صورة جديدة رسمتها المحادثات التي أقيمت لأول مرة بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية في الدوحة على مدار يومين، توحي هذه الصورة بشءيء ما تغيَّر في أفكار الجهاديين من "طالبان" وأيضاًً الحكومة الأفغانية.
وبحسب تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية، سار التقدم في المحادثات والتفجيرات بتلك السنوات جنباً إلى جنب، وكان لدى عديد من الموفدين على الطاولة -من كلا الجانبين- قصص عن الفقد والحداد. الحوار في قطر، الذي يستمر يوم الإإثنين 8 يوليو/تموز 2019، هو الحوار الأول الذي يشارك فيه مسؤولون حكوميون أفغان، ويهدف إلى إذابة الجليد لإجراء مفاوضات مباشرة بشأن مستقبل أفغانستان السياسي بعد انسحاب عسكري أمريكي متوقع.
قال سلطان بركات، مدير معهد الدوحة الذي نظم هذا الحدث مع مؤسسة ألمانية: "من المهم إعطاء جميع الأطراف الفرصة لرؤية كيف تغيرت الأمور على مدى السنوات الـ18 الماضية. ثمانية عشر عاماً ليست فترة قصيرة، لكن الحرب تميل إلى حبس الناس داخل قصور الإدراك".
الخسارة نالت من الجميع
وكان من بين المشاركين الأفغان مسؤولون حاليون وسابقون بارزون، فقدوا أفراد عائلاتهم في تفجيرات انتحارية، إضافة إلى مسؤول إعلامي رأى حافلة مليئة بموظفيه تحترق.
عندما كانت "طالبان" في السلطة، لم تسمح للنساء بالعمل أو الذهاب إلى المدارس. لكن في الجلسة الرئيسية التي عُقدت يوم الأحد، في أثناء تناول الوجبات وخلال استراحات تناول الشاي، اختلط كبار مسؤولي "طالبان" باحترام مع المبعوثات، مثل أول مُحافظة امرأة، التي تتولى قيادة المقاطعة التي عانت بسبب مذبحة "طالبان" عام 2001، وطبيبة تمثل أقلية السيخ وهي عضوة في مجلس الشيوخ.
وعندما صادف سماعهم طفلاً يبكي، كان هذا الطفل ابن نائبة مستشار الأمن القومي البالغ من العمر شهرين. فبينما تجلس على مقعدها أمام "طالبان"، جاء زوجها، وهو مسؤول شاب بارز، لتهدئة الطفل للنوم على هامش الجلسات.
التفجيرات تزاحم المحادثات
ووصلت أنباء عن جولة أخرى من المذابح الأفغانية -وأطفال متأثرين من جراء هجوم- بينما تقدَّم المندوبون إلى قاعة الاحتفالات بمنتجع شيراتون مترامي الأطراف في الدوحة. فقد أعلنت حركة طالبان مسؤوليتها عن تفجير شاحنة ضخمة بمدينة غزنة يوم الأحد؛ وهو ما أسفر عن مقتل ثمانية ضباط أمن وأربعة مدنيين. وقالت الأمم المتحدة إن نحو 170 آخرين أصيبوا، من بينهم 50 تلميذاً.
يظهر على جانب "طالبان" من المحادثات في قطر، عديدٌ من المندوبين الذين قضوا أكثر من عقد من الزمان محتجزين في السجن الأمريكي بخليج غوانتانامو بكوبا. عانى نائب زعيمهم المكلف جهود السلام، الملا عبدالغني برادار، الذي لم يحضر يوم الأحد، بسبب سجنه في باكستان ما يقرب من 10 سنوات، وهو ما دمر صحته.
لدى المسلحين قصص عن الأقارب والأصدقاء الذين فقدوهم في غارات وتفجيرات القوات الأمريكية والأفغانية، وهم يؤمنون بحقهم في معركتهم ضد ما يرونه احتلالاً أجنبياً، لدرجة أن حتى ابن زعيمهم الأعلى، المولوي هبة الله أخوند زاده، يُعتقد أنه نفذ هجوماً انتحارياً.
وبينما يرى الجانب الأفغاني الرسمي "طالبان" على أنها إلى حد كبيرٍ قوة بالوكالة خاضعة لتأثير الجارة باكستان، فإن "طالبان" تعتبر الحكومة الأفغانية دمية عميلة للولايات المتحدة.
المحادثات تسير في طريقها
وليس توحيد رؤيتي الواقع لدى الجانبين مهمة أساسية فحسب، بل هائلة أيضاً. فبعد الانتظار الذي طال، ف=يبدو أن عملية السلام -التي اعتُبرت أساسية لسحب القوات الأمريكية المتبقية البالغ عددها 14.000 جندي- تتحرك فجأة بسرعة.
عُقدت معظم جلسات يوم الأحد خلف أبواب مغلقة، ولكن بنهاية اليوم وصف المشاركون الجو بأنه محترم، حتى لو كان ثمة توترات في بعض الأحيان.
وقال أعضاء الوفد الأفغاني إنهم رأوا مزيداً من التأكيدات من "طالبان" بأنهم سيحترمون حق المرأة في العمل والتعليم. شارك مسؤولو "طالبان" في مناقشات حول القضايا، بدلاً من قراءة بيانات معدة سابقاً كما فعلوا في المؤتمرات الماضية، بحسب الصحيفة الأمريكية.
نادر نادري، رئيس لجنة الخدمة المدنية الأفغانية، ذكر الهجوم القاتل الذي وقع صباح اليوم في غزنة. وبينما ذكر تعذيبه تحت حكم "طالبان"، فقد أقر أيضاً بمعاناة مسؤولي "طالبان" الجالسين أمامه خلال سنوات احتجازهم.
وقال نادري أمام الاجتماع: "لديَّ شجاعة المسامحة، وأعرف أن أعضاءكم عانوا أيضاً".
الكل دفع الثمن
واتهم الملا عبدالسلام حنفي، عضو وفد "طالبان"، الجانب الأفغاني بالانتقائية عند الحديث عن الخسائر في صفوف المدنيين. وقال إن المسؤولين ووسائل الإعلام الأفغانية قللوا من عدد الضحايا المدنيين الذين سقطوا في المناطق الريفية، بسبب العمليات الأفغانية والأمريكية.
وقال سهيل شاهين، أحد أعضاء وفد "طالبان"، في مقابلة: "الألم من جميع الأطراف، سواء كانت الغارات الليلية أو التفجيرات، هو سبب وجودنا هنا. جميع الأطراف تعاني الألم، ونهاية هذا الألم هي إنهاء الاحتلال".
يُعرف عبدالمتين بيك، عضو مجلس الوزراء الأفغاني الذي حضر المحادثات، هذا الألم معرفة مباشرة، فقد قُتل والده، وهو عضو بالبرلمان، في تفجير انتحاري لجنازة عام 2011.
وقال بيك إن رحلاته في أنحاء البلاد أظهرت أن الأفغانيين يطالبون بإنهاء الحرب، وأمل أن يؤدي الحوار الحالي إلى مفاوضات مباشرة لتحقيق ذلك.
وأضاف: "ليس من السهل بالنسبة لي أن أجلس مع أشخاص قتلوا أبي. لكن علينا إنهاء هذا".