فاجأ قرار الخطوط الجوية البريطانية بوقف رحلاتها من مطار هيثرو بلندن إلى مطار القاهرة المصريين الذين كانوا قد تنفسوا لتوهم الصعداء بعد تحسن السياحة في البلاد.
ودفع الغموض المحيط بالقرار الكثيرين إلى الحديث عن نظريات المؤامرة، واتهام بريطانيا بالإضرار بالمصالح المصرية.
وفي ظل قلة التفاصيل المحيطة بالقرار، فسوف نحاول في هذا التقرير، فهم هذا القرار ومعرفة أسبابه المحتملة.
هل القرار ذو بعد سياسي؟
تحدث الكثيرون في مصر عن تآمر بريطاني مصر قد يكون دافعاً للقرار، خاصة أنه اتخذت لندن قراراً مشابهاً عقب تفجير الطائرة الروسية في عام 2015 فوق سيناء، في وقت كان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يزور المملكة المتحدة.
والواقع أن العلاقات بين الدول الغربية ومنها ومصر حالياً بها بعض المشكلات، وهذا أمر طبيعي، ولكن دوماً المتابع لسلوك الدول الغربية فإنها تلجأ للمؤامرات المحتملة مع الأنظمة التي تعتبرها معادية لمصالحها وذات التوجهات اليسارية أو القومية أو الإسلامية.
ولكن هذا الأمر الذي لا ينطبق على الإطلاق على نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي، فالرجل خصمه الرئيسي هو القوى الإسلامية والديمقراطية بالمنطقة وليس الغرب.
وسياسته في أغلب ملفات المنطقة ليست معادية للغرب بل على العكس فإن الغرب قد يجد فيها مغالاة فقط في تنفيذ أجندة مشتركة بين الجانبين.
فالأجندة الغربية تميل لمحاربة التطرف وتحجيم الإسلام السياسي المعتدل، ولكن الرئيس السيسي يميل للحرب الشاملة دون تمييز بين الطرفين بل في الأغلب إنه يميل لتركيز الحرب على الإسلام السياسي المعتدل أكثر من المتطرف، وبالتالي ليس هناك تناقض في سياسات الجانبين بقدر ما هو اختلاف في الدرجة.
وفي ملف مثل ليبيا، ليس هناك خلاف جذري بين الغرب والسيسي، بل على العكس يبدو السيسي نجح في أن يؤثر على السياسة الغربية في ليبيا عبر إقناع فرنسا والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تأييد اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر.
وفي ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يبدو لبعض المراقبين أن الأوروبيين أصبحوا أكثر حرصاً على المصالح الفلسطينية من الدول العربية الرئيسية بما فيها مصر، وبدا ذلك في تطابق الموقفين الفلسطيني والأوروبي الذي قاطع ورشة المنامة التي تمهد لإطلاق صفقة القرن، بينما شاركت مصر بها حتى لو كان على مستوى متواضع.
ومما يثبت أن العلاقات المصرية الأوروبية ومنها البريطانية ليست بها مشكلة كبيرة، انعقاد القمة العربية الأوروبية في شرم الشيخ. حيث حضر عدد كبير من القادة الأوروبيين القمة .
ولم تثنهم الإعدامات الواسعة للمتهمين باغتيال النائب العام والتي قوبلت بانتقادات حادة من المنظمات الحقوقية الدولية عن الحضور بما فيهم تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا.
وبالتالي فبعيداً عن نظرية المؤامرة واحتمالات البعد السياسي، فهناك حاجة للتركيز على الجانب الفني والأمني لقرار الخطوط الجوية البريطانية ، مع ملاحظة أن هناك عدة تفاصيل غريبة للقرار
قرار مفاجئ.. والهدف هو التقييم، والمشكلة في السلامة وليس الأمن
اتخذت الخطوط الجوية البريطانية القرار قبل وقت قصير من مغادرة رحلتها اليومية المعتادة من مطار هيثرو إلى العاصمة المصرية في 20 يوليو/تموز 2019.
أرجعت شركة الخطوط الجوية البريطانية "بريتيش إيرويز" إلغاءها إلى ما وصفته بمراجعتها المستمرة للترتيبات الأمنية في جميع المطارات، ووصفتها بأنها "إجراء احترازي للسماح بإجراء مزيد من التقييم".
وحذت شركة الطيران الألمانية لوفتهانزا لاحقاً حذوها، حيث ألغت رحلاتها ليل السبت من فرانكفورت وميونيخ إلى القاهرة والخدمات الداخلية المبكرة يوم الأحد من مصر.
وقالت لوفتهانزا إنها ستعلق رحلاتها كإجراء احترازي، مشيرة إلى "السلامة" وليس "الأمن" كمصدر قلق لها.
ولكن الخطوط الجوية الألمانية استأنفت رحلاتها.
وقال متحدث باسم لوفتهانزا: "لقد اتخذنا القرار كإجراء احترازي ولكن بعد تقييم الوضع ستعمل كالمعتاد". وقد استؤنفت الرحلات الجوية من ألمانيا إلى العاصمة المصرية.
ما الذي دفع الخطوط الجوية البريطانية ولوفتهانزا إلى وقف طائراتهما؟
تشير الظروف إلى وجود معلومات استخبارية متاحة للحكومات الأوروبية حول تهديد محدد يتعلق برحلات المغادرة من مطار القاهرة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Independent البريطانية.
القرار البريطاني يأتي في وقت تحاول فيه لندن التعامل مع احتجاز إيران لسفينة بريطانية في الخليج.
وأبلغت ثلاثة مصادر أمنية بمطار القاهرة وكالة رويترز أن الموظفين البريطانيين كانوا يقومون بفحص الأمن في مطار القاهرة يومي الأربعاء والخميس. ولم يعطوا المزيد من التفاصيل.
ومصر تقول إن المشكلة لدى البريطانيين وليس لديها
وقالت وزارة الطيران المدني المصرية في بيان صدر في وقت متأخر يوم السبت إنها اتصلت بالسفارة البريطانية في القاهرة التي أكدت أن قرار تعليق الرحلات الجوية لم يصدر عن وزارة النقل أو وزارة الخارجية البريطانية.
وأكدت مصادر رفيعة بوزارة الطيران المدني المصرية أن ما أعلنته الخطوط الجوية البريطانية بخصوص رحلاتها إلى مصر هو تعليق لمدة أسبوع يبدأ من غدٍ الأحد، وليس توقيفاً للرحلات.
واعتبرت المصادر أن هذه الخطوة اتخذتها كإجراءات سياسية أمنية تتعلق بها وعلى أراضيها وليس على الأراضي المصرية، نظراً لأن المملكة المتحدة ستشهد عدداً من الإضرابات بداية من 23 يوليو/تموز الجاري.
وألمحت المصادر إلى نجاح التفتيشات الأمنية الاعتيادية التي قامت بها السلطات البريطانية على المطارات المصرية الأسبوع الماضي، وشملت مطاري الغردقة والقاهرة الدولي، وكانت نسبة النجاح بتقدير امتياز وفقاً لتصريحات المفتشين البريطانيين، الذين أشادوا بالمستوى الأمني المصري في المطارات.
والرحلات مازالت مستمرة إلى الغردقة
اللافت أن الرحلات من من وإلى مطار الغردقة، البوابة المصرية الرئيسية للسياحة البريطانية استمرت كالمعتاد، وهذا يشير إلى أن التهديد المحتمل يستهدف مطار القاهرة.
ولم تعد القاهرة وجهة كبيرة للسياح البريطانيين على الرغم من وجود الأهرامات والمتحف المصري وثروات الجذب السياحي الأخرى بها، لم تعد، وأصبحت محافظة البحر الأحمر هي وجهتهم المفضلة.
وتقول وزارة الخارجية البريطانية: "هناك خطر متزايد للإرهاب ضد الطيران، وهناك تدابير أمنية إضافية مطبقة للرحلات الجوية المغادرة من مصر إلى المملكة المتحدة".
من جانبها قالت الخطوط الجوية البريطانية: "نحن نراجع باستمرار ترتيباتنا الأمنية في جميع مطاراتنا حول العالم، وقمنا بتعليق الرحلات الجوية إلى القاهرة لمدة سبعة أيام كإجراء وقائي للسماح بإجراء مزيد من التقييم.
وأضافت "تعد سلامة وأمن عملائنا وطاقمنا من أولوياتنا دائماً، ولن نقوم بتشغيل طائرة أبداً ما لم تكن آمنة للقيام بذلك".
ماذا عن الطائرات المصرية؟
تواصل مصر للطيران رحلاتها مرتين يومياً بين مطار هيثرو والقاهرة، حسب الصحيفة البريطانية.
وأشارت الصحيفة إلى أن رحلة ليلة السبت 20 يوليو/تموز على مصر للطيران من هيثرو إلى القاهرة تأخرت لمدة ساعة ولم تقلع إلا قبل منتصف الليل بفترة قصيرة.
وتقول الصحيفة ليس من الواضح ما الذي أوقف الرحلة، لكن ربما كان متصلاً بالإنذار الأمني وقرار شركة الطيران البريطانية بإلغاء الرحلات الجوية.
هل هو أمر معتاد أن تلغي شركة الطيران رحلاتها بهذه الطريقة؟
لا، ما حدث غير معتاد – خاصة عملية تعليق الطيران لفترة زمنية مثلما فعلت الخطوط البريطانية بتعليق رحلاتها لمدة أسبوع واحد بالضبط.
واللافت أنه لا تتوفر تذاكر للخطوط الجوية البريطانية حتى يوم السبت 27 يوليو/تموز، لكن الرحلات الجوية معروضة للبيع مرة أخرى اعتباراً من يوم الأحد 28 يوليو/تموز 2019 أي بعد نهاية الأسبوع.
وهذا قد يشير إلى أن التعليق يهدف إلى تقييم إجراءات أمنية أو التأكد من صحة معلومات عن تهديدات، وهو أمر يلمح له بيان الخطوط الجوية البريطانية الذي تحدث عن مدة للتقييم.
وتقول الصحيفة البريطانية إنه يجب أن ينظر إلى القرار في سياق المأساة التي وقعت في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2015، عندما تحطمت طائرة ركاب روسية بعد وقت قصير من إقلاعها من مطار شرم الشيخ في مصر.
ويعتقد أن قنبلة وضعت على متنها في المطار كانت مسؤولة عن مقتل 224 شخصاً. بعد ذلك بوقت قصير، فرضت وزارة الخارجية البريطانية حظراً على جميع شركات الطيران البريطانية التي تنطلق من المطار، والتي تخدم المنتجع المصري الأول شرم الشيخ.
وتعبر تقارير الاستخبارات عن مخاوف مماثلة بشأن تهديد للطائرات الغربية في القاهرة، حسب الصحيفة
ماذا عن شركات الطيران البريطانية الأخرى؟
الرحلات الجوية مستمرة بالنسبة للشركات البريطانية كالمعتاد.
والمشغل الرئيسي هو مجموعة توماس كوك البريطانية، التي تطير يومياً رحلات من مانشستر إلى منتجع الغردقة على البحر الأحمر، وتدير رحلات أخرى من برمنغهام وبريستول وجاتويك ونيوكاسل. كما أن لديها خطاً بين برمنغهام ومرسى علم.
شركة الطيران الأخرى المهمة هي easyJet، التي تسافر إلى الغردقة من جاتويك بالمملكة المتحدة.
وقال متحدث باسم الشركة: "سنواصل برنامج الطيران لدينا كما هو مخطط له، ولكن هذا سيظل قيد المراجعة المستمرة".
ما مدى خطورة الوضع في مصر من وجهة النظر البريطانية؟ قصة حلقة الصلب المصرية
تقول وزارة الخارجية البريطانية إن المخاطر منخفضة على طول وادي النيل، على طول الطريق من الإسكندرية على البحر المتوسط عبر القاهرة والأقصر وأسوان إلى الحدود السودانية.
يشمل هذا أيضاً الشاطئ الغربي للبحر الأحمر، والذي يشمل أهم المنتجعات للسياح البريطانيين في الغردقة ومرسى علم.
في المقابل تعتبر شبه جزيرة سيناء خطرة للغاية – باستثناء جيب صغير حول منتجع شرم الشيخ الرئيسي في مصر.
تسمي نصيحة وزارة الخارجية "المنطقة الواقعة داخل حاجز شرم الشيخ المحيط"، بأنها "حلقة من الصلب" تشمل المطار ومناطق شرم المايا، الهضبة، خليج نعمة، خليج القرش ونبق.
ولكن بعد تحطم طائرة ركاب روسية في أكتوبر/تشرين الأول 2015، حظرت وزارة الخارجية البريطانية شركات الطيران البريطانية من الدخول والخروج من شرم الشيخ، وهو حظر مستمر حتى اليوم.
ويستند هذا إلى مخاوف محددة حول المخاطر الأمنية في مطار شرم الشيخ.
ولكن لا يزال البريطانيون يتوجهون إلى شرم الشيخ ولكن عبر القاهرة أو إسطنبول، وهذا يتعارض مع نصيحة وزارة الخارجية البريطانية.
واللافت أنه رغم العلاقة الوثيقة بين الرئيس المصري ونظيره الأمريكي دونالد ترامب فإن وزارة الخارجية الأمريكية تحذر المسافرين الأمريكيين قائلة: "الجماعات الإرهابية تواصل التخطيط للهجمات في مصر. قد يهاجم الإرهابيون دون سابق إنذار أو يستهدفون، وقد استهدفوا المنشآت الدبلوماسية والمواقع السياحية ومراكز النقل والأسواق/ مراكز التسوق والشركات الغربية والمطاعم والمنتجعات ومنشآت الحكومة المحلية، حسب ما ورد في تقرير صحيفة The Independent.