف والرؤية كانت تصيب نظيرتها العراقية قبل أن تراها الأخيرة، والطائرات الأمريكية حيّدت سلاح الجو العراقي عبر تفوقها العددي، إضافة إلى تفوقها النوعي.

ولهذا السبب لا يستثمر الإيرانيون في جيش تقليدي، فهو أولاً خيار غير متاح لهم، في ظل العلاقات المتوترة مع الغرب، كما أن تاريخ علاقتهم مع الروس لا يختلف كثيراً، إذ لم تبدِ روسيا حماساً لتزويد إيران بأسلحة متطورة، وسبق أن تراجعت عن صفقة صواريخ أس 300، لإجبار إيران على توقيع الاتفاق النووي.

فقد تكون روسيا وإيران حليفتين لبشار الأسد، ولكن لا يعني هذا بالضرورة أنهما حليفتان.

الاستراتيجية العسكرية الإيرانية.. الحرب غير المتماثلة

في مواجهة التفوق الأمريكي الساحق والحصار الغربي، والجفاء الشرقي، عمد الإيرانيون لاعتماد عقيدة عسكرية يُطلق عليها الحرب غير المتماثلة، حسبما يقول خبير عسكري لبناني لـ "عربي بوست".

تعتمد هذه العقيدة على مجموعة معقدة من الاستراتيجيات، والنموذج الواضح لهذه العقيدة ما قام به حزب الله في حروبه مع إسرائيل.

ولكن يلاحظ أنه في تجربة حزب الله مع إسرائيل، أن نجاح الحزب في الأساس تحقق في الحرب الدفاعية، التي خاضها بطريقة حرب العصابات، من خلال نصب الكمائن للقوات الإسرائيلية في أرض جنوب لبنان الوعرة.

تقوم هذه العقيدة على عدم التركيز على القوة العسكرية التقليدية التي يمكن ضربها بسهولة، ولكن اللجوء لخليط من حرب العصابات في المدن والمناطق الوعرة، مع استخدام القوة الصاروخية كوسيلة للردع، عبر استخدامها ضد الأهداف ذات القيمة المدنية والاقتصادية الكبيرة، وليس الأهداف العسكرية في الأغلب.

وكما يظهر من تجربة حزب الله، تعتمد العقيدة على اختلاط القوات العسكرية مع سكان المدن، واستخدام الأنفاق لإخفاء الأسلحة، في ظلِّ التفوق الجوي الساحق للخصوم، مع محاولة الانتقام عبر القصف الصاروخي الذي لا يهزم الخصم، ولكن يؤثر على معنويات المدنيين لديه.

تعتمد إيران على الصواريخ في استراتيجيتها بشكل كبير

ويمكن فهم تأثير هذه العقيدة على دول الخليج، التي ستستضيف في الأغلب أي قوة أمريكية في حال تنفيذ هجوم أمريكي ضد إيران.

فإطلاق الصواريخ الإيرانية على الخليج لن يدمر هذه الدول أو يتسبب في هزيمة جيوشها كما يظن البعض، ولكنه يمثل عبئاً ثقيلاً على اقتصادات هذه الدول ونمط حياة سكانها.

وستعتمد الاستراتيجية على ما يمكن تسميته بحرب عصابات بحرية، في مواجهة التفوق البحري الأمريكي الساحق، بهدف عرقلة الملاحة في مضيق هرمز، الذي يمر عبره جزء كبير من تجارة النفط العالمية، وسيتضافر كل ذلك مع قيام حلفاء إيران وأذرعها بالمنطقة بإشعال الوضع، كلٌّ في حيّزه الجغرافي، وقد تشمل هذه التحركات تنفيذ هجمات في مناطق خارج الشرق الأوسط.

لا تستطيع هذه الاستراتيجية هزيمة أمريكا على الإطلاق، ولكنها تجعل انتصار واشنطن مكلفاً لها، ومكلفاً أكثر لحلفائها في المنطقة، الأمر الذي يجعلهم يفكرون كثيراً قبل إقدامهم على خيار الحرب أو غزو إيران.

هل يعني ذلك أنها قادرة على منع أمريكا؟

لا يعني ذلك أن إيران قادرة على منع غزو أمريكي لأراضيها، ولكن هذه الاستراتيجية تجعل الجزء الأكبر من القوة العسكرية الإيرانية يصعب استهدافه، ويمكن استخدامه حتى لو تعرَّضت البلاد للاحتلال.

وتزداد هذه الاستراتيجية قيمة بعد تجربة العراق.

فالعراق الأصغر سكاناً ومساحة من إيران، والأقل وعورة، تسبَّب في معاناة كبيرة للقوات الأمريكية، التي أنجزت الغزو ببساطة، حتى وصفها الرئيس الأمريكي جورج بوش بأنها واحدة من أنجح العمليات العسكرية في التاريخ.

ولكن المعارك التي خاضتها القوات الأمريكية بعد إعلان بوش المتبجح، كانت هي المشكلة التي واجهت أمريكا.

عانت آلة الحرب الأمريكية الضخمة، في مواجهة عشرات آلاف من المقاتلين من السنة والشيعة في بلدة معقد طائفياً، وفي أحيان كثيرة لم يكن الأمريكيون يعلمون من عدوهم ومن صديقهم.

ولكن ماذا لو تغاضت الولايات المتحدة عن كل هذه المحاذير وقرَّرت غزو إيران؟

هل تستطيع أمريكا احتلال إيران؟

قد يكون غزو إيران وإملاء الشروط على طهران محتلة إحدى السبل لتحقيق تغيير النظام الذي يريده كثير من الساسة الإيرانيين.

لكن يرى روبرت فارلي، الأستاذ الزائر بكلية الحرب التابعة للجيش الأمريكي في تقرير نشره بمجلة The National Interest الأمريكية، أن الولايات المتحدة ستعاني للإطاحة مباشرةً بنظام الجمهورية الإسلامية باستخدام قوة السلاح.

إذ تفتقر الولايات المتحدة إلى القواعد الإقليمية الضرورية لحشد القوات اللازمة لغزو إيران، وتدمير قواتها المسلحة، واقتلاع النظام الثوري في طهران، والسيطرة على البلاد لصالح حكومة جديدة طيِّعة أكثر.

فالأمر يتطلب غزو العراق أولاً للمرة الثانية

من المتصور أن أي غزو أمريكي لإيران يحتاج إلى انتشار الجيش الأمريكي في العراق، لكنَّ هذا سيتطلب حرب تغيير نظام أخرى ضد الحكومة الحالية في بغداد.

وبدلاً من ذلك، يمكن أن تُحسِّن الولايات المتحدة بعضَ شروط الانتشار في القواعد العسكرية، عن طريق تنفيذ عملية دخول برمائي بالقوة لإيران.

لكنَّ هذا من شأنه أن يجعل القوات الأمريكية عُرضة بصورة كبيرة لترسانة طهران من الصواريخ الباليستية، وعلى الأرجح تكبُّدها لخسائر فادحة. علاوة على ذلك، لن يحل هذا مشكلة احتلال البلد في مرحلة ما بعد الصراع.

ماذا عن عملية عسكرية تستهدف خنق إيران اقتصادياً؟

يمكن لخصوم إيران في الإدارة الأمريكية أن يفكروا في تنفيذ حملة عسكرية لتغيير النظام، على الأرجح ستُركِّز على تقويض الاستقرار الاقتصادي لإيران، على أمل خلق حالة من الاستياء الشعبي وثورة مضادة.

وبدلاً من القيام بغزو شامل، فإن هذا السيناريو سيعني أن تحاول الولايات المتحدة تحفيز انهيار النظام من خلال سياسة خنق عسكري واقتصادي، تقودها الضربات الجوية، وضربات بصواريخ كروز تُطلَق من البحر، والاستخدام القوي لقوات العمليات الخاصة.

ومن شأن حملة الخنق الاقتصادي أن تعتمد بقوة على الأدوات المالية والتجارية الأمريكية، بهدف تقييد تجارة إيران مع باقي العالم.

لكن بما أنَّ قليلاً فقط من الشركاء الدوليين على الأرجح سيكونون متحمسين للحملة، فقد تضم الحملة بعض الإجراءات العسكرية المصممة لمنع نقل البضائع من وإلى إيران، خصوصاً المعدات التكنولوجية الحساسة.

قد تستهدف المراحل الأولى من الحملة البنية التحتية العسكرية القائمة لإيران، بما في ذلك القواعد العسكرية والبحرية ومنشآت الصواريخ الباليستية. ستؤدي هذه الهجمات إلى أضرار بالغة على الرغم من الدفاعات الجوية لإيرانية، التي ستتعرَّض للهجوم هي أيضاً.

وستعاني القوات البحرية والجوية الإيرانية بشدة، وستؤدي الضربات واسعة النطاق أيضاً إلى إلحاق ضرر جسيم بالقوات الصاروخية الإيرانية.

ومن المفترض أن يجري توفير الدعم بالقواعد من جانب حلفاء الولايات المتحدة الخليجيين، بما في ذلك السعودية.

استعداد السعوديين لرعاية عملية عسكرية طويلة أمر محل شك

ولكن روبرت فارلي يرى أنَّ استعداد السعوديين لرعاية حملة عسكرية طويلة الأجل ضد إيران أمر محل تساؤل جدي.

وقد تستهدف الولايات المتحدة الاقتصاد الإيراني، بما في ذلك منشآت النفط والبنية التحتية للنقل، بالتزامن مع الدعم القوي للمجموعات الإيرانية المناوئة للحكومة، مثل تلك المرتبطة بحركة مجاهدي خلق الإيرانية.

وقد يتضمَّن هذا نقل الأسلحة، والمعلومات الاستخباراتية، والتدريب لأي قوات مقاومة متاحة، وكذلك تجنيد قوات جديدة، في كردستان ربما.

لكنَّ يرى روبرت فارلي أن بناء قوات قابلة للنجاح سيستغرق وقتاً طويلاً. ودون وجود قوات برية لإجبار وحدات الجيش الإيراني على الانتشار والمناورة، سيكون من الصعب بالنسبة للهجمات الجوية الأمريكية أن تُضعِف القدرات البرية الإيرانية كثيراً.

علاوة على ذلك، على الأرجح ستنتشر الكثير من وحدات الجيش الإيراني والحرس الثوري في المناطق الحضرية، لتقليص احتمالات حدوث اضطرابات داخلية وتفادي الهجمات من خلال الاختلاط بالمدنيين.

رد الفعل الإيراني

ستتمتع إيران بمجموعة من الخيارات للردّ على الهجمات الأمريكية. فقد تُكثِّف إيران الجهود لزعزعة استقرار العراق وأفغانستان عبر استخدام الوكلاء وشحنات الأسلحة. وبالمثل، قد تحاول دفع وكلائها في المنطقة لمهاجمة حلفاء الولايات المتحدة.

وقد تستخدم إيران أسطولها الضخم من الصواريخ الباليستية لمهاجمة القواعد الأمريكية والسفن والمنشآت العسكرية والاقتصادية لحلفاء الولايات المتحدة، ولو أنَّ هذه القوة الصاروخية ستُمثِّل أصلاً مُستهلَكاً في ظل تراجع عددها بمرور الوقت.

لكن الأمر الأكثر ترجيحاً هو أنَّ إيران ببساطة قد تنتظر وفق منطق أنَّ الرأي الدولي المعارض للحملة الأمريكية سيتراكم باطراد إلى النقطة التي لا تعود واشنطن عندها قادرة على مواصلة حربها.

ترامب وكأنه يريد تقوية النظام الإيراني؟

لا يُخفي كثير من صقور الإدارة الأمريكية رغبتهم في إسقاط النظام الإيراني، ولكن المشكلة أن معظم إجراءاتهم التصعيدية تساعد على تقوية النظام، وتجعل الشعب الإيراني يلتف حوله.

وهذا الأمر قد يزداد في حالة تنفيذ هجوم عسكري سيراه الإيرانيون اعتداء على بلادهم.

فعلى الأرجح سيؤدي أي هجوم على إيران إلى رد فعلٍ قومي، الأمر الذي يجعل الرأي العام أكثر دعماً للنظام على المدى القصير.

ومن شأن شنّ هجوم أيضاً أن يُمكِّن النظام من تثبيت ضوابط اجتماعية واقتصادية أكثر قسوة، حسبما يرى روبرت فارلي.

وتلك الضوابط قد تؤدي بمرور الوقت إلى رد فعلٍ عكسي، لكنَّ الثورة المضادة ليست أكيدة بأي حالٍ من الأحوال.

حلفاء أمريكا يحرِّضون على الحرب ولا يريدون دفع ثمنها

تفتقر الولايات المتحدة إلى الدعم الدولي الواسع لحملتها لتغيير النظام، وحتى الحلفاء مثل السعودية وإسرائيل سيكونون متردّدين في مواجهة التكاليف طويلة الأمد التي ستخلقها الحرب.

ولن تدعم روسيا أو الصين الحرب مطلقاً، وستتدخل كلتاهما على الأرجح بطرقٍ تهدف لتخفيف الضغط عن طهران.

وسيردّ الأوروبيون برفضٍ عام قوي، سيُجبر في النهاية الزعماء المتعاطفين مع الحملة في فرنسا والمملكة المتحدة للنأي بأنفسهم عن واشنطن.

وسيزيد التعاطف الدولي مع إيران بمرور الوقت، وهي الحقيقة التي يدركها قادة إيران بكل تأكيد. وإذا لم تتعرَّض الجمهورية الإيرانية للانهيار، فسيتعين على الولايات المتحدة في نهاية المطاف إمَّا الإقرار بالهزيمة أو فتح الباب أمام التصعيد الخطير.

وقد ينجح تغيير النظام، لكن لا توجد أسباب وجيهة للاعتقاد أنَّ فرص تحقُّق هذا كبيرة، حسبما يرى روبرت فارلي، الأستاذ الزائر بكلية الحرب التابعة للجيش الأمريكي.

ستُكبِّد أي حربٍ إيرانَ تكاليف باهظة، لكنَّها أيضاً ستفرض على الولايات المتحدة الالتزام تجاه إيران في حالة إزالة النظام، مثل ما حدث مع العراق.

تحميل المزيد