تظهر أدلة بصرية وصور أقمار صناعية، حصل عليها "عربي بوست"، إضافة لتتبع نشاط قوات الاحتلال الإسرائيلي على حدود غزة، أن إسرائيل تطبّق خطتها لإقامة منطقة عازلة على حدود القطاع، من خلال مسح أبنية داخل غزة، تقع بالقرب من السياج الفاصل مع المستوطنات، وذلك على الرغم من إعلان أمريكا ظاهرياً رفضها لهذه الخطة.
هدفان رئيسيان من إقامة منطقة عازلة في غزة
تُنفذ إسرائيل خطة إقامة منطقة عازلة في غزة، عبر تنفيذ عمليات تفجير واسعة النطاق لمباني الفلسطينيين في المنطقة الحدودية لغزة، ويُعدّ سعي إسرائيل لإقامة هذه المنطقة جزءاً من أهداف الحرب التي تشنها على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
يهدف الاحتلال من إقامة هذه المنطقة منع حدوث محاولة أخرى من الفصائل الفلسطينية لتكرار هجوم عملية "طوفان الأقصى" غير المسبوق، والهدف الثاني إقناع سكان المستوطنات المتاخمة لغزة، من أجل العودة إليها مجدداً، بعدما هجروها عقب هجوم "طوفان الأقصى"، إذ باتوا خائفين من العودة لمناطقهم، خشية تكرار الهجوم، واستمرار تساقط القذائف والصواريخ التي تُطلق من أراضي غزة.
في حال حققت إسرائيل خطتها بإقامة "منطقة عازلة في غزة"، فإنها ستحقق هدفاً ثالثاً يتمثل في تقليص مساحة القطاع المكتظ جداً بوجود نحو 2.2 مليون نسمة، يعيشون في مساحة 360 كيلومتراً، فيما يبلغ طول القطاع 41 كيلومتراً، ويتراوح عرضه بين 6 و13 كيلومتراً.
تدمير المباني على الحدود
توجد في منطقة غلاف غزة نحو 50 مستوطنة، تقع على مسافة نحو 40 كيلومتراً من القطاع، في حين أن عدداً منها يقع على مقربة من غزة، مثل مستوطنة "ناحال عوز" التي تبعد عن غزة نحو 800 متر فقط، و"مفلاسيم" 1.3 كيلومتر، و"إيرز" 1.3 كيلومتر، و"كيسوفيم" 1.6 كيلومتر.
كانت إسرائيل، وبعد 3 أسابيع من بدء الحرب على غزة، قد أخبرت دولاً عربية بما فيها مصر والأردن، إضافة إلى تركيا، بخطتها لإقامة "منطقة عازلة" في غزة، من الشمال إلى الجنوب، من أجل منع أي هجوم من المقاومة، بحسب ما أكدته مصادر مصرية وإقليمية لوكالة رويترز آنذاك.
تُشير تقارير عدة، إلى أنه من المرجح أن يتراوح عرض المنطقة بين 1 و2 كيلومتر، بدءاً من السياج الفاصل على الحدود إلى عمق المناطق في غزة.
تحققنا في "عربي بوست" من صور الأقمار الصناعية للمناطق الواقعة على الحدود بين إسرائيل وغزة، بدءاً من الشمال، والشمال الشرقي، إلى الجنوب والجنوب الشرقي لغزة، ووجدنا أن هنالك عمليات تدمير ممنهجة للمباني السكنية على عمق يتراوح بين 1.5 و2 كيلومتر من السياج الفاصل.
كذلك تظهر بيانات مركز الدراسات العليا بجامعة نيويورك، وولاية أوريغون، لقياس حجم الأضرار في المباني بغزة، أن المباني الواقعة على تخوم الحدود هي الأكثر تضرراً مقارنة بغيرها من الأبنية داخل القطاع.
تظهر خريطة الأضرار المباني التي تم تدميرها أو تضررها، ويُشير اللون الأصفر إلى أضرار أقل بالبنية التحتية، فيما يُشير اللون الأحمر إلى ضرر أكبر، في حين أن اللون الوردي يشير إلى نسبة عالية من الدمار تصل إلى 98%.
هذه المناطق الحدودية المُدمَّرة في غزة، لا تفصل بينها وبين الحدود مع الأراضي المحتلة إلا مساحات زراعية مفتوحة، الأمر الذي يسهل من إسرائيل إقامة "منطقة عازلة" فيها، بعد التخلص من الأبنية، وهو ما يحدث فعلياً.
تُظهر صور الأقمار الصناعية الملتقطة 21 يناير/كانون الثاني 2024، دماراً واسعاً حلّ في المباني القريبة من الحدود، في منطقتي بيت حانون (شمال شرق قطاع غزة)، وبيت لاهيا (شمال غرب)، إذ مُسحت أبنية بالكامل، ودُمِّرت أحياء مع بنيتها التحتية، ما يجعل العودة إليها والعيش فيها أمراً صعباً للغاية.
كانت منطقة شمال غزة نقطة البداية لتوغل قوات الاحتلال في قطاع غزة، وتعرضت المنطقة لأحزمة نارية، وتجريف، وتدمير ممنهج للأبنية، وتُظهر صور الأقمار، أن أبنية على بعد يتراوح بين 1.5 و2 كيلومتر عن الحدود، تم تدميرها.
لا يختلف الأمر على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة، فعلى عمق 2 كيلومتر من السياج الفاصل نحو حي الشجاعية المقابل لمستوطنة "ناحال عوز"، نفذت قوات الاحتلال عمليات تفجير لمبانٍ أدت إلى مسح أحياء بأكملها في المنطقة.
في منطقة جحر الديك شرق قطاع غزة، والتي تبعد مئات الأمتار فقط عن السياج الفاصل، تعرضت المباني السكنية لعمليات تدمير واسعة، وهذه المنطقة التي تحيط بها المساحات الزراعية، كانت قد تعرضت لقصف مكثف وشهدت مواجهات عنيفة تكبدت فيها قوات الاحتلال خسائر عدة.
وفي منطقتي المغازي والبريج، تُظهر صور الأقمار الصناعية مسحاً لمنازل وأبنية في المنطقة الحدودية المجاورة للسياج الحدودي، وتزاد حدة التدمير في المناطق الواقعة على بعد 1.5 إلى 2 كيلومتر من الحدود.
إقرار إسرائيلي بتدمير مبانٍ على الحدود
في أحدث مؤشر على عزم إسرائيل إقامة "منطقة عازلة" في غزة، نقلت صحيفة "نيويورك تايمز"، الثلاثاء 23 يناير/كانون الأول 2024، عن 3 مسؤولين إسرائيليين، تأكيدهم أن إسرائيل تريد هدم العديد من مباني الفلسطينيين في قطاع غزة، القريبة من الحدود لإنشاء "منطقة أمنية".
والعملية الأبرز التي نفذها جيش الاحتلال وتُعد دليلاً على المضي بتنفيذ الخطة ظهرت إلى العلن، بعدما أعلنت إسرائيل يوم 23 يناير 2024، مقتل 21 جندياً إسرائيلياً، عقب استهداف مقاتلين من المقاومة، مبنيين لغمتهما القوات الإسرائيلية لهدمهما، شرق "مخيم المغازي" وأدى الاستهداف لانهيار المبنيين بالكامل.
أقر مسؤولون في الجيش بأن هؤلاء الجنود قُتلوا خلال مهمة، تصب أهدافها في إقامة "منطقة آمنة" بحسب وصفهم إذ قال رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي، إن الجنود القتلى، كانوا يقومون بعملية تهدف "لتهيئة الظروف الأمنية لعودة سكان منطقة غلاف قطاع غزة إلى بيوتهم بأمان".
كذلك أكد المتحدث باسم الجيش، دانيال هاغاري، أن "الجنود الذين قُتلوا، كانوا في مهمة "لتهيئة الظروف الأمنية لعودة سكان الجنوب إلى منازلهم".
رفض أمريكي لمنطقة عازلة
يأتي مُضي الاحتلال في إقامة منطقة عازلة داخل أراضي قطاع غزة، وسط معارضة من أمريكا، التي أعربت مراراً عن رفضها لهذه الخطة، لكن وبحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" فإن أمريكا تواجه صعوبة في الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
في هذا الصدد، قال وزير الخارجية الأمريكي، إن واشنطن قد تقبل منطقة مؤقتة، وأشار إلى أن الأسئلة لا تزال قائمة حول "الترتيبات الانتقالية" عندما تتباطأ العمليات العسكرية الإسرائيلية.
كذلك جادل مسؤولون أمريكيون في أنه إذا كانت هنالك حاجة لدى إسرائيل بإقامة "منطقة أمنية دائمة" على الحدود، فإنه ينبغي أن تكون "على الأراضي الإسرائيلية"، بحسب تعبيرهم.
وتتجاهل الحكومة الإسرائيلية موقف الولايات المتحدة، لا سيما وأن الإعلان عن نية إسرائيل إقامة "منطقة عازلة" داخل غزة، بدأ منذ الأسابيع الأولى للحرب، إذ قال وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين إنه "بعد الحرب ستنخفض مساحة غزة".
كذلك قال وزير الزراعة الإسرائيلي، آفي ديختر، إن "إسرائيل ستفرض هامشاً حول غزة"، وأضاف: "بغضّ النظر عمن تكون، لن تتمكن أبداً من الاقتراب من الحدود الإسرائيلية".
ويشكك خبراء في أن تكون "المنطقة العازلة" قادرة على منع الفصائل الفلسطينية من مواصلة هجماتها بالصواريخ على المناطق المحتلة، كذلك لا بد من الإشارة إلى أن المناطق الحدودية التي تعمل إسرائيل على هدمها، لا تزال تشهد حتى الآن هجمات من قبل الفصائل التي تستخدم في بعض الأحيان الأنفاق وتشن هجمات مفاجئة توقع خسائر بصفوف جيش الاحتلال.