كثّف جيش الاحتلال الإسرائيلي من قصفه للمنطقة الحدودية بين قطاع غزة، ومصر، ونفذ ضربات في رفح جنوب القطاع، لا تبعد سوى مئات الأمتار عن الأراضي المصرية، واستهدف منطقة تبعد عشرات الأمتار فقط، بحسب ما توصل إليه توثيق أجراه "عربي بوست" لمناطق مستهدفة على الحدود.
وازدادت وتيرة الضربات على رفح مع انهيار الهدنة بين إسرائيل وفصائل المقاومة بداية ديسمبر/كانون الأول 2023، كما يتزامن ارتفاع معدل قصف جنوب غزة مع تزايد حركة نزوح سكان القطاع إلى المنطقة، وتمركز النازحون قرب الحدود مع مصر، في منطقة يفترض أن تكون الأكثر أمناً في غزة.
"عربي بوست" تحقق من خلال فيديوهات وصور من 14 استهدافاً لمناطق في رفح قرب الحدود مع مصر، وهذا الرقم ليس الحصيلة الكلية لعدد الاستهدافات الإسرائيلية لرفح، لكنه يشير إلى المناطق الأكثر قرباً من الحدود التي تعرضت للقصف، والتي يتراوح بعدها عن الحدود بين كيلومتر وعشرات الأمتار.
من بين أقرب الضربات على الأراضي المصرية، استهداف منطقة في أقصى جنوب غرب رفح، وبحسب صورة نشرتها وكالة Getty Images يوم 12 ديسمبر/كانون الأول 2023 للمنطقة المستهدفة قرب السياج الحدودي، فإنها لا تبعد سوى عشرات الأمتار عن الأراضي المصرية.
وفي 21 ديسمبر/كانون الأول 2023، قصف الاحتلال منطقة معبر كرم أبو سالم، وقتل 4 أشخاص بينهم مدير المعبر بسام غبن، ولا يبعد المعبر سوى أمتار قليلة عن الأراضي المصرية، فضلاً عن أنه سبق أن قصف الاحتلال يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول 2023، موقعاً للجيش المصري، وقال جيش الاحتلال حينها إن الحادث وقع عن طريق الخطأ.
وصول الغارات الجوية إلى قرب السياج الحدودي مع مصر، يعني أن الاستهداف الإسرائيلي طال حتى "محور فيلادلفيا" (أو محور صلاح الدين)، وهو عبارة عن شريط حدودي ضيق داخل أراضي قطاع غزة، ويمتد المحور بطول 14 كم على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر من معبر كرم أبو سالم وحتى البحر الأبيض المتوسط.
ووفقاً لأحكام معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لعام 1979، تم الاتفاق بين مصر وإسرائيل على اعتبار هذا المحور منطقة عازلة، ما يجعل لها خصوصية أمنية، وفي العام نفسه وقعت "إسرائيل" مع مصر بروتوكول "فيلادلفيا" الذي سمح للقاهرة بنشر مئات الجنود لتأمين هذه المنطقة.
ومن بين أقرب الأحياء في قطاع غزة للأراضي المصرية، حي البرازيل، الذي تعرض لقصف إسرائيلي، ويظهر فيديو لاستهداف مبنى في الحي لعائلة شحادة يوم 14 ديسمبر/كانون الأول 2023، أنه يبعد نحو 395 متراً فقط عن الأراضي المصرية، وتسبب القصف بسقوط ضحايا بين شهداء وجرحى.
في منطقة قريبة من حي البرازيل، يقع حي السلام شرق رفح، والذي تعرض لاستهدافات متكررة، ويبعد الحي عن الأراضي المصرية نحو 550 متراً.
على القرب من الحدود أيضاً، تعرض محيط مستشفى الكويت في رفح إلى استهدافات متكررة، وتحقق "عربي بوست" من غارة استهدفت جوار المستشفى يوم 20 ديسمبر/كانون الأول 2023، ولا تبعد هذه المنطقة عن الأراضي المصرية سوى نحو 630 متراً.
في غارة أخرى في منطقة محيطة بمستشفى الكويت، تعرّض مبنيان سكنيان للقصف في 19 ديسمبر/كانون الأول 2023، ولا يبعدان عن الحدود مع مصر سوى نحو 430 متراً.
ولم تُستثنَ المناطق التي تؤوي نازحين في رفح جنوب غزة من الاستهداف، بما في ذلك المناطق الملاصقة للمدارس التابعة لـ"وكالة الغوث" (مدارس الأونروا التابعة للأمم المتحدة)، إذ تعرضت منطقة ملاصقة لمدرسة للفتيات لقصف إسرائيلي، وتبعد المنطقة التي طالها القصف نحو 582 متراً عن مصر.
وفي يوم 20 ديسمبر/ كانون الأول 2023 تعرض مسجد علي بن أبي طالب في رفح، لقصف من قبل قوات الاحتلال، ما أدى إلى تدميره بالكامل، وسقوط شهداء وجرحى، ويبعد المسجد عن الأراضي المصرية نحو 467 متراً فقط.
ومن بين أعنف الضربات الإسرائيلية التي استهدفت رفح، قصف مربع سكني في مخيم الشابورة بالقرب من دوار النجمة، يوم 13 ديسمبر/كانون الأول، ويظهر التحقق من فيديوهات وصور القصف، أن المنطقة المستهدفة تبعد نحو 1.1 كيلومتر عن الأراضي المصرية.
ومع بدء الحرب الإسرائيلية على غزة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وجّه الجيش الإسرائيلي دعوات لسكان مناطق شمال غزة بالتوجه نحو الجنوب، تمهيداً لاستهداف منازلهم، زاعماً أن مناطق جنوب القطاع، بما في ذلك رفح، ستكون "آمنة".
ولم يحظَ الجنوب بفترة هدوء أو استثناء من العمليات العسكرية أو القصف، وبحسب إحصائية نشرتها وكالة رويترز يوم 22 ديسمبر/كانون الأول 2023، فإن نحو 11 من المباني في رفح تضررت حتى تاريخ 16 ديسمبر/كانون الأول 2023.
وتحولت مدينة رفح إلى مركز مكتظ بالنازحين، وتشير تقديرات إلى أن المدينة بات فيها ما لا يقل عن 1.1 مليون نسمة، من بينهم 300 ألف من سكانها، وبذلك يكون نصف سكان غزة قرب الحدود مع مصر.
يثير هذا التكدس الكبير للنازحين في جنوب غزة، قلقاً من حدوث سيناريو تهجير جماعي لسكان غزة إلى الأراضي المصرية، وفي هذا الصدد، كان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، قد حذر في وقت سابق خلال وجوده في قطر، "من تزايد الضغط من أجل التهجير الجماعي إلى مصر".
وإلى جانب موجات النزوح الواسعة التي تسببت بها الحرب الإسرائيلية على غزة فإنه منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أسقط جيش الاحتلال حتى اليوم الجمعة، 21 ألفاً و507 شهداء و55 ألفاً و915 مصاباً، معظمهم أطفال ونساء، وأحدث دماراً هائلاً في البنية التحتية، وكارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقاً لسلطات القطاع والأمم المتحدة.