ما هو مستقبل الإسلاميين في السودان بعد سقوط البشير؟، هل يؤدي الصراع بين الإسلاميين واليساريين إلى إفشال الحراك السوداني؟
فعلى عكس معظم الدول العربية التي ارتبط بها الحكم العسكري بالقوى اليسارية والبعثية والناصرية، تحالَفَ العسكريون في السودان لسنوات طويلة مع الإسلاميين.
والآن بات مستقبل الإسلاميين في السودان بعد سقوط البشير على المحك.
ما هو مستقبل الإسلاميين في السودان بعد سقوط البشير؟
مع إقالة الجيش السوداني للرئيس البشير، تم التعامل مع حزب المؤتمر الوطني باعتبار أنه حزب حاكم، وأمر بديهي أن يستبعد ويكون هدفاً للثوار.
في المقابل اعتبر حزب المؤتمر الشعبي نفسه في وضع مختلف، باعتبار أنه لم يكن حزبَ البشير، بل إن مؤسسه حسن الترابي ، كان قد توفي عام 2016 وهو على خلاف مع الرئيس السوداني وحليفه السابق عمر البشير.
ولكن تعالت الأصوات المطالبة باستبعاد حزب المؤتمر الشعبي من الترتيبات والحوارات الخاصة بالمرحلة الجديدة.
ووصل الأمر إلى تنفيذ عدد من المحتجين لهجوم على اجتماع لحزب المؤتمر الشعبي الإسلامي السوداني، أدى إلى وقوع عدد من الإصابات.
المؤتمر الشعبي يقول إن الشيوعيين يسيطرون على الحراك
في المقابل يتهم حزب المؤتمر الشعبي الحزب الشيوعي بالسيطرة على الحراك.
إذ قال نائب الأمين العام لحزب "المؤتمر الشعبي"، الدكتور بشير آدم رحمة، مع وكالة سبوتنيك الروسية، إن الحزب الشيوعي السوداني، وبدعم خارجي أفلح في قيادة تجمع المهنيين والحراك ضد حكومة المؤتمر الوطني، إلى أن سقط نظام عمر البشير.
وأضاف: "الآن قادة الحزب الشيوعي أمثال صديق يوسف يتحدثون بلغة إقصائية، ويطلبون من المجلس العسكري الانتقالي تجمع المهنيين والحرية والتغيير، وهم مَن يشكلون مجلس القيادة (الرئاسة)، ومجلس الوزراء، وبرلمان السلطة الانتقالية لمدة 4 سنوات.
وتابع قائلاً: المجلس العسكري حدَّد عامين كحدٍّ أقصى للفترة الانتقالية، وهناك أحزاب تتحدث عن عام واحد فقد، في حين يطرح تجمع المهنيين والحرية والتغيير 4 سنوات فترة انتقالية، ويهدف الحزب الشيوعي الذي يقود الحراك لإطالة المدة، حتى يتمكن من محو كل أثر للنظام القديم في كل مؤسسات الدولة، لأن الحزب الشيوعي ليست لدية قاعدة شعبية على الأرض تجعله ينجح في أي انتخابات حرة ونزيهة.
وحول مطلب تجمع المهنيين بإقصاء كل من شارك في حكومة البشير، يعلق القيادي بأن حزب المؤتمر الشعبي "الحزب الشيوعي"، هو الذي يقود الشارع الآن، وإن اختلفت المسميات، ومطالبتهم بإقصاء كلّ من شارك من الأولى تطبيقها على أنفسهم، لأن محمد المصطفى، أحد قيادات الاعتصام تربطه صلة قرابة بالبشير، وشغل إحدى الوزارات في عصره، ومعروف أنه شيوعي، والآن يقود تجمّع المهنيين من أجل تسلُّم السلطة، وهذه قمة التناقضات. نعم المجلس العسكري يريد التسليم للمدنيين، ولكن باتفاق.
الكشف عن هوية زعيم تجمع المهنيين السودانيين يزيد الأزمة
ما يزيد التوجس بين الطرفين هو كشف تجمع المهنيين السودانيين، أن زعيم التجمع هو محمد يوسف المصطفى، وهو قيادي سابق بالجبهة الشعبية لتحرير السودان (قطاع الشمال)، وهو الفصيل الذي قاد انفصال الجنوب، ويُتهم من قِبل الكثيرين في السودان بعدائه للتوجه الإسلامي والعروبي في السودان.
وبينما لعب تجمُّع المهنيين السودانيين الدور الأكبر في الحراك، لكن تم تشكيل مظلة أوسع تضم معظم القوى المعارضة في السودان.
ففي الأول من يناير/كانون الثاني 2019، أُطلق "إعلان الحرية والتغيير" برعاية أربع قوى رئيسية: "تجمع المهنيين السودانيين"، "الإجماع الوطني"، "نداء السودان"، "التجمع الاتحادي المعارض"، وهذه التجمعات تضم الأحزاب المعارضة التقليدية في السودان.
البيان جاء مُطالباً في بنودٍ واضحة بإسقاط البشير، وتحقيق سلام شامل وعادل وتشكيل حكومة انتقالية لمدة 4 سنوات
ولكن يظل تجمع المهنيين السودانيين هو الأقوى، مع عدم وضوح الدور الذي تلعبه زعامات الأحزاب التقليدية في السودان رغم عضويتها في الإعلان مثل زعيم حزب الأمة الصادق المهدي.
الإسلاميون.. علاقة مركبة مع نظام البشير
رغم ارتباط الحكم العسكري في السودان بالإسلاميين لعقود، فإن البعض يرى أن الأمر ليس بهذه البساطة، وأنه ليس الإسلاميون فقط من تحالفوا مع النظام في بعض المراحل، كما يقولون إن الإسلاميين أو فصائل منهم شاركت في الاحتجاجات ضد البشير.
فقد شارك العديد من شباب حزب الترابي في الاحتجاجات ضد البشير، وكثير منهم أبدى غضبه على واقعة قتل أحد كوادر حزبهم، المعلم أحمد الخير، بمدينة كسلا، على يد قوات الأمن في هذه الاحتجاجات.
وبينما يجادل البعض بأن فترة حكم البشير محسوبة على الحكم العسكري، أكثر من كونها محسوبة على الإسلاميين، ينظر آخرون إلى أن مدة حكم البشير كانت بمثابة فترة حكم للتيار الإسلامي، وبالتالي فإن الثورة على نظام البشير تشمل بالضرورة الثورة على هذا التيار.
وفي وقت سابق، قال المؤرخ السوداني البروفيسور عبدالله علي إبراهيم إن "الإسلاميين الحاكمين اكتفوا بالإشارة إلى أعدائهم ليتولى جهاز الأمن بقية المهمة".
في المقابل، ينفي الكثير من القياديين الإسلاميين في السودان ذلك، ويؤكدون أن الحركة الإسلامية تسلمت الحكم بالفعل في العام 1989، لكن الحكم تحوّل شيئاً فشيئاً ليصبح في قبضة الرئيس وحده، وأن المعاناة في البلاد شملت الإسلاميين كما امتدت إلى غيرهم من التيارات.
انفصال الإسلاميين الأكثر ليبرالية
إضافة إلى الخلاف الشهير بين البشير والترابي، فقد وقعت إنشقاقات أخرى بين الإسلاميين والعسكريين.
ففي عام 2013، انشقَّ عن البشير أبرز قادته الفكريين الإسلاميين غازي صلاح الدين، إثر تعامل الحكومة الفظّ مع هبة شعبية قتل فيها أكثر من 200 قتيل طبقاً لإحصائيات غير رسمية.
وأسَّس صلاح الدين حركة "الإصلاح الآن"، وتبعه بعض الإسلاميين الشباب الذين يرون أنفسهم أكثر انفتاحاً وليبرالية على المستوى السياسي.
الآن يجد الإسلاميون أنفسهم في وضع حرج، بعد سقوط حكومة البشير وعدم قبول من طرف كثير من المتظاهرين، رغم تسجيلهم حضوراً في الاحتجاجات التي قادت لعزل البشير.
فقبل عزل البشير، زار المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في السودان عوض الله حسن المعتصمين أمام مقر القيادة العامة للجيش بالخرطوم، وظهر في صور وهو يخط بيديه لافتات تطالب بإطلاق سراح المعتقلين.
وبعد عزل البشير، أصدرت الأمانة السياسية للإخوان المسلمين بياناً رحَّبت فيه بتلك الخطوة، مؤكدة أن "هذه الثورة المباركة لا تستطيع جهة أو حزب احتكارها أو توجيهها، بل الكل مشارك دون إقصاء إلا من يدان قضائياً".
كما أن غازي صلاح الدين -الذي يرأس ائتلاف "الجبهة الوطنية للتغيير" المشكل من أحزاب عدة كانت ذات تقارب مع البشير- هو وجه إسلامي آخر كان حاضراً بقوة في الثورة، ومن خلفه بالتأكيد الكثير من أنصاره من الشباب الإسلاميين.
واتَّهم صلاح الدين قوى سياسية لم يسمّها بممارسة الإقصاء ضد الآخرين، في إشارة إلى "قوى إعلان الحرية والتغيير"، مؤكداً على رفض الجبهة كافة أشكال الإقصاء.
فرّق تسد
ومن الواضح أنه بينما يتعنَّت المجلس العسكري في تقديم تنازلات للحراك فإن المجال الوحيد الذي لا يعترض فيه على التنازلات هو ما يتعلق بإقصاء الإسلاميين إرضاء للحراك.
إذ يبدو أن هدف المجلس العسكري كرعاته الخليجيين هو إبقاء العسكريين وإخراج الإسلاميين من السلطة، لتكون السلطة الجديدة في السودان، على شاكلة نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي نظام عسكري معاد للإسلاميين، وليس متحالفاً معهم كما كان البشير.
على سبيل المثال وافق المجلس العسكري على إقالة ثلاثة جنرالات إسلاميين، حسب وصف تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
ويبدو هذا تكراراً لسيناريو الصراع بين الإسلاميين والليبراليين واليساريين، الذي تكرَّر في مصر، ويعد من سمات السياسة العربية منذ عقود أو كما يقول البعض فإن هذا خلاف عمره قرن كامل.
إلا أنه في السودان يكتسب الصراع مرارة خاصة.
هل يؤدي الصراع بين الإسلاميين واليساريين إلى إفشال الحراك السوداني؟
ففي معظم الدول العربية كانت القوى اليسارية والقومية حليفة للعسكريين، ويبدو شعورهم بالمرارة تجاه الإسلاميين غير مبرَّر، لأن الإسلاميين في الأغلب كانوا ضحايا الاضطهاد العسكري ذي التوجه الناصري أو البعثي.
ولكن في السودان، الأمر مختلف، تحالف الإسلاميون مع العسكر مرتين، مرة في عهد الرئيس الراحل جعفر النميري، ومرة في عهد البشير، وكان عراب هذا التوجه في الحالتين حسن الترابي الذي سيطر على الحركة الإسلامية ودفعها لهذا التحالف.
ولكن سرعان ما دبّ الخلاف بينه وبين البشير، وانشقَّ جزء من الإسلاميين منحازاً للبشير وهم أعضاء المؤتمر الوطني، وبقي جزء مع الترابي فيما عرف بالمؤتمر الشعبي.
وحسب الباحث محمد أيوب، أستاذ العلاقات الدولية الفخري بجامعة ولاية ميشيغان الأمريكية، أن الشرخ المجتمعي يُرجَّح أن يعمل لمصلحة الجيش، لأنَّه لا يزال بإمكانه الاعتماد على دعم الإسلاميين في مواجهة العناصر العلمانية، وفقاً لأيوب.
وقد يكون البديل أن يضحي بالإسلاميين لإرضاء اليساريين والليبراليين والأحزاب التقليدية، وتمهيداً للانفراد بهم بعد ذلك.
فعلى غرار الرئيس عبدالفتاح السيسي في مصر، الذي وصل للحكم بدعم من جبهة الإنقاذ، يبدو أن المجلس العسكري يعمل بسياسة فرق تسد، إذ بعد التخلص من الإسلاميين يمكن التخلص من القوى الليبرالية واليسارية، التي تلعب دوراً مهما في الحراك.