هل السياسة الخارجية «الترامبية» مفيدة لأمن الولايات المتحدة والسلام حول العالم؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/11/12 الساعة 08:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/11/12 الساعة 08:42 بتوقيت غرينتش
الرئيس ترامب تراجع عن قراره بسحب القوات الأمريكية بالكامل من سوريا - رويترز

تعتمد السياسة الخارجية التي تتبعها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانعزالية والتركيز على الداخل وهو ما يعكس الرؤية الأممية التي ميزت تلك السياسة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فهل يمكن أن تصبح "الترامبية" سياسة مستدامة أم أنها ستنتهي بنهاية حكم ترامب؟

مجلة ذا ناشيونال إنتريست الأمريكية تناولت القصة في مقال تحليلي بعنوان: "هل يمكن الاستمرار في نهج السياسة الخارجية "الترامبية"؟، أعده نيكولاس غفوسديف: أستاذ دراسات الأمن القومي في كلية الحرب البحرية الأمريكية.

اعتبارات انتخابية جمهورية

لن تُشكّل المواقف السياسية المتخذة من جانب المشرعين الجمهوريين منذ إعلان الرئيس دونالد ترامب قرار الانسحاب الأمريكي من شمال سوريا مفاجأة كبيرة بالنسبة لأي شخص قرأ كتاب " Age of Iron: On Conservative Nationalism" لمؤلفه كولين دويك، إذ تمثَّلت الاستجابة الأولى في انتقاد القرار، وذلك تماشياً مع المبادئ العريضة للنهج القائم على مبدأ الأممية الذي يدعو إلى انخراط أمريكي نشط في مجال السياسة الخارجية. ثم، عندما تبيَّن من ردود فعل قاعدة ناخبي الحزب الجمهوري أنَّ اتجاه الحديث عن "خيانة الأكراد"، الذي اتّسمت به استجابات المشرعين الجمهوريين خلال الـ 24 ساعة الأولى التالية للقرار، لم يلق رواجاً على نطاق واسع، تحوَّلت المناقشات إلى تقييمات لتحديد مسار العمل الأكثر نفعاً للمصلحة الوطنية.

الرئيس التركي أردوغان والرئيس الأمريكي ترامب/رويترز

وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول 2019، صوَّت مجلس النواب لصالح قرار مدعوم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي يدين إجراء الانسحاب الأمريكي من شمال سوريا. ومع ذلك، اختار 60 عضواً من أعضاء مجلس النواب الجمهوريين التصويت ضد هذا القرار. وعلى الرغم من انتشار الرواية السائدة عن استسلام القيادة الأمريكية، فإنَّ الرواية المضادة، التي تحدث عنها الرئيس الأمريكي من خلال التساؤل "لماذا نحن هناك؟" أظهرت قدرتها على اكتساب شعبية. 

الصراع بين ما هو قومي وما هو أممي

حدث ذلك لأنَّ السؤال عن جدوى الوجود الأمريكي في سوريا أثار خطوط الصدع بين الجمهوريين الأمميين والجمهوريين القوميين. على مدار فترة ما بعد الحرب الباردة، كانت هذه الاختلافات تندرج إلى حد كبير تحت فرضية تربط الانخراط الأمريكي القوي في الخارج بالقوة الوطنية وتحقيق الرفاهية في الداخل. يشير كولين دويك إلى أنَّ "دونالد ترامب أعاد ترتيب هذه الفرضية المتوقعة وفكّكها من خلال تحديد رؤى جديدة مثيرة للانقسام داخل الحزب الجمهوري والتأكيد عليها". 

وتمثّلت إحدى هذه الرؤى في تحدي شعار أنَّ تحقيق السلام والأمن في أجزاء أخرى من العالم ضروريان للسلام والأمن في الولايات المتحدة -وأنَّ الولايات المتحدة يجب أن تكون مستعدة لحمل الأعباء الثقيلة لتحقيق تلك الغايات. قد يبدأ الجمهوريون الداعمون لمبدأ الأممية من فرضية أنَّ المضي قدماً في الانخراط خارجياً يعتبر نقطة الانطلاق لتحقيق السلام والأمن داخلياً في حين يُفضّل القوميون دراسة التهديدات والتحديات على أساس كل حالة على حدة.

ترتيبات لا تخدم المصالح الأمريكية؟

يستند جزء رئيسي من الرؤية الترامبية إلى الاعتقاد بأنَّ "الترتيبات العسكرية والتجارية الدولية القائمة حالياً كانت باهظة التكلفة بشكل غير متناسب بالنسبة للولايات المتحدة ويجب إعادة توجيهها نحو الاتجاه المعاكس أو إعادة التفاوض عليها". هذا الانفتاح على التغيير -الذي تميّز به أسلوب قيادة الإدارة الأمريكية تجاه الخطوات المفاجئة المتهورة المثيرة للقلاقل– لا ينبغي إبعاده عن حقيقة وجود مجموعة داخل الحزب الجمهوري مؤيدة لإعادة التفاوض أو حتى للتخلّي عن الترتيبات القائمة (فيما يتعلّق بالتجارة والتحالفات.. إلخ) في حال لم تثبت أنَّها تعزز مصالح الولايات المتحدة وتحميها، والتي عادة ما يجري تحديدها من الناحية المادية والاقتصادية (وليس الأيديولوجية أو الإنسانية).

بوتين وترامب

غالباً ما يكون هناك ميل، خاصةً في واشنطن، إلى النظر إلى إدارة ترامب -التي قد ترحل قريباً- باعتبارها مرحلة مؤسفة في تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية. وبرز الشيء المذهل في مشاهدة مراسلات الإدارة الأمريكية في التجمعات الدولية مثل مؤتمر ميونيخ للأمن، حيث تحوَّل اتجاه الحديث من "الرئيس سيكتسب خبرة العمل ويعيد تأكيد السياسات السابقة في عام 2017″، إلى "الرئيس محاط بالأشخاص المناسبين الذين سيبقون الأمور في مسارها الصحيح في عام 2018"  إلى "المساعدة في طريقها إليكم في عام 2019". وعلى الرغم من أنَّ السياسة الخارجية والدفاعية الأمريكية في مرحلةٍ ما ستعود إلى مسارها القديم المألوف، يحذر كولين دويك من هذه الحالة من الرضا بالوضع الراهن.

أنا أتفق مع تقييم دويك

خلص تقرير صدر مؤخراً عن مجلس كارنيغي لأخلاقيات الشؤون الدولية إلى أنَّ ثمة شعوراً لدى الأمريكيين بضرورة  تعديل نمط مشاركة الولايات المتحدة في النظام الدولي -مع التركيز مُجدّداً على كيفية جعل إجراءات السياسة الخارجية الأمريكية تخدم قضايا المواطنين الأمريكيين العاديين. ثمة شكوك متجدّدة أيضاً بشأن فقدان السيادة الأمريكية أو سلطة اتخاذ القرارات لدى هيئات بعيدة عن نفوذ الناخبين الأمريكيين. 

تُطرح مواضيع السياسة الخارجية "الترامبية" بشأن إعادة النظر في مزايا التجارة الحرة أو التزامات الولايات المتحدة في الخارج من جانب المرشحين، الذين يسعون للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لخوض سباق انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2020، وكذلك من جانب المرشحين الجمهوريين المحتملين لخوض الانتخابات. 

لن يتبنى الأمريكيون سياسة خارجية انعزالية أبداً لأنَّ الأمن والازدهار الأمريكي يعتمدان على تفاعل الولايات المتحدة مع بقية العالم. يتمثَّل السؤال في درجة وعمق هذا التفاعل. في ضوء الواقع الذي تمثّله إدارة ترامب، تجري حالياً إعادة التفاوض بشأن ذلك.

تحميل المزيد