خريطة اليهود حول العالم.. أين يتواجدون، وما اختلافاتهم العقائدية والسياسية، وما حجم نفوذهم، وكيف ينظرون إلى إسرائيل؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/09/30 الساعة 08:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/09/30 الساعة 08:00 بتوقيت غرينتش
أين يتواجد اليهود وما هي توزيعاتهم العقائدية ونفوذهم؟ / عربي بوست

كشف تقرير برلماني إسرائيلي أن أكثر من 82 ألف إسرائيلي غادروا البلاد في عام 2024 بشكل دائم، لينضموا إلى عشرات الآلاف من اليهود حول العالم الذين فروا من البلاد في 2023 عقب اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، ورغم أن الحكومة حاولت الترويج لعودة عشرات الآلاف للاستقرار في إسرائيل فإن الفجوة بين المغادرين والعائدين تبقى كبيرة.

وكانت وجهة أغلب اليهود الفارين من إسرائيل صوب بلدانهم التي هاجروا منها قبل عقود نحو إسرائيل، خاصة الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي، ليلتحقوا بملايين المهاجرين اليهود المنتشرين في العالم الذين فضلوا العيش بعيداً عن إسرائيل.

ورغم قلتهم العددية وانقساماتهم العقائدية والسياسية إلا أن نفوذهم بدا كبيراً في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية مستفيدين أيضاً من تعاطف الغرب معهم، هذا التعاطف الذي بدأ يتآكل خلال العامين الماضيين بسبب الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، وتسبب أيضاً حتى في انقسام بين اليهود أنفسهم في ظل ارتفاع أصوات المطالبين بوقف الحرب على غزة.

وهو ما دفعنا إلى إنجاز هذا التحقيق عن توزيع اليهود حول العالم، أين يتواجدون؟ وما الدول أو المناطق التي تعرف انتشاراً أكبر لليهود؟ وما توجهاتهم الدينية والسياسية؟ وما مدى تأثيرهم على القرار داخل إسرائيل؟ وما موقفهم مما يجري من حرب على قطاع غزة، وكيف أثرت على صورتهم في الغرب؟

واعتمدنا في هذا التحقيق للتعرف على خريطة اليهود الحالية حول العالم وتوجهاتهم السياسية والعقائدية ونفوذهم المالي، على بيانات رسمية إسرائيلية وغربية إضافة إلى أبحاث ودراسات حديثة لمراكز أبحاث ومنظمات يهودية وغيرها.

لكن قبل ذلك كان لزاماً العودة قليلاً إلى الوراء للبحث عن توزيع اليهود حول العالم خلال السنوات الأولى لتأسيس "دولة إسرائيل".

خريطة "الشتات اليهودي" بُعيد تأسيس "دولتهم"

قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية بلغ عدد اليهود حول العالم نحو 16.6 مليون شخص، حسب المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي، وكانت حصة أوروبا من اليهود 57.2% قبل أن تتراجع إلى 32.2% بحلول عام 1948، وفق "المعهد الدولي لعلم الأنساب اليهودية".

إذ قُدّر عدد اليهود حول العالم عام 1948 بنحو 11.5 مليون نسمة، تراجع بسبب مزاعم "الهولوكوست"، منهم أغلبية يعيشون خارج فلسطين المحتلة، وكانوا يتوزعون في أوروبا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية وفي دول عربية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مثل المغرب وتونس ومصر والعراق واليمن.

  • أوروبا: قلب الشتات العالمي

قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939 كانت بولندا لوحدها تضم نحو 3.47 مليون يهودي، ما شكّل نحو 10% من سكانها، وتركزت التجمعات الكبرى في المدن مثل وارسو، 375 ألف يهودي، ولهذا كانت ثاني أكبر تجمع يهودي في العالم بعد نيويورك.

كما كان هناك تواجد مهم لليهود في الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية، حيث كانوا موزعين بين بولندا الشرقية وأوكرانيا وروسيا البيضاء وروسيا، وقدرت أعدادهم بالملايين وكانوا يعيشون ضمن مناطق محددة تسمى "Pale of Settlement".

ويشير مصطلح "Pale of Settlement" أو "منطقة الاستيطان" إلى منطقة جغرافية واسعة داخل الإمبراطورية الروسية خُصصت في أواخر القرن الثامن عشر لليهود، وكانوا مجبرين قانونياً على العيش فيها، مع منعهم من الاستقرار في معظم المدن الكبرى الروسية أو الانتقال إلى مناطق أخرى إلا في حالات استثنائية.

في دول أوروبا الغربية والجنوبية تواجدت جاليات يهودية في ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، اليونان، وبلغاريا، وتراوحت أعدادهم بين عشرات الآلاف وصولاً إلى مئات الآلاف في بعض الدول.

حيث بلغ عدد اليهود نحو 214 ألف شخص في ألمانيا عام 1939، بينما كان عددهم أكثر من 300 ألف يهودي في فرنسا، وبلغ عددهم نحو 35 ألف يهودي في إيطاليا، وفق بيانات موقع "Holocaust Rescue"، التابع لـ"معهد دراسة الإنقاذ والإيثار خلال المحرقة".

  • الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

قبل إعلان قيام "دولة إسرائيل" عام 1948، كان اليهود موزعين بين حواضر كبرى ومجتمعات محلية صغيرة، في مجموعة من الدول العربية.

في المغرب، كان اليهود يشكلون أكبر جالية يهودية في العالم العربي، حيث تراوحت أعدادهم بين 200 و250 ألفاً. وعاشوا في "الملاحات"، أحياء خاصة باليهود، داخل المدن مثل فاس ومراكش والدار البيضاء، وبرزوا في التجارة والصياغة، كما كانت لهم مدارس دينية وحاخامية نشطة.

أما في العراق، فكان اليهود ثاني أكبر جالية بعد المغرب، إذ بلغ عددهم نحو 135 ألفاً في بغداد والبصرة. تميزوا بمكانة قوية في الاقتصاد، خاصة في البنوك والتجارة، كما لعبوا دوراً مهماً في الحياة الثقافية؛ حتى إن صحيفة "التآخي" اليهودية كانت من أبرز المنابر الفكرية.

في مصر، تراوح عدد اليهود بين 75 و80 ألفاً، معظمهم في القاهرة والإسكندرية، اندمجوا في الحياة الاقتصادية من خلال المصارف وصناعة القطن، وكان لبعضهم حضور لافت في مجالات الفن والسينما والصحافة.

بينما في اليمن، قُدّر عددهم بنحو 55 ألفاً، متمركزين في صنعاء وعدن، حيث مارسوا الحرف اليدوية والتجارة المحلية. وفي سوريا ولبنان، عاش حوالي 30 ألف يهودي مجتمعين في دمشق وحلب وبيروت، وكانت لهم أحياء وأسواق خاصة.

أما في تونس وليبيا، فشكّل اليهود ما بين 50 و60 ألفاً، وتركوا بصمتهم على التجارة والحياة الثقافية.

  • الأميركيتان وأفريقيا

منذ أواخر القرن التاسع عشر شهدت أمريكا الشمالية والجنوبية تركزاً متزايداً لليهود، لا سيما في الولايات المتحدة التي باتت تجمعاً ضخماً لليهود مع أواخر العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، قبل أن تصبح مقصداً لمئات آلاف اليهود.

في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي كان عدد اليهود في الولايات المتحدة يقدر بنحو 5 ملايين نسمة، أي حوالي 3% من مجموع السكان، تركزوا أساساً في المدن الكبرى مثل نيويورك التي كانت تضم نحو مليوني يهودي، إضافة إلى شيكاغو، فيلادلفيا، وبوسطن.

بينما كان التواجد الأبرز لليهود في أفريقيا في دولة جنوب أفريقيا التي ضمت مجتمعاً يهودياً بارزاً في مطلع القرن العشرين وصل إلى نحو 50 ألف شخص، معظمهم في جوهانسبرغ وكيب تاون، وتعود أصولهم إلى المهاجرين اليهود من أوروبا الشرقية.

أين يتواجد اليهود الآن؟

في الولايات المتحدة الأمريكية يتواجد أكبر تجمع لليهود خارج إسرائيل، وبلغ عددهم نحو 7.5 مليون يهودي وفق البيانات الصادرة عام 2020، أي نحو 3% من مجموع السكان، ويُعتبر اليهود الأمريكيون أكبر سناً من المتوسط، بمستويات تعليم ودخل أعلى من عموم السكان.

وفق بيانات "Pew Research Center"، يشمل هذا العدد كلاً ممن يعرّفون دينهم باليهودية ومن يعرّفون أنفسهم كيهود ثقافياً/إثنياً (core vs. enlarged Jewish population)، ونحو 6 ملايين يُعدّون "النواة" (core) أي يمارسون الطقوس الدينية أو يعرّفون أنفسهم بأنهم يهود.

وحسب البيانات الرسمية الأمريكية يتوزع اليهود في الولايات المتحدة على النحو التالي:

المنطقةالمدن الكبرىتقدير عدد السكان اليهود
الشمال الشرقينيويورك، نيوجرسي، فيلاديلفيا، بوسطن3.5 مليون شخص
الوسط الغربيشيكاغو، ديترويت، كليفلاند800 ألف شخص
الجنوب الشرقيميامي، أتلانتا، واشنطن العاصمة700 ألف شخص
الغربلوس أنجلس، سان دييغو، سان فرانسيسكو1.2 مليون شخص
مناطق أخرىمدن صغيرة في ولايات متعددة1.3 مليون شخص
  • تضم فرنسا أكبر جماعة يهودية في أوروبا، ويبلغ عددهم نحو 500 ألف يهودي يتركز أغلبهم في العاصمة باريس وضواحيها، فيما تضم المملكة المتحدة نحو 313 ألف يهودي، و125 ألف يهودي في ألمانيا، وقرابة 125 ألفاً، ونحو 123 ألفاً في روسيا.
  • تضم أوكرانيا نحو 32 ألف يهودي، وفق بيانات "World Population Review" لعام 2024، مع الإشارة إلى تراجع هذا الرقم بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، فيما أشارت بيانات نفس المركز إلى وجود نحو 15 ألف يهودي يعيشون في تركيا.
  • في كندا، سجل إحصاء عام 2021 حوالي 335 ألفاً شخص عرّفوا دينهم بـ"اليهودية"، بينما تضم الأرجنتين حوالي 170 ألف يهودي، وهو المجتمع اليهودي الأكبر في أمريكا اللاتينية، فيما يتواجد 117 ألف يهودي في أستراليا، وقرابة 90 ألفاً في البرازيل، وفق تقديرات بحثية "Research Gate".
  • لا يزال يعيش نحو 55 ألف يهودي في جنوب أفريقيا، وبالضبط في مدينة جوهانسبرغ التي تضم أكبر تجمع لليهود في أفريقيا، فيما يعيش 41 ألف يهودي في المكسيك، بينما تُشير تقديرات حديثة إلى وجود 2500 يهودي يقيمون في المغرب.

كيف يتوزع اليهود حول العالم عقدياً؟

لفهم أعمق لليهود وتوجهاتهم، وجب فهم الاختلافات العقدية داخل الديانة اليهودية نفسها، إذ إن هناك اختلافات عقدية (لاهوتية) واضحة بين اليهود أنفسهم، وهذه الاختلافات انعكست تاريخياً في شكل تيارات دينية ومجتمعية مختلفة، وأثرت بالتالي على مواقع النفوذ السياسي والاقتصادي لليهود حول العالم. كيف ذلك؟

اليهودية ليست وحدة صلبة، بل نجد فيها مدارس وتيارات رئيسية تختلف في تفسير التوراة، طبيعة الشريعة، أو ما يُطلق عليه اليهود باللغة العبرية "الهالاخاه"، وهو ما ينعكس أيضاً حتى على مواقفهم من الدولة الحديثة أو "دولة إسرائيل الكبرى". وتبعاً لذلك نجد أن اليهود مقسمون إلى:

  • الأرثوذكس (Orthodox Judaism): وهم الأكثر تشدداً في الالتزام بتعاليم التوراة والتلمود، ويؤكدون على قدسية الشريعة الحرفية ورفض التحديث.
    الأرثوذكس أنفسهم ينقسمون إلى "الحريديم" (اليهود المتشددين المعزولين) و"الأرثوذكسية الحديثة"، ونجد أن بعض الحريديم لا يعترفون بدولة إسرائيل أصلاً لأنها لم تُقم بالمشيئة الإلهية.
  • المحافظون (Conservative Judaism): تيار وسطي ظهر في أمريكا، يحاول التوفيق بين التقليد والحداثة، ويقبل تعديلات على الشريعة لتناسب العصر لكن دون إلغائها كلياً.
  • الإصلاحيون (Reform Judaism): وهو أكثر ليبرالية، يفسرون النصوص بشكل رمزي وليس حرفياً، ويؤكدون على "القيم الأخلاقية" أكثر من الطقوس، وتجدر الإشارة إلى أنهم يُعتبرون التيار الأقوى عدداً في الولايات المتحدة.
  • اليهود القراؤون (Karaites): هم أقلية صغيرة جداً، يرفضون التلمود، وهو مصطلح حاخامي لمجموعة التفسيرات والتشريعات غير المدونة في التوراة المكتوبة، أو تلك التي تم تعديلها بواسطة الحاخامات، ويعتمد القراؤون فقط على التوراة المكتوبة.
  • اليهود السفارديم والمزراحيم مقابل الأشكناز:
    هنا يمكن الحديث عن خلاف ثقافي/إثني أكثر من كونه عقدياً، وهم:
  • الأشكناز: يهود أوروبا الوسطى والشرقية (ألمانيا، بولندا، روسيا، ليتوانيا…)، وكانوا أكبر مجموعة يهودية من حيث العدد منذ القرن التاسع عشر.
  • السفارديم: يهود أصولهم من شبه الجزيرة الإيبيرية (إسبانيا والبرتغال) والذين صدر بحقهم قرار طرد، وبعد عام 1492 أصبح اليهود الذين بقوا مجبرين على التنصر أو يواجهون محاكم التفتيش، قبل أن يأمر السلطان العثماني بايزيد الثاني بتمكينهم من التنقل إلى شمال أفريقيا ودول البلقان والشرق الأوسط.
  • المزراحيم أو "يهود الشرق": أي يهود البلاد العربية والإسلامية (العراق، اليمن، سوريا، مصر، إيران…)، تاريخياً يُعتبرون أقدم استيطان يهودي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

الاختلافات بين هذه التيارات والأعراق اليهودية ترتبط أساساً بطقوس العبادة واللغة (يديشية/لادينو/عربية عبرية)، والهوية الثقافية. فكيف ينعكس ذلك على توزيعهم حول دول العالم؟ ومن له الكلمة العليا؟

هيمنة "المتشددين" على المشهد في أمريكا

رغم أن اليهود الأميركيين يشكلون أقل من 3% من مجموع السكان، فإن حضورهم في الحياة العامة يظل قوياً، مع اختلاف ملحوظ في طبيعة النفوذ بين التيارات الدينية: الأرثوذكس، المحافظون، الإصلاحيون، إضافة إلى غير المنتمين مذهبياً.

وفق تقرير صدر عام 2020، فإن نحو 7 من كل 10 من اليهود الأميركيين يدعمون أو يميلون إلى الحزب الديمقراطي، بينما نحو ثلاثة أرباع الأرثوذكس يعرّفون أنفسهم بأنهم داعمون للحزب الجمهوري، وحسب التقرير، فإن نصف اليهود الأميركيين يصفون أنفسهم بأنهم "ليبراليون".

  • الأرثوذكس: الكتلة المحافظة:
    اليهود الأرثوذكس يشكلون أقلية عددية داخل الطيف اليهودي الأميركي، لكن تأثيرهم يتجاوز حجمهم.
    استطلاعات مركز "PEW" أظهرت أن ما يقارب 75% من الأرثوذكس يصوتون للجمهوريين، في وقت يميل معظم اليهود الآخرين إلى الديمقراطيين.
    هذه النزعة المحافظة جعلت الأرثوذكس أقرب إلى التيارات اليمينية المتشددة في الولايات المتحدة، خصوصاً تلك المتعاطفة مع الاحتلال الإسرائيلي وسياساته، والتي لا تختلف عن سياسات الحزب الجمهوري الخارجية.
    نفوذ الأرثوذكس يظهر كذلك في قدرتهم على حشد الدعم المالي لمرشحين محددين، كما أن مجتمعاتهم متماسكة، ومؤسساتهم الخيرية والتعليمية تلعب دوراً مركزياً في تمويل الحملات الانتخابية.
    ومن أبرز الأمثلة، دعمهم القوي لمرشحين جمهوريين في ولايات مثل نيويورك ونيوجيرسي، حيث يشكلون كُتلاً انتخابية منظمة قادرة على التأثير في نتائج محلية ووطنية.
  • الإصلاحيون (التيار الليبرالي):
    اليهود الإصلاحيون يمثلون أكبر تيار داخل الولايات المتحدة. توجهاتهم السياسية تميل بشكل واضح إلى الحزب الديمقراطي، حيث يُظهر أكثر من 80% من قادة الإصلاح ميلاً لليبرالية.
    نفوذهم يظهر بشكل أكبر في دعم القضايا الاجتماعية مثل حقوق الأقليات، المساواة الجندرية، والعدالة الاجتماعية.
    على المستوى المالي، يساهم الإصلاحيون بقوة عبر شبكات مثل "Jewish Federations"، إضافة إلى مؤسسات ضغط مثل "J Street"، التي تمثل صوتاً ليبرالياً مؤيداً لإسرائيل، لكن ضمن رؤية أكثر انتقاداً لسياساتها مقارنة بـ AIPAC، التي يُسيطر عليها اليهود الأرثوذكس الموالون لحزب الليكود اليميني.
  • اليهود المحافظون (الوسط البراغماتي):
    هم أقل عدداً من الإصلاحيين، وأكثر انفتاحاً من الأرثوذكس. يميلون في الغالب إلى الحزب الديمقراطي لكن بمرونة أكبر. توجهاتهم السياسية تضعهم في منطقة وسطية بين الأرثوذكس المحافظين والإصلاحيين الليبراليين.
    على المستوى المالي والسياسي، يظهر تأثيرهم عبر دعم مزدوج لمؤسسات ديمقراطية، لكن دون القطيعة الكاملة مع مرشحين جمهوريين في بعض الملفات، خصوصاً تلك المتعلقة بالسياسات الخارجية تجاه إسرائيل.
  • غير المنتمين مذهبياً:
    تشير الدراسات إلى أن نسبة متزايدة من اليهود الأميركيين تعرف نفسها بأنها "يهود ثقافيون" أو "بلا انتماء مذهبي".
    هذه الفئة تميل بدورها إلى الديمقراطيين والليبراليين، لكنها أقل مشاركة في الهياكل التنظيمية التقليدية. نفوذها يظهر من خلال الحضور في الجامعات، والإعلام، والفضاءات الفكرية، أكثر من العمل المؤسساتي الديني.

تراجع في أعداد "اليهود المتشددين" بأمريكا

تشير بيانات مركز "PEW" للأبحاث إلى أن التيار الأرثوذكسي اليهودي، المعروف بتشدده الديني وصرامته في التقاليد، يواجه تراجعاً طفيفاً في صفوف اليهود الأميركيين. فقد قال 10% من اليهود الحاليين أو السابقين إنهم تربّوا في بيئة أرثوذكسية، لكن 8% فقط يواصلون التعريف عن أنفسهم ضمن هذا التيار اليوم.

ورغم أن الفارق يبدو محدوداً، إلا أنه يعكس بداية نزيف ديموغرافي في صفوف تيار لطالما اعتُبر الأكثر تماسكاً بين الطوائف اليهودية.

على الرغم من أن الأرثوذكس يسجلون واحدة من أعلى نسب "الاحتفاظ" الداخلي (67% ممن تربوا في هذا التيار ظلوا متمسكين به)، فإن هذا الثبات لا يُترجم إلى توسع في الحضور.

في المقابل، ينجذب بعض من تربوا في الأرثوذكسية نحو التيارات الأكثر انفتاحاً، مثل الإصلاحي أو المحافظ، أو يخرجون كلياً من الإطار الديني، وهو ما يشير إلى أن التماسك الداخلي لا يكفي لتعويض حالات النزوح التدريجي خارج الأرثوذكسية.

وبينما يفقد المحافظون (Conservative) جزءاً كبيراً من أتباعهم لصالح الإصلاحيين (Reform) أو لفئة "بلا انتماء"، يبدو أن الإصلاحيين يحققون مكاسب صافية واضحة.

في هذا السياق، يجد الأرثوذكس أنفسهم أمام مشهد ديني متغير، حيث تعكس الأرقام أن المستقبل قد يحمل مزيداً من التراجع إذا لم يستطع التيار استقطاب أتباع جدد أو الحفاظ على أجيال الشباب الذين يتجه بعضهم إلى خيارات دينية أقل صرامة.

هذا التراجع النسبي في حضور الأرثوذكسية لا يقتصر على البعد الديني فقط، بل قد تكون له تداعيات سياسية واجتماعية أوسع.

فالتيار الأرثوذكسي في الولايات المتحدة يتمتع بنفوذ تقليدي في قضايا السياسة الداخلية والخارجية، لا سيما المرتبطة بإسرائيل والهوية اليهودية. لكن استمرار انكماش قاعدته العددية قد يُضعف من ثقله في المدى البعيد، خصوصاً أمام صعود التيارات الإصلاحية وتوسع فئة غير المنتمين.

النفوذ المالي والتنظيمي لليهود في أمريكا

رغم التباينات المذهبية، فإن المجتمع اليهودي الأميركي نجح في بناء نفوذ مالي وتنظيمي متماسك عبر أدوات مختلفة، من أبرزها:

  • AIPAC: اللوبي الأقوى، يُعتبر حليفاً للحزبين الجمهوري والديمقراطي، لكنه يحظى بدعم ملحوظ من الأرثوذكس (المتشددين اليهود) والجمهوريين، ويكفي أن نشير إلى أنها تُعد "أقوى جماعات الضغط في الولايات المتحدة، وأكثرها تأثيراً على الكونغرس الأميركي".
  • J Street: منصة ليبرالية تمثل توجه الإصلاحيين والمحافظين ذوي الميول الديمقراطية، ولذلك عملت على جمع تبرعات وتقديم دعم مالي لمرشحين من الحزب الديمقراطي الذين يشاركونها نفس التوجهات، خاصة فيما يتعلق بدعم حل الدولتين.
  • Jewish Federations: شبكات تمويل محلية ووطنية تُساهم في دعم البرامج الاجتماعية والسياسية، وتُشرف على جمع التبرعات وتوزيعها لخدمة اليهود في المجتمعات المحلية، وكذلك دعم برامج في إسرائيل ومناطق يهودية في المهجر.

عموماً، فإن النفوذ اليهودي الأميركي لا يمكن اختزاله في كتلة واحدة، فالأرثوذكس يترجمون قوتهم العددية الصغيرة إلى تأثير سياسي محافظ مؤثر، بينما يفرض الإصلاحيون ثقلهم العددي في الساحة الليبرالية والديمقراطية.

أما المحافظون، فيلعبون دور الوسيط، في حين يُساهم غير المنتمين مذهبياً في المجالات الثقافية والأكاديمية، وهو ما مكن اليهود الأميركيين من تكوين شبكة نفوذ متعددة الأبعاد، تتوزع بين المال والسياسة والثقافة، تجعل من اليهود الأميركيين لاعباً رئيسياً في الحياة العامة الأميركية.

اليهود الحريديم في احتفال سنوي - shutterstock
اليهود الحريديم في احتفال سنوي – shutterstock

ماذا عن بريطانيا والاتحاد الأوروبي؟

وفق نتائج تعداد السكان لعام 2021، بلغ عدد اليهود في المملكة المتحدة (إنجلترا وويلز) لعام 2021، نحو 287 ألف شخص عرّفوا أنفسهم على أنهم يهود على أساس ديني أو عرقي وثقافي، ما جعلهم يشكّلون قرابة 0.5% من مجموع سكان إنجلترا وويلز فقط، وفق معهد أبحاث السياسة اليهودية "JPR".

وتشير بيانات مكتب الإحصاءات الوطني البريطاني "ONS" إلى أن أكثر من 53.6% من اليهود في إنجلترا وويلز يعيشون في لندن الكبرى، مع وجود تجمعات كبيرة في مناطق بارنت، وهيرتفوردشاير، ومانشستر، حسب نتائج التعداد العام للسكان لعام 2021.

هذا التوزيع الجغرافي لليهود في المملكة المتحدة يُترجم إلى كثافة مؤسساتية في العاصمة وضواحيها، حيث تنتشر المدارس اليهودية، والمعابد، والمؤسسات الخيرية اليهودية، باختلاف انتماءاتهم العقائدية وتوجهاتهم السياسية.

كيف ينقسم اليهود في بريطانيا عقدياً وسياسياً؟

على عكس ما هو متاح عن اليهود الأميركيين، لا تُوفر البيانات الحكومية البريطانية تفصيلاً رسمياً للانتماءات الطائفية أو المذهبية داخل المجتمع اليهودي (أرثوذكس، إصلاحيون، محافظون أو بلا انتماء)، إذ إن السؤال في التعداد يقتصر على "الديانة" أو "الهوية العرقية"، دون التطرق إلى التيارات الدينية.

لكن ذلك لم يمنع من تقسيم المجتمع اليهودي البريطاني إلى تيارات لا تختلف كثيراً عن تلك المتواجدة في الولايات المتحدة، ويمكن حصرها في ما يلي:

  • الأرثوذكس: أشار تقرير نشرته صحيفة "The Guardian" في أبريل/نيسان 2023 إلى أنّ نحو نصف اليهود في بريطانيا ينتمون إلى التيار الأرثوذكسي (Orthodox)، بما في ذلك المجتمعات الحريدية (Haredi).
  • التيار التقدمي (Progressive Judaism): وهو مظلة تشمل التيارات الإصلاحية والليبرالية، ويمثل قرابة 30% من اليهود المرتبطين بالمعابد أو الجماعات الدينية. ويعكس قاعدة أكبر من تلك الموجودة لدى الإصلاحيين وحدهم في الولايات المتحدة، لكنه أقل هيمنة من الإصلاحيين الأميركيين.
  • اللامنتمون: لا تتوفر أرقام دقيقة عن فئة "بلا انتماء مذهبي" في بريطانيا، لكن تقارير مركز أبحاث السياسة اليهودية (JPR) تلمّح إلى أن نسبة معتبرة من اليهود البريطانيين تُعرّف نفسها كيهود ثقافيين أو غير متدينين، خاصة في الأجيال الشابة.

وتشير التقديرات إلى أن المجتمعات الأرثوذكسية، وبخاصة الحريدية، تتميز بنمو ديموغرافي مرتفع، بينما المجتمعات الإصلاحية والليبرالية تعتمد أكثر على استقطاب الأعضاء من خلفيات مختلفة أو عبر التزاوج المختلط.

هذا النمط قد يؤدي في المدى الطويل إلى زيادة الوزن النسبي للتيار الأرثوذكسي المتشدد بين يهود المملكة المتحدة، حتى لو ظلّ التيار التقدمي والإصلاحي أكبر من حيث عدد الجماعات المؤسسية المسجلة رسمياً لدى الحكومة البريطانية.

انقسام سياسي بين العمال والمحافظين

على الرغم من نقص البيانات التفصيلية، تظهر استطلاعات أجرتها "JPR" قبل الانتخابات العامة 2024 أنّ اليهود الأرثوذكس في بريطانيا يميلون أكثر إلى دعم الحزب المحافظ، بينما الإصلاحيون والتيارات التقدمية وغير المنتمين مذهبياً يميلون إلى الحزب العمالي.

وفي دراسة نشرها معهد أبحاث السياسات اليهودية، عشية الانتخابات العامة في بريطانيا لعام 2024، فإن دعم اليهود لحزب العمال بلغ 46%، بينما بلغ دعم المحافظين 30%. هذه الأرقام تعكس انقساماً كبيراً داخل اليهود البريطانيين بشأن توجهاتهم السياسية بناءً على انتماءاتهم الطائفية.

إذ كتب جوناثان بويد، المدير التنفيذي لـ"JPR" في يونيو/حزيران 2024: "نحن في الواقع منقسمون بشكل كبير على أسس طائفية"، وأوضح أن من ينتمون إلى التيارات الأرثوذكسية والحريدية يميلون بشكل كبير إلى المحافظين، ومن ينتمون إلى التيار التقدمي والعلماني يميلون بشكل كبير إلى حزب العمال.

وبالمثل، فإن غالبية اليهود المنتمين إلى الكنيس اليهودي حالياً هم من المحافظين، بينما غالبية اليهود غير المنتمين يميلون أكثر سياسياً إلى حزب العمال.

شبكات المال واللوبي السياسي والعمل الخيري

رغم أن اليهود في المملكة المتحدة يشكّلون أقل من 0.5% من السكان، فإن حضورهم في الحياة العامة والسياسية يتجاوز حجمهم العددي. فهم يتوفرون على شبكة واسعة من المنظمات والجمعيات، تمتد من البرلمان إلى المجتمع المحلي، تصنع هذا النفوذ وتُعيد تشكيل النقاشات حول السياسة الداخلية والخارجية، ولا سيما تلك المتعلقة بإسرائيل.

  • لوبيات داخل الأحزاب

داخل حزب المحافظين، يبرز Conservative Friends of Israel (CFI) بوصفه أكبر منظمة مؤيدة لإسرائيل في أوروبا الغربية، إذ يضم أغلبية نواب الحزب.
أما حزب العمال، فيملك ذراعه الموازية Labour Friends of Israel (LFI) التي تُنظم زيارات ودورات توعوية للبرلمانيين البريطانيين، وتؤمّن حضوراً دائماً للصوت المؤيد لإسرائيل داخل الحزب.
هذه الكيانات لا يقتصر عملها على الضغط خلف الكواليس، بل تُنظم مؤتمرات عامة وتُصدر بيانات، ما يمنحها قدرة على التأثير في مواقف الحكومة والبرلمان.

مؤسسات مالية ومجتمعية:
خارج البرلمان، تقف منظمات مثل المجلس القيادي اليهودي Jewish Leadership Council، والمركز البريطاني الإسرائيلي للاتصالات والأبحاث BICOM، والاتحاد الصهيوني البريطاني Zionist Federation، في قلب هذا النفوذ:

  • المجلس القيادي اليهودي (JLC): يُعرّف نفسه كمنصة تجمع ممثلي أكبر المؤسسات الخيرية والتعليمية اليهودية، وتنسق مع الحكومة البريطانية.
    تدخل في العمل مع حكومات محلية ووطنية، والجهات العامة، والإعلام، للدفاع عن قضايا الشعب اليهودي في المملكة المتحدة، خاصة في قضايا مكافحة معاداة السامية، الأمن، والسياسة التعليمية والدينية.
  • المركز البريطاني الإسرائيلي للاتصالات والأبحاث (BICOM): يركز على التأثير الإعلامي والبحثي من خلال تزويد الصحفيين والبرلمانيين بتقارير وتحليلات حول إسرائيل والشرق الأوسط.
    ويصف نفسه على موقعه الإلكتروني بأنه "منظمة بريطانية مستقلة مكرسة لخلق بيئة أكثر دعماً لإسرائيل في بريطانيا… من خلال محاولة خلق فهم أكثر اكتمالاً لإسرائيل ووضعها".
  • الاتحاد الصهيوني البريطاني (Zionist Federation): يتولى الجانب التعبوي التقليدي، وتضم في عضويته عشرات الجمعيات، مثل "Herut UK"، وهو تنظيم مسجل كشركة محدودة، يُمثّل تياراً يهودياً يمينياً دينياً ضمن الطيف الصهيوني في المملكة المتحدة.

النفوذ المالي لليهود البريطانيين

للمال دور مركزي في رسم هذا النفوذ الذي يتميز به اليهود في المملكة المتحدة، حيث يبرز عدد من رجال الأعمال الذين، عبر نفوذهم المالي، تمكنوا من التأثير سياسياً داخل بريطانيا لخدمة مصالح الاحتلال الإسرائيلي. ومن الأسماء البارزة:

  • Trevor Chinn: رجل أعمال بريطاني يهودي، ناشط في قضايا دعم إسرائيل، يُعدّ من المانحين السياسيين، وشارك في مؤسسات مثل Jewish Leadership Council و BICOM.
    في عام 2025، وُثّقت لقاءات له مع وزارة الخارجية البريطانية، حيث كان يُمثل مواقف مؤيدة لإسرائيل في مناقشات تتعلق بتصدير الأسلحة.
  • Samuel Hayek: بريطاني-إسرائيلي، رئيس منظمة Jewish National Fund UK منذ عام 2008. عُيّن في منصب له علاقة بالسياسة الشبابية في حزب الليكود عندما كان أصغر سناً، مما يدل على ارتباطه الحزبي والسياسي بإسرائيل.
  • Ehud "Udi" Sheleg: رجل أعمال وتاجر فنون، يحمل الجنسية الإسرائيلية والبريطانية. يُعتبر من أكبر المانحين لحزب المحافظين البريطاني، كما شغل منصب أمين الصندوق للحزب.
  • Isaac Kaye: نشأ في جنوب أفريقيا، وعُرف بأنه مؤسس أو شريك في شركات دوائية وصحية في المملكة المتحدة.
    أنشأ Israel Healthcare Ventures، ويُقدّم جوائز وبرامج في جامعات إسرائيلية، مثل الجامعة العبرية، تشجع الابتكار هناك.
  • David Dangoor: مستثمر وفاعل خير بارز، من عائلة Dangoor ذات الجذور اليهودية العراقية.
    عُرف بدعمه للمشاريع التعليمية، والعلمية، والصحية، والتكنولوجية، بما في ذلك مؤسسات في إسرائيل مثل Weizmann Institute و Bar-Ilan University.
متدينون يهود/الأناضول
متدينون يهود/الأناضول

الوضع لا يختلف كثيراً داخل الاتحاد الأوروبي

كما أشرنا في بداية التقرير، فإن اليهود في الاتحاد الأوروبي يتركزون بشكل رئيسي في فرنسا وألمانيا وبلجيكا وهولندا والمجر.
وتشير تقديرات معاهد الدراسات اليهودية في أوروبا إلى أن فرنسا تضم أكبر جالية يهودية في الاتحاد الأوروبي (ما بين 450 و500 ألف)، تليها ألمانيا (ما بين 200 و220 ألفاً)، بينما توزعت جاليات أصغر في بلجيكا وإيطاليا وهولندا وإسبانيا.
وتظل العاصمة الفرنسية باريس وضواحيها، إلى جانب مدن كبرى مثل مرسيليا وليون، مراكز حيوية للحياة اليهودية الأوروبية.

هذا الانتشار الجغرافي ينعكس على البنية المؤسساتية، حيث تنتشر المدارس اليهودية والمعابد والمؤسسات الخيرية والمراكز الثقافية في كبريات المدن الأوروبية، بما يعكس تنوعاً واسعاً في الانتماءات العقائدية والسياسية داخل الجاليات اليهودية.

  • الانقسام العقائدي

على غرار الوضع في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لا توفر أغلب الحكومات الأوروبية بيانات رسمية عن الانتماءات الطائفية أو المذهبية لليهود، إذ يقتصر الإحصاء الرسمي غالباً على خانة "الديانة" أو "الهوية العرقية" دون التطرق إلى التيارات الدينية.
رغم ذلك، يمكن ملاحظة خطوط انقسام واضحة داخل المجتمعات اليهودية في أوروبا:

  • التيار الأرثوذكسي: يشمل المجتمعات الأرثوذكسية التقليدية والحريدية، ويُقدَّر أنها تشكل قاعدة متينة، خاصة في فرنسا وبلجيكا، حيث توجد أحياء كاملة ذات نمط حياة حريدي، تتميز بمعدلات نمو ديموغرافي مرتفعة.
  • التيار الإصلاحي والتقدمي: وهو أكثر حضوراً في ألمانيا وهولندا وإسبانيا، ويضم التيارات الليبرالية والإصلاحية التي تستقطب أعضاء من خلفيات متنوعة.
  • اليهود غير المنتمين مذهبياً: تمثل نسبة معتبرة من اليهود الأوروبيين، خاصة بين الأجيال الشابة، حيث يُعرّفون أنفسهم كيهود ثقافيين أو غير متدينين.

هذه التوجهات تشير إلى احتمال استمرار تزايد الوزن النسبي للتيارات الأرثوذكسية على المدى الطويل، في مقابل اعتماد التيارات الإصلاحية والليبرالية على الانفتاح واستقطاب الأعضاء الجدد.

  • التوجهات السياسية والانقسام الحزبي

تاريخياً، كانت الجاليات اليهودية الأوروبية تميل إلى الأحزاب الوسطية أو اليسارية، خصوصاً في فرنسا وألمانيا. لكن خلال العقدين الأخيرين، ظهرت انقسامات متزايدة مرتبطة بالهوية الدينية والسياسية:

  • تميل المجتمعات الأرثوذكسية والحريدية في فرنسا وبلجيكا بشكل أكبر إلى الأحزاب المحافظة أو اليمينية التي تركز على الأمن ومكافحة معاداة السامية.
  • في المقابل، يميل اليهود الإصلاحيون والتقدميون واللامنتمون مذهبياً إلى الأحزاب الاشتراكية أو الوسطية ذات الطابع الليبرالي.

دراسات حديثة أظهرت أن الخلافات حول إسرائيل وسياسات الشرق الأوسط أصبحت عاملاً إضافياً في تحديد مواقف الجاليات اليهودية من الأحزاب الأوروبية، حيث تميل بعض الشرائح الأرثوذكسية إلى الأحزاب المحافظة، بينما تفضل شرائح أخرى خطاب اليسار الاجتماعي.

شبكات النفوذ السياسي والمالي

رغم أن اليهود في الاتحاد الأوروبي يشكلون أقلية عددية صغيرة إذا ما قورنت بالجاليات العربية والمسلمة المنتشرة في دول الاتحاد الأوروبي، فإن حضورهم في الحياة العامة يتجاوز حجمهم العددي من خلال شبكة واسعة من المؤسسات والجمعيات:

  • المجالس التمثيلية: مثل المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا (CRIF) الذي يُعتبر أهم مظلة سياسية للجالية اليهودية الفرنسية، ويقوم بالتواصل مع الحكومة والأحزاب ووسائل الإعلام ويؤثر في توجهاتها وخطها التحريري.
  • المنظمات الأوروبية الجامعة: مثل المؤتمر اليهودي الأوروبي (EJC) الذي يتخذ من بروكسل مقراً له، ويعمل على تمثيل المجتمعات اليهودية أمام مؤسسات الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي، ويعزز العلاقات مع الحكومات الأوروبية في قضايا مثل مكافحة معاداة السامية والدفاع عن الأمن اليهودي.
  • مراكز الأبحاث والاتصال: تنشط منظمات أوروبية وإسرائيلية في تقديم دراسات وتحليلات للبرلمانات والصحفيين حول قضايا الشرق الأوسط وإسرائيل، شبيهة بنموذج BICOM في بريطانيا.

هذه الشبكات لا تعمل فقط في الإطار السياسي، بل تنشط أيضاً في مجالات التعليم والخدمات الاجتماعية والدفاع القانوني عن حقوق الجاليات اليهودية، ما يمنحها قدرة على التأثير في سياسات الاتحاد الأوروبي الداخلية والخارجية.

  • رجال الأعمال والنفوذ المالي

في عدد من الدول الأوروبية، يبرز رجال أعمال ومتبرعون من أصول يهودية بدور مؤثر في دعم المؤسسات الخيرية والتعليمية والثقافية، إضافة إلى تمويل أنشطة سياسية تتعلق بمكافحة معاداة السامية وتعزيز العلاقات مع إسرائيل.

لا يقتصر الأمر على شخصيات فردية، بل يشمل شركات ومؤسسات مالية أسست صناديق دعم للمشاريع في أوروبا وإسرائيل على حد سواء، بما في ذلك دعم البحث العلمي والتعليم والتكنولوجيا. ومن الأمثلة:

  • جان ميشيل لابيد (Jean-Michel Lapid): رجل أعمال يهودي فرنسي، يُعرف بدعمه المستمر لإسرائيل من خلال استثماراته ومؤسساته الخيرية. يُعتبر من أبرز الشخصيات في المجتمع اليهودي الفرنسي، وله دور بارز في تعزيز العلاقات بين فرنسا وإسرائيل.
  • إريك بيسون (Éric Besson): رجل أعمال يهودي فرنسي، شغل منصب وزير الهجرة والهوية الوطنية في فرنسا. يُعرف بدعمه لإسرائيل من خلال مشاركته في فعاليات ومؤتمرات تدعم الدولة العبرية وتعزز العلاقات الثنائية.
  • أولريش هيرمان (Ulrich Hermann): رجل أعمال يهودي ألماني، يُعتبر من أبرز الشخصيات في مجال الأعمال في ألمانيا. يُعرف بدعمه لإسرائيل من خلال استثماراته ومشاركته في مؤسسات تدعم الدولة العبرية وتعزز العلاقات بين ألمانيا وإسرائيل.
  • مارتن شولتز (Martin Schulz): رجل أعمال يهودي ألماني، شغل منصب رئيس البرلمان الأوروبي. يُعرف بدعمه لإسرائيل من خلال مشاركته في فعاليات ومؤتمرات تدعم الدولة العبرية وتعزز العلاقات الثنائية.
  • دانييل كوهين (Daniel Cohen): رجل أعمال يهودي بلجيكي، يُعتبر من أبرز الشخصيات في مجال الأعمال في بلجيكا. يُعرف بدعمه لإسرائيل من خلال استثماراته ومشاركته في مؤسسات تدعم الدولة العبرية وتعزز العلاقات بين بلجيكا وإسرائيل.

نفوذ بارز لليهود في أمريكا الجنوبية وأفريقيا

تُعتبر الأرجنتين موطناً لأكبر جالية يهودية في أمريكا الجنوبية، حيث يُقدّر عددهم بحوالي 300 ألف نسمة. وتُظهر استطلاعات الرأي أن غالبية اليهود في الأرجنتين يدعمون إسرائيل، رغم وجود بعض الأصوات المعارضة.

ولا يختلف الوضع في البرازيل التي تُعد أيضاً موطناً لجالية يهودية كبيرة، حيث يُقدّر عددهم بحوالي 120 ألف نسمة، فيما تُظهر بعض الفئات اليهودية في البرازيل تعاطفاً مع الفلسطينيين، خاصةً في ظل الانتقادات الدولية لسياسات إسرائيل.

وتمتلك الجالية اليهودية في أمريكا الجنوبية، خاصة في الأرجنتين والبرازيل، تأثيراً كبيراً في مجالات المال والسياسة، حيث يشارك العديد من أعضائها في مؤسسات اقتصادية وسياسية بارزة. ومن بين الأسماء المهمة:

  • إدواردو إلسشتاين (Eduardo Elsztain): يُعتبر من أبرز رجال الأعمال اليهود في الأرجنتين، يشغل منصب رئيس مجلس إدارة شركة IRSA، وهي واحدة من أكبر شركات العقارات في أمريكا اللاتينية.
    يُعرف بدعمه القوي لإسرائيل، حيث حصل على جائزة "جينيسيس" في عام 2025 تقديراً لمواقفه المؤيدة لإسرائيل.
  • ماوريسيو بالتر (Mauricio Balter): ناشط يهودي بارز في الأرجنتين، شغل عدة مناصب دينية وتعليمية في المجتمع اليهودي. كان له دور كبير في دعم ضحايا تفجير مركز AMIA في بوينس آيرس عام 1994، ويُعرف بتأييده القوي لإسرائيل.
  • إسحاق عيسى (Isaac Assa): رجل أعمال مكسيكي-إسرائيلي، أسس شبكة ILAN لتعزيز الابتكار المرتبط بإسرائيل في أمريكا اللاتينية. تُعتبر هذه الشبكة منصة مهمة لتعزيز العلاقات بين إسرائيل ودول أمريكا اللاتينية.

في أفريقيا: جنوب أفريقيا نموذجاً

تُعتبر جنوب أفريقيا أكبر وأهم مجتمع يهودي في القارة الأفريقية، حيث يُقدّر عددهم بحوالي 70 ألف نسمة.
وتُظهر استطلاعات الرأي أن غالبية اليهود في جنوب أفريقيا يميلون إلى دعم إسرائيل، رغم أن بعض الأصوات المعارضة لسياسات الدولة العبرية تظهر بين الأجيال الشابة.

ومن أبرز الشخصيات:

  • مندسيل كابلان (Mendel Kaplan): رجل أعمال يهودي بارز، شغل منصب رئيس مجلس إدارة شركة Cape Gate. أسس مركز كابلان لدراسات اليهودية في جامعة كيب تاون عام 1980، ومتحف جنوب أفريقيا اليهودي عام 2000، وكان عضواً في الوكالة اليهودية ورئيساً فخرياً لـKeren Hayesod.
  • ماكس سونينبرغ (Max Sonnenberg): من أبرز رجال الأعمال اليهود في جنوب أفريقيا، أسس شركة Woolworths، وكان ناشطاً صهيونياً، جمع الأموال لدعم المستوطنات في فلسطين، وأسهم في دعم التعليم العالي في البلاد عبر Max Sonnenberg University Trust.
  • منظمة WIZO – فرع جنوب أفريقيا: منظمة نسائية صهيونية تأسست عام 1920، تهدف إلى دعم المجتمع اليهودي في إسرائيل والشتات. ينشط فرعها في جنوب أفريقيا في جمع التبرعات لدعم مشاريع تعليمية وصحية واجتماعية في إسرائيل.

يهود حول العالم يعارضون "الاحتلال الإسرائيلي"

مع تصاعد الانتقادات الدولية للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، برزت أصوات يهودية في الولايات المتحدة وأوروبا ترفض سياسات الحكومة الإسرائيلية وتطالب بوقف الحرب واحترام حقوق الفلسطينيين.
هذه الأصوات اليهودية ليست هامشية، بل تمثل تيارات منظمة، يمكن تصنيفها في خانة اليسار التقدمي والتيارات الليبرالية الصهيونية، وأحياناً المعادية للصهيونية.

  • الولايات المتحدة: جيل جديد من الناشطين
    • Jewish Voice for Peace (JVP): شبكة يسارية تناضل ضد الاحتلال وتتبنى خطاب حقوق الإنسان. في تقريرها لعام 2024، أعلنت عن أكثر من 750 ألف داعم وعضو ومتطوع.
    • IfNotNow: مبادرة شبابية أمريكية تصف سياسات إسرائيل بـ"نظام فصل عنصري"، وتضغط على المسؤولين لإنهاء الدعم غير المشروط لإسرائيل.
    • J Street: التيار الصهيوني الليبرالي المعتدل، يدعو إلى حل الدولتين، وينتقد السياسات اليمينية في إسرائيل، لكنه لا يؤيد المقاطعة الشاملة.
  • بريطانيا: كسر احتكار الصوت التقليدي
    • Na'amod: تأسست عام 2018، منصة شبابية تطالب بإنهاء دعم الجالية اليهودية للاحتلال ووقف الحرب على غزة.
    • Independent Jewish Voices (IJV) وJewish Voice for Labour (JVL): تنتقدان الهيئات اليهودية التقليدية، وتدعوان إلى وقف الحرب على غزة.
  • أوروبا: شبكات عابرة للحدود
    • European Jews for a Just Peace (EJJP): ائتلاف يضم جماعات يهودية في تسع دول.
      فرعه الألماني Jüdische Stimme يُعد من أبرز الفاعلين، يدعم حقوق الفلسطينيين وينتقد سياسات إسرائيل، وغالباً ما يتعرض لضغوط من المؤسسات اليهودية الرسمية.
مظاهرة داعمة لغزة في العاصمة البريطانية لندن/ رويترز
مظاهرة داعمة لغزة في العاصمة البريطانية لندن/ رويترز

كيف أثرت حرب غزة على التعاطف مع "يهود العالم"؟

أثرت الحرب المدمرة التي يخوضها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، على المجتمعات اليهودية حول العالم، ولم يقتصر ذلك على ما سببته صورة الحرب الإعلامية من تراجع التعاطف مع اليهود في الغرب، بل امتد إلى الأمن الشخصي وهجرتهم نحو بلدان أخرى إضافة إلى الانقسامات الداخلية والأثر النفسي والاجتماعي.

منظمات رسمية مثل ADL (Anti-Defamation League) سجلت قفزات كبيرة في عدد حوادث "معادية للسامية" في الولايات المتحدة بعد أكتوبر/تشرين الأول 2023، غير أن الأبرز هو تراجع الأصوات المؤيدة لإسرائيل والمتعاطفة مع اليهود في الولايات المتحدة.

وكشف استطلاع أجرته مؤسسة "Gallup" في أوائل 2025 أن دعم الأمريكيين لإسرائيل وصل إلى أدنى مستوى له منذ 25 عاماً، حيث 46% فقط من المشاركين أبدوا تعاطفاً مع إسرائيل، مقارنة بـ 51% في العام السابق، بينما ارتفع التعاطف مع الفلسطينيين إلى نحو 33%.

في أوروبا، وفق تقرير الوكالة الأوروبية لحقوق الإنسان (FRA)، فإن الشعور بعدم الأمان ارتفع عند الجاليات اليهودية، واتخذت تجمعات دينية وثقافية يهودية في فرنسا وألمانيا وبلجيكا تدابير أمنية إضافية وصلت أحياناً إلى إلغاء فعاليات خوفاً من استهداف.

وحسب استطلاع لمؤسسة "YouGov" شمال ست دول أوروبية في يونيو/حزيران 2025، وهي بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، الدنمارك، إيطاليا، إسبانيا، فإن أقل من 20% من المشاركين لديهم صورة إيجابية عن إسرائيل، وهي أدنى نسبة منذ أن بدأ "YouGov" تتبع هذا المؤشر منذ 2016.

بالمقابل، بين 63-70% من المشاركين لديهم تقييم سلبي لإسرائيل في هذه الدول، بينما تضاعف التعاطف مع الفلسطينيين من 18-33% قالوا إنهم يشعرون بتعاطف أكبر مع الفلسطينيين، بينما فقط من 7-18% تعاطفوا أكثر مع الإسرائيليين.

تحميل المزيد