فيديو بالأبيض والأسود يُظهر حادثة قصف جويّ لشاحناتٍ مجهولة في العراء ضمن مكانٍ ما، ظهر منذ سنين ضمن عوالم الخيال الافتراضية، ليجد طريقه إلى منصات الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعية مراراً وتكراراً عبر هذه السنين.
ما قصة فيديو القصف هذا الذي كان من أكثر الفيديوهات انتشاراً ضمن الأخبار المفبركة والتضليل الإعلامي المتعلق بحوادث عسكرية واقعة في دول عربية مختلفة؟ وما الذي أعاده إلى الواجهة الآن؟
هل كان فيديو لقصف شاحنات إيرانية في سوريا؟
تناقلت حسابات لصحفيين ومستخدمين آخرين ضمن وسائل التواصل الاجتماعي فيديو لما قالت إنه توثيق للغارات التي استهدفت شاحنات إيرانية مليئة بالسلاح في مدينة البوكمال السورية بريف دير الزور، في إشارة إلى الضربات الجوية التي وقعت في 29 يناير/كانون الثاني 2023.
انتشر الفيديو المصوّر بالأبيض والأسود في حسابات متعددة على منصتيّ فيسبوك وتويتر، ولا يظهر الجزء المقتطع من سياقه ضمن الفيديو أكثر من ما يبدو أنه مجموعة لمركباتٍ تسير وراء بعضها في قافلةٍ ضمن مكانٍ مجهول، ومن ثم تبدأ المركبات بتلقّي القصف الجوي الواحدة تلو الأخرى لتشتعل النيران فيها جميعاً، ويُلاحظ أن الصوت المرافق قد جرى تعديله بطريقةٍ لم يعد تمييز الكلمات المتداولة فيها بالإضافة إلى رداءة جودة الفيديوهات المُشاركة عموماً.
أدرجنا في "عربي بوست" بعض اللقطات المأخوذة من الفيديو ضمن أدوات البحث العكسي للصور، بما في ذلك خدمة جوجل وTinEye لتفحّص الصور والوصول لأقدم النسخ المتاحة منها عبر الإنترنت، ووجدنا أن الفيديو ليس فيديو لحادثٍ حقيقي، بل يعود في الواقع لمحاكاة خيالية لإحدى ألعاب "الفيديو جيم".
وتبين أن الخبر مضلل، فالفيديو لا يعود لغارةٍ جوية في شرق سوريا، بل هو مجرد جزء مقتطع من الفيديو الترويجي للعبة طوّرتها شركة Byte Conveyor Studios المتخصصة بتطوير الألعاب لمنصّات الهواتف المحمولة.
وكان أول ظهورٍ كامل للفيديو على حساب استوديو الألعاب الأرجنتيني في منصّة يوتيوب، في 25 آذار/مارس 2015، وجاء بعنوان AC-130 Gunship Simulator – Convoy engagement، أي إن الفيديو يمثل محاكاة حربية لاشتباك سلاح AC-130 مع قافلة مركبات.
وكان هذا الفيديو تحديداً لبراعة تمثيله للمشهد الحربي قد انتقل لمنصّات الأخبار وتناقله صحفيون وجهات رسمية حتى، ليكون واحداً من أبرز الفيديوهات المضلّلة انتشاراً مع الأحداث العسكرية من غارات واستهدافات واغتيالات في بلدان عربية مختلفة.
دليل روسيا الدامغ
في يوم 14 تشرين الثاني/نوفمبر من 2017، نشرت وزارة الدفاع الروسية على حسابَيها في فيسبوك وتويتر صوراً قالت إنها تمثل "أدلةً لا يمكن دحضها" على التواطؤ الحاصل بين الولايات المتحدة ووحدات "داعش" القتالية.
وقالت الوزارة إن هذه الصور تُظهِر في الحقيقة "تأمين الولايات المتحدة غطاءً لوحدات داعش القتالية لاستعادة قدراتها الدفاعية وإعادة الانتشار، واستخدامها لتعزيز المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط".
لكن سرعان ما اكتشفَ نشطاء أن الصور المستخدمة لا تتطابق في الحقيقة مع التواريخ والأماكن التي زعم حساب وزارة الدفاع الروسية أنها مأخوذة منها، وهو ما دفع الوزارة إلى حذف منشورها، إلا أن وسائل إعلامية روسية تابعت تداول الصور نقلاً عن الوزارة.
أثارتً صورة من المجموعة تفاعلاً خاصاً من مستخدمي تويتر حينها وحملة سخرية واسعة، وذلك بعد أن تبيّن أن الصورة التي قالت الوزارة إنها تُظهر "قافلة لسيارات داعش تُغادر البوكمال متجهة إلى الحدود السورية العراقية في 9 من تشرين الثاني/نوفمبر 2017″، هي في الحقيقة ليست سوى لقطة شاشة مأخوذة من فيديو اللعبة الترويجي آنف الذكر.
فيما بيّن تعقّب الصور الأخرى أنه ولا صورة تعود فعلاً للبوكمال أو ليوم 9 نوفمبر، كما ادّعت وزارة الدفاع الروسية، بل مأخوذة من مقاطع فيديو تظهر القوات الجوية العراقية وهي تقصف داعش عام 2016، وفقاً لتقريرٍ نشره موقع بيلينغ كات المتخصص بالصحافة الاستقصائية.
على إثر هذا المنشور، صرح المتحدث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الكولونيل رايان ديلون بأن بيانات وزارة الدفاع الروسية "لا تعادلها في الدقة سوى (أهداف) حملتها الجوية"، وفقاً لما نقلته وكالة رويترز آنذاك، مُشيراً إلى الصورة المقتبسة من فيديو الألعاب بالتحديد، ومضيفاً أنه أمر يتوافق مع ما رأوه من وزارة الدفاع الروسية من عدم الدقّة والادعاءات التي لا أساس لها من الصحة.
مقاطع خيالية لاغتيال سليماني وقادة إيرانيين آخرين
لجأنا في "عربي بوست" إلى تطبيق تقنية البحث العكسي لبعض اللقطات المأخوذة من فيديو اللعبة الترويجي لتعقّب تكرار انتشار الفيديو عبر المنصات الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي، ومدى ارتباطه بأحداثٍ عسكرية معينة.
وتبيّن بالبحث أن الفيديو كثيراً ما نُشِر باعتباره فيديو يظهر لقطات حصرية أو جديدة لحادثة استهداف قائد قوات فيلق القدس التابعة للحرس الثوري قاسم سليماني بغارةٍ أمريكية في بغداد، التي وقعت في 3 يناير/كانون الثاني 2020، وكان برفقته آنذاك نائب قائد الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس.
وتبين أن البعض لا يزال يعيد نشر هذا الفيديو حتى يومنا هذا باعتباره فيديو اغتيال قاسم سليماني، وظهر هذا الارتباط عبر منشورات ومواقع من مختلف اللغات والبلدان، وهذه بعض الأمثلة: هنا وهنا وهنا وهنا، لكن أغلب هذا التداول جرى في عام 2020، أي في عام الاغتيال نفسه.
فيما لقى الفيديو رواجاً أكثر ضمن المنصّات العربية باعتباره الفيديو الذي يصوّر حادثة استهداف الجنرال الإيراني عبد الرضا شهلائي، بغارة جويةٍ أمريكية في اليمن، بالإضافة إلى مقتل جميع عناصر الحراسة التي ترافقه وفقاً لما زعمه متناقلو الخبر، ومن ذلك الأمثلة التالية: هنا وهنا وهنا وهنا وهنا.
إلا أن الفيديو -كما ذكرنا سابقاً- يعود لمقطع ترويجي للعبة فيديو في الحقيقة، ولا علاقة له بأي حوادث اغتيال أو غارات أمريكية أو دولية وغيرها من الأخبار المتلاحقة.