الصمت على تويتر جريمة.. كيف أصبحت السعودية تراقب نوايا مواطنيها؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/11/12 الساعة 15:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/11/12 الساعة 15:03 بتوقيت غرينتش
الأمير محمد بن سلمان/رويترز

تويتر وسيلة للتجسس في السعودية، إذ أصبح الموقع الشهير ساحة مفضلة لجواسيس السعودية الإلكترونيين، هكذا تحول الحال في المملكة تحت حكم الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، حسبما تقول الباحثة السعودية مضاوي الرشيد في مقال لها بموقع Middle East Eye البريطاني.

وأشارت الرشيد إلى أن الحكومة الأمريكية اتهمت اثنين من موظفي تويتر السابقين بالتجسس لمصلحة المملكة العربية السعودية، بعدما زُعِم ​​أنهما تسللا إلى البيانات الشخصية لأكثر من 6000 حساب على تويتر، بما في ذلك حسابٌ خاص بمُعارضٍ بارز أصبح مُقرباً إلى الصحفي جمال خاشقجي.

جمال خاشقجي

تويتر وسيلة للتجسس في السعودية.. ماذا فعلوا مع المعارضين؟

وزُعِم أنَّ الموظفين جُنِّدا على يد عميل سعودي أعطاهما عشرات الآلاف من الدولارات وهدايا باهظة الثمن. وذُكِر أنَّ مهمتهما كانت نقل معلوماتٍ شخصية عن منتقدي النظام السعودي إلى بدر العساكر، الذي كان ينوب في هذه المهمة عن الأمير محمد بن سلمان.

وربما يكون عساكر جالساً الآن في مكتب محمد بن سلمان يُفكِّران في كيفية احتواء الفضيحة الأخيرة وإعادة تحسين صورة المملكة والترويج لها على أنَّها ملاذ آمن للسياحة والرحلات التراثية.

وبعد هذه الفضيحة الأخيرة، سقط الطاغية السعودي الذي يمارس استبداده ضد مستخدمي تويتر مرةً أخرى من برجه العاجي، في ظل استمرار فضح عملائه وجواسيسه في جميع أنحاء العالم، حسب تعبيرها.

تويتر وسيلة للتجسس في السعودية.. لماذا يركز عليه بن سلمان؟

اللافت أن النظام السعودي القمعي لم يحظر تويتر وغيره من شبكات التواصل الاجتماعي في المملكة لعدة أسباب:

إذ أراد ابن سلمان تدشين حقبة جديدة من التواصل عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ليسمح ذلك له بإطلاق حملاتٍ دعائية إلى جانب العديد من إصلاحاته المزعومة. 

إذ كان يعلم أنَّ الشباب السعودي منهمكٌ بالفعل في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في التعبير عن تطلعاته وانتقاداته للنظام.

إنه وسيلة الشباب السعودي المفضلة للتعبير عن آرائه

وبحلول الوقت الذي ارتقى فيه بن سلمان إلى منصب ولي العهد في عام 2017، كان الشباب السعودي بالفعل من بين أنشط شباب العالم استخداماً للهاشتاغات، إذ لجأوا إلى الإنترنت للتعبير عن معارضتهم والتعبير عن مظالمهم ودعوة النظام إلى الوفاء بتعهداته العديدة بتحسين أوضاعهم المعيشية.

وكشفت مطالب الشباب السعودي بالسكن ميسور التكلفة والحصول على الوظائف عن تشققاتٍ في الدعاية والتصريحات الرسمية للدولة.

وبعد ذلك، هاجموا شعار وهاشتاغ "المملكة العربية السعودية عظيمة" الذي يتبناه بن سلمان، مشيرين إلى أنَّه مجرد دعاية تفشل في التستر على تصدعات النظام، لا سيما الاعتقالات الظالمة وتعذيب سجناء الرأي.

حتى أنهم أسسوا برلماناً عليه

وأطلق الناشطون السعوديون المنفيون الذين يعيشون في الولايات المتحدة هاشتاغاً مضاداً للتصدي لهذه العظمة غير المحددة، التي لا يشعر بها ملايين السعوديين.

وكذلك أطلق الشباب السعودي العاطل عن العمل هاشتاغاً خاصاً به تحت عنوان "منتدى السعوديين العاطلين عن العمل" لتسليط الضوء على تطلعات جيلٍ متعلم لم يجد حتى الآن فرص عمل في إطار رؤية 2030، وهي الخطة التي يتبناها بن سلمان لتجديد البلاد. 

وفي السياق نفسه، أنشأ الشباب السعودي برلماناً خاصاً بهم على تويتر، حيث يمكنهم مناقشة اهتماماتهم والتحدث عنها. ولكن مع الأسف، استولى بن سلمان على هذا البرلمان الافتراضي، وحوَّله إلى آلة دعائية لأكاذيبه وأوهامه الخادعة.

والآن المعارضون المنفيون هم فقط من يتكلمون

ويسعى العديد من عملاء بن سلمان سعياً حثيثاً لمواجهة معارضة الشباب السعودي على الإنترنت، التي انتقلت كذلك إلى السعوديين المقيمين بالخارج.

فبينما شدد بن سلمان قبضته على شبكات التواصل الاجتماعي ووظَّف جيشاً إلكترونياً لنشر الأكاذيب ومراقبة الأصوات المعارضة -مما أدى إلى فرض عقوباتٍ قاسية على المعارضين- تولَّى السعوديون المقيمون في الخارج زمام المبادرة، وواصلوا نضال نظرائهم داخل البلاد.

سعود القحطاني المتهم بأنه وراء اغتيال خاشقجي كان يمثل رأس حربة في التجسس الإلكتروني

ويستخدم بن سلمان تويتر لمراقبة المعارضة والقبض على المعارضين، بما في ذلك نشاط السعوديين في الخارج. إذ يتابع عملاؤه أنشطة الطلاب الأكاديمية وأنشطتهم على شبكات التواصل الاجتماعي عن كثب، فيما تُرسل قنصليات المملكة في البلاد المختلفة ملفاتٍ خاصة بهؤلاء الطلاب إلى الحكومة السعودية في الرياض. وفي بعض الأحيان، يقول موظفو القنصليات للمنتقدين إنَّهم لا يمكنهم تجديد جوازات سفرهم إلا إذا عادوا إلى السعودية.

تجديد جواز السفر يتوقف على فحوى تغريداتك

وفي هذا الصدد، تقول الدكتورة مضاوي الرشيد : أخبرني عبدالله، نجل الشيخ سلمان العودة، والناشط عمر الزهراني في مقابلةٍ صحفية أنَّ السلطات السعودية علَّقت منحهم الدراسية ورفضت تجديد جوازات سفرهم.

لذا تقدم كلاهما بطلب للجوء في الولايات المتحدة وكندا على التوالي، وحصلا على الإقامة.

ولكنْ هناك سعوديون آخرون تقطعت بهم السبل في كندا وأوروبا وأستراليا بسبب انتهاء صلاحية جوازات سفرهم فيما لم تمنحهم البلدان المضيفة حق اللجوء أو الإقامة حتى الآن.

مهمة جواسيس السعودية الإلكترونيين هي مراقبتهم

وقد أصبح هؤلاء يُمثِّلون الشتات السعودي الجديد. فيما يمثِّل جواسيس تويتر التابعون للنظام السعودي جزءاً من الآلة المستخدمة في الإبلاغ عن هؤلاء المنفيين وإلحاق الأذى بهم، لا سيما الناشطون والأجانب، مثل الزهراني الذي أصبح رمزاً للمقاومة على شبكات التواصل الاجتماعي.

وما زالت منصة تويتر تعمل في المملكة العربية السعودية لمساعدة النظام في تقييم المزاج العام، والترويج لبن سلمان. 

ففي بلد يشهد قمع حرية التعبير وحظر التنظيم السياسي، لا يوجد سوى صوت واحد: صوت آلة الدعاية للنظام. ومع ذلك، يريد النظام معرفة ما يفكر فيه السعوديون، وكيف يتفاعلون مع مغامرات الدولة المتعددة في الداخل والخارج.

جهاز تنصت لمكافأة الممتدحين بينما الصمت على تويتر جريمة.. العودة نموذجاً

ويبدو أنَّ تويتر أثبت أنه جهاز تنصُّت جيد، ليس فقط للقبض على المعارضين ومعاقبتهم، بل لمعرفة من يمتدح النظام كذلك، حتى يمكن مكافأته. 

لذا أصبح الصمت في حد ذاته جريمة، إذ صارت السلطات السعودية تتوقع من السعوديين الآن أن يمتدحوا بن سلمان. أمَّا أولئك الذين لا يمتدحونه، فمن المحتمل أن يُدرَجوا في قائمة المراقبة، خشية أن يتحولوا إلى نقاد.

الشيخ سلمان العودة/مواقع التواصل

ومن ثمَّ، ففي مملكة الصمت، صار الصمت حتى غير مباح. وهذا مع الأسف هو ما حدث للشيخ سلمان العودة، الذي التزم الصمت إزاء خلاف الرياض مع الدوحة، ولم يقل شيئاً سوى أنَّه دعا الله أن يوفق بين المسلمين، في إشارةٍ إلى المصالحة مع قطر.

إذ قُبِض عليه في عام 2017، وهو الآن في انتظار المحاكمة تحت رحمة بن سلمان.  

https://twitter.com/MohammedAlMarr1/status/1036946508711702529?s=20

لذا سيواجه بن سلمان تحديات حقيقية إذا كان يطمح إلى إعادة تحسين صورته، التي شوِّهت بشدة، لأنَّه مسؤولٌ عن انتهاك أعز المعايير الدولية المتعلقة بسيادة السفارات وقتل الصحفيين في الخارج وتقطيع جثثهم، فضلاً عن مقتل الآلاف من اليمنيين في حربٍ مستمرة منذ خمس سنوات دمرت البلاد.

وكذلك يجب الإفراج فوراً عن أولئك الذين ما زالوا قابعين في السجن -وهُم مجموعةٌ كبيرة ومتنوعة من علماء الدين والشعراء والناشطات النسويات وزعماء القبائل والمهنيين وغيرهم- كخطوة أولى نحو تحقيق العدالة.

غير أن مضاوي الرشيد تستدرك قائلة " لكنَّ صورة بن سلمان ربما تكون ملوثة إلى حدٍّ لا يمكن معه إصلاحه"ا.

تحميل المزيد