"الخطر الأكبر الذي يهدد روسيا قد يكون النقص في السكان"، تبدو هذه المعلومة غريبة مقارنة بالمخاطر التقليدية التي تهدد روسيا، كالعقوبات التي يفرضها الغرب بسبب غزوها أوكرانيا.
فالكثير من الروس يرون أن خطر نقص السكان وخصوصاً الرجال سيظهر في الفترة القادمة، وذلك نتيجة للتعبئة الجزئية الذي سيؤدي إلى تراجع السكان، بل إن بعضهم يرى أن المواطن الروسي مهدد بالانقراض.
وصرح خبراء روس في وقت سابق بأن الوضع الديموغرافي في روسيا في السنوات الأخيرة كارثي، كما أن توقعات اللجنة الحكومية للإحصاء في روسيا تظهر انخفاضاً عاماً في عدد السكان.
وحسب التوقعات الأولية لمعدل المواليد لعام 2022-2050، فإن لكل امرأة 1.49 طفل، وفي السنوات القادمة من المتوقع انخفاض هذا الرقم إلى 1.17 بحلول عام 2027، وذلك وفقاً لمعهد الديموغرافيا Vishnevsky HSE.
النساء أكثر من الرجال
كشفت الأرقام الصادرة عن اللجنة الحكومية للإحصاء في روسيا أن النساء يُهيمنن على مجالات عمل عدة بنسبة تصل لـ80%، من بينها التمويل، والتأمين، والتعليم، والرعاية الصحية، والثقافة والترفيه، والفنادق والمطاعم.
أولغا كوزمينا، مواطنة روسية قالت إن "النساء في روسيا أكثر من الرجال، فالكثير منهن موجودات بشكل كبير في أماكن العمل، وفي الكثير من الوظائف تجد الأغلبية العظمى من النساء إن لم يكن جميعهن".
وأضافت المتحدثة في تصريحها لـ"عربي بوست" أن "التعبئة الجزئية هي واجب وطني، يجب الدفاع عن بلدنا، ولكن أنا قلقة بشأن نقص السكان إذا أصبحت التعبئة كلية وليست جزئية في حال استمرار الحرب، وذلك سيؤثر طبعاً".
من جهتها تقول داريا دزيابورا، دكتورة جامعية في موسكو إن "معظم من يعمل في الشركات، المدارس، الجامعات، والأماكن الخاصة والحكومية هن النساء، والرجال موجودون بنسبة أقل".
وأضافت المتحدثة في تصريح لـ"عربي بوست" أن قانوناً مثل التعبئة الذي أعلن عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيُؤثر على البنية الديموغرافية لروسيا، التي تغيرت أصلاً بعد الحرب العالمية الثانية".
من جهتها قالت إيكاترينا موظفة روسية لـ"عربي بوست": "لن يؤثر هذا القانون بشكل كبير، فالأشخاص المطلوبون للتجنيد هم فقط 300 ألف، مع العلم أن عدد الرجال في روسيا أكثر من 68 مليون شخص، الأمر لن يصل إلى ما حدث في الحرب العالمية".
وخسر الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية ما يزيد عن 20 مليون مواطن، وحسب إحصائية وزارة الدفاع الروسية لعام 1993 فإن عدد القتلى العسكريين بلغ حوالي 8 ملايين ضحية، وحوالي 12 مليوناً من المدنيين.
مظاهرات ضد التعبئة
منذ الأيام الأولى لإعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتن التعبئة الجزئية على خلفية غزو أوكرانيا، شهدت عدة مناطق في روسيا احتجاجات على قرار الرئيس، واعتقلت قوات الأمن عدداً من المتظاهرين قدرتهم منظمة غير حكومية روسية بنحو 1300.
ووقفت النساء الروسيات في الصفوف الأمامية للمتظاهرين، بجانب نزوح آلاف من الرجال والنساء المناهضين للتعبئة، إلى دول مجاورة، أبرزها جورجيا، وتركيا، وكازاخستان، وأرمينيا.
ومع اتساع الاحتجاجات النسائية في روسيا ضد إعلان التعبئة، والتي شملت عدة مدن وجمهوريات من بينها جمهورية داغستان ذات الطابع الإسلامي، ومدينة ياقوتيا، ونوفوسبيرسيك في سيبيريا، خوفاً على ذويهم من المصير المجهول هناك.
وحسب شهود عيان في مدينة خاسافيورت بجمهورية داغستان، شوهدت نساء يطاردن رجال الشرطة، مرددات هتافات "لماذا تأخذون أبناءنا، من الذي هوجم؟ هل روسيا هي التي هوجمت؟ إنهم لم يأتوا إلينا. هل نحن من هاجمنا أوكرانيا؟ روسيا هي التي هاجمت أوكرانيا! أوقفوا الحرب".
وعلى مشارف مدينة إنديري، أغلق السكان الطرق المؤدية إليها من أجل عرقلة تحرّك العربات العسكرية، وتعطيل إجراء التجنيد الإجباري، كما رُصد إطلاق الشرطة للنار في الهواء، من أجل تفريق المتظاهرين، الذين تجمهروا في وسط المدينة.
ويذكر أنه لقي أزيد من 300 جندي داغستاني مصرعهم خلال الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وهو أعلى معدل في البلاد، إذ يفوق معدل العاصمة الروسية موسكو بـ10 أضعاف.
يقول عبد الله، وهو مواطن من جمهورية داغستان لـ"عربي بوست": "أنا أرفض تماماً التعبئة الجزئية في جمهوريتنا، فهي لا تتم بشكل جيد". واصفاً رئيس جمهورية داغستان الحالي بـ"المجرم". على حد قوله.
وكان رئيس جمهورية داغستان، سيرغي ميليكوف، قد صرح في وقت سابق أنه ارتكب خطأ في تطبيق عملية التعبئة العسكرية للقتال في أوكرانيا.
وفي مدينة ياقوتيا في ساحة ياكوتسك المركزية في صباح يوم 25 سبتمبر/أيلول 2022، نُظم نشاط نسائي ضد التعبئة للحرب في أوكرانيا، حضرته حوالي 400 امرأة رفعن شعارات: "لا للحرب"، و"لا للإبادة الجماعية".