استضاف العراق، السبت 20 أبريل/نيسان 2019، قمةً لرؤساء برلمانات شارك فيها ممثلون لستِّ دول مجاورة له، تشهد أغلبها تناحراً فيما بينها، لتدشن بغداد محاولة للعودة إلى الساحة الدبلوماسية الإقليمية.
عقدت القمة تحت شعار "العراق.. استقرار وتنمية"، وحضرها رئيس مجلس الشورى السعودي، ورئيس مجلس الأمة الكويتي، ورئيس مجلس الشعب السوري ورئيسا البرلمانين الأردني والتركي، فيما أوفدت إيران النائب علاء الدين بروجردي ممثلاً لرئيس مجلس الشورى، الذي اعتذر عن عدم المشاركة.
تكمن رمزية القمة في جمع خصوم سياسيين على الطاولة نفسها
فرغم انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، ودعم الأخيرة لنظام دمشق ضد المعارضة المدعومة من السعودية وتركيا، إلى جانب الأردن حليف الولايات المتحدة، العدو اللدود لإيران، ورغم توتر العلاقة بين أنقرة والرياض بسبب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، قَبِل الجميع أن يجلسوا على طاولة واحدة.
وخلال القمة التي لم تتجاوز ثلاث ساعات، ألقى رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي وممثلو الدول الست كلمات، دعوا فيها إلى استقرار العراق وإعادة بنائه من أجل إنعاش اقتصاد ثاني دولة منتجة للنفط في أوبك، بعدما أنهكتها أربعة عقود من الحروب.
وفي البيان الختامي، أجمع رؤساء البرلمانات والمجالس التمثيلية لدول جوار العراق على أن "استقرار العراق ضروري في استقرار المنطقة"، ودعوا العراق إلى "الحفاظ على علاقات الجوار بمسافة واحدة مع الجميع، ومن دون التدخل في شؤونه الداخلية"، رغم أن السياسيين في البلاد يتقاذفون الاتهامات بالولاء لدول ذات مصالح مختلفة، وخصوصاً الولايات المتحدة وإيران وتركيا والسعودية.
وأكد المجتمعون أيضاً "دعم عملية البناء والإعمار والتنمية في العراق، وتشجيع فرص الاستثمار فيه بمختلف المجالات"، رغم أن الثلاثين مليار دولار التي وعدت بها الدول المانحة في مؤتمر الكويت بداية العام 2018، لم تصل حتى الآن.
يراهن العراق على موقعه الجغرافي لاستعادة دوره الإقليمي
ومنذ دحر الجهاديين في نهاية العام 2017، يراهن العراق الذي يشهد تجاذباً بين إيران والولايات المتحدة، على موقعه الجغرافي في قلب الشرق الأوسط، فبعد إعلانه "النصر" على تنظيم الدولة الإسلامية، انفتح العراق مجدداً على دول الجوار من أبواب الحدود البرية، أولاً مع الأردن غرباً عبر منفذ طريبيل التجاري، وقريباً في الجنوب عبر المنافذ السعودية المغلقة منذ غزو الكويت قبل ثلاثين عاماً، رغم تحسن العلاقات بشكل كبير.
وبالنسبة إلى الحدود الغربية الصحراوية المتاخمة لسوريا، فإن بغداد اليوم هي العاصمة العربية الوحيدة التي تتواصل علناً مع جميع الأطراف في الداخل السوري، من روسيا مروراً بالتحالف الدولي والأكراد، وصولاً إلى المعارضة ودمشق، التي طلبت رسمياً من العراق شنّ ضربات جوية على أراضيها ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وعلى حسابه بتويتر غرَّد محمد الحلبوسي (38 عاماً)، أصغر رئيس للبرلمان العراقي: "العراق الشامخ الأبيّ المنتصر على الإرهاب، يتشرف بحضور جيرانه في بغداد"، مذكراً بتاريخ العاصمة في "العروبة والإسلام والسلام".
وفي بيان منفصل، وصف نائبه بشير حداد القمة بأنَّها "مبادرة قيمة وفرصة لإقامة شراكات استراتيجية بين العراق وجيرانه".
وأضاف: "هذه رسالة إيجابية لجميع الدول المجاورة والعالم، بأنَّ العراق مصمم على استعادة صحته والعودة إلى بيئته العربية والإقليمية، ليتولى مكانه الصحيح في خريطة ميزان القوى. وسيكون له تأثير كبير على تعزيز التعاون والجهود المبذولة لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة".
كان العراق دولة محورية وله تاريخ مضطرب مع جيرانه أيضاً
إذ هاجم الرئيس الأسبق صدام حسين إيران -وهي إحدى دولتين ذواتي أغلبية شيعية في الشرق الأوسط والأخرى هي البحرين التي يحكمها السنة- بعد فترةٍ وجيزة من ثورة 1979، التي أوصلت آية الله روح الله الخميني إلى السلطة. دعم الرئيس البعثي المنافس حافظ الأسد إيران، في حين أيد قادة العرب الآخرون صدام، الذي غزا لاحقاً الكويت، مما أثار غضب الولايات المتحدة وحلفاءها المحليين في أوائل التسعينيات.
وكان الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 نقطة تحول لتوازن القوى في الشرق الأوسط. أُسقط صدام بتهم امتلاك أسلحة دمار شامل، ثبت في وقتٍ لاحق عدم صحتها، وحلت محله قيادة شيعية سعت إلى إعادة بناء العلاقات مع جيرانها، بما في ذلك إيران وسوريا.
وتطور الغضب السني الذي حركه التدخل الأمريكي حتى ظهر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
ومع هزيمة داعش أصبح العراق ساحة حرب
حيث شهدت البلاد تنافساً إقليمياً بالوكالة، بين إيران والمملكة العربية السعودية. حاولت الولايات المتحدة وإسرائيل حشد العالم العربي ضد إيران، لكنَّهما اتخذتا خطوات يُنظر إليها على أنها مثيرة للجدل في معظم أنحاء الشرق الأوسط.
وعلى وجه التحديد، فإنَّ قرار الرئيس دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل في أواخر عام 2017، متجاهلاً المطالبات الفلسطينية الملحة، واعترافه بمرتفعات الجولان السورية المحتلة كجزءٍ من إسرائيل مؤخراً، وحد المنطقة والأغلبية الساحقة من المجتمع الدولي ضده. وفي الوقت نفسه، واصلت إيران تعزيز علاقاتها رغم العقوبات الأمريكية المتزايدة، التي صدرت بسبب تطوير إيران المستمر للصواريخ البالستية، ودعمها المزعوم لجماعاتٍ مسلحة في العديد من البلدان، بما في ذلك العراق وسوريا.
وبدأت العراق تنشط إقتصادياً
ووقَّعت طهران مؤخراً اتفاقياتٍ اقتصادية مع بغداد ودمشق، وتبادلت الدول الثلاث زياراتٍ رفيعة المستوى رغبةً في التنسيق الوثيق في مسائل مثل الأمن. واختتم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مؤخراً زيارتين إلى سوريا وتركيا، بينما اجتمع رئيس البرلمان السوري حمودة الصباغ بنظيره الحلبوسي في العراق.
وجاء في بيانٍ صادر عن مكتب البرلمان العراقي "رحب الحلبوسي بالوفد السوري الزائر، ومشاركته في قمة برلمانات الدول المجاورة للعراق في بغداد، مشيراً إلى عمق العلاقة التاريخية بين الشعبين الشقيقين. واستعرض الجانبان العلاقات الثنائية بين العراق وسوريا، وسبل تطوير التعاون المشترك في جميع المجالات".
وأيَّد رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، الذي زار إيران والسعودية مؤخراً، محاولة سوريا للعودة إلى الجامعة العربية، بعد طردها عام 2011. إذ اتُّهم الرئيس السوري بشار الأسد بارتكاب انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان خلال قمع انتفاضة المعارضة والجهاديين المدعومين من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وتركيا وغيرها، لكنَّ الدعم الإيراني والروسي ساعده على العودة مرة أخرى ليكون الفاعل الأهم في بلاده. وبينما كان البنتاغون يعمل في العراق بإذنٍ من بغداد، اعتبرت دمشق أنَّ الوجود العسكري الأمريكي والتركي في سوريا غير مرحب به.