لماذا سيكون عام 2019 الأصعب على السعودية؟.. اقتصاد المملكة يدفع ثمن السياسة التوسعية لولي العهد

عربي بوست
تم النشر: 2019/03/07 الساعة 15:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/30 الساعة 17:06 بتوقيت غرينتش
Saudi Crown Prince Mohammad Bin Salman (R) speaks to Chinese President Xi Jinping (not pictured) during their meeting at the Great Hall of the People in Beijing, China February 22, 2019. How Hwee Young/Pool via REUTERS

تُخطِّط المملكة العربية السعودية لتخصيص حزمةٍ تحفيزٍ كبيرة للإنفاق على البنية التحتية من أجل دفع عجلة النمو المحلي عام 2019 ما يجعله عاماً مُكلِّفاً جداً، خاصة في ضوء التزامات تعهّد بها بعض الشركات الحكومية السعودية لتقديم دعمٍ مالي مباشر للبنوك المركزية في عدة دول إقليمية ومنحها مساعداتٍ وقيامها باستثماراتٍ أجنبية مباشرة فيها خلال العام الماضي 2018.

موقع Al Monitor أشار في تقرير له إلى أنه بالتزامن مع جولة الأمير محمد بن سلمان التي أجراها في آسيا الشهر الجاري مارس/آذار، أشرف على حزمة دعم بقيمة 6 مليارات دولار إلى باكستان (نصفها في شكل دعمٍ مباشر من البنك المركزي، والنصف الآخر في شكل قروض لشراء النفط السعودي)، إلى جانب ملياراتٍ في شكل وعودٍ بالاستثمار، لا سيما في المصافي النفطية.

تحفيز السعوديين للعمل في الوظائف الجديدة ليس بالأمر السهل

وذلك فضلاً عن تعهُّدٍ جديد بتقديم 500 مليون دولار لدعم اليمن و2.5 مليار دولار لدعم الأردن، من بين تعهُّداتٍ بدعم دولٍ أخرى. لكنَّ هذه السياسة المالية والخارجية التوسُّعية تؤثر سلباً في الاقتصاد السعودي.

يقول الموقع البريطاني لقد ثبت أنَّ توفير فرص عمل جديدة وتحفيز السعوديين للعمل فيها أمرٌ صعب، وذلك بعد ثلاث سنوات فقط من بدء جهود التحول الاقتصادي. وعلاوةً على ذلك، تتضاءل آمال تدفُّق الاستثمارات الأجنبية لتنمية قطاعاتٍ جديدة من الاقتصاد السعودي، سواءٌ في مجال الترفيه أو السياحة أو الصناعة العسكرية. إذ يشهد الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة العربية السعودية انخفاضاً منذ أكثر من 10 سنوات، ولكن منذ عام 2017 تحديداً، ينهار بمعدلاتٍ كبيرة.

ولا تقتصر الأزمة على خوف المستثمرين الأجانب من دخول السوق السعودية، بل إنَّ أصحاب رأس المال المحلي يخرجون منها أيضاً. إذ يتشابه حجم خروج رأس المال المحلي حالياً مع حجم خروجه بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2009 (ويبلغ نحو 95 مليار دولار، وفقاً لمؤسسة النقد العربي السعودي وبحث أجرته شركة جي بي مورغان)؛ وكانت معظم رؤوس الأموال الخارجة من السوق السعودية في عام 2018 تتكوَّن من استثماراتٍ أجنبية مباشرة، إلى جانب محافظ استثمارية أجنبية، وودائع أجنبية أخرى.

المال الساخن ليس مصدراً استثمارياً موثوقاً

وتستند التدفقات الأخيرة داخل سوق الأسهم السعودية إلى توقُّعات إدراج السوق السعودية ضمن مؤشر الأسواق الناشئة، لكنَّ هذه التدفُّقات تعد "مالاً ساخناً" وليست مصدراً استثمارياً موثوقاً لتوفير فرص عمل. وعلاوةً على ذلك، فالعدد المحدود للشركات المدرجة في السوق المالية السعودية يعني أنَّ الشركات الأكثر تداولاً هي في الغالب تلك الشركات المملوكة جزئياً للدولة.

ولعل أبرز مثالٍ على ذلك هو الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) الرائدة في صناعة المواد الكيميائية؛ فبعد البيع المُقرَّر إجراؤه لحصة صندوق الاستثمارات العامة في شركة سابك لشركة أرامكو الحكومية للنفط، سيتضح بدرجةٍ أكبر أنَّ التدفقات السلبية (المُقدَّرة بنحو 20 مليار دولار في العام الجاري) لن تنجح في تحفيز نمو القطاع الخاص وستُقدِّم مزيداً من الدعم لتمويل القطاع العام. وعلى الرغم من بعض الجهود المبذولة لتطوير سهولة إدراج الشركات الصغيرة في السوق المالية، لا توجد فرصةٌ كبيرة للشركات الجديدة كي تشق طريقها من القاع إلى القمة. فتلك الشركات التي تنجح غالباً ما تجد نفسها أهدافاً للاستحواذ من جانب صندوق الاستثمارات العامة. أي أنَّ ذراع الاستثمار الحكومي تسلب الاستثمار الخاص فرصته. ومن الأمثلة على ذلك شركة أكوا باور.

من الصعب تصور كيف يمكن الحفاظ على معدل الإنفاق الحالي

صحيحٌ أنه من غير الواقعي توقُّع حدوث تحوُّلٍ هائل في اقتصادٍ يعتمد على الإيرادات النفطية في غضون بضع سنوات فقط، لكن من الصعب كذلك تصوُّر كيف يمكن الحفاظ على معدل الإنفاق الحالي المدفوع بالديون واستنزاف الاحتياطي النقدي.

 فالعقد السحري بين عام 2003 وأواخر عام 2014 كان مذهلاً في تراكم الثروة النفطية التي سمحت بإنفاق أموالٍ طائلة في الخدمات الاجتماعية، والإنفاق على البنية التحتية، وتوظيف السكان في القطاع العام، وفي الوقت نفسه خلق مخزونٍ غير مسبوق من الاحتياطيات الأجنبية.

إذ ارتفعت الأصول الاحتياطية السعودية من أقل من 30 مليار دولار في عام 2003 إلى أكثر من 750 مليار دولار بحلول أوائل عام 2015، وفقاً لبحثٍ أجرته مجموعة إتش إس بي سي المصرفية.

لكنَّ مثل هذه القفزة لن تحدث مرةً أخرى على الأرجح. إذ انخفضت أصول الاحتياطي الأجنبي في المملكة العربية السعودية للشهر الخامس على التوالي في يناير/كانون الثاني الماضي بمقدار 6.6 مليار دولار لتصل إلى 490 مليار دولار، وهو أدنى مستوى لها في 11 شهراً. فالاحتياطيات السعودية تعتمد على عائدات النفط، وصحيحٌ أنَّ أسعار النفط تعافت من أدنى مستوياتها التي وصلت إلى أقل من 30 دولاراً للبرميل في عام 2016، لكنَّ ثورة الزيت الصخري، والمركبات التي تسير بالكهرباء، وكفاءة الطاقة، وانخفاض منحنى الطلب على المدى الطويل يشير إلى أنَّ انخفاض أسعار النفط سيستمر فترةً طويلة. لكنَّ الأهم من ذلك هو أنَّ السعودية لديها القليل من الموارد الأخرى لتمويل النمو.

البلاستيك.. مستقبل المملكة

يُفهَم الآن تنويع الموارد التي يعتمد عليها الاقتصاد بعيداً عن مصادر الطاقة على أنَّه تحوُّلٌ إلى إنتاج البتروكيماويات على نطاقٍ واسع.

وبالنسبة للمملكة العربية السعودية، فالمستقبل هو البلاستيك، الذي يُمكن بيعه شرقاً في أسواق آسيا.

وبينما يوجد سبب وجيه لرؤية أن مستقبل النمو العالمي يتمثَّل في الأسواق الناشئة التي تعتمد على مستهلكين من الطبقة الوسطى في آسيا، ينبغي ألَّا نعتبر النفط مصدراً مستداماً للإيرادات، حتى عندما يخضع لعمليات مُعالجة ويتحوَّل إلى مواد كيميائية ومنتجات جديدة؛ لأنَّه قد يُستغنى عنه في نهاية المطاف مع التقدم التكنولوجي وظهور طرق جديدة لاستهلاك وإنتاج جميع أنواع المنتجات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد ومواد أشد متانة. فعلى سبيل المثال، تُستخدم الآن ماصَّاتٌ جديدة مصنوعة من الخيزران أو الورق بدلاً من الماصَّات البلاستيكية.

وكذلك فأذواق المستهلكين واللوائح ستؤثِّر في الطلب على المنتجات القائمة على البترول في المستقبل، لا سيما في الاقتصادات المتقدمة وكذلك الأسواق الناشئة.

ويبدو أنَّ شركات النفط الدولية الكبرى تتقبُّل هذا الواقع. إذ يشير أحدث تقرير تنبؤي أصدرته شركة بريتيش بتروليم إلى أنَّ النمو الإجمالي في الطلب على الطاقة من الأسواق الناشئة يقابله انخفاضٌ في كثافة استخدام الطاقة. وصحيحٌ أنَّ الكفاءة والتكنولوجيا ستسمحان للناتج المحلي الإجمالي العالمي بأن يزداد بمقدار الضعف بحلول عام 2040، لكنَّ استهلاك الطاقة لن يزيد إلَّا بمقدار الثلث. وهذا هو الواقع الجديد لانخفاض العائدات النفطية الذي يجب أن تتقبله الدول المُصدرة للطاقة.  

الاقتصاد السعودي يواجه التزامات مالية ضخمة بالداخل والخارج

ومن ثَمَّ، فالاقتصاد السعودي، إلى جانب جميع الاقتصادات التصديرية المعتمدة على الطاقة، لديه مشكلة. إذ يواجه التزامات مالية ضخمة داخلياً وخارجياً في حين أنَّ لديه مصدر إيرادات متناقصاً ومجموعة متضاءلة من الثروة التي يمكنه الاستفادة منها في أصول الاحتياطي الأجنبي لديه.

صحيحٌ أنَّ صندوق الاستثمارات العامة السعودي هو المسؤول عن توليد عائداتٍ على الاستثمار، لكنَّه يُموَّل بالديون والاستحواذ على مزيدٍ من الأصول الخطرة، وهذا انحرافٌ عن إستراتيجيات التمويل الحكومي التقليدية التي تهدف إلى الحفاظ على الثروة العامة المشتركة.

إذ حصل الصندوق على قرضٍ بنكي قيمته 11 مليار دولار في أواخر عام 2018، ويحاول إقناع شركة أرامكو بإصدار سندات لشراء أسهمه في شركة سابك.

وقد تضاعفت قيمة أصول الصندوق منذ عام 2016، في ظل نمو الإفراط في الاستحواذ بوتيرةٍ أسرع من الأرباح.

ووفقاً لأبحاثٍ أجراها موقع Bloomberg وشركة جي بي مورغان والسلطات السعودية الوطنية، فإن تركيبة أصول صندوق الاستثمارات العامة تشهد تغيُّراً كبيراً كذلك

 ففي عام 2016، كان لدى الصندوق نحو 150 مليار دولار من الأصول، تتألف من حصص في شركاتٍ رئيسية مرتبطة بالدولة مثل شركات سابك، ومعادن، والمراعي وشركة الاتصالات السعودية، ومصرف الإنماء، وأصولٍ أجنبية قليلة.

المملكة لن تدخل قريباً عصر ما بعد النفط  

ولكن بحلول عام 2018، صار لدى الصندوق حوالي 300 مليار دولار من الأصول، وقد بلغت نسبة الأصول الأجنبية من المحفظة الإجمالية نحو 10% (أو 30 مليار دولار)، لترتفع بذلك من حوالي 11 مليار دولار في عام 2017، وذلك بفضل استثمارٍ مالي من مؤسسة النقد العربي السعودي ووزارة المالية.

في أواخر عام 2016. وهذا الاستثمار قد يكون السبب كذلك في زيادة حجم رأس المال الخارج من البلاد، إذ يضع الصندوق هذه الاستثمارات في أصولٍ في شركات في الخارج، إما في شكل أسهم أو استثمارات مباشرة. ويشير التفضيل القوي للاستثمارات التكنولوجية، مثل الاستثمار في شركتي أوبر وماجيك ليب، إلى أنَّ بعض الميول نحو قطاعاتٍ معينة ربما تكون مدفوعة من جانب صُناع القرار البارزين وليس المديرين الماليين.

لم ندخل عصر ما بعد النفط حتى الآن، والسياسة السعودية المالية والخارجية التوسعية تعتمد على عدم قدوم هذا العصر قريباً. وحتى حدوث ذلك، تراهن السعودية على تحويل المجتمع إلى العمل والاستهلاك بطريقة مختلفة، وسياسة خارجية تهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة عبر شبكات المحسوبية والعلاقات الاقتصادية من خلال إنتاج البتروكيماويات والطاقة.

 

 

 

 

تحميل المزيد