الربيع العربي الجديد أسبابه «قديمة».. انفجار بسبب الفساد لكن «التدخلات الخارجية» تخلط الأوراق

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/11/17 الساعة 08:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/11/17 الساعة 11:05 بتوقيت غرينتش
احتجاجات العراق

يرى بعض المحللين أن الاحتجاجات التي يشهدها لبنان والعراق هي امتداد للموجة الجديدة من الربيع العربي، انطلقت لنفس الأسباب القديمة، لكن السلطات المحلية في تلك البلاد ومن ورائها القوى الدولية والإقليمية تبني تصوراتها على افتراضات خاطئة، وهو ما يؤدي لاستمرار حالة الثورة.

موقع لوب لوغ الأمريكي نشر تحليلاً حول الأسباب والتصورات حول تلك الموجة بعنوان: "الجذور القديمة للربيع العربي الجديد"، ألقى فيه الضوء على دور السلطة التي يثور ضدَّها المحتجون في تأجيج تلك الاحتجاجات، وكذلك القوى الإقليمية والدولية، بسبب التصورات الخاطئة عن الأسباب الكامنة وراء الاحتجاجات.

السياسات الغربية تجاه المنطقة

لم تصل الاضطرابات التي شهدتها مؤخراً بلدان عربية إلى درجة اتساع نظيرتها التي أعقبت احتجاج بائع الخضراوات التونسي محمد البوعزيزي، عن طريق إضرام النار في جسده قبل تسعة أعوام، لكن المراقبين يتحدثون بالفعل عن نسخة ثانية من الربيع العربي. تجسَّد هذا في اضطرابات موسعة شهدتها شوارع العراق ولبنان، جنباً إلى جنب مع احتجاجات أقل بروزاً في الجزائر والسودان وأماكن أخرى. ويبرز جانبان لافتان للانتباه في الاحتجاجات الحالية، وهما أيضاً ذوا صلة بالسياسات الغربية تجاه المنطقة.

يتعلق أحدهما بأن مصادر الاستياء في الأساس قديمة ومألوفة، وكانت أيضاً كامنة وراء الربيع العربي الأول. تنطوي هذه المصادر على الرغبة البشرية الأساسية في عيش أفضل. غير أن عجز الأنظمة السياسية الحالية عن تقديم الخدمات والفرص الاقتصادية بطريقة عادلة ونزيهة وناجعة هي بكل بساطة ما تستهدفها هذه الحالة من الاستياء.

الظروف المعيشية الصعبة وحَّدت المحتجين

يتشارك العديد من الأشخاص من مجتمعات مختلفة وانتماءات مختلفة في نكد العيش الذي يحيون فيه. إذ إن حالة الاضطراب لا تحددها في الأساس الأطر الأيديولوجية أو حتى الهويات الدينية والعرقية. وتذكر الصحفية البريطانية ذات الأصول العربية، مينا العريبي، أن بعضاً من الاضطرابات التي تحدث في العراق "تسلط الضوء على كيف أن المحافظات العراقية ذات الأغلبية الشيعية لم تستفد من الأحزاب السياسية التي تستخدم "الهوية الشيعية" لكسب السلطة والاحتفاظ بها".

احتجاجات لبنان /رويترز

لسنا في حاجة إلى النظر إلى بيانات الأحزاب لاستيعاب جذور الاضطرابات، بل يمكن استيعابها بدلاً من ذلك عبر النظر إلى أوجه القصور الاقتصادية والاجتماعية التي جرى تحليلها في سلسلة من الدراسات ذات الرعاية الأممية، التي نُشرت أولاها في عام 2002 بعنوان "تقرير التنمية الإنسانية العربية".

الغرب يعتقد أن الحرية أهم من الاستقلال

أما الجانب الرئيسي الآخر للنسخة الثانية من الربيع العربي، فيتعلق بأنها تختلف عن التصورات الشائعة للولايات المتحدة حول إشكاليات الشرق الأوسط. كان أحد الموضوعات المهيمنة على هذه التصورات -التي روج لها المحافظون الجدد الذين تُوجت سيطرتهم على السياسة في إدارة جورج دبليو بوش بالحرب على العراق- يدور حول الديمقراطية والمبدأ القائل بأن شعوب الشرق الأوسط يتوقون إلى التحرر من الحكام الاستبداديين الذين يحكمونهم. 

لا شك أن كثيراً من العراقيين سعدوا بنيل الحرية من مثل هذا الحكم، غير أن التعبير عن الفضل والعرفان للتخلص من مثل هذا الاستبعاد طغت عليه حالة الاستياء بين العراقيين رفضاً للاحتلال الأجنبي، وهو الشعور الذي أثر على السياسات العراقية منذ ذلك الحين. فالغزاة الأمريكيون لم يقابَلوا بالورود والحلوى بقدر ما قوبلوا بالمعارضة.

وعلى المدى الطويل، هيمن على الشعور العام عجزُ الحكومة العراقية، التي تشكلها الولايات المتحدة، عن تقديم خدمات وفرص بلا فساد، وهو أيضاً ما ترتكز عليه الاضطرابات الحالية. وثمة أوجه تشابه مع روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي، حيث صارت حالة السعادة الأولية من جراء التخلص من النظام السوفيتي يطغى عليها نكد العيش بسبب الفساد وعدم كفاية الخدمات العامة، مما أدى إلى رثاء ذلك النظام البائد.

المنطقة رقعة شطرنج بالنسبة للقوى الدولية

كانت النزعة الأحدث المسيطرة على الولايات المتحدة تنظر إلى بلاد الشرق الأوسط على أنها رقعة شطرنج تتنافس فوقها الولايات المتحدة على النفوذ مع قوى منافسة خارج المنطقة، ولاسيما روسيا، أو داخل المنطقة، وخاصة إيران. إذ إن الخصم الثاني منهما على وجه الخصوص -بجانب فكرة تتعلق بـ "هلال شيعي" في المنطقة تسيطر إيران على بلاده (وهو مصطلح استخدم في الإشارة إلى مخاوف تقارب الشيعة في العراق وسوريا ولبنان)- يكفل التفسير الحالي الذي تدفع به الإدارة الأمريكية لأي إشكالية تحدث في الشرق الأوسط، والذي يصلح لجميع الأغراض. لكن سكان الشرق الأوسط لا يعتقدون أنفسهم رقعاً على طاولة الشطرنج الخاصة بأي طرف، وتوضح الاضطرابات الحالية أنهم ليسوا كذلك.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب/ رويترز

تعد الاضطرابات الحالية في لبنان أبعد ما يكون عن وصفها بأنها مواجهة إحدى الطوائف الدينية ضد طائفة أخرى، أو جماعة طائفية ضد أخرى، بل إنها أقرب إلى رفض واسع  لنظام السياسة الطائفية بأكمله. استند ذلك النظام إلى المحسوبية الطائفية التي أنتجت نظاماً سياسياً جامداً غير مستجيب وغير ناجع في تلبية العديد من احتياجات لبنان واللبنانيين. 

الهتاف ضد إيران في العراق له مفهوم مختلف

يحدث شيء مشابه في العراق. فقد تضمنت هتافات المحتجين شعارات مناوئة لإيران، لكن ذلك لا يعكس أي رغبة في صراع عراقي إيراني جديد، بل يعكس بدلاً من ذلك كيف أن إيران هي الجهة الخارجية التي صارت مرتبطة ارتباطاً مرئياً بأي رفض داخلي في الوقت الراهن. إذ تصف الصحفية الأمريكية أليسا روبن الموقف في صحيفة The New York Times بهذه الكلمات: "إنه نضال فوق كل شيء، بين هؤلاء الذين حققوا استفادةً رائعةً منذ أن أطاح الغزو الأمريكي صدام حسين، وبين من يكافحون من أجل الكفاف ويرصدون بغضبٍ بينما توزع الأحزاب السياسية، التي يرتبط بعضها بإيران، الأرباح على من لديهم علاقات جيدة". لا تُقابَل إيران بمزيد من باقات الورود والحلوى هذه الأيام، بغض النظر عن امتنان العراق لما قدمته الجمهورية الإسلامية من مساعدة لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق.

يعقب هذا زوج من التضمينات السياسية من أجل الولايات المتحدة. يشير أحدهما إلى أنه إذا كان الهدف جعل بلاد الشرق الأوسط أكثر سلمية واستقراراً، يجب إيلاء مزيد من الاهتمام إلى احتياجات التنمية الإنسانية لسكانها، ولتنس الولايات المتحدة رقعة الشطرنج.

المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي – رويترز

فيما يتعلق الآخر بما إذا كانت لديها رغبة في أن يكون لها حضور في هذه البلاد أكثر من الخصوم الذين على شاكلة روسيا وإيران، فعليها أن تتعامل بحذر مع ما تطمح إليه. سوف تكون المشاعر المناهضة للاحتلال قوية، لدرجة أنها سوف تطغى على عدم الرضا من عجز السلطات المحلية عن تلبية الاحتياجات الإنسانية. وذلك هو سبب عدم وصول الربيع العربي، حسبما يفسر آرون ديفيد ميلر، إلى فلسطين، بالرغم من عدم فاعلية السلطة الوطنية الفلسطينية. يدرك الفلسطينيون أن الحقيقة الأكبر والأكثر قمعاً في حياتهم هي الاحتلال الإسرائيلي، ويوفر غالبية الفلسطينيين غضبهم من أجل ذلك الهدف.

الشعب يرفض الفساد والاحتلال كذلك

وفضلاً عن الغضب من أي احتلال أجنبي، فإن أي هيكل سلطة اقتصادي وسياسي محلي غير ناجع يزدريه الشعب سوف يسبب غضباً ضد أي قوى أجنبية ترتبط بذلك الهيكل لأي سبب من الأسباب. يفسر موقف إيران في العراق تلك النقطة بوضوح، فليست أسباب الاستياء من طهران مقصورةً على الأخطاء التي ارتكبتها طهران نفسها.  

بالرغم من جميع الإنذارات التي تظهر في الخطاب الأمريكي حول النفوذ الإيراني في مناطق مثل العراق، فإن ذلك النفوذ -بخلاف تأمين طهران الهدف الأمني الرئيسي بعدم السماح لديكتاتور آخر بشن غزو آخر ضد إيران مثلما فعل صدام في عام 1980- لم يمنح إيران أشياء كثيرة بخلاف مزيد من الشعارات المعادية التي يرددها العراقيون الغاضبون.

تحميل المزيد