في وقت يعقد النظام السوري مؤتمراً يتحدث فيها عن عودة اللاجئين السوريين فإن سوريا التي نعرفها قد تتغير للأبد، ليست هذه مبالغة على الإطلاق.
فقد تكون أهم نتيجة للحرب السورية ليس انتصار الأسد، ولكن انتصار مشروعه الطائفي لتغيير هوية بلد بأكمله لتتناسب مع هوية عائلته، فهل نجح بشار في جعل السنة أقلية في سوريا؟
هناك دلائل قوية أن العرب السنة الذين يمثلون الغالبية التقليدية للبلاد، قد فقدوا هذا الوضع، أو اقتربوا من ذلك على الأقل،حسب تقارير غربية وعربية متعددة.
والأخطر أن هناك مؤشرات قوية على أن هذا الأمر كان مقصوداً منذ بداية الثورة السورية.
كيف قدَّم النظام نفسه كممثل للأقليات؟ وما هدفه من التغيير الديموغرافي؟
يعلم النظام أنه يستحيل أن تتحول سوريا إلى بلد شيعي أو علوي، لأن الأقلية العلوية ليست كبيرة (حوالي 10% من السكان، فيما يُعتقد أن الشيعة والعلويين معاً يتراوحون بين 11 إلى 16%)، ولذا فإنه هدفه تحويل سوريا إلى بلد من الأقليات الإثنية والمذهبية بقيادة الأقلية العلوية.
على غرار العراق، فإن خطوط الانقسام الطائفي في سوريا، التي زادتها الحرب استقطاباً تجعل من الواقعي التعامل مع العرب السنة على أنهم مجموعة سكانية تمثل أغلبية بمعزل عن الأكراد الذين يشتركون معهم في المذهب، والعلويين والمسيحيين والدروز الذين يشتركون معهم في القومية العربية.
وهذه الأغلبية يتعامل معها النظام الذي يستند إلى الطائفة العلوية بشكوك وعدائية أحياناً، حيث تم استبعادهم من المناصب الحساسة، ولاسيما الأمنية والعسكرية، حتى إنه في بعض الأوقات كان معظم قادة الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة السورية من الأقليات، خاصة العلويين.
ويحاول النظام في الوقت ذاته تقديم نفسه كممثل للأقليات في مواجهة هذه الأغلبية، وهي مقاربة لا يحاول النظام ترويجها في سوريا فقط، بل في لبنان المجاورة، وتقبلها تاريخياً زعامات الشيعة وبعض الزعامات المسيحية في لبنان مثل آل فرنجية.
ومع أن هناك دلائل قوية على عدم رضا الأقليات السورية عن النظام، وتعاطف بعض أفرادها مع الثورة، خاصة في بدايتها إلا أن تزايد دور بعض القوى الإسلامية المتطرفة، وصعود تنظيم داعش أخاف الأقليات.
والأهم أن انتصار النظام حسم مواقف كثير من أبناء الأقليات والأغلبية السنية على السواء، في الانصياع للأمر الواقع، خاصة أن معارضة النظام دائماً ثمنها أكبر من مناهضة المعارضة السورية التي لم تمثل كل أخطائها إلا نزراً يسيراً من جرائم النظام ضد معارضيه.ك
ولكن ما جعل تغيير هوية سوريا أمراً ممكنا هو أن التوازن الطائفي بالبلاد في الأصل كان حساساً
فرغم أن العرب السنة يمثلون الأغلبية، فإنهم لم يكونوا يمثلون أغلبية كبيرة، الأمر الذي يعني أن قتل بضع مئات من الآلاف منهم، وتهجير بضعة ملايين كفيل بتغيير هوية البلاد، ووتصبح البلاد معرضة لفقدان أغلبيتها العربية السنية، ويصبح الأقليات هم الأغلبية.
ويعتقد أنه قبل عام 2011، كان السنة يمثلون نحو 74% من سكان سوريا، يشمل ذلك من 9 إلى 10% من الأكراد، ونحو 3% من التركمان وفقاً للدكتور بيير بيكوش، أي أنَّ السنة العرب كانوا يشكلون نحو 61 %.
ويذكر تقرير وزارة الخارجية الأمريكية للحريات الدينية، أن نسبة المسلمين السنة في سوريا تبلغ 77% (بما فيهم الأكراد والتركمان)، و10% من العلويين، و3% دروز ومن الإسماعيليين والشيعة الاثنى عشرية، و8% من السكان من المسيحيين من طوائف مختلفة، تتبع غالبيتها الكنيسة الشرقية وتهيمن الطائفة الأرثوذكسية بشكل كبير على التوزع المسيحي، وتوجد أيضاً أقلية يزيدية في منطقة جبل سنجار على الحدود مع العراق.
وهناك تقديرات أخرى تقول إنه في آخر إحصائية رسمية في عام 2013، بلغ إجمالي عدد السكان 22 مليوناً و850 ألف نسمة من جميع الطوائف.
وتم حساب أن عدد السنة العرب وحدهم بشكل تقريبي يقدرون بـ14 مليوناً و305 آلاف تقريباً، أي ما نسبته 63% من العدد الكلي، دون حساب الأكراد والتركمان، أما باقي الطوائف فعددهم يقارب الـ8 ملايين ونصف المليون.
وهناك من الباحثين مَن يشكك في دقة هذه النسب، ويرى أن نسبة السنة في سوريا لا تقل عن 80%، وتصل إلى 85% إذا أضيفت إليها نسبة السنة الأكراد، إلى جانب 9% من العلويين و5% من المسيحيين الذين هاجر كثير منهم إلى الخارج قبل الأزمة.
لماذا يتم التركيز على العرب السنة ولا يشمل التصنيف الأكراد؟
لأسباب سياسية واجتماعية، فإنَّ الأكراد السنة يتم التعامل معهم باعتبارهم مجموعة مختلفة عن العرب والتركمان السنة، رغم وحدة المذهب، وهو وضع يماثل الحال في العراق.
والسبب في ذلك أن الأكراد طوَّروا في البلدين شعوراً بالهوية، قائم على القومية أكثر من المذهبية، كما كان لهم دوماً قياداتهم وأحزابهم السياسية ومظالمهم وأهدافهم المختلفة عن العرب السنة، بل في أغلب الأحيان كانت تتصادم مع العرب السنة في البلدين، بسبب الجوار الجغرافي بين المجموعتين، وهو ما خلق تنافساً على الأرض بين الطرفين، مثلما حدث في شمال العراق وشمال سوريا.
وفي الحالة السورية، كان يمكن للأكراد أن يقتربوا من المعارضة السورية، ومن ثم الغالبية العربية السنية، ولكن منذ بداية الثورة فضلت القيادة السياسية الكردية أن تخطَّ طريقاً مختلفاً، وتقاربت مع النظام رغم أن هناك عدداً من القيادات الكردية كانت تفضل العمل عبر أطر المعارضة السورية القومية، حتى أنه تم انتخاب الكردي عبد الباسط سيدا رئيسا للمجلس الوطني السوري.
في المقابل فإن النظام الذي طالما همَّش الأكراد ورفضهم منح أعداد كبيرة منهم الجنسية، أصدر قراراً مفاجئاً في بداية الثورة بمنح الجنسية لآلاف الأكراد.
وحدث تقارب وتنسيق مرات عديدة بين النظام وقوات حماية الشعب الكردية ، منذ قيام الثورة السورية.
كم يبلغ عدد اللاجئين والنازحين السوريين؟
بصرف النظر عن أيِّ النسب أدق، ولكننا نتحدث أن نسبة العرب السنة تدور حول 65% يمكن اتخاذها كنسبة وسطية من التقديرات المتفاوتة.
وبناء على هذه النسبة سنحاول فهم ما جرى في هوية سوريا خلال السنوات الماضية ونتائج عملية اللجوء الهائلة التي شهدتها البلاد.
المفارقة أنه رغم مرور سنوات على الأزمة السورية، وتراجع حركة اللجوء من البلاد، ولكن مازال هناك تضارب في تقدير عدد اللاجئين السوريين، في ظلّ اقتناع واسع النطاق أن أرقام الأمم المتحدة أقل من الواقع، وكذلك الصعوبات في تصنيف اللاجئين السوريين، نظراً لأن كثيراً منهم غير مسجلين كلاجئين لدى المنظمات المعنية أو حتى الدول المستضيفة.
فعلى سبيل المثال، يقدر الأردن أن عدد اللاجئين السوريين لديه نحو 1.3 مليون، بينما تتحدث المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، عبر بياناتها المحدثة في الثالث عشر من يناير/كانون الثاني 2019، عن بلوغ عدد اللاجئين السوريين في المملكة حوالي 671.55 ألف لاجئ.
في عام 2019، بلغ إجمالي عدد اللاجئين السوريين في دول المنطقة حوالي 5.6 مليون لاجئ سوري، مسجلين في المنطقة، بالإضافة إلى ما يقرب من مليون طفل مولود حديثاً خلال فترة النزوح.
أكثر من خمسة ملايين من هؤلاء لجأوا إلى دول جوار سوريا الأربع: تركيا (3.4 مليون) ولبنان (مليون) والأردن (660 ألفاً) والعراق (250 ألف لاجئ).
وهناك أكثر من 150 ألفاً يعيشون في دول شمال إفريقيا، مثل مصر (130 ألفاً) وليبيا، علماً أن التقديرات الحكومية المصرية تشير إلى أن أعداد السوريين أكبر من ذلك بكثير.
من الصعب معرفة أرقام السوريين الذين لجأوا خارج البلاد، ولكن من المؤكد أنها أكثر من تقديرات الأمم المتحدة، والأصعب تحديد عدد النازحين داخل البلاد.
ووفقاً لبعض التقديرات فإن عدد اللاجئين السوريين في فبراير/شباط 2019، بلغ نحو 5.68 مليون، فيما يبلغ عدد النازحين داخل البلاد ما يقارب 6.2 مليون شخص، أي أن نحو نصف السوريين أجبروا على ترك بيوتهم، في أكبر أزمة تهجير قسري في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وأكبر مجتمع للاجئين في العالم.
وحتى عام 2018 كان هناك 13 مليون سوري بين نازح داخل البلاد ولاجئ خارجها، وهو ما يمثل حوالي 60% من عدد السكان قبل الحرب، وهي نسبة نزوح لم تشهدها دولة من قبل خلال العقود الأخيرة، بحسب مركز بيو للأبحاث.
ويعتقد أن عدد النازحين الداخلين قد انخفض مع هدوء الأوضاع وسيطرة النظام على معظم البلاد، ولكن على العكس بقى عدد اللاجئين في الخارج ثابتاً، ويبدو أن احتمال عودتهم ضئيل للغاية.
إلى أي الطوائف ينتمي هؤلاء اللاجئون؟
لا تنشر مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين معلومات عن الانتماءات الدينية والطائفية والعرقية للاجئين، بما يُساهم في التعتيم عالمياً على حالة التغيير الديمغرافي التي تحصل في سوريا، وتكتفي الدراسات الدولية التي تتناول اللاجئين السوريين بالإشارة إلى المكونات العرقية والدينية قبل عام 2011، بما يوهم القارئ غير المتابع أحياناً بأن هذه النسب تنعكس بشكل متقارب على مجتمع اللاجئين.
ونظراً لغياب المعطيات الموثقة، فإن من الصعب الجزم بهذه الانتماءات، لكن تقديرات غير رسمية أشارت إلى أن نحو 70% منهم من العرب السنة و10% من المسيحيين و10% من الكرد ونحو 8.5% من التركمان، والبقية من طوائف أخرى، وتتقارب هذه النسب مع تلك التي تنشرها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى عن أصل اللاجئين بحسب المدينة التي قدموا منها.
هل نجح بشار في جعل السنة أقلية في سوريا؟
إذ افترضنا أن السنة يشكلون 70 % من اللاجئين علماً أن هذا تقدير متحفظ في الأغلب فإن هذا يعني أن إجمالي عدد السنة الذين فرّوا من سوريا يمكن أن يقدر بأكثر 4.7 مليون نسمة من بين نحو 6.6 مليون لاجئ خارج البلاد، إضافة إلى (أكثر من مليون طفل ولدوا خارج البلاد).
أي أنه إذا كان عدد السنة يبلغ نحو 14.5 مليون في عام 2013، فإن عددهم الآن أقل من عشرة ملايين وقد يبلغ نحو 9.5 مليون نسمة، أما باقي الأقليات التي كان يقدر عددها بثمانية ملايين ونصف المليون في بداية الحرب، ومع مراعاة زيادتهم السكانية فإن عددهم قد أصبح يقارب السنة، وقد يكون أكثر إذا وضع في الاعتبار أن أعداد اللاجئين هي أقل من الأرقام الحقيقية كما سبق الإشارة.
إلا أن الأمر يصبح أسوأ عند الوضع في الاعتبار النزوح الداخلي، خاصة في إدلب، وأغلبيتهم الساحقة من السنة، بعد أن تحولت المحافظة إلى جيب محاصر تم استخدامه كجيب داخلي يأوي ضحايا التطهير الطائفي.
كل الطوائف زادت نسبتها من السكان إلا السنة والمسيحيون.. أما العلويون فهم الفائزون
فالعرب السنة هم الضحية الأولى للتغير الديموغرافي في سوريا وفقاً لتقديرات جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة.
إذ انخفض عددهم بين عامي 2010 و2018 بنسبة 30%، لكن نسبتهم من إجمالي السكان انخفضت بنسبة 10.2%، وفقاً لتقديرات جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة.
وانخفض عدد الكرد في عام 2018 مقارنة مع عام 2010 بنسبة 1%، لكن نسبتهم إلى إجمالي السكان ارتفعت بنسبة 1.6%.
اللافت أن عدد العلويين ارتفع عام 2018 مقارنة مع عام 2010 بنسبة 22%، وزادت نسبتهم إلى إجمالي السكان بنسبة 5.4%.
والنتيجة الإجمالية، تمكّن العلويون من تحقيق أكبر زيادة في النسبة لعدد السكان في 2018، تلاهم بفارق كبير على التوالي: الأكراد والإسماعيليون والدروز والشيعة الإمامية.
وبناء على تقديرات جامعة كولومبيا فإن كل المكونات في سوريا سجّلت عام 2018 زيادة في نسبها إلى عدد السكان الإجمالي، ما عدا ثلاث مجموعات هي العرب السنة والمسيحيون العرب والآشوريون، وهو ما يعني أنه وللمرة الأولى في تاريخ سوريا ينخفض عدد العرب السنة إلى أقل من نصف السكان.
هل يتحمَّل اللاجئون المسؤولية؟
يحاول بعض مؤيدي النظام وصم اللاجئين بأنهم تركوا ديارهم.
فكثير من مؤيدي النظام يتحدثون عن رفض إعادة اللاجئين لداخل البلاد، لأنهم تركوها في أوقات الأزمة وذهبوا إلى أراضي الأعداء.
في حين أن بعضاً من مؤيدي الثورة السورية ينتقدون اللاجئين لأنهم ساهموا في تحقيق هدف الأسد من تغيير هوية سوريا المذهبية والديموغرافية.
فر اللاجئون السوريوين متبعين غرائزهم البشرية الطبيعية في البحث عن الأمن، كما فعل من قبلهم الفلسطينيون والأفغان والعراقيون والبوسنيون.
ولكن ما لم يكن يعلمه أغلب اللاجئين السوريين وهم يفرون لحماية حياتهم، أن النظام كان يتعمّد ممارسة التطهير الطائفي في أغلب مراحل الحرب السورية.
فتخويف السنة كان هدفاً مبكراً للنظام منذ مذبحة كرم الزيتون، التي وقعت في مدينة حمص ذات الغالبية السنية، والتي يقول كثير من السنة إن العلويين كانت لديهم رغبة في الهيمنة عليها.
وفي مناطق متعددة كان النظام يقوم بعمليات تطهير طائفي عقب طرد قوات المعارضة.
ويشير موقع جنوبية الشيعي اللبناني، إلى أن النظام السوري وحزب الله وغيرها من الميليشيات الشيعية التي تعمل تحت قيادة إيران قامت بحملات تطهير عرقي ممنهج في العديد من المناطق السورية، خاصة حول دمشق.
وسبق أن حذفت جريدة الأخبار اللبنانية الموالية لحزب الله، مقالاً للكاتب الأردني الراحل ناهض حتر، الصديق للنظام السوري، يقسم السوريين بين لاجئين ومقيمين، وقسمهم ما بين "إرهابيي ووطنيين وعبيد ومسلحين"، وهاجم اللاجئين معتبراً أن الأفضلَ بقاؤهم في الخارج، وقد بلغ من حدة المقال أن الجريدة حذفت المقال، لأنه فهم منه أنه يشكل عنصرية ضد اللاجئين، الذين ينتمي أغلبهم للطائفة السنية.
اللاجئون في لبنان يريدون العودة، ولكن مخابرات الأسد ترفض
لفهم طريقة تفكير النظام، لننظر لحالة السوريين الراغبين في العودة من لبنان، الدولة التي تستضيف 1.5 مليون سوري، وهي دولة صديقة للأسد مقارنة بتركيا أو أوروبا. إذ أن رئيسها العماد ميشال عون حليف للأسد وحزب الله هو الذي أنقذه من السقوط، ورغم ذلك ترفض الحكومة السورية باستمرار عودة اللاجئين السوريين، دون تقديم أي تفسير رسمي في العادة.
في إطار عملية الإعادة إلى الوطن، تجهز المديرية العامة للأمن العام في لبنان قائمة بأسماء السوريين المستعدين للعودة، وتشاركها مع نظرائها في المخابرات السورية، إذ لا يحصل على حق العودة إلا أولئك الذين يسمح لهم النظام.
وقال معين المرعبي، وزير الدولة لشؤون النازحين في لبنان حتى يناير/كانون الثاني من هذا العام، إنهم لا يسمحون لأي شخص بالعودة دون موافقة من المخابرات (المخابرات السورية)، هل من المنطقي أن يحتاج السوريون في لبنان إلى إذن للعودة إلى بلدهم؟".
وأضاف المرعبي إنه خلال فترة وجوده في منصبه، كان الفرق بين أرقام من تقدموا بطلب للعودة وبين أولئك الذين استطاعوا أن يعودوا في النهاية، هائلاً، مضيفاً: "لقد أخبرني مسؤولو الأمن العام لدينا أنه عندما أُرسلَّت قائمة تضم 5000 سوري، قُبل منهم ما بين 60 إلى 70 شخصاً في المتوسط".
كيف يشرعن النظام عملية تغيير ديموغرافيةِ سوريا؟
يمكن القول إن النظام انتهى تقريباً من عملية تطهير طائفي، ويقوم حالياً بتكييفها قانونياً لضمان عدم عودة اللاجئين للأبد، عبر مصادرة أملاك اللاجئين ومنعهم من المشاركة بأي انتخابات، وصولاً إلى إسقاط الجنسية عن اللاجئين السوريين.
فقد تقدَّم أحد أعضاء "مجلس الشعب" السوري بطلب لمناقشة مسألة تجنيس تركيا لجزء من اللاجئين السوريين، الذين اتَّهمهم بأنهم "مرتهنون" لأنقرة، حسبما ورد في موقع "السورية نت".
ودعا العضو نبيل الصالح إلى طرح الموضوع في المجلس، والحديث عما وصفها بـ "النوايا المبيتة" خلف مسألة التجنيس.
ونشر نص الخطاب الذي وجهه إلى المجلس، وأشار فيه إلى أن تركيا جنست قرابة 80 ألف سوري.
وفيما يبدو أنه تمهيد يهدف إلى إسقاط الجنسية عن اللاجئين السوريين، الذين حصلوا على الجنسية التركية، ادعى أن غالبيتهم ينتمون إلى "بقايا العائلات العثمانية في سوريا".
ويأتي هذا ضمن مساعٍ متعدِّدة للنظام السوري لتبديد فرص عودة اللاجئين إلى بلادهم، وسَن عدد من القوانين التي تسهِّل الاستيلاء على ممتلكاتهم، إضافة إلى خططه الرامية إلى إسقاط الجنسية عن اللاجئين السوريين.
وطالب النظام مؤخراً أكثر من 10 ملايين سوري ممن فرّوا من الحرب المستعرة في البلاد أن يتقدموا بإثبات ملكيتهم لمنازلهم، في موعد أقصاه أوائل مايو/أيار 2019، وإلا فإن الحكومة ستضع يدها عليها.
وأثار قانون الملكية الذي أُعلن مؤخراً مخاوفَ واسعة النطاق لدى المواطنين السوريين الذين عارضوا بشار الأسد، من أنهم يواجهون خطر العيش في المنفى الدائم، وأن أشخاصاً آخرين ممن يُعتبرون موالين للنظام قد يُسمح لهم بالتوطين في مجتمعاتهم المحلية، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
وبما أن غالبية اللاجئين النازحين داخلياً والمغتربين خارجياً ليسوا قادرين أو راغبين في العودة لإثبات ملكيتهم للممتلكات، فإن المحللين والمنفيين يقولون إن القانون، والمعروف باسم المادة 10، والإطار الزمني الضيق المحيط به، يُمكن أن يستخدم كأداة للتغيير الديموغرافي والأمن الاجتماعي.
على خطى إسرائيل.. لماذا لا يريد الأسد إعادة اللاجئين؟
ويشبه هذا القانون قانون أملاك الغائبين في إسرائيل، الصادر عام 1950، الذي يُجيز الاستيلاء على ممتلكات الفلسطينيين الذين طردوا من أراضيهم.
ومن الأمور اللافتة أن تقارير إعلامية غربية أفادت بأن الأسد وافق على خطة فرنسية للحل في سوريا، تتضمن إجراء انتخابات، ولكن اللافت أن الرئيس السوري اشترط عدم مشاركة اللاجئين في الانتخابات.
ويسعى النظام من كل ذلك، إلى تحقيق هدفين: الأول سياسي، وهو استبعاد اللاجئين وهم الفئة التي يفترض أنها الأكثر معارضة له.
والثاني طائفي، وهو إضعاف وزن الطائفة السنية، باعتبار أن غالبية اللاجئين منهم.
والنتيجة: هوية سوريا قد تتغير للأبد
وتتوقع مؤسسات دولية أن النظام لن يقبل بعودة اللاجئين حتى بعد انتهاء النزاع، عكس مع حدث في دولة أخرى كالبوسنة والعراق، ما يشير إلى أن أحد خياراته هو إسقاط الجنسية عن اللاجئين السوريين.
إذ إن النظام حريص على عدم عودة اللاجئين لتغيير طبيعة سوريا الديمغرافية للأبد، باعتبار أن أغلب اللاجئين من السنة، حسبما يشير تقرير لمركز كارنيغي.
ففي أعقاب النزاعات المماثلة التي شهدتها دول مثل البوسنة والهرسك والعراق، كانت الأغلبيات الإثنية أو الطائفية هي أسرع من الأقليات في العودة إلى الوطن بعد مرحلة من النزوح.
لكن هذه لن تكون الحال في سوريا، حسبما يرى التقرير.
والسبب أن معظم اللاجئين السوريين هم من المسلمين السنّة الذين يشكّلون الأغلبية في سوريا، وهم يعارضون النظام.
ومع بقاء الأسد في سُدة السلطة، ونظراً إلى انتشار الفوضى والدمار، تبدو آفاق عودة اللاجئين الطوعية بالغة الضآلة، كما أن عودة عدد كبير منهم مستبعدة نظراً إلى مساعي النظام المتواصلة لنقل السكان قسراً وإعادة توطينهم.
فالنسيج الاجتماعي في العديد من المناطق يتغيَّر رأساً على عقب، بحيث يتعذَّر التعرف إليه، وهذه حال يبدي إزاءها اللاجئون قلقَهم العميق، حسب كارنيغي.
والمفارقة أنه بينما مازالت قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين حية أو مثارة في المحافل الدولية رغم محاولة إسرائيل والولايات المتحدة طمسها. إلا أن إصرار القوى الفلسطينية كلها على حقوق اللاجئين ووجود وكالة مثل الأونروا تُبقي القضية حية بعد عقود من النكبة.
في المقابل فإن العالم يتجاهل مسألة عودة اللاجئين السوريين، الذين أصبح الحلَّ الوحيد أمامهم إذا ضاقت بهم بلاد النزوح هو البحث عن وطن آخر بديل.
وبعض المحاولات المتواضعة التي بذلت من قبل الأوروبيين لفتح هذا الموضوع مع الروس، والتلويح بورقة الإعمار مقابل عودة اللاجئين قوبلت بتجاهل تام من قبل النظام.
فسوريا التي نعرفها يبدو أنها قد تتغير للأبد، والعالم لا يبدو متكرثاً.