تلتئم القمة العربية العادية الثلاثون بتونس، الأحد المقبل، وسط 5 ملفات عاجلة على طاولة مناقشاتها، بينها تداعيات الإعلان الأمريكي بشأن الجولان السوري، والأزمة المالية الفلسطينية، وسط تمسك بشعار يتيم وهو "ضرورة إيجاد حل سياسي" لأزمات المنطقة، طالب مراقبون بأن يضاف له حلول أكثر واقعية بـ "تحديد مستقبل المسار العربي".
وفي ظل غياب الأفق، يحثّ محللون على طرح مسارات بديلة وجديدة لمواجهة الأزمات والتحديات بالمنطقة، خصوصاً تلك المتعلقة بالقضية الفلسطينية والعلاقات العربية مع إسرائيل، ومؤخراً الاعتراف الأمريكي بأحقية إسرائيل في ضم هضبة الجولان المحتلة لإسرائيل. فهل تتم إعادة تدوير طرح ما يعرف بالمبادرة العربية للسلام (2002)، أم يتم التهديد بسحبها أو تجميدها؟
هل ستقدم قمة تونس أي جديد؟
عام 2002، تبنت قمة عربية، في بيروت مبادرة سعودية للسلام مع إسرائيل، تنص على إقامة علاقات عربية طبيعية معها، مقابل انسحابها من الأراضي العربية المحتلة، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية، وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين؛ لكن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة رفضت المبادرة.
في المقابل، يرى كثيرون أن القمة المقبلة لن تقدم جديداً، وستكون كما هي في مواقفها وبياناتها الدورية، لكن الفارق هذه المرة أن الارتباك العربي سيزداد في عدم القدرة على التعامل مع الأزمات المتفاقمة.
وعادة ما تحال ملفات سوريا، واليمن، وليبيا، وفلسطين كملفات عاجلة تتكرر سنوياً، وسط طرح سنوي حول أهمية الحل السياسي في تلك الأزمات الأربع وهو يراوح مكانه رغم تكرار المطالبات والمناشدات.
وأعلن المتحدث باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية، محمود عفيفي، في مؤتمر صحفي، أن جدول أعمال القمة يتضمن نحو 20 مشروعاً وملفاً، على رأسها القضية الفلسطينية وأزمتها المالية، وأزمة سوريا، والوضع في ليبيا، واليمن، والتدخلات الإيرانية في شؤون الدول العربية.
عودة سوريا غير مدرج.. وقد يصدر قرار حول الجولان
وأشار إلى أن قمة تونس قد تصدر قراراً حول الجولان السورية في ضوء التطورات الأخيرة، مؤكداً أن عودة سوريا لمقعدها المجمد منذ 2011 غير مدرجة بجدول أعمال قمة تونس.
وأكد عفيفي أن القضية الفلسطينية ستكون في مقدمة الاهتمامات للتعامل مع الوضع الضاغط على السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني وبحث الموقف المالي الصعب وكيفية الخروج من هذا المأزق، وستكون في أولويات المناقشات.
وكانت آخر 5 قمم منذ قمة بغداد 2012 إلى الظهران بالسعودية في 2018 قد ركزت على "القضية الفلسطينية والقدس" و "تدخلات إيران" و "أزمات سوريا وليبيا واليمن"، و "الأمن القومي العربي"، و "مكافحة الإرهاب".
وأكدت جميعها أهمية "الحل السياسي للأزمات" التي ظهرت منذ ثورات 2011، ومواجهة التحركات الإيرانية بالمنطقة، وضرورة استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ودعم حل الدولتين، ومركزية القضية الفلسطينية.
وتوقفت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، في أبريل/نيسان 2014، بعد رفض إسرائيل وقف الاستيطان والقبول بحل الدولتين على أساس حدود 1967، والإفراج عن معتقلين من السجون الإسرائيلية.
ورغم إعلان ترامب في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2017، القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، وسط غضب عربي وانتقادات دولية، اكتفت القمة العربية في الظهران برفض القرار، دون تغيير في الواقع الجديد حتى اليوم.
"قمة تحديد المصير للنظام الإقليمي العربي"
الباحث وأستاذ العلاقات الدولية، طارق فهمي، قال للأناضول، إن القمة المقبلة "هامة جداً" لاعتبارات متعلقة بما يجري في الإقليم بأكمله.
وشدد فهمي على أن القمة العربية المقبلة، هي قمة تحديد المصير للنظام الإقليمي العربي، مضيفاً: "إما أن نتفاعل بصورة إيجابية أو لا نواجه شيئاً، ليس منتظراً أن نضع جدول أعمال تقليدياً؛ لا بد أن يكون هناك موقف عربي تجاه ما يجري، لابد من وقف التطبيع مع إسرائيل الذي تتم الهرولة نحوه مؤخراً".
وتابع: "لا بد أن تُنقل رسالة قوية للإدارة الأمريكية، وغير مجدٍ أن نضع جدول أعمال لا يختلف عن مشاريع القرارات الثابتة منذ قمم قديمة سابقة".
واعتبر الأكاديمي المصري أنه "إذا حضرت القيادات العربية للدول المؤثرة فهذه رسالة لأمريكا حتى ولو لم تخرج بقرارات قوية؛ لكن إذا كان التمثيل هشاً هنا سيكون الأمر مشكلة"، بحسب وصفه.
وأضاف: "نتوقع رد فعل عربياً على ما يجري في المنطقة، وبناء عليه إذا تعاملنا مع هذه القمة من منطلق أنها قمة عادية عبر إصدار بيان سيكون موقف العالم العربي في مأزق حقيقي الفترة المقبلة".
وأرجع ذلك إلى عدة أسباب؛ منها أن الأمة العربية قبل قمة تونس تواجه استحقاقات خطيرة منها قرب صدور مشروع السلام الأمريكي والتسوية المعروفة إعلامياً بـ "صفقة القرن". مضيفاً: "الأمر الثاني أن هناك توقعات بالأسوأ القادم في ملفي فلسطين وسوريا، وهو ما بدأ يوم الإثنين بالاعتراف الأمريكي بالجولان، وسابقاً في القدس".
ويرى فهمي أنه "من الواضح أن هناك مخاوف عربية من المشهد القادم، رغم ذلك التنسيق العربي قبل القمة غير واضح المعالم".
و "صفقة القرن" هو الاسم الشائع لمقترح وضعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يجبر الفلسطينيين على تقديم تنازلات مجحفة لصالح إسرائيل، ومنها توطينهم خارج بلادهم المحتلة، وإنهاء حق اللجوء.
واختتم فهمي بالقول إن الأمر في قمة تونس سيكون صعباً، فإما أن العالم العربي يعيد تدوير طرح ما يعرف بـ "المبادرة العربية للسلام" (2002)، أو يهدد بسحبها أو تجميدها وهذه أفكار مطروحة، فهل الدول العربية لديها إرادة لفعل ذلك أم لا؟
مسارات بديلة، أو الاتجاه نحو الارتباك
الباحث المصري في مركز "الأهرام الاستراتيجي"، كامل عبدالله، توقع أن القمة المقبلة لن تقدم جديداً، وستكون كما هي في مواقفها وبياناتها الدورية، ولكن الفارق أن الارتباك العربي سيزداد في عدم القدرة في التعامل مع الأزمات.
وأضاف أن أزمات سوريا وليبيا واليمن على جدول اللقاء، وسيكون هناك اجتماع للجنة الرباعية يوم السبت المقبل بشأن الأزمة الليبية على هامش القمة، مستدركاً: "لكن كالعادة ستعقد القمة وستكون هناك خلافات وتباين في الرؤى بلا تغيير على أرض الواقع".
ورجح ألا يكون هناك قرار قوي وملموس من هذه القمة في ظل هذه الرؤى المختلفة إزاء الأزمات الراهنة، وعزا "الارتباك" إلى محاولة إرضاء النظام الدولي لأولويات محلية على حساب قضايا الأمة؛ إذ تشهد دول عربية كالجزائر والسودان احتجاجات، بينما تعج ليبيا واليمن وسوريا بمواجهات مسلحة، فيما هناك تصعيد إسرائيلي تجاه فلسطين وقطاع غزة.