لم يكن تجمع المتظاهرين مساء يوم الجمعة 20 سبتمبر/أيلول في ميدان التحرير بالقاهرة ومناطق أخرى بالبلاد هو المفاجأة الوحيدة بالنسبة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بل كانت نوعية المحتجين الذين شاركوا في مظاهرات الجمعة من أكثر أسباب قلقه.
ففي يوم الجمعة، وجد السيسي -الذي وصفه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ"الديكتاتور المفضل"- نفسه في موقف معقد، حسب وصف موقع Challenge المغربي.
وجاءت هذه المظاهرات استجابة لدعوة المقاول والفنان المصري بعدما أصبح السيسي هدفاً لحملة واسعة دامت أسبوعاً على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث تخطى وسم "ارحل يا سيسي" مليون تغريدة على الأقل في غضون 24 ساعة، للمُطالبة برحيله، وهو وسم أطلقه محمد علي، الذي فر خارج البلاد.
ومحمد علي يدير شركة "أملاك" العقارية، ومن خلالها بدأت رحلته في العمل كمقاول للبناء مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة منذ نحو 15 عاماً، وأثارت فيديوهاته اهتمام ملايين المصريين بعد أن اتهم فيها القوات المسلحة بفساد لمسه من خلال عمله مع الجيش.
مفاجأة محمد علي
ولم يكتف محمد علي ببث فيديوهاته بل دعا الجماهير إلى النزول.
والمفاجأة أن أعداداً لا يمكن تحديدها كسرت حاجز الخوف ونزلت للشوارع لأول منذ قمع السيسي للمظاهرات التي أعقبت سيطرة الجيش على السلطة في 3 يوليو/تموز 2013.
واللافت أن حجم القمع من قبل الشرطة للتظاهرات كان أقل من المتوقع، الأمر الذي دفعه لشكر الشرطة.
وأعاد مشهد تجمع المتظاهرين في ميدان التحرير الشهير، مهد الثورة المصرية التي خلعت الرئيس السابق حسني مبارك في 11 فبراير/شباط 2011 التذكير بالمراحل الأولى لربيع العربي.
تُرى هل سيُعاد الربيع العربي؟ وما يكون رد فعل النظام؟
توجه الرئيس المصري مساء يوم الجمعة (تزامناً مع المظاهرات) إلى نيويورك لحضور الدورة 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي ستنطلق يوم الثلاثاء المقبل.
ودار حديث عن التسامح من جانب الجيش وقوات الأمن، وهي معلومات ينبغي تناولها بحذر لأن أحاديث أخرى دارت عن وقوع بعض حالات الاعتقال.
كان بعض الشباب المصري قد بدأوا النزول لميدان التحرير بشكل فردي أو جماعي، "حيث لا يتعدى عددهم 3 أشخاص"، عصر الجمعة، داعين من خلال مقاطع فيديو بثوها على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى ضرورة التوجه إلى ميدان التحرير، للاحتشاد من أجل التظاهر ضد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وتلبية لدعوات رجل الأعمال والفنان محمد علي التي أطلقها منذ أيام.
ولكن التظاهرات التي حدثت في عدة محافظات اكتسبت زخماً بتجمع العشرات، وفق مقاطع الفيديو المصورة التي تداولها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد انتهاء مباراة السوبر المصري بين الأهلي والزمالك (أكثر الفرق شعبية في مصر)، مرددين هتافات: "ارحل ارحل يا سيسي"، و"الشعب يريد إسقاط النظام".
وقال الناشط السياسي إن ميدان التحرير كان خالياً من قوات الجيش، في حين توجد بعض قوات الأمن المركزي التابع لوزارة الداخلية.
وتضمّن مقطع الفيديو ترديد المتظاهرين هتاف "الشعب يريد إسقاط النظام"، في حين تضمن الفيديو أيضاً اشتباكات بين أفراد يرتدون ملابس مدنية والمتظاهرين، ولم يتسنَّ لـ "عربي بوست" التأكد إن كانت الاشتباكات بين المتظاهرين ومحسوبين على الأجهزة الأمنية أم مواطنين يحاولون إيقاف المتظاهرين عن الهتاف ضد السيسي.
وبث أحد الشباب، ويدعى أحمد تامر، بعض مقاطع الفيديو، قال فيها إنه توجَّه إلى ضباط الداخلية الموجودين في الميدان وسألهم عن استعدادهم لمواجهة المتظاهرين، وكان ردُّ الضابط هو أن الجيش والداخلية يدعمان مظاهرات الشعب، على حد قول الشاب.
وفي نهاية الليلة انقضت التظاهرات بعد أنباء عن شن حملة اعتقالات ومطاردات واستخدام للقنابل المسيلة للدموع في بعض المناطق.
كسر حاجز الخوف
وقالت صحيفة Washington Post، الأمريكية السبت 21 سبتمبر/أيلول 2019، إن الوضع يتغير الآن في مصر، بعدما بدأت احتجاجات نادرة، الجمعة، ضد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي واجه بكل حزمٍ طيلة السنوات الماضية أيَّ محاولة لمعارضته.
وأشارت الصحيفة إلى الدور الكبير الذي لعبته فيديوهات رجل الأعمال والفنان المصري محمد علي، التي رأت أنها سبب رئيسي في اشتعال الشارع المصري ضد السلطة، التي بات يُنظر إليها الآن على أنها تُبدِّد المال العام، فيما يعاني المصريون من الجوع.
وقالت الصحيفة إن أشرطة فيديو محمد علي هزَّت حكومة السيسي، ورأت أنَّ التغيير الأبرز للأوضاع في مصر الآن يأتي من كون أن هناك شخصاً قادراً على تحريك الشارع ضد السيسي.
ونقلت الصحيفة عن عمرو مجدي، وهو باحث في قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، قوله إن "أشرطة فيديو محمد علي وادّعاءاته قد شكّلت ضربةً كبيرةً للسيسي في الشوارع".
ما هي الفئات التي استجابت لدعوة محمد علي للتظاهر؟
فيديوهات "علي" وصلت إلى فئات من المجتمع المصري، ليست ناشطة سياسياً، ولا تهتم كثيراً بالسياسة، حسب ما يرى مجدي.
وقال إن هذا "ما يُسبب الفزع للحكومة، ويُخيف السيسي".
وأضافت الصحيفة نقلاً عن مجدي قوله إن "ما فعله محمد علي في الواقع شيء لم يتمكن جميع الفاعلين السياسيين من فعله في البلاد".
والتغيير الأبرز، بحسب مجدي، أنه "سابقاً لم يكن بإمكان أحد أن يقود المعارضة لتحقيق شيء ما في الشارع، أو لتحقيق حشد سياسي، وهذا ما تغيّر الآن".
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن ناشطين يعتقدون أنه من غير المرجَّح أن "تقود أشرطة الفيديو الخاصة بمحمد علي لثورةٍ أخرى، لكنَّ آخرين يرون أن أسلوبه أظهر طريقة مبتكرة للتعبير عن المعارضة للسيسي، دون المجازفة بالوقوع في أيدي قوات الأمن".
وأضافت أن ما يجري الآن في مصر يُقدم خارطة طريق لمعارضة السيسي المتزايدة، التي قد تم إسكاتها بطريقة وحشية، حسب تعبيرها.
ماذا يعد للسيسي بعد ذلك؟
وبعد نجاح دعوته للتظاهر، نشر محمد علي مقطع فيديو جديداً على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وجه فيه الشكر لوزارة الداخلية ووزارة الدفاع، على إتاحتهما الفرصة للمتظاهرين للتعبير عن رأيهم دون أي مضايقات.
وقال محمد علي في مقطع الفيديو، إنه يطالب وزارة الداخلية بالإفراج عن كل المعتقلين ممن شاركوا في التظاهرات الجمعة 20 سبتمبر/أيلول.
وكشف عن أن هناك العديد من ضباط الداخلية، الذين يتفاعلون مع التظاهرات ويتواصلون معه لدعمه.
ودعا إلى مليونية الجمعة المقبلة وينتظر رد المؤسسات
وقال الفنان المصري إن الرئيس عبدالفتاح السيسي يشعر بالرعب الآن ولا يعرف ما الذي عليه أن يفعله على حد قوله، مطالباً إياه بالرحيل
وذكر أنه في انتظار رد المؤسسات الرسمية في مصر على مطالبته باعتقال السيسي والإطاحة به، مشيراً إلى أن المؤسسات لم تتخذ القرار حتى الآن، واستطرد قائلاً: "لكننا في انتظار ردكم النهائي على مطالب المتظاهرين".
وقال محمد علي إنه يدعو كافة الشعب للمشاركة في مليونية يوم الجمعة المقبل، في كل الميادين الكبرى على مستوى الجمهورية من أجل المطالبة برحيل السيسي.
حتى أنه وضع خارطة طريق لما بعد السيسي
ورداً على سؤال ماذا بعد السيسي، قال محمد علي إنه يضع خارطة طريق لما بعد السيسي تتضمن انتخاب 50 شخصاً من كل محافظة على مستوى الجمهورية انتخاباً حراً مباشراً على أن يجتمع هؤلاء الأشخاص المنتخبون، لمناقشة القضايا الجوهرية في البلد وإعادة وضع هيكلة جديدة لإدارة الدولة.
وقال محمد علي إن الأشخاص المنتخبين من كل محافظة سوف يقومون بوضع التصور النهائي لوظيفة القوات المسلحة في البلاد، ومسؤولياتها، بالإضافة إلى مسؤوليات وزارة الداخلية وكافة المؤسسات الأخرى على أن يتم عرض هذا التصور للاستفتاء على الشعب، والجمهور هو صاحب الحق الوحيد في تحديد مهام ومسؤوليات كل الأجهزة في الدولة.