أموال وطعام مقابل التشيع.. وول ستريت جورنال: إيران تتحرك بقوة لتوطيد نفوذها بسوريا

عربي بوست
تم النشر: 2019/04/03 الساعة 09:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/03 الساعة 09:51 بتوقيت غرينتش
أعلام حزب الله وسوريا على مدرعة عسكرية بسوريا/ رويترز

اعتبرت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية أن إيران تحاول نشر الفكر الشيعي بين السوريين السُّنة من خلال المعونات الإنسانية التي تقدَّم إليهم، من أجل بسط سيطرتها بالكامل على البلاد بعد 8 سنوات من الحرب الأهلية.

وقالت الصحيفة الأمريكية إنه في معقل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) السابق شرق سوريا، تستثمر جمهورية إيران الإسلامية قوتها العسكرية والاقتصادية، لتحولها إلى موطئ قدم دائم لها.

فبعد التدخُّل العسكري الإيراني الذي ساعد في وضع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، على حافة تحقيق النصر بالحرب المستمرة منذ 8 سنوات، تتحرك إيران لتوطيد نفوذها طويل الأمد في البلاد عن طريق نشر بادرات حسن النية والحصول على معتنقين جدد للمذهب الشيعي.

أموال وطعام وهويات للتشيع

وبالنسبة للسوريين الذين تضرَّروا من الحرب، تُقدِّم إيران الأموال والطعام وبطاقات هُوية إيرانية والخدمات العامة والتعليم.

يقول منير الخلف، عضو المجلس المحلي لمدينة الرقة، التي كانت عاصمةً لـ "داعش" بحكم الأمر الواقع: "الهدف هو إعادة تأسيس الإمبراطورية الفارسية"، بحسب الصحيفة الأمريكية.

وتُقوِّض حملة كسب القلوب والعقول الإيرانيةُ هذه جهودَ الولايات المتحدة وإسرائيل والدول العربية لدحر نفوذ إيران وإجبارها على الخروج من سوريا. وتأتي أيضاً في الوقت الذي يعتزم فيه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تقليص الوجود العسكري الأمريكي في البلاد –يوجد حالياً أكثر من 2000 جندي من القوات الأمريكية- بعد إعلان انتهاء معركة السيطرة على مناطق داعش، السبت 23 مارس/آذار 2019.

وقال مسؤولون أمريكيون إنَّهم لن يتخلوا عن جهود كبح الأنشطة الإيرانية في سوريا. وتعتزم الولايات المتحدة تركيز جهودها لجمع المعلومات الاستخباراتية على التصدي لاستراتيجية طهران المتمثلة في إنشاء ممر أرضي من إيران يمر بالعراق وسوريا وصولاً إلى لبنان، للمساعدة على نقل الأسلحة والمقاتلين إلى حلفائها الإقليميين.

وتستهدف حملة النفوذ الإيرانية الغالبيةَ السُنّيّة من سكان سوريا –وضمن ذلك في بعض معاقل داعش السابقة- والتي يمتد وجودها من محافظة دير الزور شرق البلاد وحتى حدود البلاد الغربية مع لبنان.

استمالة المدن المهمة

وباتت استمالة السكان المحليين واضحةً في مدن كبرى مثل البوكمال قرب الحدود مع العراق. وهناك توزِّع القوات الإيرانية، انطلاقاً من مركز شرطة سوري تسيطر عليه الآن قوات الحرس الثوري الإيراني، الطعام والأغراض المنزلية على المحتاجين في المدينة، وذلك بحسب رجل من السكان يبلغ 24 عاماً يسكن في قرية الجلاء القريبة، بحسب الصحيفة الأمريكية.

وقال الرجل إنَّ أعمال الخير هذه تأتي مصحوبة بعرضٍ للانضمام إلى صفوف الميليشيات الإيرانية واعتناق المذهب الشيعي. ومقابل التجنيد ضمن الميليشيات، يحصل الرجال على وعدٍ بالحصول على بطاقة هُوية خاصة بـ "الحرس الثوري" –تسمح لهم بعبور نقاط التفتيش دون مضايقات- و200 دولار شهرياً. وأضاف: "تجد في كل أسرة شخصاً أو شخصين أصبحوا شيعة. وهم يقولون إنَّهم يفعلون ذلك حتى يتسنّى لهم السير دون أن يضايقهم أحد".

وبحسب السكان ومسؤولٍ أمريكي وشخص مطلع على العمليات الاستخباراتية الأمريكية في المنطقة، تُقدِّم إيران إعانات مالية وتوفر الخدمات العامة والتعليم المجاني، من أجل تحفيز رجال القبائل العربية بالمناطق التي كان داعش يسيطر عليها سابقاً، كي يعتنقوا المذهب الشيعي.

وسيطرت الميليشيات الإيرانية على المساجد في المدن والقرى الواقعة شرق سوريا بالإضافة إلى بعض مناطق وسط البلاد، وتُطلِق الأذان الشيعي من مآذنها. وأقامت أضرحةً في مناطق ذات أهمية دينية تاريخية، واشترت عقارات بموجب قانون مِلكية مثير للجدل، وافتتحت مدارس باللغة الفارسية، بحسب الصحيفة الأمريكية.

قال أحد عمال الإغاثة بمدينة القامشلي شمال شرقي سوريا، عُرِض على صديقٍ له فرصة للدراسة في إيران: "إن كنت طالباً، يعرضون عليك منحة. وإن كنت فقيراً، يمنحونك مساعدات. وأيّاً كان ما تحتاجه سيُوفِّرونه، فقط كي تصبح شيعياً".

تسوية ديون الأسد

لكن بالنسبة إلى الأسد، الذي ينتمي إلى الطائفة العلوية، وهي إحدى طوائف المذهب الشيعي، فإنَّ حملة إيران للترويج للمذهب الشيعي وإعادة التوطين تتعلق بتسوية ديونه مع أحد الداعمين العسكريين الرئيسيين له في الصراع السوري أكثر من كونها تتعلق بقلب الموازين الطائفية.  

قال الشخص المطلع على العمليات الاستخباراتية الأمريكية في المنطقة: "بالنسبة للأسد، هذه وسيلة لرد الدَّين للإيرانيين والتأكُّد من أنَّهم لن يخذلوه".

وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي إنَّ الجهود الإنسانية لبلاده لا دوافع خفية لها. فقال: "لا أحد يسعى إلى عمل دعاية دينية وخلق صراعات دينية".

وأضاف: "تتماشى جهود إيران تماماً مع خلق مناخ سلمي ضروري للهدوء، ومساعدة أولئك الناس على توفير احتياجاتهم الضرورية".

وشبَّه سكان من محافظة دير الزور استراتيجية إيران في استمالة الجيل الشاب بأساليب التلقين نفسها التي استخدمها داعش من قبل.

فقال والد طفلين في سِن المَدرسة: "كما كان داعش يعطي الأطفال دروساً دينية بعد الصلوات، يفعلون هُم الآن الشيء نفسه"، وأضاف أنَّ قريته باتت الآن تحت سيطرة الميليشيات الإيرانية.

وقال الأب إنَّ كثيراً من أصدقائه وأفراد أسرته السُنَّة اعتنقوا المذهب الشيعي، بالأساس، للحصول على الوظائف أو الحماية. ويعيش الرجل هنا في قرية المحمدية التي تبعد بضعة أميال عن قريته، وتقع كلاهما في محافظة دير الزور، ويحاول تجنُّب الاضطرار إلى العودة لقريته الأم.

وقال: "إذا انسحبت أمريكا (من سوريا)، فسأضطر إلى العودة لدياري. فإلى أي مكانٍ آخر يمكنني أن أذهب؟". وأضاف بعد فترة توقف: "لربما أصبح شيعياً"، بحسب الصحيفة الأمريكية.

مقاومة التشيع

لاقت حملة إيران للحصول على موالين ومعتنقين جدد للمذهب الشيعي بعض المقاومة من السكان الذين رفضوا تحويل مساجدهم من المذهب السُنّي إلى الشيعي. وعاد الأذان إلى النمط السُنّي في بعض الحالات. وتختلف بعض المعتقدات بين أتباع المذهبين، وتوجد إضافة إلى اختلاف بعض الصلوات والشعائر بعض الشيء، بحسب الصحيفة الأمريكية.

وتتجاوز حملة النفوذ الإيراني مجرد خطة تقديم الأموال مقابل اعتناق المذهب الشيعي.

ففي ظل معاناة النظام لتوفير الخدمات الأساسية بالمناطق التي استعاد السيطرة عليها، ملأ  الإيرانيون والميليشيات والجمعيات الخيرية التابعة لهم هذا الفراغ. فقال محللٌ أمني يُجري مشاورات مع الحكومة الأمريكية بخصوص شرق سوريا، إنَّ جمعية الحسين، وهي جمعية خيرية إيرانية، تجلب مولدات كهرباء ومضخات مياه، وتوزِّع الطعام والأدوات المدرسية في مدن وقرى دير الزور.

من إيران إلى لبنان

وقالت حنين غدار، زميلة معهد واشنطن، وهو مؤسسة بحثية بالعاصمة الأمريكية واشنطن، إنَّ الحملة الإيرانية استهدفت في الغالب المناطق الواقعة على طول المناطق السورية التي تسعى طهران إلى إقامة خطوط إمدادها العسكرية فيها، أي "الممر الأرضي" بين إيران ولبنان، بحسب الصحيفة الأمريكية.

وأضافت غدار: "هذه هي طريقتهم الوحيدة للحفاظ على نفوذهم في حال اضطروا إلى الانسحاب (عسكرياً)".

وبحسب السكان والمسؤول الأمريكي والشخص المُطَّلِع على العمليات الاستخباراتية الأمريكية في المنطقة، شجَّعت إيران كذلك المقاتلين الأجانب الموالين لها على إعادة التوطين بالمناطق التي هجرها السكان السُنّة في أثناء الصراع.

ويقول السكان إنَّ هذه ليست المرة الأولى التي تسعى فيها إيران لتغيير التركيبة الطائفية السورية. فقال أحمد الخابور، مالك أقدم متاجر الكتب في مدينة الرقة، إنَّ مسجداً شيعياً تُموِّله إيران بالمدينة طرح من قبلُ دروساً دينية، ووفَّر متجراً للكتب عمِل على توزيع كتب دينية بالمجان. فجَّر مسلحو داعش المسجد فيما بعد، لكنَّ أجزاء من هيكله –والبلاط الأزرق والفيروزي ذا الطابع المميز- لا تزال قائمة جزئية.

ويقول بعض السكان إنَّ جهود إيران الحالية للتشجيع على اعتناق المذهب الشيعي وزرع الولاء لها قد تحقق مزيداً من النجاح الآن أكثر مما حقَّقت بالعقود السابقة، وذلك في ظل توق السوريين الذين يواجهون حالة الفوضى التي أعقبت الصراع إلى التحالف مع طرفٍ قوي يرعاهم.

فقال حمود: "في السابق كانوا يستخدمون المال، وهم الآن يستخدمون القوة والخوف. والخوف دافعٌ أقوى".

علامات:
تحميل المزيد