بينما كان يلوح جندي في جيش الاحتلال الإسرائيلي لشاحنة مساعدات، طالباً منها العودة إلى بوابة معبر العوجة المصري، تعالت زغاريد إسرائيليات للتعبير عن فرحهن بحرمان المحاصرين في غزة من المساعدات التي كان يفترض أن تنقلها الشاحنة لهم، وكان يقف وراءهن جموع من الإسرائيليين اليمينيين الذين انضموا لحركة إسرائيلية تترأس مهمة منع عبور شاحنات المساعدات إلى القطاع.
هذه الحركة المُسماة "حركة الأمر 9" تتناغم أنشطتها مع مواقف وزراء متطرفين في الحكومة الإسرائيلية، وباتت تتواجد بكثرة عند معبري "كرم أبو سالم"، و"معبر نيتسانا" (التسمية العبرية لمعبر العوجة من جهة مصر)، ويتزايد أعداد المنضمين إليها الذين يشكلون حاجزاً بشرياً عند المعبرين ويرفضون التحرك من أماكنهم إلى أن تتراجع بالنهاية شاحنات الإغاثة.
تضم الحركة في صفوفها رجالاً ونساءً وحتى أطفالاً من المدارس الدينية، يجعلهم المنظمون يشاركون في وقفات منع عبور الشاحنات، بهدف زيادة الجوع في غزة.
"عربي بوست" تتبع تفاصيل نشاط الحركة، إضافة لنشاط حركات مشابهة تحظى بتمويل ضخم من قبل إسرائيليين، وحتى تاريخ 28 فبراير/شباط 2024 لا تزال "حركة الأمر 9" تتسبب بمنع عبور شاحنات الإغاثة إلى غزة، رغم ضغوط أمريكا على الحكومة الإسرائيلية لإدخال المساعدات، وقرار محكمة العدل الدولية الذي طالب إسرائيل بضرورة توفير المساعدات الإنسانية للفلسطينيين بالقطاع.
بداية "حركة الأمر 9" لتجويع غزة
يقف وراء هذه الحركة زوجان، هما الإسرائيلية رعوت بن حاييم وهي رئيسة الحركة، وزوجها يوسف بن حاييم، وهو جندي في صفوف الاحتياط لدى جيش الاحتلال الإسرائيلي.
بن حاييم هي موظفة في وزارة التربية الإسرائيلية، بحسب ما توصل إليه تتبع أجراه "عربي بوست" لنشاط هذه الإسرائيلية على شبكات التواصل الاجتماعي، وتحمل بن حاييم أفكاراً متطرفة حيال ضرورة منع المساعدات عن غزة، كوسيلة ضغط من أجل إعادة الأسرى الإسرائيليين الموجودين في القطاع.
بدأت بن حاييم نشاطها لمنع وصول المساعدات إلى غزة، في شهر يناير/كانون الثاني 2024، وفي يوم 10 يناير الماضي، نشرت بن حاييم منشوراً تستهجن فيه استمرار تدفق المساعدات لقطاع غزة من المعابر، ودعت في ذلك اليوم للتجمهر عند معبر كرم أبو سالم يوم 11 يناير/كانون الثاني 2024.
ومن خلال الصور أدناه، يمكنكم الاطلاع على نشاط الحركة عند المعابر الحدودية مع غزة.
وتوالت دعوات بن حاييم للإسرائيليين إلى التجمع عند المعابر، حتى بعد إعلان جيش الاحتلال منطقة معبر كرم أبو سالم منطقة عسكرية، ويظهر تتبع نشاط الحركة في بداياتها أن بن حاييم كانت تقف بنفسها رفقة زوجها ورضيعها عند المعبر، قبل أن ينضم إليهم في وقت لاحق بقية المشاركين في الحملة.
تم إنشاء صفحة "حركة الأمر 9" على موقع "فيسبوك" في منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، ويبلغ عدد أعضائها حتى تاريخ 28 فبراير/شباط 2024 نحو 5 آلاف مشارك، وتزعم بن حاييم أن عدد متابعي نشاط "حركة الأمر 9" على مختلف منصات التواصل، بلغ 10 آلاف، ويجري التنسيق بينهم على غرف خاصة في "واتساب"، وتلغرام".
في تصريح سابق لها لصحيفة "معاريف" الإسرائيلية، قالت بن حاييم إنها بدأت نشاطها لمنع عبور المساعدات لغزة، من خلال الترويج لنشاطها عبر "الواتساب، وفيسبوك"، قبل أن تتوسع الحركة.
تحظى نشاطات "حركة الأمر 9" بتغطية واسعة من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية، ومن بين الجهات الإعلامية التي غطت نشاط الحركة، قناة "كان" الإسرائيلية الرسمية، التي استضافت يوم 27 فبراير/شباط 2024، إحدى المشاركات في التجمع عند معبر "نيتسانا"، كما نشرت صحف مثل "يديعوت أحرونوت"، أخباراً عدة عن نجاح الحركة في منع عبور مساعدات الإغاثة لغزة.
منع وصول المساعدات إلى غزة مقابل الأسرى
على الموقع الإلكتروني لـ"حركة الأمر 9″، تعبّر الحركة عن هدفها بصراحة، وهو منع وصول المساعدات إلى غزة، وتزعم أن المساعدات الإغاثية التي يتم إدخالها من المعابر تصل إلى حركة "حماس".
تدعو "حركة الأمر 9" في موقعها الإلكتروني إلى ضرورة منع وصول المساعدات طالما أن الأسرى الإسرائيليين موجودون داخل غزة، وتوجه الحركة رسالة مباشرة إلى الإسرائيليين بقولها إن "الانتصار يعتمد عليك"، وتدعوهم للمشاركة في التجمهر عند المعابر.
وتظهر الفيديوهات التي تنشرها الحركة عن منعها دخول المساعدات إلى غزة، مشاركة واسعة من الأطفال والمراهقين الذين يحملون لافتات مؤيدة لحرمان سكان القطاع من المساعدات، ويشارك أيضاً في تحركات "حركة الأمر 9" أفراد من عائلات أسرى إسرائيليين في غزة، إضافة إلى عائلات جنود في جيش الاحتلال.
"حركة الأمر 9" تمكنت في مرات عدة من منع إدخال المساعدات إلى غزة، وبحسب ما رصده "عربي بوست"، فإن الحركة وبسبب تجمعها عند "معبر كرم أبو سالم"، فإنها نجحت في نهاية يناير/كانون الثاني 2024 في منع عبور الشاحنات إلى غزة.
في 25 يناير/كانون الثاني 2024، منعت الحركة عبور 51 شاحنة من أصل 60 إلى قطاع غزة، وأجبرت الشاحنات على العودة إلى مصر، وفي 28 يناير/كانون الثاني 2024، وبسبب تجمع أنصار الحركة عند معبر كرم أبو سالم، تم تحويل شاحنات الإغاثة إلى معبر "نيتسانا".
تحالف من أجل تجويع غزة
وإلى جانب "حركة الأمر 9″، هنالك حركات إسرائيلية مشابهة تنشط مع "حركة الأمر 9" بهدف الإسهام في تجويع سكان غزة، مثل حركة تُطلق على نفسها اسم "مسيرة الأمهات"، التي تضم في صفوفها أمهات لمقاتلين في جيش الاحتلال، وباتت هذه الحركات تتحرك بتنسيق مشترك.
تحظى هذه الحركات بدعم مالي كبير من قبل إسرائيليين، يمولونها من أجل استمرار العمل على منع عبور المساعدات للقطاع، واطلع "عربي بوست" على تفاصيل حملة تبرع أطلقتها "حركة الأمر 9″، وجمعت الحركة حتى تاريخ 29 فبراير/شباط 2024، أكثر من 68 ألف دولار.
فيما جمعت حركة "مسيرة الأمهات" حتى تاريخ 29 فبراير/شباط 2024، 127885 دولاراً، ويقود هذه الحركة إسرائيلية متطرفة، هي سيما حسون، وهي والدة جنديين إسرائيليين، وكانت قد قالت في تصريح لها: "لن تدخل غزة حبة مساعدات، سنوقفها بأجسادنا".
تُشارك "مسيرة الأمهات" مع "حركة الأمر 9" في إغلاق المعابر ومنع عبور المساعدات لغزة، وذلك بالتنسيق أيضاً مع حركة "إم ترتسو" الصهيونية، وتمكنت هذه الحركات يوم الإثنين 19 فبراير/شباط 2024، في منع دخول شاحنات المساعدات إلى قطاع غزة من معبر "نيتسانا"، وأكد الهلال الأحمر الفلسطيني حينها أنه لم تدخل أية شاحنة من المعبر في ذلك اليوم.
وفي 6 فبراير/شباط 2024، نصب إسرائيليون خياماً عند معبر "كرم أبو سالم" لمنع عبور شاحنات الإغاثة إلى غزة، فيما وصل نشاط حركة "مسيرة الأمهات" إلى حد التجمع والتظاهر في يناير/كانون الثاني 2024 عند ميناء "أشدود" بدعوى أنه يمثل ممراً للمساعدات المتوجهة إلى غزة.
كان من بين المشاركين في التجمع عند الميناء، عضو الكنيست الإسرائيلي عن حزب "الصهيونية الدينية" اليميني المتطرف تسفي سوكوت، والذي سبق أن دعا إلى احتلال قطاع غزة وضمه لإسرائيل، وهدم كل البيوت هناك.
تناغم مع المسؤولين الإسرائيليين المتطرفين
على الرغم من زعم "حركة الأمر 9" والحركات المشابهة لها بأنها "غير مسيّسة"، وأنها تعمل بشكل مستقل، إلا أن دلائل تظهر تناغماً بين نشاط هذه الحركات ومواقف الوزراء المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية، لا سيما الوزير بن غفير.
والهدف الذي تسعى إليه هذه الحركات الإسرائيلية، هو ذات الهدف الذي دعا بن غفير إلى تحقيقه، عندما هاجم في ديسمبر/كانون الأول 2023، حكومة بنيامين نتنياهو، بدعوى سماحها بدخول شاحنات مساعدات لغزة عبر معبر "كرم أبو سالم"، مطالباً بوقف إدخال المساعدات للقطاع.
كذلك أيدت رئيسة حركة "مسيرة الأمهات"، سيما حسون، دعوة بن غفير إلى تشجيع سكان غزة على "الهجرة الطوعية" ومنحهم حوافز مالية للقيام بذلك.
الوزير الإسرائيلي المتطرف بن غفير، كان قد أعلن صراحة عن غضبه من تصدي جيش الاحتلال أحياناً لبعض المتجمهرين الإسرائيليين عند المعابر، في مؤشر واضح على دعم بن غفير لتحركات الحركات الإسرائيلية لمنع عبور المساعدات لغزة.
أيضاً تهاجم هذه الحركات "الأونروا" بسبب تقديمها الإغاثة للفلسطينيين، وتعمل على شيطنة الوكالة الأممية واتهامها بذات الاتهامات التي يوجهها مسؤولون إسرائيليون، من قبيل أن الوكالة يتم استغلالها من قبل حماس، وكان مسؤولون إسرائيليون قد طالبوا مراراً بحل "الأونروا" بالكامل.
يأتي منع إدخال المساعدات إلى غزة، في وقت تتفشى فيه المجاعة في شمال القطاع، فيما يعاني جميع السكان البالغ عددهم 2.2 مليون من نقص المساعدات الواصلة إليهم، وسط تشديد إسرائيل لحصارها على القطاع والسماح بدخول كميات قليلة جداً من المساعدات.
وحتى اليوم الخميس 29 فبراير/شباط 2024، تجاوز عدد الشهداء في غزة 30 ألفاً منذ بدء الحرب الإسرائيلية على القطاع يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.