هل تمنع تركيا بناء أنابيب لتصدير غاز شرق المتوسط، ولماذا تبدو مصر مستفيدة من ذلك؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/12/10 الساعة 17:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/12/22 الساعة 21:17 بتوقيت غرينتش
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع رئيس المجلس الرئاسي اللينبن فايز السراج/رويترز

طمرت الخلافات السياسية والمطامع الاقتصادية حقائق الجغرافيا والتاريخ في الصراعات بشرق البحر المتوسط والتي يزيدها الغاز المدفون في قيعانه اشتعالاً، فهل هناك تعارض مصالح حقيقي بين مصر وتركيا أم أن الأمر مجرد مناكفة سياسية بسبب مواقف أنقرة من عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي.

وما تأثير الاتفاقية البحرية بين تركيا وليبيا على خطوط أنابيب الغاز المقترح إنشاؤها بالمتوسط؟، وهل هذه الخطوط مجدية اقتصادياً لتستحق كل هذا الجدل.

الواقع أن الصراعات على الحدود والغاز في شرق المتوسط أكثر عمقاً وتعقيداً من كونه صراعاً تركيا ليبيا في مواجهة اليونان وقبرص ومصر ومن ورائهم إسرائيل بل الأمر أكبر من ذلك بكثير.

إذ هناك صراعات وخلافات أكثر جذرية بين الدول الأربع التي يبدو أنها متحالفة مصر وإسرائيل واليونان وقبرص، من التنافس المصري التركي الذي يبدو في الأفضل اشتباكاً سياسياً غطى حقائق الجغرافيا والتاريخ التي تجمع البلدين.

كما أن الصراع له علاقة كبيرة بين الصراع الأمريكي الروسي والتنافس بين القوتين العظميين في أوروبا وتحديداً الشطر الشرقي منها.

واللافت أن هناك نزاعاً لا يتلفت إليه كثيرون في البحر المتوسط وهو الخلاف الليبي اليوناني بشأن تراخيص الاستكشاف البحرية الصادرة عن أثينا للمياه جنوب جزيرة كريت ، الواقعة بين تركيا وليبيا.

خلافات مصر الأساسية مع جيرانها تتوارى

بينما يصور الإعلام المصري الخلاف على أنه بالأساس  تركي مصري، فاللافت أنه لم يجر الحديث عن أي خلاف مباشرة بين البلدين على الإطلاق بشأن ترسيم الحدود البحرية الثنائية.

لم يقل الإعلام أو المسؤولون السياسيون المصريون أن خطوات أنقرة انتهكت السيادة المصرية مثلاً أو استولت على مياه إقليمية مصرية.

ولكن هناك اعتراضاً مصرياً دوماً بشأن مواقف تركيا تجاه ترسيم حدودها البحرية مع دولة ثالثة مصر أو اليونان أو ليبيا.

ولم تعلن المواقف المصرية السياسية عند اعتراضها على الاتفاق التركي الليبي هل الاتفاق قد أدى إلى استقطاع أي مياه مصرية أو أخذ الجرف القاري المصري لصالح تركيا أو ليبيا.

ويبدو أن القاهرة التي تنازلت عن سيادتها عن جزيرتي تيران وصنافير تعتبر تحديد حدود الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية لجزيرة كريت اليونانية مسألة تمس الأمن القومي العربي والمصري أكثر من تيران وصنافير التي أدى نقلهما للسعودية لتحويل مضيق تيران إلى ممر مياه ملاحة دولية تستطيع إسرائيل أن تمرر عبره سفنها كما تشاء.

تركيا تقول إنها لن تفرط في حقوق قبرص التركية/رويترز

وتتجاهل هذه المواقف أن مشكلة تركيا الأساسية هي في رغبة نيقوسيا في الاستفادة من ثروات قبرص التركية.

وبالرغم من سهولة الرد بأن قبرص التركية وفقا لموقف العديد من الدول هي جزء من قبرص اليونانية، إلا أن هذا يتجاهل حقيقة أن تركيا وقبرص التركية سبقت أن وافقتا على تسوية طرحتها الأمم المتحدة لتوحيد الجزيرة المنقسمة، ولكن القبارصة اليونانيين قد رفضوا هذه التسوية وبالتالي هم يتحملون مسؤولية استمرار أزمة الجزيرة القبرصية.

 مشروع غاز شرق المتوسط.. طموح سياسي وجدوى اقتصادية غامضة

 إحدى القضايا المرتبطة بالصراع في شرق المتوسط هو ما يعرف بمشروع غازشرق المتوسط.

وهو مشروع إسرائيلي قبرصي يوناني، ولم يطرح اسم مصر بشكل أساسي فيه.

 بل على العكس فإن مصر تطرح مشروعاً منافساً يقوم بالأساس على تصدير الغاز المسال عن طريق المنشآت المصرية لتصبح مصر مركزاً لتصدير وتسويق الغاز بالمنطقة مع التركيز على الغاز المسال.

ويكتسب مشروع غاز شرق المتوسط أهمية خاصة لأسباب سياسية أكبر منها اقتصادية.

فالمشروع تتحمس له الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لأنه قد يكون بديلاً للغاز الروسي الذي يمثل أداة ضغط في يد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على القارة الأوروبية.

أما من الناحية الاقتصادية فتبدو جدواه غير محسومة حتى الآن، خاصة في ضوء تذبذب وتراجع الطلب في دول جنوب أوروبا والبلقان على الغاز وغياب رؤية حول جهة إدارته، حسبما قال الباحث نيكولاس تسافوس في مقال نشرته مجموعة الأزمات الدولية.

 إسرائيل الأكثر تحمساً للفكرة لخوفها من مصر

إسرائيل هي الدولة الأكثر حماساً لمشروع غاز شرق المتوسط، والمفارقة أنه بسبب عدم ثقتها في دوام العلاقة القوية الحالية بمصر.

إذ يقول تسافوس: يمكن للمرء أن يتخيل سيناريو حيث تتعثر القدرة على بيع الغاز الإسرائيلي إلى الأردن أو مصر في معارك سياسية تؤدي إلى الانقطاع.

 وفي هذا الصدد تظهر منافسة مصرية لإسرائيل على تسويق الغاز القبرصي.

مصر تطرح بديلاً للخيار الإسرائيلي

وعلى الأرجح سيتحقَّق أحد خيارين متنافسين؛ وهما خط أنابيب شرق المتوسط الذي يواجه صعوبات تكنولوجية، وباهظ التكلفة نسبياً، أو منشآت الغاز الطبيعي المسال في مصر، بالإضافة إلى إقامة خط أنابيب تحت البحر.

وتضغط إسرائيل باتجاه خيار خط أنابيب شرق المتوسط، لحصد أكبر قدر من المكاسب السياسية والاقتصادية من خلال الحصول على اتصال مادي فعلي مع أوروبا القارية.

ولتحقيق هذا، اتفقت إسرائيل وقبرص واليونان، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، على إجراء دراسة جدوى تبلغ كلفتها عدة ملايين من الدولارات لإنشاء خط أنابيب تحت البحر، بدعم مالي من الاتحاد الأوروبي. وسيتطلَّب هذا المشروع أكثر من 7 مليارات دولار لإنجازه، ويطرح تحدياتٍ فنية بسبب عمق المياه.

القاهرة تقول إن خيارها هو الأجدى 

جاء ردّ وزير البترول والثروة المعدنية المصري طارق الملا سريعاً، وروَّج لخطة بديلة، محورها صناعة الغاز الطبيعي المسال في مصر. فقال الوزير إنَّ دراسة جدوى المشروع الأول ستستغرق ما يصل إلى عامين "وهذه بحد ذاته رفاهية لم تعد المنطقة تتحمَّلها". وعقدت شركاتٌ مصرية بالفعل اتفاقاً بقيمة 15 مليار دولار لاستيراد الغاز الطبيعي الإسرائيلي. وتهدف القاهرة لجذب موارد إضافية، مثل الغاز القبرصي، لتصبح مركز الطاقة والغاز الطبيعي المسال في المنطقة.

 ويوفر موقع قبرص الجغرافي مرونة فيما يتعلَّق بمشاركة الجزيرة في أي من المبادرتين، الإسرائيلية أو المصرية، اللتين تُوفِّران ميزة وتُوجِدان مخاطر. وفي هذا السياق، تتودد كلٌّ من القاهرة وتل أبيب إلى نيقوسيا، للمشاركة في مشروع خط أنابيب شرق المتوسط، أو إنشاء خط أنابيب تحت البحر لمحطات إسالة الغاز على الساحل المصري.

هل تتلاعب قبرص بمصر وإسرائيل؟

وقالت صحيفة Haaretz الإسرائيلية إن مصر وقبرص تعملان من خلف ظهر إسرائيل لإحراز تقدم بشأن الخطط المتعلقة بغاز يمر تحت البحر، وذلك في الوقت الذي حوَّل فيه القادة الإسرائيليون تركيزهم إلى تنظيم الحملات الانتخابية من أجل الانتخابات التي تجري في 9 أبريل/نيسان المقبل.

وتشير الصحيفة الإسرائيلية إلى أن قبرص ومصر وقعتا في سبتمبر/أيلول الماضي اتفاقاً لإنشاء خط غاز تحت البحر لنقل الغاز الطبيعي من حقل أفروديت القبرصي إلى مصر.

وتجاهلت قبرص ادعاءات إسرائيل بتبعية جزء من حقل أفروديت، يقع ضمن المياه الاقتصادية الإسرائيلية، لها.

ويُضعِف خط الأنابيب القبرصي-المصري كذلك الجدوى الاقتصادية لمشروع خط أنابيب شرق المتوسط المتوقع، وهو مشروع يتكلَّف 7 مليارات دولار من شأنه نقل الغاز الطبيعي الإسرائيلي والقبرصي مباشرةً إلى أوروبا عبر اليونان.

وتقول الصحيفة الإسرائيلية إن مصر لم تقم بجهدٍ يُذكَر لإخفاء طموحاتها في البدء بخط الأنابيب القبرصي قبل بناء خط أنابيب شرق المتوسط، وهو ما سيُحوِّل مصر إلى مركز للطاقة من شأنه توزيع الغاز الطبيعي للمنطقة، بما في ذلك الغاز الإسرائيلي، على العملاء في أوروبا والشرق الأوسط.

وعلى الرغم من المفاوضات الجارية مع القاهرة، تواصل نيقوسيا كذلك تعاونها مع تل أبيب وأثينا، فيما قد يصبح خطَّ أنابيب شرق المتوسط. وربما تحاول قبرص توزيع رهاناتها فيما يتعلَّق باختيار البديل الأفضل لنقل غازها إلى الزبائن. والتفسير الآخر قد يتمثَّل في الدعم الأمريكي، الذي يُعزِّز موقف نيقوسيا فيما يتعلَّق بالتعامل مع الجار التركي.

واللافت أن قبرص مثلما تحاول التلاعب بمصر وإسرائيل وإبقاء خيارتها مفتوحة مع البلدين، فإنها تحاول توريط مصر في مواجهة مع تركيا.

هل تخلت القاهرة عن حقول الغاز لصالح إسرائيل وقبرص؟

والمفارقة أن هناك انتقادات من قبل خبراء وشخصيات عامة مصرية للاتفاقات بين مصر من ناحية وإسرائيل قبرص من ناحية أخرى.

إذ يقولون إن هذه الاتفاقيات التي وقعت قبل ثورة يناير/كانون الثاني 2011 أدت إلى تخلي مصر عن حقول غاز لصالح إسرائيل وقبرص.

ففي ديسمبر/كانون الأول 2001 أعلنت شركة شل حفرها بئرين عميقين في الشمال الشرقي من امتياز نيميد المصري. وفي يناير 2002 أعلنت شركة شل أن البئرين جافان.

وفي فبراير/شباط 2003، وقعت مصر مع قبرص على معاهدة ترسيم حدود "مفاجئة"، بمقتضاها اكتشفت شل أن 17% من امتياز نيميد لم يعد مياهاً مصرية، حسبما يقول الباحث المصري نايل الشافعي مؤسس موسوعة المعرفة.

ويضيف قائلاً "في 2010 أعلنت إسرائيل ثم قبرص اكتشاف حقلي غاز هائلين على بعد أقل من 2 كيلومتر من الحدود المصرية الجديدة، هما ليفياثان وأفروديت. ثم قامت الثورة في 2011. ثم جفت فجأة حقول الغاز المصرية التي كان يفترض أن تكفينا (استهلاك وتصدير) لمدة 28 سنة".

وتدور المفاوضات حالياً على أن تستورد مصر الغاز من حقلي ليفياثان وأفروديت لمدة عشرين سنة.

وأردف نايل قائلاً "لكي تكون دقيقاً، قل: موقعا الحقلين يقعان في ما كان مياهاً مصرية حتى فبراير 2003".

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=123179278092906&set=a.123179601426207&type=3&theater

هل تستطيع تركيا وقف شبكة غاز شرق المتوسط؟

تمر بتركيا عدد من شبكات الغاز الأكثر الاقتصادية أبرزها شبكة غاز مشروع شاه دنيز 2، الذي ينقل الغاز الأذربيجاني إلى أوروبا، وهي أكثر اقتصادية من خط أنابيب شرق المتوسط لأنه بالسوائل أيضاً.

كما يمر عبر الأراضي التركية خط أنابيب TurkStream الذي يأتي بالغاز من روسيا إلى تركيا ومنها إلى أوروبا.

وفي الوقت ذاته فإن تركيا تحاول تعزيز موقفها القانوني بعد الاتفاق مع طرابلس.

إذ قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه بعد توقيع الاتفاق مع طرابلس: ليس بإمكان أي دولة التنقيب في تلك المناطق التي رسمتها تركيا بموجب هذا الاتفاق بدون إذن.

وأضاف "قبرص اليونانية ومصر واليونان وإسرائيل لا يمكنها إقامة خط لنقل الغاز بدون الحصول على إذن من تركيا أولاً.

وقال أردوغان أيضاً إن بعض الدول كانت منزعجة من الصفقة، بينما وقعت اتفاقات مماثلة من جانب الإدارة القبرصية اليونانية ومصر ولبنان وإسرائيل في السنوات العشرين الماضية، متجاهلة حقوق تركيا والقانون الدولي في شرق البحر المتوسط.

وصرح كاجاتي إرجييس، مسؤول كبير بوزارة الخارجية المكلف بشؤون الحدود البحرية والطيران، بإن الجزر اليونانية "ترقد على الجانب الخطأ من الخط الوسط بين البر الرئيسي"، بحجة أن الأطوال الساحلية الدنيا للجزر مقارنة بالبر الرئيسي لتركيا يجب ألا تولد الجرف القاري أو المنطقة الاقتصادية الخالصة (أي أن الجرف القاري للبر التركي يمنع وجود جرف مماثل لجزيرة كريت).

 وشارك المسؤول التركي على حسابه خريطة المنطقة الاقتصادية الخالصة التي أعلنت عنها تركيا، بما في ذلك النقاط المرجعية إلى الاتفاقية الأخيرة مع ليبيا والتي تحمل علامة "E" و"F."

وبالنظر للخريطة التي نشرها المسؤول التركي يمكن استنتاج أن أي خطة أنانيب يجب أن يمر بالمياه الإقليمة التركية أو الليبية للوصول من شرق المتوسط إلى أوروبا.

وأعلن أردوغان نية بلاده شراء مزيد من سفن التنقيب عن الغاز في المتوسط.

تحميل المزيد